لجريدة عمان:
2024-11-17@13:29:37 GMT

قضايا مجتمعية مُلحة

تاريخ النشر: 18th, May 2024 GMT

في عمومها، تنشأ الظواهر والمشكلات الاجتماعية من ثلاثة منابع رئيسية: أولها اختلال نسيج المجتمع، وثانيها غياب الفهم المشترك للقيم والأعراف المجتمعية بين الأجيال، وثالثها اختلال دور المؤسسات الاجتماعية الفاعلة. هذه المصادر الأساسية التي تكون في الأساس سببًا للمشكلات الهيكلية -أي تلك المشكلات التي تمس البناء الاجتماعي أو يمتد تأثيرها ليشمل عديد الأنساق الاجتماعية- ولا شك أن هناك مصادر أخرى ثانوية للظواهر والمشكلات الاجتماعية؛ مثل العامل المصدر الثقافي الخارجي، ونشوء التمييز في المجتمع، والضغوط الاقتصادية على الأسرة، وسواها؛ لكن هذه المصادر تحتكم أيضًا في حقيقتها إلى المصادر الأساسية للظواهر والمشكلات الاجتماعية.

ما يعنينا هنا القول أن المجتمع الحيوي هو الذي تتحقق فيه ثلاثة اعتبارات مهمة في نظره إلى الظواهر والمشكلات الاجتماعية: فهو يركز على الظواهر والمشكلات الهيكلية، ويعطيها أهمية نسبية في النقاش والتناول ووضع الحلول ضمن سياساته العامة، وهو كذلك حين يناقش الظواهر والمشكلات الاجتماعية يستطيع تحقيق الاعتراف الاجتماعي العام بالظاهرة أو المشكلة، ويجعل كافة الأنساق والأفراد تستشعر تلك الظاهرة أو المشكلة، وهو كذلك يستطيع محاكمة الأصل الحقيقي للظاهرة أو المشكلة (المصدر الأول)؛ ولنضرب مثلًا في مجتمعاتنا العربية عمومًا هناك حديث موسع من قبل علماء الاجتماع والمفكرين والمربين عن تأثير الانفتاح الثقافي على طرق وأساليب تربية الأبناء في مختلف المراحل العمرية - وهي قضية مجتمعية شائكة بلا شك - لكن حين البحث عن مصدر المشكلة تكاد الأطروحات تنحصر في اتهام وسائط الإعلام المختلفة بكونها الحامل الثقافي لذلك التأثير؛ والواقع أنه يجب مساءلة النسيج الثقافي للمجتمع أيضًا، وقدرة الواقع العربي على إنتاج محتويات ثقافية مؤثرة وعابرة للحدود والقيم، ومنعة المربين ومستويات تعليمهم وتفكيرهم، والحاجات غير المشبعة لدى الأبناء والوسائط التي يغذون تلك الحالات من خلالها. وهنا سنجد أن طرح الأسئلة الدقيقة إزاء الظواهر والمشكلات الاجتماعية يستطيع أن يستكشف جذرها ويحسن من وسائل التصدي والمعالجة.

لنضرب بعض الأمثلة من ثلاث (قضايا مجتمعية ملحة) في المجتمع العُماني، نعتقد بضرورة نقاشها بشكل أوسع، كونها تشكل آثارًا على كافة مكونات البناء الاجتماعي؛ ومنها قضية التسول، التي أصبحت اليوم وللأسف ظاهرة شائعة في مختلف المحافظات، ورغم الجهود الحكومية لدرئها إلا أنها أصبحت فعلًا معاينًا بأشكال وأساليب مختلفة. إن هذه القضية مركبة جدًا؛ فكيف يمكن فيها التفريق بين دوافع (الوافدين) وبين دوافع (المواطنين) الذين يلجؤون لهذا الفعل؟ وكيف يمكن فيها التفريق بين مسوغات (المحتاج فعلًا) ومسوغات (من يستخدم العاطفة الاجتماعية) وكيف يمكن فيها التفريق بين المتسولين الذين يستخدمون بضاعة بسيطة على أطراف الشوارع وبين أولئك الذين يتسولون الناس بشكل مباشر؟ وكيف يمكن كذلك فهم استخدام الطفولة في هذه القضية المركبة؟ هذه أسئلة تترك للبحث والتقصي الذي يجب أيضًا أن يفضي إلى فهم الخلل في منظومة السياسات الاجتماعية وكفاءتها في درء هذه القضية. ولكن حين نتحدث عن كونها قضيةً مركبةً فعلينا أيضًا أن ندرك تأثيراتها على الأبعاد الاقتصادية والتربوية؛ فحين نسافر على سبيل المثال إلى بعض الدول الأخرى فأستطيع القول: إن أحد المحددات التي لا تجعلك ترغب في العودة إلى مدينة معينة هو انتشار المتسولين فيها وإزعاجهم للسياح أو مرتادي المدينة؛ وعليه فإن هذه القضية مهما كانت الدوافع الواقفة خلفها تؤثر على الصورة العامة للبلاد وخاصة المدن الرئيسية، وعلى الأماكن التي يتكاثر فيها المتسولون وقد تضعف جذب الناس إليها، وتؤثر على الإنفاق داخل السوق، وتعطل بعض المشاريع الاقتصادية في الأسواق.

كما أن التعرض المباشر لمشاهد التسول وخاصة من قبل الأطفال قد يخلق أيضًا لدى ذات الفئة من غير المتسولين قبولًا لهذا الفعل باعتباره فعلًا شائعًا، عوضًا عن السلوكيات الأخرى التي قد تنشأ نظير استغلال حاجة التسول. ورغم وجود الحلول العديدة التي بذلتها بعض الدول -بما فيها دول منطقة الخليج العربي- للحد من هذه الظاهرة، إلا أن التدخل المناسب يرتبط بكشف الدوافع والمسوغات والتركيبة الاجتماعية لفعل التسول، والتي هي في حقيقتها تختلف من سياق اجتماعي واقتصادي لآخر.

ومن القضايا التي تستلزم طرح ذات الأسئلة كونها ترتبط باستقرار المجتمع هو شيوع الطلاق -خاصة في المرحلة المبكرة من الزواج- وارتفاع مستويات الطلاق عمومًا في المجتمع، والذي يشي بضرورة فهم الأبعاد الاجتماعية والاقتصادية والقيمية الكامنة خلف ذلك، والتبعات الظاهرة والمتوقعة لأثر ذلك على البنى الأسرية والاجتماعية. وعلى الجانب الآخر هناك قضية الاستقرار الوظيفي، والتي تكاد تكون قضية مركزية في النقاش العام خلال الفترة الماضية، فالنظر إلى هذه القضية ينبغي أن ينطلق من كونها قضية أمن مجتمعي وأسري، وأمن اقتصادي بالنسبة للأسر والمجتمع عمومًا، وما قد ينشأ عن غيابها من تداعيات قد تكون كلفته الاقتصادية والاجتماعية وكلفته على مؤسسات الدولة عالية، ولكنها غير محسوبة. من هذه النماذج هذه دعوة إلى توسيع النقاشات عن قضايانا الاجتماعية الملحة، وعدم سحب المنطق الاقتصادي على حساب المنطق الاجتماعي للمجتمع. فالاستقرار المجتمعي رافعة أساسية ومهمة لزيادة الإنتاجية، وتعظيم العوائد الاقتصادية، ولا يمكن إهمال الظواهر والمشكلات الاجتماعية بوصفها مهددات للاستقرار الاقتصادي. يمكننا التفكير -كما دعونا سابقًا- في عقد المختبرات الاجتماعية، بحيث تكون منصات منهجية لتحديد وتوصيف الحالة الاجتماعية الراهنة بما يعترضها من ظواهر ومشكلات، والتمهيد لحلول على مستوى السياسات والتدخلات والسلوكيات التي تضمن على الأقل ألا تتسلل الظواهر الناشئة إلى بقية أجزاء الجسد الاجتماعي. كما أنه في الحالة المحلية ينقصنا التركيز على نوعية مهمة من الدراسات الاجتماعية، وهي تلك الدراسات التي تتقصى كلف المشكلات والظواهر الاجتماعية، وتقدم لصانع السياسة الكلفة الفعلية على المؤسسات والاقتصاد والعمليات التي تنشأ نتيجة تلك الظاهرة أو المشكلة.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: هذه القضیة أو المشکلة

إقرأ أيضاً:

شرطة دبي تحتفي باليوم العالمي للتسامح بمسيرة مجتمعية

دبي: «الخليج»
احتفت القيادة العامة لشرطة دبي، ممثلة بالإدارة العامة للتحريات والمباحث الجنائية ومركز حماية الدولي، باليوم العالمي للتسامح، والذي يصادف يوم 16 من شهر نوفمبر من كل عام، بمسيرة في القناة المائية، بهدف تعزيز قيم التسامح والتعايش وثقافة تقبل الآخرين.
وأكد العميد خلفان الجلاف مدير إدارة الشرطة السياحية، أن هذه المسيرة والفعاليات المصاحبة، تأتي في إطار التزام شرطة دبي بتعزيز قيم التسامح والتعايش السلمي بين مختلف فئات المجتمع، وتأكيداً على القيم الإنسانية التي تجمع بين الأفراد على اختلاف ثقافاتهم وعقائدهم، منوهاً بأن دولة الإمارات نموذج في التسامح والتنوع الثقافي، باحتضانها أكثر من 200 جنسية يعيشون في وئام وانسجام وسلام.
وتضمنت المسيرة، التي أُقيمت في القناة المائية، مشاركة كبيرة من أكثر من 350 فرداً، يمثلون طلبة ومتطوعين، إلى جانب إقامة مخيم التسامح الشتوي بتنظيم من إدارة الشرطة السياحية ومجلس الروح الإيجابية، ومشاركة الدوريات الأمنية السياحية، والخيالة والدراجات الهوائية والكلاب البوليسية والشرطي منصور، وتوزيع هدايا على العائلات والمشاركين.

مقالات مشابهة

  • ” عندما يكون الفن القوة التي تتحكم في التعايش السلمي ونبذ الاعراف البالية “فصلية “
  • إطلاق "ضواحي العين" أول منصة رقمية مجتمعية لأهالي المدينة
  • غموض الأجسام الطائرة المجهولة.. البنتاغون يكشف عن 21 حالة غير مفسرة
  • احذر حالات قطع المعاش بـ قانون التأمينات الاجتماعية
  • شرطة دبي تحتفي باليوم العالمي للتسامح بمسيرة مجتمعية
  • «أسرة مستقرة = مجتمع آمن» ندوة توعية مجتمعية في جامعة الأقصر
  • “السعيطي” يناقش مع وزير الشؤون الاجتماعية القضايا التي تمس الشباب
  • البنتاغون: لم نعثر على أي دليل يثبت وجود حياة خارج كوكب الأرض
  • البنتاجون: لا يوجد دليل على وجود نشاط خارج كوكب الارض
  • البنتاغون تصدر تقريرا عن مشاهدات لأجسام طائرة مجهولة