ماذا غاب عن المتشائمين بشأن الذكاء الاصطناعي
تاريخ النشر: 18th, May 2024 GMT
يخيم جو من التشاؤم على المناقشات التي تدور حاليا حول الذكاء الاصطناعي التوليدي. فقد وجد استطلاع أجرته مؤسسة YouGov في شهر مارس أن الأميركيين يُـبدون في المقام الأول «الحذر» أو «الانشغال» بالذكاء الاصطناعي، في حين يشعر واحد فقط من كل خمسة «بالأمل» أو «الحماس». ويشعر نحو أربعة من كل عشرة بالقلق أو القلق الشديد من أن الذكاء الاصطناعي قد يقضي على الجنس البشري.
توضح مثل هذه المخاوف ميل الإنسان إلى التركيز على الخسارة التي قد يُـفضي إليها التغير التكنولوجي بدرجة أكبر من تركيزه على ما قد يترتب عليه من مكاسب. التقدم في مجال الذكاء الاصطناعي سوف يسبب الارتباك والتعطيل لكن التدمير الخلّاق يخلق كما يدمر، وهذه العملية مفيدة في نهاية المطاف. ففي كثير من الأحيان، نجد أن المشكلات التي تخلقها أي تكنولوجيا جديدة من الممكن أن يكون فيها أيضا الحل لهذه المشكلات. ونحن نرى هذا بالفعل مع الذكاء الاصطناعي، وسنرى المزيد منه في السنوات القادمة. لنتذكر هنا الذعر الذي انتشر عبر المدارس والجامعات عندما أثبتت شركة OpenAI لأول مرة أن الأداة ChatGPT التي طرحتها قادرة على الكتابة باللغة الطبيعية. أعرب عدد كبير من القائمين على التعليم عن مخاوف مشروعة مفادها أن الذكاء الاصطناعي التوليدي من شأنه أن يساعد الطلاب على الغش في الواجبات والامتحانات، مما يؤثر سلبا على تحصيلهم التعليمي. لكن ذات التكنولوجيا التي تتيح هذا الانتهاك تمكننا أيضا من اكتشافه ومنعه. علاوة على ذلك، من الممكن أن يساعد الذكاء الاصطناعي التوليدي في تحسين جودة التعليم. يواجه نموذج التعليم في الحجرات الدراسية القائم منذ فترة طويلة تحديات خطيرة. إذ تتباين مستويات الذكاء والاستعداد بشكل كبير بين الطلاب داخل أي حجرة دراسية، كما هي الحال مع أنماط التعلم ومستويات المشاركة والانتباه والتركيز. بالإضافة إلى هذا، تتفاوت جودة التدريس من حجرة دراسية إلى أخرى، فالذكاء الاصطناعي قادر على معالجة هذه المشكلات من خلال العمل كمدرس خصوصي لكل طالب، إذا كان طالب بعينه يتعلم الرياضيات بشكل أفضل من خلال ممارسة ألعاب الرياضيات، فإن الذكاء الاصطناعي من الممكن أن يقدم له ألعاب الرياضيات، وإذا كان طالب آخر يتعلم بشكل أفضل من خلال العمل بهدوء على المشكلات وطلب المساعدة عند الحاجة، فبوسع الذكاء الاصطناعي أن يوفر له ذلك. وإذا كان أحد الطلاب متأخرا عن رفاقه بينما تمكن آخر في ذات الحجرة الدراسية من إتقان المادة بالفعل وأصبح يشعر بالملل، فبمقدور مدرسي الذكاء الاصطناعي العمل على معالجة الطالب الأول وتقديم مواد أكثر تحديا للأخير. كما ستعمل أنظمة الذكاء الاصطناعي كمساعدين تدريسيين مخصصين بمواصفات محددة، وهذا من شأنه أن يساعد المعلمين على تطوير خطط الدروس وتشكيل التعليم في حجرة الدراسة، وستكون الفوائد الاقتصادية المترتبة على هذه التطبيقات كبيرة. فعندما يكون لكل طفل مدرس خصوصي يعمل بالذكاء الاصطناعي، ستتحسن النتائج التعليمية في عموم الأمر، وسوف يستفيد الطلاب والتلاميذ الأقل حظا في المدارس الأدنى جودة بشكل غير متناسب في الأرجح. بعد ذلك، سينمو هؤلاء الطلاب الأفضل تعليما ليصبحوا عمالا أكثر إنتاجية وقادرين على الحصول على أجور أعلى، سوف يصبحون أيضا مواطنين أكثر حكمة، وقادرين على جعل آفاق الديمقراطية أكثر إشراقا. ولأن الديمقراطية تشكل أحد أسس الرخاء في الأمد البعيد، فإن هذا أيضا سيخلف تأثيرات اقتصادية صحية ونافعة.
يستبد القلق بكثير من المعلقين إزاء احتمال تسبب الذكاء الاصطناعي في تقويض الديمقراطية من خلال شحن المعلومات الخاطئة والمضللة. وهم يطلبون منا أن نتخيل «تزييفا عميقا» ولنقل على سبيل المثال لإعلان صادر عن الرئيس جو بايدن بأن الولايات المتحدة تعتزم الانسحاب من منظمة حلف شمال الأطلسي (الناتو)، أو ربما معاناة دونالد ترامب من حدث طبي. قد يكون مثل هذا الفيديو الذي ينتشر بسرعة البرق مقنعا إلى الحد الذي يجعله يؤثر على الرأي العام في الفترة التي تسبق انتخابات نوفمبر.
ولكن في حين يشكل التزييف العميق الذي يشمل قادة سياسيين ومرشحين لمناصب عليا تهديدا حقيقيا، فإن المخاوف بشأن المخاطر التي تهدد الديمقراطية والتي يحركها الذكاء الاصطناعي مبالغ في تقديرها. ومرة أخرى، من الممكن توظيف ذات التكنولوجيا التي تسمح بالتزييف العميق والأشكال الأخرى من حرب المعلومات كأداة للتصدي لها أيضا. ومثل هذه الأدوات تُـسـتَـخـدم الآن بالفعل. على سبيل المثال، تعمل SynthID، وهي أداة لوضع العلامات المائية طورتها منصة DeepMind التابعة لشركة Google، على صبغ المحتوى الناتج عن الذكاء الاصطناعي بتوقيع رقمي لا يستطيع البشر إدراكه ولكن يمكن اكتشافه بواسطة البرامج. قبل ثلاثة أشهر، أضافت OpenAI علامات مائية على كل الصور المولدة بواسطة ChatGPT. هل تُـفضي أسلحة الذكاء الاصطناعي إلى خلق عالم أشد خطورة؟ من السابق للأوان أن نجزم بهذا. ولكن كما هي الحال مع الأمثلة المذكورة أعلاه، فإن ذات التكنولوجيا التي يمكنها خلق أسلحة هجومية أفضل يمكن استخدامها أيضا لإنشاء دفاعات أفضل. يعتقد عدد كبير من الخبراء أن الذكاء الاصطناعي من شأنه أن يزيد من درجة الأمان من خلال تخفيف «معضلة المدافع»: التباين الذي لا تحتاج قوى الشر بسببه إلا إلى النجاح مرة واحدة، في حين يجب أن تعمل الأنظمة الدفاعية في كل مرة. في شهر فبراير، ذَكَـرَ رئيس شركة جوجل التنفيذي، ساندر بيتشاي، أن شركته طورت نموذجا لغويا كبيرا مصمما خصيصا للدفاع السيبراني والاستخبارات المرتبطة بالتهديدات. كتب بيتشاي: «بعض أدواتنا أصبحت أفضل بنسبة تصل إلى 70% في اكتشاف النصوص الضارة وأكثر فعالية بنسبة تصل إلى 300% في تحديد الملفات التي تستغل الثغرات ونقاط الضعف». ينطبق ذات المنطق على المخاطر التي تهدد الأمن القومي، ويخشى الاستراتيجيون العسكريون أن تتمكن أسراب من الطائرات المسيرة آليا المنخفضة التكلفة والسهلة الصنع من تهديد حاملات الطائرات الضخمة الباهظة التكلفة، والطائرات المقاتلة، والدبابات ــ جميع الأنظمة التي تعتمد عليها المؤسسة العسكرية الأمريكية ــ إذا جرى التحكم فيها وتنسيقها بواسطة الذكاء الاصطناعي. لكن ذات التكنولوجيا الأساسية تُستخدم بالفعل لإنشاء دفاعات ضد مثل هذه الهجمات. أخيرا، يخشى كثيرون من الخبراء والمواطنين أن يحل الذكاء الاصطناعي محل العمال البشريين، ولكن كما كتبت قبل بضعة أشهر، فإن هذا الخوف المشترك يعكس عقلية المحصلة صِفر التي تسيء فهم كيفية تطور الاقتصادات. فبرغم أن الذكاء الاصطناعي سيتسبب في إزاحة عدد كبير من العمال، فإنه سيخلق أيضا فرصا جديدة. وسوف يبدو العمل في المستقبل مختلفا إلى حد كبير عن العمل اليوم، لأن الذكاء الاصطناعي التوليدي سيخلق سلعا وخدمات جديدة يتطلب إنتاجها عمالة بشرية. حدثت عملية مماثلة مع التقدم التكنولوجي في السابق. وكما أوضح الخبير الاقتصادي في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا ديفيد أوتور وزملاؤه، فإن غالبية وظائف اليوم تقع في مهن ظهرت بعد عام 1940. تركز المناقشة الدائرة حاليا حول الذكاء الاصطناعي التوليدي بشكل غير متناسب على الارتباك الذي قد يطلق له العنان. لكن التقدم التكنولوجي لا يعطل النظام فحسب؛ بل يخلق أيضا. سوف تظل قوى الشر التي تسعى إلى إحداث الفوضى باستخدام تكنولوجيات جديدة حاضرة دائما. ما يدعو إلى التفاؤل أن هناك حافزا ماليا هائلا للتصدي لمثل هذه المخاطر، فضلا عن الحفاظ على الأرباح وتوليدها. عمل الكمبيوتر الشخصي والإنترنت على تمكين اللصوص وتسهيل انتشار المعلومات الكاذبة، وتسببا في إحداث ارتباكات كبرى في سوق العمل، ومع ذلك لن نجد إلا قلة قليلة من الناس اليوم يرغبون في إعادة عقارب الساعة إلى الوراء. ينبغي للتاريخ أن يلهم الثقة ــ وليس الرضا عن الذات ــ في أن الذكاء الاصطناعي التوليدي سوف يقودنا إلى عالم أفضل.
مايكل آر سترين مدير دراسات السياسة الاقتصادية في معهد المشاريع الأمريكية، وهو مؤلف كتاب «الحلم الأمريكي لم يمت: لكن الشعبوية يمكن أن تقتله».
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الذکاء الاصطناعی التولیدی أن الذکاء الاصطناعی ذات التکنولوجیا من الممکن من خلال
إقرأ أيضاً:
الذكاء الاصطناعي.. قفزة تقنية في العمليات الدفاعية
يوسف العربي (أبوظبي)
أخبار ذات صلةأظهرت فعاليات معرض الدفاع الدولي «آيدكس 2025» ريادة الإمارات في استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي، وأهمية تلك التقنيات في تحقيق قفزة تقنية للعمليات الدفاعية، حيث يتم تسخير هذه التقنيات في مختلف المنتجات والأقسام الدفاعية، وفي مقدمتها أنظمة الرادار والقيادة والتحكم، لتعزز هذه التقنيات المتقدمة عمليات اتخاذ القرار، والخدمات اللوجستية.
ويمكن لأنظمة الذكاء الاصطناعي التنبؤ بأفعال الخصم، وتحسين تخصيص الموارد، واختصار أوقات تحليل البيانات، كما سيتم فحص إمكانات الذكاء الاصطناعي لتحويل الحرب في المجالات التكتيكية والاستراتيجية بشكل شامل.
ومع التهديدات المتزايدة للأسلحة الكيميائية والبيولوجية والإشعاعية والنووية والمتفجرة حول العالم (CBRNE)، خصص معرض «آيدكس» هذا العام، جلسة يومياً لاستكشاف طرق عمل الذكاء الاصطناعي والرجال الآليين في التخفيف من أخطار هذه التهديدات، كما تمت مناقشة أنظمة الرصد والنمذجة التنبؤية ودعم القرار، إلى جانب التحديات في موثوقية الذكاء الاصطناعي، والمخاوف الأخلاقية، والحاجة إلى التعاون العالمي لتعزيز الدفاع ضد تهديدات الأسلحة الكيميائية والبيولوجية، والإشعاعية، والنووية، والمتفجرة.
دمج الذكاء الاصطناعي
قال حسن الحوسني، الرئيس التنفيذي لـ«بيانات للحلول الذكية» التابعة لشركة «سبيس 42»: «إن (سبيس 42) تكشف خلال مشاركتها في معرض الدفاع الدولي (آيدكس 2025) عن الحلول التي تدمج بين الاتصال الفضائي والذكاء الاصطناعي والأنظمة الجيومكانية، كحل متكامل يعرض للمرة الأولى».
وقال: «إن الأنظمة الجيومكانية والذكاء الاصطناعي وأنظمة الفضاء لها استخدامات متعددة مثل الاتصال الفضائي، ورصد الأرض من الفضاء، وهذا الأمر يحتاج إلى دمج القدرات بشكل متناسق لإتاحتها لتقنيات الذكاء الاصطناعي القادرة على استخلاص مجموعة من البيانات التي تدعم متخذي القرار في العديد من المجالات».
ونوّه بأن الذكاء الاصطناعي يستخدم في مجالات الأمن الوطني، وإدارة الأزمات والكوارث، مثل رصد الكرة الأرضية من الفضاء، عبر مجموعة من المستشعرات تشمل التصوير الضوئي والراداري والحراري، ويتم استقطاب هذه البيانات تحت مظلة واحدة، ومن ثم استخدام الذكاء الاصطناعي لربط هذه البيانات وتحليلها لتعطي بيانات تنبؤية تدعم صانعي القرار.
وأوضح أنه في مثال لذلك، تشارك «سبيس 42» في منظومة إدارة الأزمات والكوارث قبل وأثناء وبعد الحدث، حيث تقوم أنظمة الرصد بالحصول على صورة كاملة للمنطقة المنكوبة ليبدأ الذكاء الاصطناعي استخلاص هذه البيانات لتحديد سياق تحركات الأشخاص والطاقم الطبي، ومن ثم أثناء الحدث تقدم صور المراقبة الفضائية صورة بانورامية لصانع القرار من الحدث، وأخيراً يتم تحليل تأثير الحدث على المديين القصير والطويل.
الممارسات الأخلاقية
قال باتريس كين، الرئيس التنفيذي لمجموعة «تاليس»: «علينا أن نفرق بين استخدامات الذكاء الاصطناعي في الحياة اليومية، والتطبيقات الصناعية، ومن جانبنا نهتم بالجزء الثاني الخاص بالأنظمة الصناعية والدفاعية».
وأضاف: «الشركة طرحت مبادرة CortAIx والتي تضم 600 مهندس وأكثر من 100 طالب»، لافتاً إلى أنه يتم استخدام الذكاء الاصطناعي في أكثر من 100 منتج دفاعي.
وأشار إلى أنه يمكن تقسيم هذه المنتجات على أربع فئات، أولها الرادارات، حيث تستخدم تقنيات الذكاء الاصطناعي في تقوية الأداء، حيث يستطيع الرادار التركيز على اتجاه قدوم الطائرة، كما تستخدم في أنظمة القيادة والتحكم لحماية أرواح العسكريين والمدنيين.
ولفت إلى أن الذكاء الاصطناعي يستخدم في أبراج المراقبة، حيث يمكن تحديد مسارات معينة للطائرة لتقليص الانبعاثات البيئية، وأخيراً يتم تسخيره في التحكم بسرب الطائرات من دون طيار، حيث يستخدم الذكاء الاصطناعي في التحكم في نمط سير هذه المسيّرات.
وقال: «إننا نحرص على ترسيخ الذكاء الاصطناعي الأخلاقي في قطاع الدفاع، بحيث يكون الإنسان هو المتحكم في الذكاء الاصطناعي وليس العكس».
طبقات جديدة
قال آميت كالياني، نائب رئيس مجلس الإدارة، العضو المنتدب المشارك لمجموعة «بهارات فورج»: «إن الإمارات اتخذت خطوات مهمة في مجال الدفاع، حيث تقود العديد من الشركات الإماراتية التقدم في هذه الصناعة، لا سيما في مجال التقنيات الجديدة والذكاء الاصطناعي».
وأضاف أن جودة وتقدم المنتجات المعروضة في «آيدكس 2025» تعكس تركيز الإمارات القوي على نمو قطاع الدفاع، كاشفاً عن أن الشركة تخطط إلى تأسيس منشأة صيانة في دولة الإمارات لدعم إمداداتها من المعدات الدفاعية بشكل أفضل إلى أسواق أفريقيا والشرق الأوسط.
وقال: «إن تقنيات الذكاء الاصطناعي تسهم في إضافة طبقات جديدة من الذكاء، وجعل المنتجات العسكرية أكثر قدرة، مما سيؤدي إلى تقليل الأضرار الجانبية، وتعزيز الفعالية والكفاءة، وربما في نهاية المطاف تقليل الحاجة للقتال الجسدي».
وذكر أن الذكاء الاصطناعي هو أداة قوية تستخدم عبر منصات مختلفة في القطاع الدفاعي، حيث يساعد الذكاء الاصطناعي على تحسين سهولة التنقل عبر ميدان المعركة والكفاءة التشغيلية، كما يمكن استخدام الذكاء الاصطناعي لأغراض عسكرية تتضمن ترجمة اللغات، وتحويل لغات متعددة إلى اللغة المطلوبة، بالإضافة إلى ذلك، يلعب الذكاء الاصطناعي دوراً رئيساً في تعزيز فاعلية أنظمة القيادة والتحكم العسكرية. ويؤدي الذكاء الاصطناعي دوراً فعالاً في أنظمة التحكم في الحرائق للمركبات القتالية مثل الدبابات وبشكل عام، يوفر الذكاء الاصطناعي ميزة إضافية على الصعيد العسكري، مما يساعد على تطوير حلول دفاعية أكثر ذكاء وفعالية.