يخيم جو من التشاؤم على المناقشات التي تدور حاليا حول الذكاء الاصطناعي التوليدي. فقد وجد استطلاع أجرته مؤسسة YouGov في شهر مارس أن الأميركيين يُـبدون في المقام الأول «الحذر» أو «الانشغال» بالذكاء الاصطناعي، في حين يشعر واحد فقط من كل خمسة «بالأمل» أو «الحماس». ويشعر نحو أربعة من كل عشرة بالقلق أو القلق الشديد من أن الذكاء الاصطناعي قد يقضي على الجنس البشري.

توضح مثل هذه المخاوف ميل الإنسان إلى التركيز على الخسارة التي قد يُـفضي إليها التغير التكنولوجي بدرجة أكبر من تركيزه على ما قد يترتب عليه من مكاسب. التقدم في مجال الذكاء الاصطناعي سوف يسبب الارتباك والتعطيل لكن التدمير الخلّاق يخلق كما يدمر، وهذه العملية مفيدة في نهاية المطاف. ففي كثير من الأحيان، نجد أن المشكلات التي تخلقها أي تكنولوجيا جديدة من الممكن أن يكون فيها أيضا الحل لهذه المشكلات. ونحن نرى هذا بالفعل مع الذكاء الاصطناعي، وسنرى المزيد منه في السنوات القادمة. لنتذكر هنا الذعر الذي انتشر عبر المدارس والجامعات عندما أثبتت شركة OpenAI لأول مرة أن الأداة ChatGPT التي طرحتها قادرة على الكتابة باللغة الطبيعية. أعرب عدد كبير من القائمين على التعليم عن مخاوف مشروعة مفادها أن الذكاء الاصطناعي التوليدي من شأنه أن يساعد الطلاب على الغش في الواجبات والامتحانات، مما يؤثر سلبا على تحصيلهم التعليمي. لكن ذات التكنولوجيا التي تتيح هذا الانتهاك تمكننا أيضا من اكتشافه ومنعه. علاوة على ذلك، من الممكن أن يساعد الذكاء الاصطناعي التوليدي في تحسين جودة التعليم. يواجه نموذج التعليم في الحجرات الدراسية القائم منذ فترة طويلة تحديات خطيرة. إذ تتباين مستويات الذكاء والاستعداد بشكل كبير بين الطلاب داخل أي حجرة دراسية، كما هي الحال مع أنماط التعلم ومستويات المشاركة والانتباه والتركيز. بالإضافة إلى هذا، تتفاوت جودة التدريس من حجرة دراسية إلى أخرى، فالذكاء الاصطناعي قادر على معالجة هذه المشكلات من خلال العمل كمدرس خصوصي لكل طالب، إذا كان طالب بعينه يتعلم الرياضيات بشكل أفضل من خلال ممارسة ألعاب الرياضيات، فإن الذكاء الاصطناعي من الممكن أن يقدم له ألعاب الرياضيات، وإذا كان طالب آخر يتعلم بشكل أفضل من خلال العمل بهدوء على المشكلات وطلب المساعدة عند الحاجة، فبوسع الذكاء الاصطناعي أن يوفر له ذلك. وإذا كان أحد الطلاب متأخرا عن رفاقه بينما تمكن آخر في ذات الحجرة الدراسية من إتقان المادة بالفعل وأصبح يشعر بالملل، فبمقدور مدرسي الذكاء الاصطناعي العمل على معالجة الطالب الأول وتقديم مواد أكثر تحديا للأخير. كما ستعمل أنظمة الذكاء الاصطناعي كمساعدين تدريسيين مخصصين بمواصفات محددة، وهذا من شأنه أن يساعد المعلمين على تطوير خطط الدروس وتشكيل التعليم في حجرة الدراسة، وستكون الفوائد الاقتصادية المترتبة على هذه التطبيقات كبيرة. فعندما يكون لكل طفل مدرس خصوصي يعمل بالذكاء الاصطناعي، ستتحسن النتائج التعليمية في عموم الأمر، وسوف يستفيد الطلاب والتلاميذ الأقل حظا في المدارس الأدنى جودة بشكل غير متناسب في الأرجح. بعد ذلك، سينمو هؤلاء الطلاب الأفضل تعليما ليصبحوا عمالا أكثر إنتاجية وقادرين على الحصول على أجور أعلى، سوف يصبحون أيضا مواطنين أكثر حكمة، وقادرين على جعل آفاق الديمقراطية أكثر إشراقا. ولأن الديمقراطية تشكل أحد أسس الرخاء في الأمد البعيد، فإن هذا أيضا سيخلف تأثيرات اقتصادية صحية ونافعة.

يستبد القلق بكثير من المعلقين إزاء احتمال تسبب الذكاء الاصطناعي في تقويض الديمقراطية من خلال شحن المعلومات الخاطئة والمضللة. وهم يطلبون منا أن نتخيل «تزييفا عميقا» ولنقل على سبيل المثال لإعلان صادر عن الرئيس جو بايدن بأن الولايات المتحدة تعتزم الانسحاب من منظمة حلف شمال الأطلسي (الناتو)، أو ربما معاناة دونالد ترامب من حدث طبي. قد يكون مثل هذا الفيديو الذي ينتشر بسرعة البرق مقنعا إلى الحد الذي يجعله يؤثر على الرأي العام في الفترة التي تسبق انتخابات نوفمبر.

ولكن في حين يشكل التزييف العميق الذي يشمل قادة سياسيين ومرشحين لمناصب عليا تهديدا حقيقيا، فإن المخاوف بشأن المخاطر التي تهدد الديمقراطية والتي يحركها الذكاء الاصطناعي مبالغ في تقديرها. ومرة أخرى، من الممكن توظيف ذات التكنولوجيا التي تسمح بالتزييف العميق والأشكال الأخرى من حرب المعلومات كأداة للتصدي لها أيضا. ومثل هذه الأدوات تُـسـتَـخـدم الآن بالفعل. على سبيل المثال، تعمل SynthID، وهي أداة لوضع العلامات المائية طورتها منصة DeepMind التابعة لشركة Google، على صبغ المحتوى الناتج عن الذكاء الاصطناعي بتوقيع رقمي لا يستطيع البشر إدراكه ولكن يمكن اكتشافه بواسطة البرامج. قبل ثلاثة أشهر، أضافت OpenAI علامات مائية على كل الصور المولدة بواسطة ChatGPT. هل تُـفضي أسلحة الذكاء الاصطناعي إلى خلق عالم أشد خطورة؟ من السابق للأوان أن نجزم بهذا. ولكن كما هي الحال مع الأمثلة المذكورة أعلاه، فإن ذات التكنولوجيا التي يمكنها خلق أسلحة هجومية أفضل يمكن استخدامها أيضا لإنشاء دفاعات أفضل. يعتقد عدد كبير من الخبراء أن الذكاء الاصطناعي من شأنه أن يزيد من درجة الأمان من خلال تخفيف «معضلة المدافع»: التباين الذي لا تحتاج قوى الشر بسببه إلا إلى النجاح مرة واحدة، في حين يجب أن تعمل الأنظمة الدفاعية في كل مرة. في شهر فبراير، ذَكَـرَ رئيس شركة جوجل التنفيذي، ساندر بيتشاي، أن شركته طورت نموذجا لغويا كبيرا مصمما خصيصا للدفاع السيبراني والاستخبارات المرتبطة بالتهديدات. كتب بيتشاي: «بعض أدواتنا أصبحت أفضل بنسبة تصل إلى 70% في اكتشاف النصوص الضارة وأكثر فعالية بنسبة تصل إلى 300% في تحديد الملفات التي تستغل الثغرات ونقاط الضعف». ينطبق ذات المنطق على المخاطر التي تهدد الأمن القومي، ويخشى الاستراتيجيون العسكريون أن تتمكن أسراب من الطائرات المسيرة آليا المنخفضة التكلفة والسهلة الصنع من تهديد حاملات الطائرات الضخمة الباهظة التكلفة، والطائرات المقاتلة، والدبابات ــ جميع الأنظمة التي تعتمد عليها المؤسسة العسكرية الأمريكية ــ إذا جرى التحكم فيها وتنسيقها بواسطة الذكاء الاصطناعي. لكن ذات التكنولوجيا الأساسية تُستخدم بالفعل لإنشاء دفاعات ضد مثل هذه الهجمات. أخيرا، يخشى كثيرون من الخبراء والمواطنين أن يحل الذكاء الاصطناعي محل العمال البشريين، ولكن كما كتبت قبل بضعة أشهر، فإن هذا الخوف المشترك يعكس عقلية المحصلة صِفر التي تسيء فهم كيفية تطور الاقتصادات. فبرغم أن الذكاء الاصطناعي سيتسبب في إزاحة عدد كبير من العمال، فإنه سيخلق أيضا فرصا جديدة. وسوف يبدو العمل في المستقبل مختلفا إلى حد كبير عن العمل اليوم، لأن الذكاء الاصطناعي التوليدي سيخلق سلعا وخدمات جديدة يتطلب إنتاجها عمالة بشرية. حدثت عملية مماثلة مع التقدم التكنولوجي في السابق. وكما أوضح الخبير الاقتصادي في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا ديفيد أوتور وزملاؤه، فإن غالبية وظائف اليوم تقع في مهن ظهرت بعد عام 1940. تركز المناقشة الدائرة حاليا حول الذكاء الاصطناعي التوليدي بشكل غير متناسب على الارتباك الذي قد يطلق له العنان. لكن التقدم التكنولوجي لا يعطل النظام فحسب؛ بل يخلق أيضا. سوف تظل قوى الشر التي تسعى إلى إحداث الفوضى باستخدام تكنولوجيات جديدة حاضرة دائما. ما يدعو إلى التفاؤل أن هناك حافزا ماليا هائلا للتصدي لمثل هذه المخاطر، فضلا عن الحفاظ على الأرباح وتوليدها. عمل الكمبيوتر الشخصي والإنترنت على تمكين اللصوص وتسهيل انتشار المعلومات الكاذبة، وتسببا في إحداث ارتباكات كبرى في سوق العمل، ومع ذلك لن نجد إلا قلة قليلة من الناس اليوم يرغبون في إعادة عقارب الساعة إلى الوراء. ينبغي للتاريخ أن يلهم الثقة ــ وليس الرضا عن الذات ــ في أن الذكاء الاصطناعي التوليدي سوف يقودنا إلى عالم أفضل.

مايكل آر سترين مدير دراسات السياسة الاقتصادية في معهد المشاريع الأمريكية، وهو مؤلف كتاب «الحلم الأمريكي لم يمت: لكن الشعبوية يمكن أن تقتله».

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الذکاء الاصطناعی التولیدی أن الذکاء الاصطناعی ذات التکنولوجیا من الممکن من خلال

إقرأ أيضاً:

أحمد عبد العليم: الذكاء الاصطناعي يعيد تشكيل مستقبل الإعلام (خاص)

شهدت الجامعة الكندية في مصر حدثًا بارزًا ضمن فعاليات مؤتمر "الذكاء الاصطناعي في الإعلام"، الذي جمع نخبة من الخبراء والأكاديميين لمناقشة أخلاقيات الذكاء الاصطناعي وتطبيقاته. 

وتميز المؤتمر بتكريم مخرج فيلم "الصقر" أحمد عبد العليم قاسم، الذي عرض فيلمه ضمن فعاليات مهرجان السينما الفرنكوفونية ومؤسس مبادرة "ستاند باي AI"، التي تهدف إلى دمج الذكاء الاصطناعي في إنتاج الأعمال الإعلامية والسينمائية.


 

تكريم المخرج أحمد عبد العليم بالجامعة الكندية

نظمت الجامعة الكندية الندوة بحضور عدد من الشخصيات البارزة في مجال الإعلام والذكاء الاصطناعي، مثل د. حسن عماد مكاوي، رئيس جمعية خريجي الإعلام، ود. هويدا مصطفى، عميد كلية الإعلام بجامعة MUST، والمهندس زياد عبد التواب، رئيس مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء، ود. عبد العزيز السيد، عميد كلية الإعلام بجامعة بني سويف، ود. إنجي لطفي، مؤسسة صفحة "أهل الميديا".


 

افتتح المؤتمر بمشهد لافت أظهر التطور الكبير في استخدام الذكاء الاصطناعي، حيث شاركت "دانا"، المذيعة الافتراضية، في تقديم فعاليات المؤتمر إلى جانب الإعلامية هبة جلال، مما أثار إعجاب الحضور، كما أعلنت د. أمل الغزاوي عن تعيين "رفيق"، المعيد الافتراضي، كأحد الحلول لدعم العملية التعليمية، مما سلط الضوء على كيفية الاستفادة من تقنيات الذكاء الاصطناعي في الحياة الأكاديمية.


 

أحمد عبد العليم: الذكاء الاصطناعي يعيد تشكيل الأجيال

وفي تصريح خاص لـ"بوابة الوفد الإلكترونية"، أعرب المخرج أحمد عبد العليم عن فخره بالمشاركة في هذا المؤتمر البارز، حيث ألقى كلمة حول تجربته في قيادة مبادرة "ستاند باي AI". 


 

وأوضح أن المبادرة تسعى إلى تحقيق الترابط بين الأجيال المختلفة من خلال استثمار تقنيات الذكاء الاصطناعي، مشيرًا إلى أهمية فهم تطلعات جيل "Gen Z"، الذي وُلد في عصر الإنترنت، وجيل "Alpha"، الذي نشأ وسط تطور الذكاء الاصطناعي.


 

وقال "عبد العليم": "مبادرة ستاند باي AI ليست مجرد مشروع تقني، بل هي رؤية لتعزيز التواصل بين الأجيال المختلفة، وفي مشوار يمتد لثماني سنوات، حققت المبادرة نجاحات في إنتاج الأفلام والمحتوى الإعلامي باستخدام الذكاء الاصطناعي، مما يجعلنا في طليعة المبدعين الذين يوظفون هذه التقنية لصناعة محتوى مميز".


 

تكريم خاص وإشادة بالمبادرة

حظي المخرج أحمد عبد العليم بتكريم خاص من د. ماجي الحلواني، إحدى أبرز الشخصيات الإعلامية، التي أشادت بدوره في تعزيز مكانة الشباب في مجال الذكاء الاصطناعي. 


 

وأشار عبد العليم إلى أن هذا التكريم هو تكريم لكل شباب مبادرة "ستاند باي AI"، الذين يواصلون العمل بجهد لتوثيق الفعاليات وإجراء لقاءات مع الخبراء والأكاديميين.


 

إسهامات مبادرة "ستاند باي AI"

أكد "عبد العليم" أن المبادرة تسعى لتقديم أعمال إعلامية وسينمائية بلمسات متطورة، مشيرًا إلى أن الذكاء الاصطناعي أصبح جزءًا أساسيًا في عملية الإنتاج، وأضاف: "تمكنا من تحقيق إنجازات ملموسة في توظيف تقنيات الذكاء الاصطناعي، سواء في إعداد البودكاست أو إنتاج الأفلام القصيرة، مما يسهم في تقديم محتوى يلبي تطلعات الجمهور المعاصر".


 

المخرج أحمد عبد العليممستقبل الذكاء الاصطناعي في الإعلام

اختتم "عبد العليم" تصريحاته بالتأكيد على أن الذكاء الاصطناعي ليس مجرد أداة مساعدة، بل هو شريك في تطوير المجال الإعلامي. 

وشدد على أهمية توعية الأجيال القادمة بأخلاقيات استخدام هذه التقنيات لضمان تحقيق أقصى استفادة منها دون المساس بالقيم الإنسانية.


 

يمثل مؤتمر "الذكاء الاصطناعي في الإعلام" خطوة هامة نحو استكشاف الإمكانيات الهائلة لهذه التقنية، ويعكس تكريم أحمد عبد العليم تقدير المجتمع الإعلامي لإبداعاته وجهوده الرائدة.

 

نبيل الحلفاوي.. قبطان الفن المصري وزواج قصير أثمر مخرجًا كبيرًا (تفاصيل) حصاد 2024| أفراح نجوم الفن تسطر لحظات من الحب والسعادة فوائد الأطعمة الغنية بمضادات الأكسدة في مكافحة الأمراض نوال الكويتية تثير الجدل بحذف لقبها الفني بعد سحب جنسيتها| الحقيقة وراء الشائعات نهلة أحمد حسن: تكشف عن مشروع سينمائي لتوثيق تضحيات الشهداء وبطولاتهم للأجيال القادمة|خاص خاص|نهلة أحمد حسن:"الصقر" فيلم يخلد بطولات والدي الشهيد ويحكي قصة إنسانية ملهمة خاص| أحمد قاسم: "الصقر".. ملحمة سينمائية تخلد بطولات أكتوبر وتحصد إشادة عالمية خاص| مصطفى وفيق:"مرار بطعم الشوكولاتة" يكشف تأثير التنمر الوظيفي بأسلوب فني ساخر أحدث التطورات في علاج مرض السرطان باستخدام العلاج الجيني أهمية الفحص المبكر للكشف عن أمراض القلب والأوعية الدموية

مقالات مشابهة

  • جيل جديد من جيميني يحدث ثورة في الذكاء الاصطناعي
  • البنتاجون ينشئ خلية جديدة لتوسيع خدمات الذكاء الصناعي التوليدي
  • كندية دبي تطلق برنامج ماجستير الذكاء الاصطناعي
  • سد فجوة مهارات الذكاء الاصطناعي في عام 2025
  • الذكاء الاصطناعي دربنا للسعادة أم للتعاسة؟
  • ميتا تطلق أداة لكشف فيديوهات الذكاء الاصطناعي
  • أحمد عبد العليم: الذكاء الاصطناعي يعيد تشكيل مستقبل الإعلام (خاص)
  • الذكاء الاصطناعي وسوق العمل.. ثورة تقنية بين التحديات والفرص
  • إطلاق مبادرة لتمكين الموظفين من استخدام الذكاء الاصطناعي في بيئة العمل بشمال الباطنة
  • أهم ابتكارات الذكاء الاصطناعي في الصحة عام 2024