لجريدة عمان:
2025-01-24@18:38:12 GMT

حديث عند مفترق الطرق العربية

تاريخ النشر: 18th, May 2024 GMT

أحترم كل الآراء التي ترى أن اجتماعات القمة العربية «لا فائدة منها» وليس لها قيمة عملية يمكن أن تنتظرها الشعوب العربية، لكني أرى أن مجرد وجود كيان عربي، حتى لو كان غير فاعل مثل الجامعة العربية، يحمل أهمية كبيرة ويمكن في يوم من الأيام إصلاحه بناء على فكر عربي جديد تشكله إرادة عربية مختلفة عن الإرادة الحالية، ويحوّل من كيان غير فاعل إلى كيان فاعل ومحوري في العمل العربي المشترك.

وأعرف يقينا أن هذا الرأي قد لا يُعجِب البعض؛ لأنه يتجاهل السياق التاريخي للجامعة، وبين هؤلاء البعض من أثق في رأيه واحترمه كثيرا، وأفهم منطق أيَّ رأي يُقِّيمُ الجامعة العربية ومواقفها خلال العقود الثمانية من الزمن العربي الصعب لكن لا بد أن نفهم قبل كلِّ شيء أن العالم العربي يعيش الكثير من التناقضات السياسية والاجتماعية، وهذه التناقضات هي التي شكلت الكثير من الهوان العربي، وهي التي بنت الصورة الذهنية عن الجامعة العربية وعن قممها السنوية وعن قراراتها التي لا يصل أثرها إلى خارج القاعة التي عُقدت فيها. وتلك التناقضات العربية هي التي تَحُول دون نجاح أي تحرك عربي حتى في اللحظة التي يعادل فيها التحرك حياة الأمة وكرامتها أو بقاء كيان دول من دولها.. رغم ذلك فإن الحل ليس في غلق الجامعة العربية وبيع ممتلكاتها في مزاد علني.. وإنما في إصلاحها وفي إصلاح التناقضات والخلافات العربية وفي اتحاد عربي حقيقي في المواقف وفي الرؤى يقوم على المشتركات بعيدا عن الصراعات والتناقضات التي تعيشها الأمة، ويقوم على فهم حقيقي للأسباب التي جعلت الأمة العربية في هذا الوضع المأزوم.

كنتُ في مملكة البحرين خلال الأيام الماضية أتابع عن قرب القمة العربية «التي تنعقد في ظروف استثنائية» كما هو الحال في جميع القمم العربية، وكان الجميع يتحدث عن «نجاح البحرين في تنظيم القمة» حتى قبل بدئها، وهذا حديث لا شك فيه وقد أدت البحرين ما عليها كدولة منظمة وتفوقت على تحدياتها، ولكنّ النجاح الحقيقي للقمة لم يكن في يوم من الأيام في تنظيمها، وإنما في قراراتها وفي مواقفها، فكل قمة عربية لا بدّ أن تكون استجابة للوضع الماثل في العالم العربي أو ما يحيط به.

تحدث القادة العرب وممثلوهم في القمة، التي استمرت أربع ساعات فقط، حول قضايا مختلفة، وكانت القضية الفلسطينية جوهر تلك الخطابات ومحورها حتى من قِبَل الدول التي تعيش مجازر لا تقل وحشية عن المجازر التي تعيشها غزة كما كان الحل في كلمة ممثل السودان.. كان قد مضى في تلك اللحظة الخطابية العربية، أكثر من سبعة شهور على بدء عملية الإبادة الجماعية في قطاع غزة، وارتكبت آلاف المجازر التي راح ضحيتها أكثر من 35 ألف فلسطيني جُلَّهم من الأطفال والنساء، وهُجِّر قَسريّا أكثر من مليون فلسطيني، ووقعت في قطاع غزة عشرات النكبات التي تعادل كل واحدة منها نكبة 1948. لكن نتيجة كل تلك الخطابات العربية مجرد إدانة وشجب، بل إنَّ أحدا لم يعلِ الصوت بالطلب المباشر من الدول المطبعة مع إسرائيل بغلق سفاراتها فورا كموقف عربي تخرج به القمة العربية يحفظ بعضا من ماء وجهها. وحده الرئيس الفلسطيني محمود عباس قال: «على الأشقاء مراجعة علاقاتهم مع المحتل». والمراجعة درجة منخفضة جدا من الدعوة الصريحة إلى قطع العلاقات التي لا مسوغ لها في أي وقت من الأوقات دع عنك في لحظة الحرب الكبرى ولحظة الإبادة التي تحدث في قطاع غزة.

أليس في كل ما حدث ويحدث في العالم العربي تناقض كبير جدا، خطابات تتهم إسرائيل بارتكاب جرائم حرب في جزء أصيل من العالم العربي وفي المقابل هناك علاقات ومصالح مع دولة الاحتلال تصل إلى حد حمايتها!.

لم تعالج الخطابات العربية الكثيرة في القمة المشكلة الحقيقية التي تعيشها الأمة العربية وأسبابها وحلولها.. وحده أمين عام الأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش شَرَّح في كلمات قصيرة المأساة العربية وأعادها إلى جذورها التاريخية وتحدث عن أهم سبب في الوضع العربي الراهن وهو غياب «الاتحاد» الذي اعتبره حجر الزاوية في معالجة التحديات التي تواجه العالم العربي. واستشهد بالتاريخ الغني في المنطقة العربية، وقارن بين أمجاد الماضي وإمكانات الحاضر.. واعتبر أن «الاتحاد» هو كلمة السر في استعادة العالم العربي لدوره العالمي.

كانت كلمة أنطونيو غوتيريش أهم كلمة ألقيت في قمة البحرين، لكنها في الوقت نفسه كشفت حجم التناقضات التي يعيشها العالم العربي.

يرى أمين عام الأمم المتحدة أن العالم «يتغيّر من جديد، وإنني أرى في المنطقة العربية إمكانات هائلة.. فلديكم الموارد، ولديكم الثقافة، ولديكم البشر، ولكن ثمة شرطٌ أساسي وحيد للنجاح في عالم اليوم، ألا وهو الاتحاد». ويضيف في كلمته «لقد أظهر التاريخ مرارا وتكرارا أن الانقسامات تفسح المجال لتدخل أطراف خارجية - مما يغذّي الصراعات ويؤجج التوترات الطائفية، ومن ثم يشعل فتيل الإرهاب ولو بغير قصد.. وهذه عقبات تحول دون تحقيق التنمية السلمية وتعيقكم عن ضمان رفاه شعوبكم. ويتطلب التغلب على هذه العقبات كسر الحلقة المفرغة من الانقسام وتلاعب الأطراف الأجنبية - ويتطلب المضي قدما معًا لبناء مستقبل أكثر سلما وازدهارا لشعوب المنطقة العربية وخارجها».

يعرف الغرب جيدا، كما تعرف الأمم المتحدة ويعرف أمينها العام، أسباب ضعف العالم العربي والأسباب التي يمكن أن تعيد له قوته ومكانته وتجعله يتجاوز كل هذا الهوان الذي يعيشه وهذا الضعف الذي يُغِّيبه عن الفعل الحضاري وعن القدرة حتى في حماية نفسه من الذبح والقتل اليومي.. لكن قمة عربية تأتي وسط روائح الموت والإبادة الجماعية لا تريد أن تتحدث عن ذلك أو تتحرك نحوه، ولا تريد أن تتحدث عن سيطرة الانقسامات الطائفية في العالم العربي والانقسامات السياسية والأيديولوجيات، وأدنى استراتيجية سياسية عربية متماسكة، الأمر الذي خلق سياسات متباينة تعمل على تقويض المصالح العربية الجماعية.. إلى درجة لم تعد الكثير من الدول العربية تثق في بعضها البعض. ناهيك عن وجود أي رؤية اقتصادية عربية أو القدرة على بناء كتلة اقتصادية واحدة، رغم الوفورات المالية الضخمة في بعض الدول العربية، والتي تستطيع منافسة القوى الإقليمية الكبرى.. وباختصار غياب أي تكامل عربي على كل المستويات اللهم إلا في السياق الخطابي وفي سياق الأمنيات.

كانت كلمة الأمين العام للأمم المتحدة، التي لم ينتبه لها الكثيرون، ترتكز على رؤية استراتيجية للاستفادة من القوة الجماعية.. فالاتحاد العربي في المواقف السياسية وفي الاستراتيجيات الاقتصادية والاجتماعية من الممكن أن يحول العالم العربي إلى قوة عالمية كبرى تستطيع التأثير على السياسات الدولية وتأمين نتائج أفضل للشعوب العربية، أو تستطيع على أقل تقدير وقف المذابح اليومية المستمرة منذ أكثر من سبعة شهور في الشعب الفلسطيني.

يختتم أمين عام الأمم المتحدة حديثه مخاطبا القادة العرب بالقول: «ما من وقت أفضل من هذه اللحظة لكي تقف المنطقة العربية صفّا واحدا.. فمن شأن الاتحاد والتضامن على كامل نطاق العالم العربي إسماع صوت منطقتكم ذات الأهمية الحيوية بمزيد من القوة، وتعزيز تأثيركم في الساحة العالمية.. ويمكن بذلك مساعدة هذه المنطقة على الاهتداء إلى سبيل السلام، وتعظيم الاستفادة من إمكاناتها الهائلة، والإسهام بشكل أكبر في تحقيق ما فيه الخير للعالم».

فهل يتحد العالم العربي ويجعل المصالح العربية العليا فوق كل اعتبار ويتجاوز كل تناقضاته السياسية والاجتماعية والفجوة الاستراتيجية والفردانية التي تتعالى على الآخر الذي يشكل جزءا من الكل العربي ويتغلب على تحدياته؟ وهل يدرك العالم العربي خطورة هذه اللحظة التاريخية على مستقبله وعلى مستقبل شعوبه؟ هذا سؤال كبير يطرح في كل أرجاء العالم العربي.. ورغم تفاؤل الأمين العام للأمم المتحدة بالأمة وبهذه اللحظة التاريخية إلا أن المؤشرات لا تبشر بالخير، مع الأسف الشديد، وستبقى كل الطرق إلى الاتحاد العربي، في رؤية الخطر على أقل تقدير، محفوفة بالكثير من التحديات.. رغم ذلك فهي رحلة تستحق القيام بها من أجل الصالح العام للمنطقة والعالم. ومن أجل ذلك، أيضا، سنقول إن الحل ليس غلق الجامعة العربية وإنما إصلاحها، وليس في لعن الظلام إنما في إشعال شمعة يخترق ضوؤها الضئيل دياجي الظلام ويشتته.

عاصم الشيدي كاتب ورئيس تحرير جريدة عُمان

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الجامعة العربیة المنطقة العربیة العالم العربی الأمم المتحدة أکثر من

إقرأ أيضاً:

الروائي خليل الجيزاوي: معرض الكتاب التظاهرة الثقافية الأكبر في العالم العربي

أكد عضو مجلس إدارة نقابة اتحاد كُتّاب مصر الكاتب الروائي خليل الجيزاوي، أن معرض القاهرة الدولي للكتاب يُعدّ تظاهرة ثقافية هي الأكبر في منطقة الشرق الأوسط والتي ينتظرها الأدباء والشعراء في مصر والدول العربية.

وقال الجيزاوي، في تصريحات لوكالة أنباء الشرق الأوسط اليوم الجمعة، إن معرض القاهرة الدولي للكتاب تجاوز عمره ستة وخمسين عامًا منذ أن كلف الدكتور ثروت عكاشة وزير الثقافة ـــ آنذاك ـــ الدكتورة سهير القلماوي رئيس الهيئة المصرية العامة للكتاب ـــ آنذاك ــــ بتنظيم أول دورة لمعرض القاهرة للكتاب عام 1969.

وأضاف أن معرض القاهرة الدولي للكتاب خلال السنوات الأخيرة يُعدّ المعرض الثاني في العالم بعد معرض فرانكفورت الدولي للكتاب في ألمانيا، من حيث عدد الناشرين المشاركين وعدد الكتب المشاركة وعدد الزوار، مشيرا إلى أنه سيتم تنظيم مئات الفعاليات الثقافية وحفلات التوقيع للإصدارات الجديدة على مدار أيام المعرض من 23 يناير حتى 6 فبراير 2025 ، كما يلتقي زوار معرض القاهرة للكتاب بكبار الأدباء والشعراء.

وأوضح أن هذه التظاهرة الثقافية ينتظرها كل الأدباء والشعراء ليس في مصر وحدها، بل في كل الدول العربية، حيث تقام الندوات الثقافية لمناقشة أحدث الإصدارات الفكرية والأدبية من مجموعات قصصية وروائية ودواوين الشعر، وتقام الأمسيات الشعرية؛ ليلتقي زوار معرض القاهرة الدولي الكتاب مع كبار الشعراء من مصر والعالم العربي، ويسمعوا أحدث قصائدهم ويتفاعلون مع مَنْ يُحبون من الشعراء وجهًا لوجه.

وأضاف أنه تقام ، كذلك ، الأمسيات الفنية، وورش الكتابة والرسم التي تفتح باب المشاركة للأطفال الموهوبين، كل هذه الفعاليات الثقافية والفنية تسهم في تعزيز الانتماء الوطني لمصر المحروسة، حفظ الله مصر وجيش مصر وشعب مصر من كيد الحاقدين.

وقال الجيزاوي إنه سيشارك بصدور روايته الأحدث: أولاد عطية غطاس، التي صدرت يوم 15 يناير عام 2025، وهي الرواية العاشرة في مشروع الجيزاوي الروائي، والرواية ترصد صورة القرية المصرية والتغييرات التي لحقت بها خلال الخمسين عامًا الأخيرة، سواء كانت هذه التغيرات: تغيرات اجتماعية أو اقتصادية.

والكاتب الروائي خليل الجيزاوي يشغل عضوية مجلس إدارة النقابة العامة لاتحاد كُتّاب مصر ورئيس لجنة النشر، وهو أيضا عضو نادي القصة بالقاهرة، ودار الأدباء، وأتيلييه القاهرة، وأصدر تسع روايات وكتابين في النقد الأدب.

وشارك الجيزاوي في الكثير من المؤتمرات الأدبية بالمجلس الأعلى للثقافة ونقابة اتحاد كُتّاب مصر، ومَثّلَ مصر في العديد من المؤتمرات العربية مثل: مهرجان العُجيلي للإبداع الروائي في مدينةِ الرِقّةِ السُوريّة عام 2010، ومؤتمر اتحاد الأدباء العرب أبو ظبي الإمارات عام 2014، وملتقى الشارقة للسرد العربي بالإمارات عام 2015، وملتقى الشارقة للسرد العربي عمّان الأردن عام 2019، وله تحت الطبع: رواية أحلام الشمس.

وحصل الجيزاوي على العديد من الجوائز الأدبية منها: جائزتا مسابقة نادي القصة بالقاهرة في القصة القصيرة والرواية عام 1998، وجائزة مسابقة محمود تيمور للقصة القصيرة من المجلس الأعلى للثقافة عام 2002، والجائزة الأولى في مسابقة إحسان عبد القدوس للرواية عن رواية أيام بغداد 2019.

وتقام الدورة ال56 من معرض القاهرة الدولي للكتاب تحت شعار "اقرأ..في البدء كان الكلمة" بمشاركة 80 دولة عربية وأجنبية، 1350 دار نشر و 6000 عارض، وتحل سلطنة عمان ضيف شرف هذا العام، وتم اختيار اسم العالم المصري أحمد مستجير شخصية المعرض، والكاتبة فاطمة المعدول شخصية معرض الطفل.

ويشهد المعرض، الذي يقام هذا العام على مساحة هي الأكبر منذ نقله إلى مركز مصر للمعارض والمؤتمرات الدولية بالتجمع الخامس، عقد سلسلة من اللقاءات الثرية بين الكتاب والمفكرين التي تناقش مختلف القضايا السياسية والثقافية والاجتماعية بمشاركة العديد من مؤسسات الدولة ومؤسسات المجتمع المدني.

مقالات مشابهة

  • عمرو دياب يطلق أول سلسلة فنادق تجمع بين الموسيقى والذكاء الاصطناعي في العالم العربي
  • الروائي خليل الجيزاوي: معرض الكتاب التظاهرة الثقافية الأكبر في العالم العربي
  • قلب الكون..كيف غيّرت قناة بنما التي يرغب دونالد ترامب بالإستيلاء عليها العالم؟
  • سلطنة عُمان تبهر العالم العربي في القاهرة. وتحكى تاريخ العمانيين
  • سلطنة عُمان تبهر العالم العربي في القاهرة.. ومفـردات الثقـافة تحــكي قصــة الأمــة العــمانية
  • بعد حديث "أنغام" عن مرض الاكتئاب.. ما هو المرض؟ وأعراضه وطرق التعامل معه.. 3,8% من سكان العالم يعانون منه
  • هذه الدول التي لديها أطول وأقصر ساعات عمل في العام 2024 (إنفوغراف)
  • بعد حادث مصر المروع.. جرائم وحشية هزت العالم العربي
  • بعد حادث الأقصر المروع.. جرائم وحشية هزت العالم العربي
  • «تطور الفن العربي خلال فترة ما بعد الانطباعية» في محاضرة بـ«اللوفر أبوظبي»