جريدة الرؤية العمانية:
2024-11-22@17:09:04 GMT

فلسطين.. من النكبة إلى الإبادة!

تاريخ النشر: 18th, May 2024 GMT

فلسطين.. من النكبة إلى الإبادة!

 

د. محمد بن عوض المشيخي **

كم هي مُرَّةٌ هذه الحياة عند ما تتعرض للظلم والخيانة من ذوى القربى، ويخذلك من تتوقع منه نصرة الحق وتربطك به علاقة نسب وتجمعك معه رابطة الدين والتاريخ المشترك والمصير الواحد، فعند المصائب تظهر معادن الشعوب، وحكمة القادة في الوقوف مع الحق الذي هو فرضًا وليس واجبًا فقط؛ إذ تحمل الشعب الفلسطيني من الكوارث والمحن والمصائب -خاصة أبناء غزة- ما تعجز عن حِمله الجبال، فمن نكبة إلى نكسة إلى إبادة القرن الحادي والعشرين!

في يوم 15 مايو من كل عام تُحيي الشعوب العربية، ومعها الشرفاء وأحرار العالم قاطبة، ذكرى النكبة التي تعرض فيها الأشقاء في فلسطين المحتلة للإبادة الجماعية والتهجير والتطهير العرقي من العصابات الصهيوينة التي مكّنها الاستعمار البريطاني الذي جلب هؤلاء المجرمين من مختلف دول العالم، وذلك لإقامة دولة لهذا الكيان السرطاني الغاصب في قلب الوطن العربي أرض الرباط؛ حيث القدس الشريف والمسجد الأقصى مسرى الرسول محمد صلى الله عليه وسلم.

ومن أشهر هذه العصابات اليهودية التي ارتكبت أبشع المذابح بحق الأبرياء من النساء والأطفال والشيوخ (الهاغاناه وهاشومير والأرجون وشترن). ومن أكبر هذه المجازر التي وقعت في عام النكبة، دير ياسين شرق القدس، والتي استشهد فيها أكثر من 300 شهيد، معظمهم من الأطفال والنساء، وكذلك مجزرة قرية الطنطورة جنوب مدينة حيفا. والأهم من ذلك كله هو ما تعرض له أبناء منطقة الدوايمة من قتل وتهجير قسري التي بقيت لفترة طويلة طي الكتمان.

ومن المفارقات العجيبة وبسبب المعايير المزوجة في هذا العالم، حصول رئيس عصابة الأرجون مناحيم بيجن الذي كان رئيسًا لوزراء إسرائيل على جائزة نوبل للسلام بالمناصفة والشراكة مع الرئيس المصري أنور السادات في عام 1979 في أعقاب اتفاقية كامب ديفيد.

الهدف من هذه الذكرى الحزينة هو تذكير العالم بحقوق الشعب الفلسطيني وما يتعرض له من قتل ممنهج من دولة إسرائيل التي تحظى بحماية الحكومات الإمبريالية الاستعمارية الغربية وتقدم لها الأموال والسلاح وتشجعها على القتل الهمجي للأبرياء من الشعب الفلسطيني صاحب الأرض، وفي مقدمة هذه الحكومات: الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وألمانيا وفرنسا، كما يهدف إحياء هذه الذكرى إلى تحقيق حلم العودة إلى الديار التي هُجِّر منها الفلسطينيون بالقوة، فكل فلسطيني بقى على قيد الحياة من تلك المذابح يحمل مفتاح منزله ثم يسلمه إلى أبنائه، وذلك لتذكير الأجيال الفلسطينية في المخيمات والشتات بهذا الحق الأصيل الذي أصبح أقرب للواقع ويمكن تحقيقه بالجهاد المقدس بعد طوفان الأقصى المبارك الذي قاده بحكمة واقتدار المجاهد يحيى السنور رئيس منظمة حماس في غزة الصامدة التي خذلها الأشقاء والأخوة من الأمتين العربية والإسلامية؛ إلّا من رحم ربي.

لقد أصبح حقيقة حلم العودة إلى أرض فلسطين التاريخية -التي تعرضت للتقسيم من خلال القرار الأممي رقم 181 والذي تمثل باعترف الأمم المتحدة بدولة اسمها إسرائيل على أرض ليست لها- قاب قوسين أو أدنى أكثر من أي وقت مضى. ففي صحوة للضمير العالمي، اعترفت الأسبوع الماضي 143 دولة بأحقية فلسطين للحصول على عضوية الأمم المتحدة، وذلك كثمرة من ثمار الصمود الأسطوري للشعب الفلسطيني؛ وكذلك إنجازات المقاومة الشجاعة في غزة الأبية. على الرغم من اعتراض أمريكا ومعها أذنابها من التابعين لها وعددهم لا يتجاوز 7 من ممثلي بعض الدول الهامشية ومن بينهم بالطبع دولة الكيان الصهيوني الذي مزّق مندوبها ميثاق الأمم المتحدة قبيل التصويت على منح فلسطين العضوية.

يبدو لي أن عصر الخيانات وصنع المؤمرات والارتباط بالأنظمة الغربية ومخططها الاستعماري قد ذهب بلا عودة؛ فالغرب الاستعماري حرص على أمن إسرائيل بأي ثمن، وذلك من خلال الاتفاقيات السرية التي تجعل من بعض الأنظمة العربية مستمرة في الحكم مقابل حماية إسرائيل من الزوال، وذلك من خلال إدارة ظهرها للمقاومة ومحاربة المناضلين ومحاصرتهم. ولعلّنا تابعنا في بداية هذه المعركة وتحديدًا في أكتوبر الماضي كيف توافدت القيادات الغربية على فلسطين المحتلة مُستنكرة قيام المقاومة الفلسطينية باختراق دفاعات الجيش الصهيوني والوصول إلى العمق الإسرائيلي بنجاح منقطع النظير، على الرغم من الحصار الجائر على قطاع غزة من العدو والصديق معًا، فقد حضر عدد من رؤساء الحكومات الغربية مجلس الحرب في تل ابيب، وذلك للتحضير للإبادة الجماعية في غزة بنفس الطريقة التي مارست فيها ألمانيا النازية إبادة اليهود.

وفي أعقاب النكبة وما ترتب عليها من كوارث وقتل وهجرة قسرية للشعب الفلسطيني إلى قطاع غزة والضفة الغربية، ثم إلى دول الجاور مثل سوريا والأردن ولبنان والعراق، والتحوُّل إلى العيش في المخيمات، أصدرت منظمة الأمم المتحدة قرارًا بتأسيس وكالة لغوث وتشغيل اللاجئن الفلسطينين (الأونروا) عام 1949، والتي تهدف بالدرجة الأولى إلى توفير التعليم والصحة وتحسين الخدمات الأساسية في المخيمات، وعلى الرغم من ذلك، فقد حاربت الحكومة الإسرائيلية هذه الوكالة التي تقوم بالأعمال الإنسانية تجاه اللاجئين وتكيل عليها التهم الكاذبة بهدف إنهاء خدماتها وإخفاء جرائمها ضد الإنسانية المتمثلة في التطهير العرقي والفصل العنصري للشعب الفلسطيني. فكانت أولى هذه المزاعم؛ اتهام وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينين (الأونروا) زورًا بمشاركة بعض موظفيها في ملحمة طوفان الأقصى؛ ولكن تقرير اللجنة المحايدة المشكلة من الأمين العام للأمم المتحدة برئاسة الفرنسية كاترين كولونا برت المنظمة الدولية من هذه التهمة، إذ استأنفت بعض الدول الأوروبية مجددا تقديم الدعم المالي (للاونروا) التي أصبحت خصما لدولة الكيان الصهيوني بسبب عدم موافقتها على إغلاق مكاتبها وإنهاء خدماتها المقدمة للاجئين؛ فالحكومة الإسرائيلية تهدف إلى إغلاق ملف اللاجئين الفلسطنيين من الوجود، ولم تكتف بالتهجير والقتل، ولكنها فشلت فشلا ذريعا في ذلك. الأونروا باقية في قطاع غزة على الرغم من استهداف الجيش الإسرائيلي مقراتها بالجملة وتدمير 160 مدرسة وقتل 180 من عمال الإغاثة منذ طوفان الأقصى.

وفي الختام.. حان الوقت للعرب -شعوبًا وحكومات- لأن يستقيظوا من سباتهم والوقوف صفًا واحدًا مع غزة لوقف المجازر والابادة الجماعية التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني؛ فالتاريخ لا يرحم من قصّر بواجبه تجاه المظلومين؛ فالعالم بأسره ينتفض لمناصرة غزة، بينما نحن نتفرج على واحدة من أكبر النكبات التي يشهدها كوكبنا عبر التاريخ.

** أكاديمي وباحث مختص في الرأي العام والاتصال الجماهيري

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

جورج عبد الله.. الماروني الذي لم يندم على 40 عاما في سجون فرنسا لأجل فلسطين

عندما كانت إسرائيل تغزو بيروت عام 1982، تابعت المجموعات الثورية الفلسطينية والعربية نهجها في ملاحقة العدو خارج حدود المواجهة، ناقلة المعركة إلى قلب أوروبا. من بين تلك العمليات، اغتيل "رجل موساد ودبلوماسي" أميركي في باريس، ووُجّهت أصابع الاتهام إلى اللبناني جورج إبراهيم عبد الله، الذي يقبع في السجون الفرنسية منذ 4 عقود بتهمة قيادة الفصائل الثورية اللبنانية المدافعة عن فلسطين، وبذلك يكون أقدم سجين سياسي في أوروبا.

كانت العملية امتدادا لمرحلة "وراء العدو في كل مكان" التي اختصرتها روايات الأديب الفلسطيني غسان كنفاني (عكا 1936، بيروت 1972) وجسّدتها المجموعات الثورية بقيادة المناضل وديع حداد (صفد 1927، ألمانيا الشرقية 1978)، فحوّلت العالم إلى ميدان مواجهة مع الاحتلال الإسرائيلي، واستقطبت مقاتلين عربا، ورفاقا من اليابان وأوروبا وأميركا اللاتينية، واضعة فلسطين على خريطة النضال الأممي.

"مناضل ولست مجرما"

وعادت قضية المناضل الأممي جورج عبد الله إلى الواجهة مجددا مثلما كانت عام 2013، مع توالي الأخبار عن قرب الإفراج عنه بعد قرار محكمة فرنسية بذلك. إلا أن الادعاء الفرنسي، أعلن قبل أيام عزمه استئناف القرار. وفي حال أفرج عنه، يكون عبد الله قد أمضى أكثر من 20 عاما في السجون الفرنسية بعد انتهاء محكوميته، وسط رفض السلطات القضائية المتكرر إخلاء سبيله.

وأمام القضاة، وقف الرجل ذو اللحية الكثّة والنظرة الواثقة مطالبا بحريته للمرة الـ11، قائلا بثبات: "أنا مناضل ولست مجرما"، مؤكدا أن اختياره هذا الطريق كان "ردا على انتهاك حقوق الإنسان في فلسطين"، وبأن ما فعله: مقاومة.

فهو المولود في الثاني من أبريل/نيسان 1951 في قرية القبيات شمال لبنان لعائلة مسيحية مارونية، وقد شهد في مطلع شبابه "نكسة" 1967، حيث ساهمت "هزيمة حزيران" في تشكيل وعي جيل بأكمله تجاه قضايا التحرر والمقاومة.

عبد الله اشتهر بعبارة "أنا مناضل ولست مجرما" وأكمل عقوبة السجن المؤبد عام 1999 (غيتي)

وفي سن مبكرة، انضم إلى الحزب السوري القومي الاجتماعي، واختار طريق النضال والمقاومة. وبعد خروج منظمة التحرير الفلسطينية من الأردن (1970)، أصبحت بيروت معقلا للثوار والمقاومين، فكانت نقطة تحول حاسمة في مسار حياته، حيث كانت العاصمة اللبنانية مركزا يعجّ بالحركات الثورية، مما كان له الأثر الكبير في تشكيل قناعاته السياسية.

انضم عبد الله لصفوف الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين بقيادة الراحل جورج حبش، بعد إصابته في الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1978 (عملية الليطاني). ومع أفراد من عائلته ورفاقه، أسس الفصائل المسلحة الثورية اللبنانية، وبين عامي 1981 و1982، نفذت المجموعة هجمات في أوروبا، أسفرت بعضها عن سقوط قتلى في فرنسا، في إطار دعم القضية الفلسطينية والكفاح ضد الاحتلال.

موت المعلم وولادة المقاتل

وبدأ جورج حياته المهنية معلما في مدرسة بمنطقة أكروم بعكار، وفي مقالة وردت بموقع يتبع لحركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح)، تروي بدايات جورج وتكشف عن ارتباطه المبكر بالفدائيين الفلسطينيين، يقول كاتبها إن "ابن القبيات" كان يعرّف نفسه بأنه "كادح وليس من البَكَوات"، مستنكرا الظلم الذي يتعرض له الشعب الفلسطيني.

وتستعرض المقالة المراحل الأولى لجورج عبد الله ضمن الثورة الفلسطينية، مبينة تأثره بحياة "المخيمات" في لبنان، وكيف كان يجول أزقة مخيم نهر البارد للاجئين الفلسطينيين، مستخدما دراجته النارية، ليوزع مجلة "الآداب" على المهتمين.

وبعد إنهائه الدورات التثقيفية، انضم عبد الله إلى الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين رسميا، ثم انتقل من الشمال إلى منطقة "الجبل" في "مهمة جهادية"، وكان من المفترض أن يعود بعد شهر إلى الشمال، لكنه اختار البقاء، معلنا بذلك نهاية مرحلة "جورج المعلم" وولادة "جورج المقاتل". ومن ثم، أصبح جزءا من الجناح العسكري للجبهة الشعبية، لتصبح الأراضي اللبنانية كلها ساحة قتاله.

جورج عبد الله أمام المحكمة الفرنسية عام 1986 (غيتي)

وخدم عبد الله في الجنوب، والبقاع، والجبل، وبيروت -بحسب المقالة- لكن بعد اتفاق وقف إطلاق النار الذي عقدته منظمة التحرير الفلسطينية مع الاحتلال الإسرائيلي قبيل اجتياح بيروت عام 1982، انفصل عبد الله عن الجبهة، رافضا التهدئة مع العدو، واتخذ مسارا خاصا به، متأثرا بوديع حداد، وخصوصا بمقولته الشهيرة "وراء العدو في كل مكان"، وانقطعت أخباره إلى حين سماع خبر اعتقاله في فرنسا.

جوازات سفر واعتقال

يوم 24 أكتوبر/تشرين الأول 1984، دخل جورج عبد لله مركزا للشرطة في ليون الفرنسية، طالبا الحماية من ملاحقة الموساد الإسرائيلي له. حينها كان يحمل جواز سفر جزائري، بعد أن استخدم جوازات سفر أخرى من مالطا والمغرب واليمن للعبور إلى يوغوسلافيا وإيطاليا وإسبانيا وسويسرا وقبرص.

لكن الأجهزة الأمنية الفرنسية سرعان ما أدركت أن الرجل الذي يجيد اللغة الفرنسية ليس سائحا وإنما هو عبد القادر السعدي، وهو الاسم الحركي لجورج عبد الله.

وعثر في إحدى شققه في باريس على أسلحة بينها بنادق رشاشة وأجهزة إرسال واستقبال.

وافقت محكمة فرنسية الأسبوع الماضي على طلب الإفراج عن جورج عبد الله (غيتي)

وفي حوار مع صحيفة "لاديباش" الفرنسية، تحدث إيف بوني، الرئيس الأسبق لجهاز الأمن الداخلي الفرنسي، عن تفاصيل اعتقال جورج إبراهيم عبد الله عام 1984، قائلا: "لم نكن نعلم هويته"، وخلال التحقيق "زعم انتماءه إلى جهاز أمن منظمة التحرير الفلسطينية ووجّه تهديدات للمحققين".

وأضاف بوني أنه لجأ إلى الإسرائيليين للحصول على المساعدة، مما قاد إلى اكتشاف هوية قائد الفصائل المسلحة الثورية اللبنانية، وهي مجموعة ماركسية مدافعة عن فلسطين. ومع ذلك، أكد بوني أن الأدلة ضد عبد الله لم تكن قوية، إذ اقتصرت تهم بتزوير الوثائق وحيازة أسلحة ومواد متفجرة.

كان جورج على صلة بسوريا آنذاك، بحسب التحقيق، كذلك على تواصل مع حركات وشخصيات صُنّفت "إرهابية"، مثل تنظيم "العمل المباشر" في فرنسا، و"الألوية الحمراء" في إيطاليا، إضافة إلى علاقته بكارلوس الفنزويلي وفصيل الجيش الأحمر في ألمانيا.

مقاتل عربي لا يندم

في عام 1986، أصدرت محكمة ليون حكما بالسجن لمدة 4 سنوات على جورج عبد الله بتهم "التآمر الإجرامي وحيازة أسلحة ومواد متفجرة". وفي العام التالي، مثل أمام محكمة الجنايات الخاصة في باريس، إذ وُجهت إليه تهم بالتواطؤ في اغتيال الأميركي تشارلز راي "ورجل الموساد" ياكوف بارسيمينتوف في 1982، بالإضافة إلى محاولة اغتيال ثالثة في 1984.

وبينما تمسك عبد الله بنفي التهم، قال إنه "مجرد مقاتل عربي"، أصدر القضاء حكما بالسجن المؤبد رغم أن النائب العام كان قد طالب بعقوبة أقل، تصل إلى 10 سنوات.

عبد الله اتهم بقيادة "الفصائل المسلحة الثورية اللبنانية" المناصرة لفلسطين (الفرنسية)

في مذكراته، أشار المحامي جورج كيجمان إلى أن عبد الله "أهان الجميع" في المحكمة، ووصفهم بـ"الخنازير والإمبرياليين القذرين"، مما استدعى طرده من القاعة. ورأى محاميه السابق جاك فيرجيس في الحكم "إعلان حرب"، مما دفع إلى تشكيل لجنة دعم فورية تطالب بالإفراج عنه فورا.

ومنذ عام 1999، عندما أصبح مؤهلا لإطلاق سراحه، وتم رفض جميع طلبات عبد الله للإفراج عنه، باستثناء طلب واحد، كان مشروطا بترحيله، وهو ما لم ينفذه وزير الفرنسي الداخلية آنذاك، مانويل فالس.

في عام 2022، قال محاميه جان لويس شالانسيه في تصريح لوكالة الصحافة الفرنسية: "إنه في حالة فكرية جيدة. لا يزال متمسكا بمواقفه، ويواصل القراءة بشكل مكثف، ويبقى مطلعا على الأحداث في الشرق الأوسط".

ويرى محامو ومؤيدو جورج عبد الله أن استمرار احتجازه هو نتيجة لتأثيرات سياسية ودولية خارجية. في عام 2013، صادقت المحكمة الفرنسية على إطلاق سراحه بشروط، كان من بينها ترحيله إلى لبنان. لكن، رغم هذا القرار، "تدخلت سفارتا الولايات المتحدة وإسرائيل في مجريات القضية"، مما أثّر بشكل كبير على سير المحاكمة وأدى إلى تراجع السلطات الفرنسية عن قرارها. هذه التدخلات، وفقا لمحاميه، تُعتبر جزءا من حملة سياسية منسقة تهدف إلى إبقاء عبد الله في السجون الفرنسية.

أنصار جورج عبد الله يتظاهرون خارج سجن لانيميزان الفرنسي  (الفرنسية) خيانة فرنسية

ردت الفصائل الثورية اللبنانية على اعتقال جورج عبد الله بخطف مدير المركز الثقافي الفرنسي في طرابلس، جيل سيدني بيرول، مطالبة بصفقة تبادل، وتم التوصل إلى اتفاق لتحرير بيرول وعبد الله، إلا أن فرنسا أخلفت وعدها وأبقته في السجن.

يروي إيف بوني، الرئيس الأسبق لجهاز الأمن الداخلي الفرنسي لصحيفة "لا ديباش" تلك اللحظة، قائلا: "كنت خارج البلاد حين طلبت باريس مني العودة بسرعة للتفاوض على تبادل الأسرى. في ذلك الوقت، كان عبد الله متهما بمخالفات بسيطة، ولم يكن هناك ما يثبت تورطه في أي جريمة كبيرة. فوافقت على الصفقة دون أي اعتراض من وزارة الداخلية".

جورج عبد الله أمضى 15 عاما من حياته في ميادين المقاومة و40 عاما في السجون الفرنسية دفاعا عن فلسطين (رويترز)

يضيف بوني، "ما لبثت الأمور أن تغيرت فجأة. ففي الوقت الذي تم فيه تحرير بيرول، أخبروني أنهم اكتشفوا في أحد مخابئ الفصائل الثورية اللبنانية السلاح الذي استخدم في قتل تشارلز راي وياكوف بارسيمينتوف. هذا الاكتشاف غيّر مسار القضية تماما، وتجاهلت العدالة الاتفاق الذي أبرمته. قالوا لي ببساطة: حكمه قد صدر".

ويختتم بوني حديثه: "شعرت بخيبة أمل شديدة. لقد قدمت وعدا إلى الذين بذلوا جهودا في هذه القضية، ولكن السلطات السياسية تركتني أواجه الموقف وحدي".

غزة لن ترفع راية الاستسلام

"لن تحمل غزة أبدا راية الاستسلام… ولن تتمكن الصهيونية أو أي قوة إجرامية أخرى من كسر إرادة المقاومة فيها"، بهذه الكلمات عبر المعتقل جورج عبد الله في رسالته التضامنية مع الشعب الفلسطيني، الذي يواجه حرب إبادة في غزة والضفة الغربية. البيان أُلقي خلال مظاهرة نظمت في مرسيليا الفرنسية بتاريخ 25 فبراير/شباط الماضي، حيث عبّر المحتجون عن دعمهم لصمود الفلسطينيين في وجه الاحتلال.

وأشار عبد الله في رسالته إلى أنه "لا ينبغي أن ننسى أبدا أن جذور النضال الفلسطيني انبثقت من أعماق مخيمات اللاجئين في غزة، والضفة الغربية، والأردن، ولبنان.. هذه المقاومة تحمل وعد التحرر وتصون إرث الفدائيين".

يرى أنصاره في العالم أنه رمز حي للنضال والمقاومة، فهو الذي اعتبرته الكاتبة الفرنسية آني إرنو، الحائزة جائزة نوبل للآداب عام 2022، "ضحية قضاء الدولة الذي يلحق العار بفرنسا". كما يعتقد إيف بوني أن الاستمرار باعتقاله يعد "انتقاما سياسيا"، وأنه قد يكون له الحق في اعتبار ما فعلته الفصائل الثورية اللبنانية "مقاومة"، لأنها جاءت في أعقاب مجزرة صبرا وشتيلا، داعيا إلى إنصافه.

جورج لا يزال في سجون فرنسا رغم مرور 20 عاما على انتهاء مدة محكوميته (وسائل التواصل)

خلال 73 عاما من حياته، أمضى جورج عبد الله 15 عاما في ميادين المقاومة و40 عاما في السجون، ثابتا على قناعاته. وفي زنزانته، يعلّق صورة مكتوب عليها "اقترب اللقاء يا فلسطين"، متمسكا بالقضية التي كانت وستظل بوصلة نضاله دون اعتذار أو ندم، بل ويرى أن إطلاق سراحه "أمام الإبادة التي يرتكبها الإسرائيليون والأميركيون" في غزة، "مجرد تفصيل".

تجسد قضية جورج عبد الله الذي حمل رقم (N° 2388/A221) في سجن لانيميزان رمزا لظلم فرنسا ضد مناضل تعتقله منذ 40 عاما، وقد يبقى حتى وفاته ما لم يطلق سراحه في ديسمبر/كانون الأول المقبل كما أمرت المحكمة، رغم استحقاقه الحرية منذ عام 1999.

مقالات مشابهة

  • الأمم المتحدة تعتمد 3 مشاريع قرارات لصالح فلسطين
  • جورج عبد الله.. الماروني الذي لم يندم على 40 عاما في سجون فرنسا لأجل فلسطين
  • الأمم المتحدة تعلق على مذكرة الاعتقال التي أصدرتها المحكمة الجنائية الدولية بحق نتنياهو
  • حماس: المجزرة التي ارتكبها الاحتلال في بيت لاهيا نتيجة للفيتو الأمريكي
  • فلسطين.. 88 شهيدا بمجزرتين للاحتلال في بيت لاهيا والشيخ رضوان
  • عاجل - مندوب فلسطين بالأمم المتحدة: موقف مصر الداعم للقضية الفلسطينية يؤكد العلاقات الأخوية ودورها الريادي
  • مندوب فلسطين بالأمم المتحدة يشيد بالدور المصري الداعم للقضية الفلسطينية ودورها الريادي بالمنطقة
  • مندوب فلسطين بالأمم المتحدة: موقف مصر الداعم لغزة يؤكد دورها الريادي بالمنطقة
  • استياء السفير الفلسطيني بالأمم المتحدة: لا مبرر للفيتو الأمريكي بمجلس الأمن
  • الكويت تطالب مجلس الأمن بإيقاف الإبادة الجماعية على الشعب الفلسطيني