لجريدة عمان:
2025-02-22@22:12:44 GMT

يوسف إدريس والقضية الفلسطينية

تاريخ النشر: 18th, May 2024 GMT

ظهيرة يوم السبت؛ الثامن من يوليو 1972م، كان الشاعر الفلسطيني المقيم في مصر مُريد البرغوثي يجري لقاءً أدبيًّا في إذاعة القاهرة حين بلغه خبر اغتيال إسرائيل الأديبَ الفلسطيني غسان كنفاني في بيروت في اليوم ذاته. هرع من فوره مع الأديب المصري سليمان فياض إلى مبنى جريدة «الأهرام» لمقابلة الأديب الكبير يوسف إدريس، الذي تمر هذه الأيام ذكرى ميلاده السابعة والتسعون (وُلِدَ في 19 مايو 1927م).

طلبا منه المساعدة في إقامة جنازة رمزية لكنفاني في القاهرة تتزامن مع ساعة تشييع جنازته في بيروت، فرحب بذلك دون تردد. أقيمت الجنازة الرمزية التي مشت من مقهى ريش إلى نقابة الصحفيين وشارك فيها ما يقارب الخمسين كاتبًا، حسبما روى البرغوثي في كتابه «رأيتُ رام الله»، وعندما وصلوا إلى النقابة أخذ رجال الأمن المصري يوسف إدريس إلى الداخل وبقي الآخرون في حديقة النقابة ينتظرون خروجه. وجه الضابط لإدريس سؤالا محددا: «هل كان معكم فلسطينيون في المسيرة؟» فأجاب: «أنا حقول لك أسامي الخمسين شخص كلهم. اكتب عندك: يوسف إدريس، يوسف إدريس، يوسف إدريس، يوسف إدريس، يوسف إدريس، يوسف....»

لأول وهلة يستطيع المرء أن يستنتج من هذه الحكاية ارتباط الأديب المصري الكبير بالقضية الفلسطينية، وإيمانه العميق بها. ويمكن أن يضيف إليها مقالاته في جريدتَيْ «الجمهورية» و«الأهرام» المحتفية بانطلاق الكفاح المسلح من قبل منظمة التحرير الفلسطينية عام 1965م، وحرصه على الحديث الدائم في إذاعة فلسطين (التابعة لـ«صوت العرب»)، وصولًا إلى موقفه الرافض لمعاهدة كامب ديفيد. غير أن مقاربة موقف يوسف إدريس «الحقيقي» من القضية الفلسطينية هي مهمة شائكة ويحفّها الكثير من التعقيد، ليس تشكيكًا في مواقفه لا سمح الله، ولكن لأن هذه المواقف، كانت تناقِضُها أحيانًا مواقفُ أخرى مضادة.

على سبيل المثال نشر إدريس كتابه «البحث عن السادات» بعد ثلاث سنوات من اغتيال الرئيس المصري، وانتقد فيه معاهدة كامب ديفيد وخَلُص فيه إلى أن «موقف السادات إما خيانة، وإما تفريطٌ لحدّ أقصى درجات الخيانة»، في حين يخبرنا بشري عبد المؤمن في كتابه «أنا يوسف إدريس» أن الأديب الكبير كتب مقالًا ذا مضمون آخر في جريدة «الأهرام» بتاريخ 9 ديسمبر 1977م، أي بعد عشرين يومًا فقط من زيارة السادات إلى القدس وخطابه الشهير في الكنيست الإسرائيلي، حمل عنوان «المعركة معركتنا نحن»، أيّد يوسف إدريس فيه بوضوح سعي السادات للسلام، يقول في هذا المقال: «لا يوجد عاقل واحد يستطيع أن يقول للرئيس السادات: أخطأتَ. ذلك أن السلام ليس هو الخطأ، إن الحرب في أحيان تكون الخطأ، بل أحيانًا الجرم الأكبر».

من السهل هنا اتهام إدريس بالتلون وتقلّب المواقف، لكن علينا أن نتذكّر أنه عُرِضت عليه جائزة نوبل بالمشاركة مع كاتب إسرائيلي فرفض هادرًا: «هل تريدون مني أن أتقاسمها مع كاتب إسرائيلي؟ هل ترغبون في صورة جديدة لجائزة بيجن - السادات؟»، ولو أنه وحده مَن روى الواقعة لأمكن التشكيك فيها، غير أن الكاتب السويدي شل اسبمارك – عضو الأكاديمية السويدية التي تمنح الجائزة – أقرّ بهذه الحادثة في كتابه «جائزة الأدب» الصادر عام 2001م، فقط مع تغيير تفصيل صغير، وهو أن الذي عرضها على إدريس هو أحد قادة الأحزاب السياسية في السويد وليس لجنة الجائزة كما صرح إدريس مرارًا.

من هنا نفهم خيبة الأمل الشديدة التي انتابت إدريس بعد إعلان فوز نجيب محفوظ بنوبل عام 1988، واتصاله بالفنانة فاتن حمامة ليخبرها أنه الأحق من محفوظ بهذه الجائزة، ثم انخراطه في سلسلة تصريحات تهاجم محفوظ وتتهم الصهيونية العالمية بمنحه الجائزة لموقفه المؤيد لمعاهدة كامب ديفيد، رغم أن إدريس قبل إعلان الجائزة بسنتين فقط، وتحديدًا في عدد سبتمبر 1986 من مجلة الهلال المصرية أجاب عن سؤال الصحفية هبة عادل عيد: «إذا عُرِضتْ عليك جائزة نوبل هل ستقبلها؟» بقوله: «نعم سأقبلها، وإن كنتُ أرى أن توفيق الحكيم ونجيب محفوظ أحق مني بالجائزة»!

وبالعودة إلى موقفه من فلسطين نستعيد إجابته في حواره المطول مع الكاتب الفلسطيني حسن حميد الذي سأله عن محمود درويش، فأجاب: «إنه ليس شاعرا فقط، إنه ظاهرة إبداعية، شأنه في ذلك شأن ظواهر إبداعية فلسطينية أخرى، مثل: جبرا إبراهيم جبرا، وإحسان عباس، وإدوارد سعيد، وغسان كنفاني، وأنيس صايغ»، مضيفًا أن «مرجعية هذه الظواهر الإبداعية ليست الثقافة والمعرفة والفنون وحسب، بل هي سيرة الشعب الفلسطيني التاريخية، هذا الشعب الذي ظلّ عصيًّا على الاندثار والانحناء رغم كلّ ما تعرّض له من أذيات مهولة لأنه شعب خُلق للعمران والحضارة والإبداع في برزخ حضاري واقع بين قارتي آسيا وإفريقيا».

خلاصة القول، يبدو لي موقف يوسف إدريس من القضية الفلسطينية - في الصورة الكلية – منسجمًا مع احتفائه ككاتب طليعي بالحرية والعدالة الإنسانية، والذي تجسّد أيضًا في انخراطه في الثورة الجزائرية في شبابه. أما مجاملته للسادات في ذلك المقال عام 1977 فيمكن فهمه من العلاقة الخاصة التي كانت تربطه بالسادات في ذلك الوقت، والتي جعلته يكتب ثلاثة كتب تحمل اسم السادات معتبرًا ذلك «مهمّة وطنية عُليا»، ولعل موقفه من كامب ديفيد في ذلك الوقت المبكّر (حيث لم توقّع المعاهدة بعد، ولم يقف أحد على نتائجها وتداعياتها) كان نابعًا من إيمان حقيقيّ أنها يمكن أن تؤدي إلى سلام دائم.

سليمان المعمري كاتب وروائي عماني

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: یوسف إدریس کامب دیفید فی ذلک

إقرأ أيضاً:

مركز أبو ظبي للغة العربية يفتح باب الترشح لجائزة "سرد الذهب"

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

فتح مركز أبوظبي للغة العربية باب الترشّح للدورة الثالثة من جائزة "سرد الذهب"، التي أطلقها لتكريم رواة السير والسرود الشعبية، وإثراء فنون السرد القصصي، وإحياء فن الحكاية الشعبية وروايتها لدى الأجيال الجديدة محليا وعربيا، على أن يستمر التسجيل حتى 31 مايو  2025.

تضيف الجائزة تكاملا واسعا لمبادرات المركز من حيث محاورها التي تركز على جوانب متنوعة من الثقافة والتراث، فهي تضيء على الموروث الثقافي الغني لفنون السرد والحكاية، وتبرز دور فنّ الأساطير والرواية الشعبية في تشكيل الذاكرة الجمعية والوجدانية للأجيال، لما لها من قدرة على  تشكيل وتوحيد الرؤى، والتطلعات بطريقة ملهمة، تجذب الجمهور، وتسعدهم، وترتقي بفكرهم، ومعرفتهم.

وتدعم الجائزة استمرارية فنون السرد الشعبي والقصصي، والحد من تأثير المتغيرات العصرية، كونها تُعد منصة مبتكرة لرواة فنون السرود والأعمال التراثية لعرض إصداراتهم الإبداعية ضمن بيئة رائدة داعمة تحتفي بهم، كما أنها تشكل حصانة لرسوخ معايير السرود والفنون الشعبية، وتجنّب تشويهها وتحريفها.

ومنذ انطلاقها في العام 2023 حقّقت الجائزة نموا مستمرا، إذ استقبلت في نسختها السابقة 1213 ترشيحا لفروعها الستة من 34 دولة منها 19 عربية، وبنسبة نمو بلغت 23% في حجم المشاركات، مقارنة بالنسخة الأولى التي تلقت 983 مشاركة.

وتوقع سعادة الدكتور علي بن تميم، رئيس مركز أبوظبي للغة العربية، أن تحظى الدورة الثالثة من الجائزة بإقبال واسع على المشاركة، بعد أن أصبحت منصّة جاذبة لرواد الفنون الشعبية والبصرية والسرود، وملتقى لأصحاب هذا الفن وعشاقه، على الرغم من حداثتها، مؤكدا اهتمام المركز بترسيخ مكانة الجائزة، التي تستقي اسمها من فكر وأشعار الأب المؤسس الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، عبر التطوير المستدام لمعايير الجائزة، والإضاءة على مخرجاتها، والاحتفاء بالفائزين وتكريمهم، داعياً المبدعين والباحثين لتقديم ترشيحاتهم خلال المدة المحددة ليضمنوا المشاركة في هذه التظاهرة الأدبية والثقافية العالمية.

وقال سعادته: تُعد الجائزة واحدة من أبرز مبادرات المركز التي تجسد حرصنا على التنوع الثقافي، والمعرفي، والاهتمام بتشجيع مختلف أنواع الإبداع والبحث في الثقافة والتراث، ممثلة في فنون السرد، والقصة القصيرة، والحكاية وغيرها من أنواع الإبداع القادرة على استحضار التراث  ودمجه في الذاكرة الحية للمجتمع، وتعزيز حضوره في نفوس الأجيال لتعكس الهوية الثقافية الإماراتية والعربية المميزة، وهو ما يلتقي مع أهداف المركز، ودور إمارة أبوظبي في تعزيز اللقاء والتواصل الحضاري بين الأجيال، وإحياء وتعزيز مكانة اللغة العربية لغة للفنون، والعلم، والمعرفة.

وتهدف الجائزة عبر فروعها الستة إلى تكريم رواة السير والسرود الشعبية، ودعم فنون السرد القصصي التي تسلط الضوء على التراث الإماراتي والعربي بطرق إبداعية.

يتمحور فرع القصة القصيرة حول قسمين، يركز الأول على الأعمال السردية غير المنشورة للاحتفاء بالإبداعات السردية الجديدة ونشرها، فيما يركز القسم الثاني على الأعمال السردية المنشورة، سعيا إلى إعادة إنتاج الموروث الشعبي بأسلوب فني، إضافة إلى فرع السرود الشعبية للحكايات والدراسات التي تحلل السرديات الشعبية ودورها في تشكيل الهوية الثقافية، وفرع الرواة؛ الذي يُكرّم رواة السير الشعبية محليا وعربيا، وفرع السرد البصري؛ للأعمال التي تجمع بين النص الأدبي والصورة الفنية.

كما تضمّ الجائزة فرع السردية الإماراتية، وتُمنح لشخصيات حقيقية أو اعتبارية أو للأعمال المتميزة باللغة العربية وغيرها من اللغات الأخرى التي تعزز السردية الإماراتية، وترسخ القيم التي انطلق منها فكر مؤسسي دولة الإمارات وقادتها، وهي قيم استئناف الحضارة والمثاقفة والحوار والتسامح، والاعتدال، والتعايش بين البشر.

وعلى الراغبين في الترشّح للجائزة اختيار الفرع الذي يناسب العمل المتقدَّم به، وتعبئة «نموذج الترشُّح»، الذي يمكن الحصول عليه من الموقع الإلكتروني لمركز أبوظبي للغة العربية  ، أو عبر المراسلة على البريد الإلكتروني.

كما يجب أن يُرفق نموذج الترشح بخمس نسخ من العمل المتقدَّم به، إلى جانب السيرة الذاتية والعلمية والإبداعية للمرشِّح، وصورة من جواز السفر، وصورة شخصية.

وتتضمن معايير الترشح أن تكون الأعمال المقدمة مكتوبة باللغة العربية، باستثناء فرع "السردية الإماراتية" الذي يستقبل الأعمال بلغات أخرى، كما يسمح للمشارك بالتقدم بعمل واحد فقط لكل دورة، بشرط ألا يكون العمل فائزا بجائزة أخرى في العام نفسه، ويمكن إعادة الترشح بالأعمال السابقة بعد استيفاء الشروط المحددة.

وتستقبل الجائزة الترشحات في جميع فروعها من الأفراد والأشخاص، والمؤسسات الثقافية، والأكاديمية، فيما يتم الترشّح لفرع «السردية الإماراتية» من خلال المؤسسات الأكاديمية والبحثية والثقافية ومن اللجنة العليا للجائزة، ولا تُمنح الجائزة لعمل سبق له الفوز بجائزة عربية أو أجنبية كبرى، مع ضرورة الالتزام بالشروط الواردة في "نموذج الترشح" في كل فرع، ويمكن إعادة الترشُّح للجائزة بالعمل ذاته مع ضرورة استيفاء شرط المدَّة الزمنية، والتقدُّم بطلب لذلك.
وتمرّ الجائزة بالعديد من المراحل لاختيار قوائم الترشيحات، ومن ثم اختيار الفائزين وتكريمهم، بناء على معايير حوكمة كفؤة وعادلة، وبإشراف لجان متخصصة، وتبلغ القيمة الإجمالية للجوائز المقدمة للفائزين سنوياً مليوني درهم إماراتي.

و"سرد الذهب" هي جائزة سنوية أطلقها مركز أبوظبي للغة العربية، تقديرالرواة السير والآداب والسرود الشعبية محليا وعربيا.

وتسعى الجائزة إلى تكريم الموهوبين والمبدعين ممن رصدوا تاريخ الحياة في دولة الإمارات وموروثها الشعبي، ومسيرة تطورها على مرّ العقود جمعاً ودراسةً محليا وعربيا عالميا بأسلوب عصري مبتكر، وذلك من خلال ست فئات تشمل: القصة القصيرة للأعمال السردية غير المنشورة، والقصة القصيرة للأعمال السردية المنشورة، والسرود الشعبية، والرواة، والسرد البصري، والسردية الإماراتية. وتبلغ القيمة الإجمالية للجائزة مليوني درهم إماراتي.

مقالات مشابهة

  • حزب السادات: تصريحات ترامب اعتراف صريح برؤية مصر بشأن القضية الفلسطينية
  • حزب السادات: تصريحات ترامب اعتراف صريح برؤية مصر تجاه القضية الفلسطينية
  • قطع المياه في عدة مناطق بالمنوفية غدا للصيانة
  • "أبوظبي للغة العربية" يفتح باب المشاركة في "كنز الجيل"
  • "الإمارات للشحن الجوي" تنال جائزة أفضل ناقلة شحن دولية
  • مركز أبو ظبي للغة العربية يفتح باب الترشح لجائزة "سرد الذهب"
  • بالصور.. الاحتفاء بإطلاق جائزة رابطة الأدباء للشعر والسرد الأدبي بالكويت
  • جائزة المقال الإماراتي.. 16 مارس آخر موعد للتقديم
  • رحيل الأديب الحارثي
  • انطلاق جائزة حمدان – الألكسو للبحث التربوي المتميز