لجريدة عمان:
2025-03-31@19:08:06 GMT

يوسف إدريس والقضية الفلسطينية

تاريخ النشر: 18th, May 2024 GMT

ظهيرة يوم السبت؛ الثامن من يوليو 1972م، كان الشاعر الفلسطيني المقيم في مصر مُريد البرغوثي يجري لقاءً أدبيًّا في إذاعة القاهرة حين بلغه خبر اغتيال إسرائيل الأديبَ الفلسطيني غسان كنفاني في بيروت في اليوم ذاته. هرع من فوره مع الأديب المصري سليمان فياض إلى مبنى جريدة «الأهرام» لمقابلة الأديب الكبير يوسف إدريس، الذي تمر هذه الأيام ذكرى ميلاده السابعة والتسعون (وُلِدَ في 19 مايو 1927م).

طلبا منه المساعدة في إقامة جنازة رمزية لكنفاني في القاهرة تتزامن مع ساعة تشييع جنازته في بيروت، فرحب بذلك دون تردد. أقيمت الجنازة الرمزية التي مشت من مقهى ريش إلى نقابة الصحفيين وشارك فيها ما يقارب الخمسين كاتبًا، حسبما روى البرغوثي في كتابه «رأيتُ رام الله»، وعندما وصلوا إلى النقابة أخذ رجال الأمن المصري يوسف إدريس إلى الداخل وبقي الآخرون في حديقة النقابة ينتظرون خروجه. وجه الضابط لإدريس سؤالا محددا: «هل كان معكم فلسطينيون في المسيرة؟» فأجاب: «أنا حقول لك أسامي الخمسين شخص كلهم. اكتب عندك: يوسف إدريس، يوسف إدريس، يوسف إدريس، يوسف إدريس، يوسف إدريس، يوسف....»

لأول وهلة يستطيع المرء أن يستنتج من هذه الحكاية ارتباط الأديب المصري الكبير بالقضية الفلسطينية، وإيمانه العميق بها. ويمكن أن يضيف إليها مقالاته في جريدتَيْ «الجمهورية» و«الأهرام» المحتفية بانطلاق الكفاح المسلح من قبل منظمة التحرير الفلسطينية عام 1965م، وحرصه على الحديث الدائم في إذاعة فلسطين (التابعة لـ«صوت العرب»)، وصولًا إلى موقفه الرافض لمعاهدة كامب ديفيد. غير أن مقاربة موقف يوسف إدريس «الحقيقي» من القضية الفلسطينية هي مهمة شائكة ويحفّها الكثير من التعقيد، ليس تشكيكًا في مواقفه لا سمح الله، ولكن لأن هذه المواقف، كانت تناقِضُها أحيانًا مواقفُ أخرى مضادة.

على سبيل المثال نشر إدريس كتابه «البحث عن السادات» بعد ثلاث سنوات من اغتيال الرئيس المصري، وانتقد فيه معاهدة كامب ديفيد وخَلُص فيه إلى أن «موقف السادات إما خيانة، وإما تفريطٌ لحدّ أقصى درجات الخيانة»، في حين يخبرنا بشري عبد المؤمن في كتابه «أنا يوسف إدريس» أن الأديب الكبير كتب مقالًا ذا مضمون آخر في جريدة «الأهرام» بتاريخ 9 ديسمبر 1977م، أي بعد عشرين يومًا فقط من زيارة السادات إلى القدس وخطابه الشهير في الكنيست الإسرائيلي، حمل عنوان «المعركة معركتنا نحن»، أيّد يوسف إدريس فيه بوضوح سعي السادات للسلام، يقول في هذا المقال: «لا يوجد عاقل واحد يستطيع أن يقول للرئيس السادات: أخطأتَ. ذلك أن السلام ليس هو الخطأ، إن الحرب في أحيان تكون الخطأ، بل أحيانًا الجرم الأكبر».

من السهل هنا اتهام إدريس بالتلون وتقلّب المواقف، لكن علينا أن نتذكّر أنه عُرِضت عليه جائزة نوبل بالمشاركة مع كاتب إسرائيلي فرفض هادرًا: «هل تريدون مني أن أتقاسمها مع كاتب إسرائيلي؟ هل ترغبون في صورة جديدة لجائزة بيجن - السادات؟»، ولو أنه وحده مَن روى الواقعة لأمكن التشكيك فيها، غير أن الكاتب السويدي شل اسبمارك – عضو الأكاديمية السويدية التي تمنح الجائزة – أقرّ بهذه الحادثة في كتابه «جائزة الأدب» الصادر عام 2001م، فقط مع تغيير تفصيل صغير، وهو أن الذي عرضها على إدريس هو أحد قادة الأحزاب السياسية في السويد وليس لجنة الجائزة كما صرح إدريس مرارًا.

من هنا نفهم خيبة الأمل الشديدة التي انتابت إدريس بعد إعلان فوز نجيب محفوظ بنوبل عام 1988، واتصاله بالفنانة فاتن حمامة ليخبرها أنه الأحق من محفوظ بهذه الجائزة، ثم انخراطه في سلسلة تصريحات تهاجم محفوظ وتتهم الصهيونية العالمية بمنحه الجائزة لموقفه المؤيد لمعاهدة كامب ديفيد، رغم أن إدريس قبل إعلان الجائزة بسنتين فقط، وتحديدًا في عدد سبتمبر 1986 من مجلة الهلال المصرية أجاب عن سؤال الصحفية هبة عادل عيد: «إذا عُرِضتْ عليك جائزة نوبل هل ستقبلها؟» بقوله: «نعم سأقبلها، وإن كنتُ أرى أن توفيق الحكيم ونجيب محفوظ أحق مني بالجائزة»!

وبالعودة إلى موقفه من فلسطين نستعيد إجابته في حواره المطول مع الكاتب الفلسطيني حسن حميد الذي سأله عن محمود درويش، فأجاب: «إنه ليس شاعرا فقط، إنه ظاهرة إبداعية، شأنه في ذلك شأن ظواهر إبداعية فلسطينية أخرى، مثل: جبرا إبراهيم جبرا، وإحسان عباس، وإدوارد سعيد، وغسان كنفاني، وأنيس صايغ»، مضيفًا أن «مرجعية هذه الظواهر الإبداعية ليست الثقافة والمعرفة والفنون وحسب، بل هي سيرة الشعب الفلسطيني التاريخية، هذا الشعب الذي ظلّ عصيًّا على الاندثار والانحناء رغم كلّ ما تعرّض له من أذيات مهولة لأنه شعب خُلق للعمران والحضارة والإبداع في برزخ حضاري واقع بين قارتي آسيا وإفريقيا».

خلاصة القول، يبدو لي موقف يوسف إدريس من القضية الفلسطينية - في الصورة الكلية – منسجمًا مع احتفائه ككاتب طليعي بالحرية والعدالة الإنسانية، والذي تجسّد أيضًا في انخراطه في الثورة الجزائرية في شبابه. أما مجاملته للسادات في ذلك المقال عام 1977 فيمكن فهمه من العلاقة الخاصة التي كانت تربطه بالسادات في ذلك الوقت، والتي جعلته يكتب ثلاثة كتب تحمل اسم السادات معتبرًا ذلك «مهمّة وطنية عُليا»، ولعل موقفه من كامب ديفيد في ذلك الوقت المبكّر (حيث لم توقّع المعاهدة بعد، ولم يقف أحد على نتائجها وتداعياتها) كان نابعًا من إيمان حقيقيّ أنها يمكن أن تؤدي إلى سلام دائم.

سليمان المعمري كاتب وروائي عماني

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: یوسف إدریس کامب دیفید فی ذلک

إقرأ أيضاً:

خالد عمر يوسف يكتب: قصة قصيرة “بعض الشيء”

خالد عمر يوسف في مثل هذا اليوم قبل ستة أعوام فقط، انقضت القوات المسلحة والدعم السريع وكتائب الحركة الإسلامية على ساحة الإعتصام لتفتك بالمعتصمين السلميين أمام “القيادة العامة” قتلاً وسحلاً وحرقاً واغتصاباً، وخرج البرهان ليلاً ليعلن عبر بيان “قررنا وقف التفاوض مع الحرية والتغيير والغاء كل ما اتفق عليه وسنعين حكومة تكنوقراط” وبالطبع أنا الرئيس نقطة سطر جديد. لم يستسلم الشعب وخرج في مليونيات مقاومة باسلة تحدت إرهاب العسكر وبطشهم، لينتهي الأمر باتفاق سياسي بين المجلس العسكري والقوى المدنية ممثلة في الحرية والتغيير، التي رأت أن طريق السلم والتفاوض هو الطريق الأقصر لحقن دماء الناس وتحقيق غاياتهم دون موت أو دمار، في حين رأى ثوار آخرين بأنه خيانة ومصافحة للقتلة وشراكة دم مع “القوات المسلحة والدعم السريع” الذين لا تجوز مصافحتهم، ولكل رأي هنا حجته ومنطقه على كل حال. بعد عامين فقط من هذا الاتفاق نكث العسكر عهدهم وانقلبت “القوات المسلحة والدعم السريع” على الفترة الانتقالية، عقب هتاف قادة اعتصام القصر “سابقاً”، وقادة المشتركة والقوى الوطنية “حالياً”، “الليلة ما بنرجع الا البيان يطلع”، وخرج البرهان عليهم بالبيان “قررنا شطب اسم الحرية والتغيير من الوثيقة الدستورية والغاء بعض ما اتفق عليه وسنعين حكومة تكنوقراط” وبالطبع أنا الرئيس نقطة سطر جديد. لم يستسلم الشعب وخرج في مليونيات مقاومة باسلة تحدت ارهاب العسكر وبطشهم، تفنن قادة الانقلاب في قتل الثوار وسحلهم في بحري وامام القصر وشروني وغيرها، رأت القوى المدنية ممثلة في الحرية والتغيير وقوى أخرى أن البلاد ستسير إلى حرب وخرجت ونبهت بذلك، واختارت طريق السلم والتفاوض كأقصر طريق لحقن دماء الناس وابتدرت العملية السياسية وتم توقيع الاتفاق الاطاري، في حين رأى ثوار آخرين بأنه خيانة ومصافحة للقتلة وشراكة دم مع “القوات المسلحة والدعم السريع” الذين لا تجوز مصافحتهم، وأن الحديث عن اقتراب الحرب ما هو إلا فزاعة، ولكل رأي هنا حجته ومنطقه على كل حال. اختلفت القوات المسلحة والدعم السريع وتباينت طرقهم عقب الانقلاب وتصاعد الأمر حتى انفجرت حرب ١٥ ابريل، مات مئات الآلاف، تشرد الملايين وفقدوا حياتهم، ارتكب المتقاتلون كل الموبقات في حق المدنيين العزل، قتل وتشريد واغتصاب ونهب وسلب وقصف مدفعي وجوي، احترقت العاصمة ومدن الأقاليم وأريافها، احترقت القيادة العامة والقصر الجمهوري وساحات بحري وشروني وغيرها. دخل البرهان القصر فاتحاً، وكان قبلها قد أعلن تعديلاته على الوثيقة الدستورية وخلاصتها “قررنا شطب اسم الحرية والتغيير والدعم السريع من الوثيقة الدستورية وقيادة البلاد بمجلس سيادة من القوات المسلحة والحركات وسنعين حكومة تكنوقراط” وبالطبع أنا الرئيس نقطة سطر جديد. عقب عبور بحور الدماء هذه وحريق البلاد، أخرج البعض “استيكة” لمسح وقائع الأمس القريب، وكتابة رواية جديدة للتاريخ من سفك الدماء هو “المخلص والبطل”، ومن تمسك بحقن النزيف وبالسلام هو “الخائن والعميل”. خرج أحد العسكر ليقول انفضوا عن اذهانكم أحلام المدنية والديمقراطية سنستمر في الحكم لأربعة دورات انتخابية، ولو اجتمعتم جميعاً على انتخاب شخص “عميل” سننقلب مرة أخرى!! كيف لا فهم الملوك والشعب رعية “وبلاش مدنية وكلام فارغ” .. حكم العسكر السودان لستة وخمسين عاماً منذ استقلال السودان وبفضل حكمهم “الرشيد” ها نحن نعيش الآن في “سباب ونبات” .. انقسم السودان لبلدين وقد ينقسم لأكثر من ذلك، دمار وموت وحريق وفقر وجوع وتشرد، لكن يقول البعض لا بأس لا بد من المزيد من حكم العسكر، فلا زال في بلوغ الحضيض متسع، فهيا بنا لنبلغه. هنيئاً لمن أراد الاستسلام لروايات تزييف التاريخ القريب التي تزين الباطل وتشوه الحق، أما نحن فقد اخترنا طريق السعي نحو الحرية ومواجهة الحقائق كما هي لا كما يريد البعض تزييفها، هو طريق شاق ومرهق ولكنه يحمل في آخره الانعتاق والخلاص، سار شعب السودان هذا الطريق من قبل وبلغ منتهاه في اكتوبر وأبريل وديسمبر، وبإذن الله ستكون حرب البشاعة التي تحرق بلادنا هذه آخر الأحزان والآلام، ستكون كذلك بمواجهة الحقائق كما هي لا باتباع دعايات الكذب التي تدغدغ المشاعر وتحتقر العقول. تستهدف صرخات وضجيج من يزيفون التاريخ القريب، أن تخرس أصوات الذين يفضحون أباطيلهم بقول الحق ولا شيء غير الحق، نقول لهم استعدوا لمزيد من الضجيج فلن نسكت عن قول الحق ما دام فينا قلب ينبض، وفي نهاية المطاف نؤمن بأنه لن يصح إلا الصح وأن الحق باقٍ لا محالة. الوسومخالد عمر يوسف

مقالات مشابهة

  • أحمد السعدني بعد عرض نهاية مسلسل لام شمسية : حق يوسف رجع
  • يوم الجائزة الكبرى.. رسالة الملائكة للمسلمين في عيد الفطر
  • بعد صلاة العيد.. مدينة السادات تتضامن مع غزة بحشد جماهيري ضخم
  • الحلقة الأخيرة من وتقابل حبيب.. موت يوسف ورقية وزواج فارس
  • لام شمسية الحلقة الأخيرة: الطفلان يوسف وإسماعيل يشهدان ضد وسام أمام المحكمة
  • قصة واقعية .. عصام يوسف يعلن مشاركته في موسم دراما رمضان 2026
  • هل قتل يوسف عمر غادة عبد الرازق في مسلسل شباب امرأة
  • السادات: مصر تشهد تحولات استراتيجية ومشروعات قومية تغير وجه التنمية
  • رئيسة رابطة أمهات المختطفين تفوز بجائزة الشجاعة الدولية
  • خالد عمر يوسف يكتب: قصة قصيرة “بعض الشيء”