التصدي لخطاب الكراهية، الاستثناء في تقييد الحرية


إيمان فضل السيد

إذا كان تعريف حرية التعبير بأنها قدرة الشخص على التعبير عما يفكر فيه دون أن يكون عرضة للانتقام، فإن التصدي لخطاب الكراهية هو الاستثناء في تقييد حرية التعبير لأن هنا تحديدا يكون الضرر من حرية التعبير أكبر من الضرر من تقييدها.
يظل نطاق الحق في حرية التعبير واسع جدا ومتنوع يشمل التعبير عن الآراء والأفكار والمعتقدات التي ربما يجدها الآخرون مسيئة لهم ولكن عندما تصل الإساءة إلى حد الازدراء المبني على أساس الهوية سواء كان موجها لشخص أو مجموعة فهو مرفوض تماماً.

وبمعنى آخر أي إساءة قائمة على أساس الدين أو الانتماء ألاثني أو الجنسية أو العرق أو اللون أو الأصل أو نوع الجنس أو احد العوامل الأخرى المحددة للهوية هي غير مقبولة ويجب التصدي لها بقوة.
لابد أن تكون التدابير المتخذة بشان محاربة خطاب الكراهية متماشية مع القواعد والمعايير الدولية لحقوق الإنسان ولاسيما الحق في حرية الرأي والتعبير لذا فان الصحفيين والمؤسسات الإعلامية على وجه الخصوص يقع عليهم العبء الأكبر في محاربة انتشار هذا النوع من الخطاب بخلق التوازن بين حرية التعبير كقيمة سامية وبين تقييدها لقيمة أسمى وهي الحفاظ على كرامة الإنسان من التعرض إلى أي شكل من أشكال التمييز العنصري.
خطاب الكراهية غالباً ما يستمد جذوره من مشاعر التعصب والكراهية الكامنة نتيجة غبن سابق أو ثقافة مجتمعية متجذرة، لذا فإن التصدي لهذا النوع من الخطاب يتطلب استجابة منسقة تعالج هذه القضايا من جذورها كونها العوامل المحركة لهذا الخطاب فضلا عن أثره على الضحايا والمجتمعات بصورة أعم.
وقبل فرض لوائح وقوانين لمحاربة خطاب الكراهية يجب التعرف على ماهية خطاب الكراهية وأشكاله حتى يتثنى للجميع نبذه والتصدي له. فلا يمكن مثلا أن نصنف مشكلة شخصية آنية بين اثنين جرت فيها ملاسنات وإساءات شخصية من طرف ضد الآخر على انه خطاب كراهية فخطاب الكراهية يكون كذلك عندما تتعدى فيه دوافع الإساءة من كونها شخصية إلى دوافع مبنية على أساس عنصري بغيض.
في ظل العصر الرقمي هذا نجد من الضروري التركيز على الجيل الجديد من مواطني التكنولوجيا الرقمية وتمكينهم من التعرف على شكل هذا الخطاب للتصدي له ومحاربته عوضاً عن أن تكون منصات التواصل الاجتماعي هي المتسبب الرئيس في تداوله وانتشاره بهذا الشكل العشوائي بلا كنترول. فالكنترول الذي يمكن أن نخلقه في الوسائط الرقمية هو استهداف الجيل الرقمي للتصدي لهذه المهمة.
لا شك أن الأمر يتطلب تنسيق واسع بين مختلف أفراد وأجسام المجتمع لجمع المعلومات وإجراء البحوث بشأن عدة مساءل أهمها الأسباب الكامنة وراء خطاب الكراهية ودوافعه والظروف المؤدية إلى ظهوره وهذا الدور تقوم به المؤسسات الأكاديمية ومراكز البحوث لتعزيز الجهود في التصدي لهذه الأسباب الجذرية والعوامل المحركة لخطاب الكراهية.
علينا ألا نغفل أولاً أهمية إجراء رصد لخطاب الكراهية وتحليله وذلك يتطلب مقدرة الجهات المعنية على تحديد توجهات خطاب الكراهية حتى يتثنى لها رصدها وجمع البيانات بشأنها وتحليلها وهذا الدور يمكن أن تقوم به عدة جهات ومنظمات حقوقية وإعلامية.
معالجة الأسباب الجذرية الكامنة وراء خطاب الكراهية يتطلب الوقوف على العوامل المحركة للخطاب والجهات الفاعلة فيه من أجل اتخاذ الإجراءات اللازمة لمعالجة أثره أو التخفيف منه كما ينبغي التضامن مع ضحايا خطاب الكراهية وتقديم الدعم القانوني والسند النفسي لهم.

الوسومحرب السودان حرية الرأي حملة كلنا واحد مناهضة خطاب الكراهية

المصدر: صحيفة التغيير السودانية

كلمات دلالية: حرب السودان حرية الرأي مناهضة خطاب الكراهية

إقرأ أيضاً:

جدلية الخطاب الأبوي بين المسؤولية والاعتذار


 

أحمد بن محمد العامري

الأسرة هي الخلية الأولى التي يتكون فيها الإنسان وفيها تنشأ أولى علاقاته الاجتماعية والنفسية، فالعلاقة بين الزوجين تشكل العمود الفقرى لهذه المؤسسة حيث يتشاركان مسؤولية التربية والرعاية بما يضمن لأفراد الأسرة بيئة صحية ومستقرة. ومع ذلك، يظهر في هذه العلاقة أحياناً خطاب يعكس اختلافات في التصورات بين الزوجين حول دور كل منهما في حياة الأبناء، ومن أكثر العبارات لفتاً للانتباه هو خطاب الزوجة الذي يتبدل بين "أولادك" عند الحديث عن المشكلات أو الأعباء، و"أولادي" عند الحديث عن الإنجازات أو اللحظات المشرقة أو العكس، هذا التباين الظاهري في اللغة يعبر عن أبعاد نفسية واجتماعية وثقافية عميقة تستحق التأمل.

عندما تلجأ الزوجة إلى استخدام عبارة "أولادك" أثناء مواجهة المشكلات أو تحمل أعباء المصاريف فإنها تعبر عن محاولة نفسية لتخفيف الضغط الواقع عليها، علم النفس يفسر ذلك على أنه آلية دفاعية تُعرف بالإسقاط، حيث يُلقى جزء من المسؤولية على الطرف الآخر لتخفيف الشعور بالعبء أو الفشل، هذا الخطاب قد يعكس كذلك شعوراً بعدم التوازن في تقسيم المهام داخل الأسرة، حيث تحمل الأم العبء الأكبر من العناية اليومية بالأبناء وتنتظر من الأب أن يشارك بشكل أكبر عند ظهور التحديات.

على الجانب الآخر، عندما تقول الزوجة "أولادي" في لحظات الفخر أو الاعتزاز بإنجازات الأبناء فإنها تعبر عن ارتباط عاطفي عميق معهم وشعور بأنها المساهم الأكبر في تربيتهم ونجاحهم، هذه اللغة تتماشى مع ما يُعرف في علم النفس بنظرية الإنجاز الذاتي، التي تبرز كيف يرى الفرد إنجازات الآخرين، خاصة المقربين منه، كامتداد لجهوده الشخصية وهويته، هذا الفخر ينبع أيضاً من القرب اليومي والعاطفي الذي يربط الأم بالأبناء، وهو نتاج الدور التقليدي الذي يجعلها الأقرب إلى تفاصيل حياتهم.

على المستوى الاجتماعي، يعكس هذا الخطاب توزيع الأدوار داخل الأسرة كما تحدده الثقافة، كثير من المجتمعات تُعتبر الأم الحاضن العاطفي الأول للأبناء والمسؤولة عن تفاصيل حياتهم اليومية، بينما يُنظر إلى الأب كمصدر للسلطة والمسؤول عن توفير الموارد وحل الأزمات. لذلك، عندما تواجه الأم تحديات مع الأبناء، ترى في الأب شريكاً يتحمل المسؤولية عن الأزمات التي لا تستطيع السيطرة عليها بمفردها، مما يجعل عبارة "أولادك" أداة ضمنية لدعوته إلى التدخل. في المقابل، يُبرز استخدام "أولادي" في اللحظات الإيجابية شعوراً بأن الأم هي الأقدر على فهم الأبناء ورؤية جهودها في نجاحاتهم.

لكن الأثر الحقيقي لهذا الخطاب لا يتوقف عند الزوجين، بل يمتد ليطال الأبناء أنفسهم. اللغة التي يُخاطب بها الأبناء تؤثر بشكل كبير على تكوين شخصيتهم وشعورهم بالانتماء داخل الأسرة، فعندما يسمع الأبناء عبارة "أولادك" في سياقات سلبية قد يشعرون بأنهم عبء أو مصدر للمشكلات، مما يضعف ثقتهم بأنفسهم أو يعزز شعورهم بالانفصال عن أحد الوالدين. على النقيض، استخدام "أولادي" في سياقات إيجابية يعزز شعور الأبناء بالفخر والانتماء لكنه قد يُشعرهم أحياناً بأن العلاقة بينهم وبين الأب أقل قوة إذا لم يُظهر الأب نفس التقدير.

إن الخطاب الأبوي المتوازن يلعب دوراً محورياً في تعزيز استقرار الأسرة وبناء الثقة بين أفرادها، واستخدام لغة تشاركية مثل "أولادنا" يعكس إحساساً مشتركاً بالمسؤولية ويُظهر للأبناء أنهم ثمرة شراكة بين الوالدين، كما أن إظهار التقدير المتبادل بين الزوجين لجهود كل منهما في التربية يعزز روح التعاون ويُزيل أي شعور بالتنافس أو تحميل المسؤولية. من المهم أيضاً أن يتم التعامل مع المشكلات المتعلقة بالأبناء كقضايا مشتركة بعيداً عن إلقاء اللوم، ما يُظهر نموذجاً إيجابياً للأبناء حول كيفية حل المشكلات بطريقة بناءة.

الثقافة المجتمعية تلعب دوراً كبيراً في تشكيل هذا الخطاب، حيث تحدد معايير الأدوار بين الرجل والمرأة داخل الأسرة. في المجتمعات التي تتبنى نماذج تشاركية حديثة، يظهر خطاب أكثر توازناً بين الزوجين، بينما في الثقافات التقليدية قد يميل الخطاب إلى تقسيم الأدوار بشكل يبرز الفروقات بين الأب والأم، ولكن مع تطور المفاهيم الأسرية وتزايد الدعوات للمساواة في الأدوار، يمكن تعزيز خطاب أكثر تشاركية يعكس تغيرات إيجابية في بنية الأسرة.

في النهاية، حديث الزوجة مع الزوج حول الأبناء بين "أولادك" و"أولادي" ليس مجرد تفصيل يومي عابر، بل هو مرآة تعكس التفاعلات النفسية والاجتماعية داخل الأسرة، ومن خلال العمل على تطوير هذا الخطاب ليكون أكثر شمولية وتوازناً، يمكن تعزيز الروابط الأسرية وضمان بيئة إيجابية لنمو الأبناء.
الأبناء ليسوا مجرد مسؤولية فردية، بل هم ثمرة شراكة تحمل في طياتها تحديات وإنجازات مشتركة، والنجاح الحقيقي في التربية يتحقق عندما يشعر كل فرد في الأسرة، سواء كان أباً أو أماً أو ابناً، بأنه جزء من كيان واحد يُبنى على الحب والدعم والمسؤولية المشتركة.
ahmedalameri@live.com

مقالات مشابهة

  • نائب وزير المالية: تعزيز النمو المستدام فى إفريقيا يتطلب تضافر الجهود لخلق نظام مالى عالمي جديد أكثر عدالة وإنصافًا للبلدان النامية والناشئة
  • صبحي: تعزيز النمو المستدام بأفريقيا يتطلب تضافر الجهود لخلق نظام مالي عالمي جديد أكثر عدالة
  • بنغازي | مبادرة “الشباب يشارك”: خطوات نحو الحد من خطاب الكراهية وتعزيز العملية السياسية
  • شياب ليبيا يناقشون سبل النهوض بالعملية السياسية والتصدّي لخطاب الكراهية
  • علي الدين هلال: وحدة المجتمع تبنى من خلال حرية التعبير عن الرأي
  • مأساة الكلمات الكبيرة: وحدة، حرية، اشتراكية!
  • طرق دبي تستكمل توسعة تقاطع شارع عمر بن الخطاب مع شارع آل مكتوم
  • دبي.. إنجاز توسعة تقاطع شارع عمر بن الخطاب مع «آل مكتوم»
  • جدلية الخطاب الأبوي بين المسؤولية والاعتذار
  • حرية أحمد حسن الزعبي… صوت الوطن لا يُكمم