لجريدة عمان:
2025-04-24@21:56:34 GMT

نازك الملائكة وعروبة الأمس

تاريخ النشر: 18th, May 2024 GMT

لا يُستدعى اسم نازك الملائكة -غالبا- إلا في سياق الحديث عن دورها (البطولي) المشترك مع بدر شاكر السياب في تحرير القصيدة العربية من عُقدة الشطرين والارتهان لسلطة الوزن الخليلي التقليدي على مدى أكثر من أربعة عشر قرنا. هكذا جرى تعريفها للتلاميذ في منهاجهم المدرسي، ولكن ما إن ينتهي الحديث عن ريادة الشعر الحر حتى تنقطع أخبار الشاعرة العراقية وينصرف الاهتمام نحو السيَّاب.

إن أي مقارنة نقدية بين الشاعرين، السيَّاب والملائكة، يمكنها أن تخلص إلى استنتاج عام مفاده بأن أهمية الملائكة في تاريخ الشعر العربي الحديث تتوقف عند حدود الثورة على الشكل؛ ذلك لأن قصيدتها لم تنهض لإنجاز مشروع شعري يواكب هذا التطور الشكلي، بخلاف ما سعى إليه السيَّاب الذي أفاد من تحرر الإيقاع في الكفاح من أجل رؤية جديدة للشعر العربي تمثَّلت معالمها بوضوح في «أنشودة المطر» الأسطورية. أدونيس، مثلا، والذي اهتمَّ باكرا بشعر السيَّاب بعد رحيله فجمع باقةً مختارة من قصائده وقدَّم لها، كان قد عبَّر في أكثر من مناسبة بأن نازك لم تمتلك مشروعا (1). كلمة «مشروع» ربما تكون هي السر هنا: فهل كان غياب الخط والتوجه في كتابتها للشعر، في جو من الضباب الذي أحاط برؤيتها الشعرية منذ منتصف الخمسينيات، خاصة بعد انقلاب 14 يوليو 1958، هو ما دفع بنازك للبحث عن مشروع فكري موازٍ يسند حضورها الثقافي ويعوّض عن فقر التجربة الشعرية؟

كما يتضح من عنوان هذا المقال فهو إعادة كتابة لعنوان أشهر قصائد الشاعر اليمني عبد الله البردوني، قصيدته «أبو تمام وعروبة اليوم». ولكن تجدر الإشارة في البدء إلى أن موضوعنا هنا ليس عن صور العروبة وتمثلاتها في شعر نازك، بل سنبحث عن معنى العروبة في ما خلَّفته نازك من كتابات «فكرية» اتخذت من القومية العربية مطيةً لها ورايةً أيديولوجية منذ البداية. فالشاعرة التي ظلَّت ترواح بين كتابة الشعر والنقد الأدبي اختارت أثناء إقامتها في بيروت أن تقتحم الكتابة الفكرية بدءا بالكتابة عن القومية العربية، أو «حولها» كما يقول عنوان مقالتها «حول القومية العربية» المنشورة عام 1960 في مجلة الآداب اللبنانية، المقالةُ التي سنقرأها لاحقا مضمنةً في كتابها «التجزيئية في المجتمع العربي» الذي يمثل معرضا لمجهودها الفكري كيفما اتفق بين عامي 1953 إلى 1969 حول قضايا المرأة والمجتمع والقومية العربية.

لم يحمّل أحد نازك ما لا تحتمل، فهي من صنَّفت مقالات كتابها المذكور «بحوثا» كما تقول في التقدمة (2)، وعلى الرغم من ذلك فإن الشاعرة، المتمردة دائما، ستستهل مقالتها «حول القومية العربية» بالتمرد على أهم الشروط الموضوعية للبحث، ألا وهو التعريف؛ فهي ترى بدايةً بأن «العروبة» كلمة يحق لها أن تبقى متعالية عن التعريف، وربما مُنزَّهة عنه حالها كحال سائر «المبهمات الجميلة» التي أعيت الفلسفة، مثل «الله» و«الجمال» و«الغيب» والعاطفة»، متبرمة قبل كل شيء من هوسنا الدائم بالتعريفات والوضوح والإحاطة الكاملة بظواهر الكون والأشياء. فهي ترى أن البحث عن التعريفات بدعة غربية هبَّت علينا مع رياح التأثير القادمة «أوروبا المتشككة» التي أسقطت القداسة عن الأشياء، والأهم من ذلك أنها بدعة منافية لطبيعة الإنسان الشرقي «ولا ريب في أن البحث عن التعريفات قد جاءنا من الغرب» وأما نحن، في هذا المشرق العربي، فإننا نمتلك من روحانية الطبع، وغزارة العاطفة ونقاوة الإيمان ما يجعلنا نقف خاشعين مبهورين أمام المغيَّب والمجهول «ولقد حاول الغرب أن يشككنا في قيمة هذه الصفة» غير أنها بقيت مع ذلك مزية فينا لأنها لا تصدر إلا عن اتصالنا بالأعماق الفطرية للإنسان. ولقد وقفنا دائما خاشعين أمام الطبيعة وأمام الإنسان فتقبلنا الحقائق الكبرى تقبّل تسليم دون أن نناقشها أو نحاول تعريفها. وكان ذلك هو أساس حكمتنا الشرقية»(3). ثم تكتب نازك عن العروبة كلذة يجدر بالعربي أن يستمتع بها لا كفكرة تطالب بالتفكير في معناها، ولكن نتيجةً للشك الذي ساقته التأثيرات الغربية علينا «لم يعد في إمكاننا أن نشعر بعذوبة قوميتنا العربية إلا إذا حصلنا على تعريف شامل لها» فتشبه حالتنا هذه بإنسان «يمتص قصب السكر ويرفض أن يجد له لذةً إلا إذا لجأ إلى مختبر وحلل السكر إلى جزيئاته أولا»!(4) وملخَّص دعوة الشاعرة التي تتصدى هنا لدور المفكر القومي هو: لماذا لا نستمتع بعروبتنا فحسب؟! وتواصل نازك، باسم الكتابة الفكرية، هتافها كقائد مبشر بلا جمهور، منتهيةً إلى أن «القومية هي الحياة»! فمن يستطع أن يكبح غرور الذات الشاعرة المعتدة بعدَّة اللغة؟!

في العدد السابع من مجلة الجديد (1995) تكتب الشاعرة صفحاتٍ بعنوان «لمحات من سيرة حياتي وثقافتي» وفيها يمكن للقارئ أن يتتبع مسار التحولات أو التقلبات الفكرية في حياتها وفقا لبوصلة اندفاعها العاطفي. تكتب مثلا عن بهجتها لـ«ثورة 14 يوليو» التي لم تلبث حتى خيّب عبد الكريم قاسم أملها بعد أن «استهوته شهوة الحكم، وسمح للشعوبية أن تطمس جمال الثورة، وتقضي على مبادئها القومية التي أحبها أشد الحب». ومن الطريف أن الشاعرة لم تقل إنها تؤمن بالمبادئ القومية للثورة، كلا، إنها «تحب» تلك المبادئ، وكأن المبادئ السياسية هي مسألة اختيار عاطفي خاص، لا أكثر. وربما كان هذا الحب الأعمى، إن صحَّ الوصف، هو ما يجعل نازك في قمة الاندفاع وهي تعلن بأن القومية العربية فوق العلم: «إن العلم نفسه ضعيف أمامها، وإنما قوميتنا هي الخطرة على أي علم لا يعترف بها»(5).

لقد تركت نازك خلفها إرثا لا يشرح رؤيتها للقومية بقدر ما يحكي عن حالة التباس خَطرة قد تحدث أحيانا بين الفكر والأدب، وهي حالة من حالات الشاعر عندما يقرر لعِب دور المفكر أو المنظِّر، معتمدا على الانسياق العفوي خلف إغواء اللغة المرفود بالدفق العاطفي للأفكار الجاهزة، داخلا إلى المبحث بأدوات الكتابة الأدبية وحدها، وهو ما سيسفر في النهاية عن بطلان مشروع الكتابة؛ فلا هي كتابة ملتزمة برصانة الفكر ودقة البحث العلمي ولا هي منتمية لهوية الأدب.

المصادر:

انظر مثلا: مشكلة الثقافة العربية ليست في الإبداع ولكن في القراءة، عاصم الشيدي عن جلسة حوارية لأدونيس في بيت الزبير، جريدة عمان، 27 مارس 2019.

التجزيئية في المجتمع العربي، نازك الملائكة، دار العلم للملايين، 1974، ص 5.

المصدر نفسه، ص 91.

المصدر نفسه، ص 92.

المصدر نفسه، ص 114.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: القومیة العربیة

إقرأ أيضاً:

في ذكرى تحرير سيناء.. جامعة الإسماعيلية الجديدة الأهلية إحدى ثمار المشروعات القومية والتنموية بشرق القناة

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

أكد الدكتور أيمن عاشور وزير التعليم العالي والبحث العلمي إلى الجهود الكبيرة التي بذلتها الدولة في عهد الرئيس عبدالفتاح السيسي رئيس الجمهورية لتنمية شبه جزيرة سيناء ومحافظات القناة، من خلال تنفيذ مشروعات قومية وتنموية كبرى، تؤكد وضع سيناء في مقدمة خريطة التنمية الشاملة والمستدامة وفقًا لرؤية مصر (2030)، موضحًا أن الدولة نفذت عدة مشروعات في مجال التعليم العالي بسيناء ومدن القناة، بتكلفة إجمالية بلغت 23 مليار جنيه.

ويأتي ذلك في إطار احتفالات جمهورية مصر العربية بحلول الذكرى الـ43 لتحرير أرض سيناء الحبيبة، وفي ضوء الاهتمام الكبير الذي توليه القيادة السياسية للمشروعات القومية الكبرى، وخاصة في شبه جزيرة سيناء ومدن القناة، فقد حظي قطاع التعليم العالي والبحث العلمي بدعم كبير من جانب القيادة السياسية، وساهم ذلك في تحقيق التنمية في هذا الإقليم الهام في ظل "الجمهورية الجديدة".

وأوضح الوزير أن هناك اهتمامًا كبيرًا بالتوسع في إنشاء الجامعات بمختلف أنحاء الجمهورية، وتجهيز المعامل وورش العمل بأحدث الإمكانات والوسائط التكنولوجية، مع تركيز الدراسة بها على العلوم الحديثة والبرامج الدراسية البينية لتأهيل الطلاب ليكونوا قادرين على تلبية احتياجات وظائف المستقبل.

3.3 مليارات جنيه تكلفة إنشاءات وتجهيزات جامعة الإسماعيلية الجديدة الأهلية

وأشار الدكتور أيمن عاشور إلى أنه أصبح لدينا 32 جامعة أهلية وأهلية دولية وأهلية منبثقة من جامعات حكومية، حيث سيتم افتتاح 12 جامعة أهلية جديدة مع بدء العام الدراسي الجديد 2025/2026، موضحًا أن الجامعات الأهلية تقدم برامج دراسية حديثة ومتطورة، لتلبية احتياجات سوق العمل ووظائف المستقبل، وأدى ذلك إلى زيادة إقبال الطلاب على الالتحاق بالجامعات الأهلية.

ومن جانبه، أكد الدكتور ناصر مندور القائم بتسيير أعمال رئيس جامعة الإسماعيلية الجديدة الأهلية أن جامعة الإسماعيلية الجديدة الأهلية تُعد من أبرز المشروعات القومية التي تم تنفيذها بشرق القناة، مشيرًا إلى أن الجامعة بلغت تكلفتها 4.455 مليار جنيه، وتُقام على مساحة 29 فدانًا بمدينة الإسماعيلية الجديدة، وتتكون الجامعة من مبنى إدارة الجامعة و6 مبانٍ تعليمية، وبها 34 معملًا و29 مدرجًا، ومبنيان للورش الهندسية يحتويان على 6 ورش، ومعامل تخصصية، ومبنى للمعامل المركزية، و8 ملاعب، ومسرح مجهز بأحدث التقنيات يسع 380 فردًا، لافتًا إلى اهتمام الجامعة بتنظيم الندوات التوعوية وتحفيز الطلاب على المشاركة في المسابقات والأنشطة الطلابية المختلفة لتنمية مهاراتهم وقدراتهم، وتشجيع الطلاب على تشجير الجامعة والمشاركة في المبادرات الخدمية.

تقديم برامج دراسية حديثة في 8 كليات بالعام الدراسي 2025/2024

وأضاف الدكتور ناصر مندور أنه يتم تقديم العديد من البرامج الدراسية المتميزة خلال العام الدراسي الحالي 2024-2025 في 8 كليات، وهي: كلية الطب وتقدم (برنامج الطب والجراحة)، كلية طب الأسنان وتقدم (برنامج طب وجراحة الفم والأسنان)، كلية العلاج الطبيعي وتقدم (برنامج العلاج الطبيعي)، كلية الصيدلة وتقدم (برنامج Pharm D "الصيدلة الإكلينيكية")، كلية الهندسة وتقدم (برنامج هندسة الذكاء الاصطناعي – برنامج هندسة التشييد وإدارة المشروعات)، كلية التمريض وتقدم (برنامج التمريض التخصصي)، كلية تكنولوجيا العلوم الصحية التطبيقية وتقدم (برنامج تكنولوجيا المختبرات الطبية)، وكلية التجارة الدولية واللغات وتقدم برامج اللغات (الترجمة التخصصية باللغة الألمانية – الترجمة التخصصية باللغة الصينية) وبرنامج (التسويق الرقمي والأعمال الإلكترونية، الأسواق والمنشآت المالية)، مشيرًا إلى أن الجامعة تهدف إلى تأهيل الطلاب ليكونوا قادرين على تلبية متطلبات سوق العمل.

وصرح الدكتور عادل عبدالغفار المستشار الإعلامي والمتحدث الرسمي للوزارة، أن جامعة الإسماعيلية الجديدة الأهلية تقدم برامج دراسية حديثة لتوفير بيئة تعليمية متميزة محفزة على الابتكار والتميز العلمي والبحثي، مشيرًا إلى أن الإقبال الكبير من الطلاب على الجامعة يُعد مؤشرًا على نجاح جامعة الإسماعيلية الجديدة الأهلية في اكتساب ثقة الطلاب وأولياء الأمور.

وأضاف المتحدث الرسمي أن الجامعات الأهلية تعتمد على تقديم برامج دراسية بينية حديثة تواكب متطلبات سوق العمل، والجامعات مجهزة بأحدث المعامل وورش العمل ومزودة بأحدث النظم والأجهزة التكنولوجية الحديثة؛ لتقديم تجربة تعليمية متميزة للطلاب ولتهيئة بيئة تعليمية محفزة وداعمة للتميز والابتكار، مشيرًا إلى انضمام الجامعات الأهلية للتحالفات الإقليمية، كما يتم عقد شراكات مع المؤسسات الأكاديمية والبحثية والصناعية، والاهتمام بتقديم تدريبات عملية للطلاب لصقل خبراتهم وتنمية مهاراتهم؛ وذلك بما يتماشى مع تحقيق أهداف الإستراتيجية الوطنية للتعليم العالي والبحث العلمي ولدعم جهود الدولة المصرية في الارتقاء بالصناعة المحلية والاقتصاد الوطني من خلال تأهيل الطلاب بما يتلاءم مع متطلبات سوق العمل.

IMG-20250424-WA0147 IMG-20250424-WA0148 IMG-20250424-WA0145 IMG-20250424-WA0146 IMG-20250424-WA0138

مقالات مشابهة

  • فيلم تسجيلى عن وادي الفراشات.. وتكريم أزهر جريس بالجائزة العالمية للرواية العربية
  • ياسر سليمان: الجائزة العالمية للرواية العربية أصبحت المنصة التي يلجأ إليها الناشر الأجنبي
  • التعليم العالي: جامعة الإسماعيلية الجديدة الأهلية إحدى ثمار المشروعات القومية
  • تطبيق مواعيد القطارات بالتوقيت الصيفي 2025،، الهيئة القومية لسكك حديد مصر تُعلن التفاصيل
  • في ذكرى تحرير سيناء.. جامعة الإسماعيلية الجديدة الأهلية إحدى ثمار المشروعات القومية والتنموية بشرق القناة
  • السيسي: التحديات التي يشهدها الاقتصاد العالمي تحتم تكثيف التعاون بين الدول العربية
  • الجامعة العربية تحيي اليوم العربي للتوعية بضحايا الإرهاب
  • شاهد بالصورة والفيديو.. شاعرة وصانعة محتوى سودانية: (الكرشة أو “التنة” التي أمتلكها تعتبر من علامات الجمال وتساعدني على ربط التوب)
  • شاهد بالفيديو.. وسط ذهول واستغراب الجمهور.. عمارة “آراك” الشهيرة بالسوق العربي تحافظ على حالتها الطبيعية رغم احتراق ودمار جميع المباني التي من حولها
  • القومية لتيسير الحج تختتم فعاليات البرنامج التدريبي لمشرفي الجمعيات الأهلية