يوسف عوض العازمي
@alzmi1969
"إن الوثائق والحقائق أدوات أساسية للمؤرخ، لكنها لا تشكل التاريخ في حد ذاته؛ فالوثيقة قد تُغيِّر مفاهيم خاطئة أو متوارثة، ربما تكون أخذت ثوب الحقيقة في غير إستحقاق" - إدوارد كار.
وما زال التاريخ وصفحاته تكتب وتدون، وتذكر وتؤكد وتنفي، إذن لا جديد، هذا التاريخ، وهذا ديدنه، والمؤكد أنه لا يوجد جديد، فمن يكتب التاريخ هو إنسان، والإنسان كتلة مشاعر، ومبادئ معينة وانتماء معروف، من شرفني بقراءة ما أكتب في السابق كنت ألمح تارة وأؤكد تارة أن التاريخ كتاريخ ليس بالضرورة أن تكون صحته 100%، لماذا؟ لأن من يكتبه إنسان، والإنسان كإنسان يستحق التكريم والاحترام وهو الذي سبقنا به رب العزة إذا قال تعالى: "وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ" (الإسراء:70).
لذلك، أحيلك إلى عبارة في واجهة هذا المقال قالها المؤرخ البريطاني إدوارد كار، ومعناها واضح، أي لا تصدق كل شيء وأي شيء؛ بل حرِّك حسك النقدي، فليس كل دليل ذا وجاهة.
وفي مسيرة الأمم تحدث تطورات وتقدم وتأخر، وما لها وما عليها، هناك أمور تستلزم التوقف لمزيد من الرؤية لكامل الصورة، ولتنقيح ما يستدعي التنقيح، وحذف وإضافة وتعديل، العديد من الأمور يتم التحدث عنها أو بشأنها كمسلمات لا يمكن مسها؛ بل يصل الأمر لأقرب من التقديس لها، ولا قداسة إلّا لله جل في علاه.
وفي الكويت تاريخيا، وفي سنة 1962، توافق مجلس الأمة مع الحكومة على إصدار الدستور بعد مناقشات مستفيضة وتفصيلية، بعدها تم استصدار الدستور والذي يسمى بـ"دستور 62"، وهو وثيقة تاريخية تنظم علاقة الحاكم والمحكوم في دولة الكويت. اللافت في هذه الوثيقة أنها أتت لما تم استبدال معاهدة الحماية مع بريطانيا الموقعة في 1899 بعهد الشيخ مبارك الكبير، باتفاقية الصداقة والتشاور في 19 يونيو 1961. وفي عهد الشيخ عبدالله السالم الصباح، أي بعد عام من الاستقلال، ومن ضمن بنود الاتفاق أن يُنظر إلى الدستور ويُراجع كل خمسة سنوات ليتم تنقيحه لمزيد من الحريات، إنما منذ ذاك الحين لم يُمس الدستور؛ حيث أصبح وكأنه ممنوع الاقتراب منه، مع أن التنقيح والتعديل والحذف والإضافة ولمزيد من الحريات وللمصلحة العامة بناء على ما يتجدد من ظروف وإرهاصات، أمرٌ مهمٌ جدا، وفيه فائدة، إلّا أنه لم يُمَس، هذا ما حصل، بعيدًا عن تأييد أو رفض ذلك.
قبل أيام، تحدث أمير دولة الكويت الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح -حفظه الله ورعاه- بخطاب للشعب، ومع سماع أو قراءة الخطاب ستجد أنه لا يحمل مفاجأة للمتابع؛ بل الخطاب هو تسلسل طبيعي لخطابات سابقة، فقد حذّر صاحب السمو في يونيو 2022، من بعض الممارسات للسلطتين، وبعدها تحدث في الخطاب الأميري بافتتاح مجلس الأمة السابق بشكل واضح عن بعض أوجه الخلل، وحذر من إجراءات شديدة الوقع، لكن يبدو أن هناك من لم يفهم الخطابات الواضحة. الخطر ليس من الديمقراطية؛ فهي -وبحسب الخطاب- مُصانة ولا خلاف عليها، والدستور هو الوثيقة التي تنظم العلاقة بين الحاكم والمحكوم، لكن ما الذي جرى؟
الذي جرى باختصار هو تنافس غير محمود بين السلطتين، تدخلت فيه سلطة القضاء بعدة مرات وأصدرت أحكاما أثارت جدلا في الساحة السياسية، وهي مرحلة كان كل حدث بها محل جدل، ومحل نقاش. هنا ليس القصد تبرئة فلان وذم علان، المسؤولية يتحملها الكثير، وأولهم السلطتان التشريعية والتنفيذية؛ حيث زخرت الساحة بممارسات وترضيات وإملاءات، وتعيينات مناصب على طريقة الركل إلى أعلى!
ومنذ فترة ليست بالقصيرة نادى الكثيرون بمراجعة الدستور وبحث المثالب لتصحيحها، والمزايا لتعزيزها، ولاحياة لمن تنادي!
الكويت بخيرٍ؛ سواءً بوجود النفط أو قبل النفط، ومن يقرأ تاريخ الكويت سيفهم كلامي جيدًا، وقوة الكويت في العلاقة الوثيقة الرابطة بين الحاكم والمحكوم، ولا شك أن الحريات مصانة وما زالت، والدستور قائم ولم يُلغ، إنما عُطِّلَت بعض مواده للدراسة والبحث حتى يتم التنقيح -إن حصل- للأفضل ولمزيد من الحريات، وكذلك لوضع بعض النقاط المنظمة للعلاقة بين السلطتين بما يضمن استمرار المسيرة بشكل سلس، وبدون أن تقفز سلطة في مكان سلطة!
العقد شريعة المتعاقدين، ولا يوجد شك في احترام وتقدير سمو الأمير -حفظه الله ورعاه- لهذه الوثيقة المُهمة، وأعتقد أن ما قام به سموه من صميم مسؤولياته الجسيمة كرئيس للدولة لتعديل اعوجاج، وتمهيد الطريق نحو ممارسة ديمقراطية مسؤولة تكون سياجًا للوطن، وليست ثغرة تُدخِل إليه ما يضر.
الملاحظات التي أوردها الخطاب وجيهة، والثقة في حكمة سمو الأمير لا حدود لها، وهو قائد السفينة وربانها، ويعرف تمامًا ماذا يقول، وماذا يفعل.. وفَّقه الله لما يحبه ويرضاه.
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
نيجيرفان: السوداني مطيع جيد لمطالب حكومة الإقليم
آخر تحديث: 16 أبريل 2025 - 1:25 م السليمانية/ شبكة أخبار العراق- قال نيجيرفان بارزاني في كلمة ألقاها خلال ملتقى السليمانية بنسخته التاسعة، الأربعاء، إنه “في إقليم كوردستان، وبخصوص علاقاتنا مع الحكومة الاتحادية في بغداد، نؤكد التزامنا الثابت بالدستور العراقي كإطار لتنظيم هذه العلاقة، فنحن نعتقد أن الدستور بمبادئه المتمثلة في الفيدرالية والتعددية والشراكة، هو الضامن الحقيقي لحقوق جميع مكونات العراق بدون تمييز”.وأضاف “لقد شهدت الفترة الأخيرة تقدماً ملحوظاً في حل القضايا بين أربيل وبغداد، بفضل الجهود المشكورة لرئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني، والتي تستحق منا التقدير، مردفا بالقول، إن إن رؤية السوداني في تعزيز المشتركات وتقليل الخلافات هي رؤية صحيحة للحل، وأؤكد هنا على التنفيذ العاجل لقانون إعادة الملكية وتفعيل لجنة تنفيذ المادة 140 من الدستور العراقي”.وأكد نيجيرفان بارزاني، أنه “سنستمر في الحوار البناء مع الحكومة الاتحادية للوصول إلى حلول دائمة لجميع المشاكل بطريقة تخدم مصلحة العراق بجميع مكوناته وتضمن وتؤمن الحقوق والاستحقاقات الدستورية للجميع”.وشدد على أنه “يجب تفعيل برلمان كوردستان في ظل الظروف والتحديات الحالية في المنطقة، ولهذا فإن المهمة الأولى للحزب الديمقراطي الكوردستاني والاتحاد الوطني الكوردستاني والأطراف الفائزة في انتخابات برلمان كوردستان هي الإسراع في تشكيل الكابينة الحكومية الجديدة لإقليم كوردستان، وأن تكون حكومة تستجيب لتطلعات المواطنين وقادرة على التعامل بشكل مناسب مع التطورات والتحديات”.