جريدة الرؤية العمانية:
2025-02-02@10:30:49 GMT

غزة.. وزلزال الوعي العالمي

تاريخ النشر: 18th, May 2024 GMT

غزة.. وزلزال الوعي العالمي

 

 

هند الحمداني

حدِّثني عن غزة، دَعْ الحديثَ يطُول، حدِّثني عن شموخها وعن صُمود أهلها أجمعين، طَمئِني عن شَبَابها المجاهدين، كيف حَالهم؟ عساهم آمنين؟ غزَّة رفيقة الأوفياء الصادقين، وحبيبة الشهداء المقبلين، حدِّثني عن أرض غزة، أرض مُمتدة مُنبسطة (برًّا وماءً) لا جبالَ فيها، فكانت جبالُها: رجالُها والنِّساء وصغارها الأبرياء.

مُنذ السابع من أكتوبر المجيد، والعالم بدأ بتحديد مسارات جديدة.. نماذج قديمة انفضحتْ وحقائقُ صادمة تكشَّفت، وسقطتْ الأقنعة عن أفراد ومؤسسات ودول، وبدا العالم أكثر وضوحًا وجُرأة في إظهار حقيقة ما يُخفيه، وحقيقة انتماءاته: السياسية والفكرية والعقائدية. ولهؤلاء المساكين الذين ما زالوا يعتقدون أنَّه لم يتغيَّر شيء بعد السابع من أكتوبر؛ فيُسعدني أنْ أُخبركم بأنَّكم مُخطئون؛ لأنَّ زلزال الوعي الذي اجتاح العالم بعد 7 أكتوبر عطَّل كلَّ الأجندات الصهيونية، وكلَّ الأكاذيب الإعلامية الغربية المُمنهَجة منذ عقود، وحرَّك الفكرَ السليمَ والحسَّ الإنسانيَّ الفطريَّ في كل شعوب العالم الحر؛ لذلك استمرَّت هزات الوعي باجتياح أكبر الجامعات العالمية، وبالأخص الجامعات الأمريكية العريقة، وأجَّجت طلبة الجامعات الأحرار الذين يبحثون عن الحقيقة، ويسعون للعدالة، رافعين شعارات؛ مثل: "فلسطين حرة"، و "أوقفوا الاستثمارات مع الكيان الصهيوني واكشفوا عنها"، وانتفضتْ كلُّ شعوب العالم الحر في مظاهرات مليونية ما زالت مُستمرة في أكبر مدن العالم، وفي قلب البلدان المشاركة في هذا العدوان الصهيوني الظالم.

زلزال الوعي العالمي قدَّم للجميع فرصةَ الاختيار بين الحق والباطل، وبين النور والظلام، ولم تعد هناك ذريعة لأي إنسان في أن يقف موقف الحياد؛ فالحياد في هذه المعركة يعدُّ رذيلة وإعانة للظالم وتقوية لموقفه، وكلُّ العالم الآن في اختبار أخلاقي حقيقي، معياره الوحيد: ما هو موقفك الفعلي تجاه ما يحدث من إبادة جماعية لأهل غزة؟

وقد اجتمَع رؤساءُ وقادةُ وممثلو الدول العربية في مملكة البحرين لعقد القمة العربية في دورتها الثالثة والثلاثين، 22 دولة عربية و22 وفدًا عربيًّا، وسط احتفالية استقبال بالورد تُشعرك وأننا على أبواب الإعلان عن فتح قريب؛ فيسجِّل أحد القادة موقفه الأخلاقي للتاريخ بقوله: إن "هجوم حماس في 7 أكتوبر وفَّر لإسرائيل مُبرِّرًا للهجوم على غزة"! مُتناسيًا تمامًا العقود الطويلة من العدوان الإسرائيلي المستمر والمجازر والتصفية التي ارتُكِبَت بحق الفلسطينيين من مذبحة بلدة الشيخ عام 1947، وتتالت بعدها: مذبحة دير ياسين، ومذبحة الطنطورة، ومذبحة قلقيلية، ومذبحة كفر قاسم، ومذبحة خان يونس، ومذبحة تل الزعتر، ومذبحة صبرا وشاتيلا، ومذبحة المسجد الأقصى، ومذبحة مخيم جنين...وغيرها من المجازر الدموية والاعتقالات التي لا تتوقف، والانتهاكات البشعة في حق الأطفال وكبار السن والنساء، وكل أطياف المجتمع الفلسطيني في غزة والضفة والقدس، وفي كل شبر من أرض فلسطين المحتلة، ثم يُردف بقوله: إن ما فعلته حماس "كان قرارًا مُنفردًا وغير مسؤول"!!!

فما هي مُحصِّلة هذا الخذلان العربي، إلَّا أنْ طالبوا المجتمع الدولي بدعم جهود وقف النار، وأنَّه على المجتمع الدولي ومجلس الأمن فرض الوقف الفوري للعدوان على غزة، ورفض تهجير سكان غزة وتأكيد دعمهم لحقوق الشعب الفلسطيني ودعوتهم لمؤتمر دولي للسلام في الشرق الأوسط.

إذا كانت 22 دولة عربية بسيادتها وقواتها وهيمنتها لم تخرج بنتيجة غير: "نطالب ونرفض وندين ونقلق، وندعو المجتمع الدولي لحل مشاكلنا، وأخذ حقنا المغتصب منذ أكثر من 76 سنة"، فلماذا يعتِب القادة العرب على حماس أنها اتخذت قرارًا منفردًا في كفِّ يد الظالم الصهيوني التي امتدت على الأرض والعرض؟ ولماذا يتغنَّى القادة العرب بطريق السلام والحمام لإقامة دولة فلسطينية مستقلة، في الوقت الذي يتحدث فيه الكيان الصهيوني -وبكل شفافية- عن أنه لن يقبل بوجود دولة فلسطينية، وأن كامل فلسطين ستكون له، وأنه مستمر في حرق الأخضر واليابس حتى يحقق المشروع الصهيوني الكبير من النيل إلى الفرات؟

وفي الجانب الآخر، وبالتحديد في مدينة رفح الفلسطينية، يُسجِّل الدكتور خالد الشموسي موقفه الأخلاقي للتاريخ، وبعد أنْ أعلن العدوُّ الصهيونيُّ بدء عمليات الاجتياح البري لمدينة رفح الفلسطينية، ومع انسحاب الطواقم الطبية من المستشفيات، وقف الدكتور خالد رافضًا العودة إلى وطنه، واختار البقاء مع أبناء غزة يداوي مرضاهم ويخفف آلامهم بما يستطيع، مُغردًا على منصة "إكس": "حياتي ليست أغلى من حياة أي طفل في غزة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "المسلمون تتكافأ دماؤهم، ويسعى بذمتهم أدناهم وهم يد على من سواهم"".

الدكتور خالد الشموسي، وهو أستاذ مساعد بكلية الطب في جامعة السلطان قابوس، واستشاري الجهاز الهضمي والمناظير المتقدمة، وصاحب مركز طبي خاص، إنسان ناجح على جميع الأصعدة، ومع ذلك اختار أن يبقى هناك في رفح وسط الدمار الشامل والقصف العشوائي والإبادة العرقية.. فلماذا يا تُرى؟ لأن الحق بيِّن كالشمس، ولأن الواجب الإنساني والأخلاقي لأصحاب المبادئ الرفيعة والضمائر الحية يستوجب عليه البقاء، وتسجيل موقف بطولي لا يعرف طريقه إلَّا الرجال الصادقون المؤمنون. لم يستطع الشموسي أن يُدير ظهره لأهالي غزة الجرحى والمتألمين عائدا للوطن، لأن الوجع خالط الأحشاء ومزق الأشلاء، ولأن الصمود أيضا دق أبواب السماء.

"نحن غزة بسمائها وهوائها وبحرها ورمالها".. بهذه الكلمات يَظْهَر أبوعبيدة المجاهد المغوار ليبعث برسائل الصمود والثبات والشكر لشعب غزة العظيم والضفة والقدس، ولكل شعوب العالم الأحرار، وممتنًا لشعب غزة العظيم الصابر المحتسب لأكثر من 224 يومًا من القصف المتواصل والاعتداء والنزوح والعدوان الذي خلف أكثر من 36 ألف شهيد، وشرَّد كل سكان غزة من منازلهم.

أكَّد أبو عبيدة لكل الأحرار في العالم بقوله: "إننا نواجه العدو بالأسلحة المضادة للدروع والأفراد وفتحات الأنفاق والاشتباكات من المسافة صفر وعمليات القنص الدقيقة والكمائن المركبة وإسقاط القذائف من المسيرات والصواريخ قصيرة الأمد على تجمعات جنود العدو واستهداف أعلى رتبة عسكرية معلنة منذ بدء الحرب البرية وحقول الألغام المستمرة وتوجيه رشقات صاروخية إلى مستوطنات العدو". هذا التسلسل القيادي للمقاومة والتكتيكات المدروسة والعمليات المترابطة والمتنوعة بالإمكانيات المتواضعة، والتي لا تزال تحتفظ بقوتها وشدتها منذ اليوم الأول للمعركة في السابع من أكتوبر وإلى اليوم، ليست إلا تأكيد صريح من قيادة المقاومة أننا صامدون وبنفس القوة والروح المعنوية والإيمانية التي ظفرنا بها منذ اليوم الأول لمعركة طوفان الأقصى.

أمَّا على الجانب الآخر للعدو الصهيوني، فهو يظهر للعالم أجمع بصورته النازية الهمجية، وبتحرُّكاته الفاشلة وتخبطه الأرعن، حارقا الأخضر واليابس، مستفحلًا في عدوانه البري على رفح وحي الزيتون وجباليا وجنوب مدينة غزة، فاتحًا على نفسه باب الجحيم الذي لا يسد، فالمقاومة تجابه هذا العدوان بكل بسالة وثبات وقوة والعدو مستمر في عد قتلاه وجرحاه وانتشال جنوده وخسارة آلياته العسكرية من دبابات وناقلات وجرافات.

بوادر النصر تلُوح في الأفق، وشهداؤنا أحياء عند ربهم يرزقون، وليس لدينا ما نخسره؛ فالمنازل والمباني والمساجد والمستشفيات والجامعات والبنى الأساسية التي انهارت في قطاع غزة سوف تُعمِّرُها سواعدنا بإذن الله، وأرضنا المباركة باقية ونحن وذرياتنا باقون، تشهد آيات الإسراء علينا، وما نص به اللوح المكنون، فهل أنتم باقون أيها العرب أيها القادة المسلمون؟! كلكم مدينون ليس لفلسطين وحدها وليس لآمال شعبها؛ بل مدينون بتلبية الواجب والالتزامات القومية الأساسية التي بدونها لا يوجد شيء يُسمى "الأمة العربية".

غزة والاختبار الأخلاقي الحقيقي لكل شعوب العالم المسلم والعربي والغربي وكل الشعوب الحرة، اختر درجة المصداقية، اختر موقفك من الإبادة الجماعية، عزز اختيارك بالفعل والقول والكلمة والوقفة والصوت والصورة والمقاطعة للمنتجات الداعمة للصهاينة، اختر درجتك الأخلاقية، وتحسَّس يقظة ضميرك الإنساني فهل هو مدرك لفداحة الأحداث التي نعيشها، وهل استطاع التكيُّف مع الـ224 يومًا الماضية دون أن يتغير فيه شيء للأبد؟!

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

«قمة الحكومات» تدشن الدورة الثانية من المسح العالمي للوزراء

دبي: «الخليج»
أطلقت القمة العالمية للحكومات 2025، وبالشراكة مع شركة «برايس ووتر هاوس كوبرز الشرق الأوسط»، الدورة الثانية من المسح العالمي للوزراء، ويهدف إلى استطلاع آراء الوزراء من حول العالم حول عدد من أبرز القضايا العالمية الحاسمة. كما أعلنت إطلاق الدورة الثامنة من جائزة أفضل وزير في العالم، ضمن مبادرات القمة التي تهدف إلى استشراف حكومات المستقبل، ومناقشة أبرز القضايا العالمية الملحة، والاحتفاء بالنماذج المبدعة في العمل الحكومي، التي تمكنت من تطوير حلول إبداعية لمواجهة التحديات بما يدعم بناء مجتمعات أكثر استدامة.
هاني أشقر: المسح يقدم حلولاً للتحديات العالمية 
عهودالرومي: الجائزة محفز للتميز الحكومي 
بحضور محمد القرقاوي، وزير شؤون مجلس الوزراء رئيس مؤسسة القمة، وقّعت عهود الرومي، وزيرة الدولة للتطوير الحكومي والمستقبل نائبة رئيس مؤسسة القمة، وهاني أشقر، الشريك المسؤول في شركة «برايس ووتر هاوس»، اتفاقيتي تعاون لإطلاق الدورة الثانية من المسح العالمي للوزراء، وتنظيم الدورة الثامنة من جائزة أفضل وزير في العالم.
ويعمل المسح على تعزيز التعاون بين الدول، وفتح قنوات من التواصل بين الوزراء من مختلف دول العالم لمناقشة التطورات العالمية والعمل على إيجاد حلول أكثر فاعلية للتحديات الدولية، ومن شأن نتائج المسح أن تساعد في تحديد أولويات التنمية، ويمكن استخدامها في صياغة السياسات العامة.إلى ذلك، تركز الدورة الثامنة، على المشاريع والمبادرات الناجحة والقابلة للتوسع، التي أثبتت تأثيرها الإيجابي في المجتمعات بتحقيق مستويات عالية من المرونة، والاستعداد، والابتكار، واستشراف المستقبل، إلى جانب الالتزام بالحوكمة الرشيدة والشفافية.
وتضيء الجائزة على إسهامات الوزراء الحكوميين الذين أظهروا تميزاً في القطاع العام وقادوا مبادرات ناجحة ومستدامة وقابلة للتطوير لتحقيق التقدم الاجتماعي والاقتصادي لمجتمعاتهم.
تعزيز التعاون الدولي
وقالت عهود الرومي: تجسد جائزة أفضل وزير في العالم رؤية صاحب السموّ الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، في تعزيز العمل الحكومي المتميز في العالم، وإبراز القيادات الحكومية المبدعة التي تبتكر حلولاً تلبي تطلعات الشعوب، وتسهم في تحسين الحياة.
وأكدت أن القمة تسعى بهذه المبادرة إلى دعم الحكومات على تبني سياسات وأفكار جديدة تحاكي متطلبات المستقبل، ونحن على يقين بأن الجائزة ستسهم في تحفيز المزيد من التميز الحكومي عالمياً، وتشجع القيادات الحكومية على تحقيق تغييرات إيجابية مؤثرة في حياة المجتمعات.
حلول مبتكرة
وقال هاني أشقر«تعكس شراكتنا المستمرة مع القمة العالمية للحكومات، نهجنا الراسخ بدعم الجهود الحكومية حول العالم في التميز والإبداع، وتعزيز مستقبل قطاعات الاقتصاد والتجارة والأعمال العالمية. ومن شأن إطلاق المسح العالمي للوزراء أن يسهم في تقديم حلول مبتكرة للتحديات العالمية، وأن يعمل على ترسيخ دور القمة كمنصة عالمية لبحث القضايا الدولية الحاسمة، وتعزيز التعاون الدولي».
إلى ذلك، قال رامي الناظر، الشريك المسؤول عن القطاع الحكومي والعام في أوروبا والشرق الأوسط وإفريقيا: يترجم تعاوننا مع القمة العالمية للحكومات، في مبادرة جائزة أفضل وزير في العالم، التزامنا بالاحتفاء بالجهود الاستثنائية التي يبذلها قادة حكوميون في سبيل تحسين جودة الحياة لمواطنيهم وتعزيز مسيرة التقدم والتطور في مجتمعاتهم.
آلية التقييم والاختيار
تخضع عملية تقييم واختيار الفائز بجائزة أفضل وزير في العالم لآلية ترشيح متنوعة تتضمن تحليلاً شاملاً لعمل والوزراء وإنجازاتهم ومبادراتهم، لتحديد الذين قدموا إسهامات قيّمة اجتماعية واقتصادية، باستخدام مصادر رئيسية وثانوية، ثم يتم بعد ذلك تصفية قائمة المرشحين باستخدام معايير الكفاءة ومؤشرات التقييم.ويجري اختيار «الدول محل التركيز» من تلك التي تحتل المراتب الأولى في أربعة مؤشرات عالمية اجتماعية واقتصادية وهي: مدركات الفساد الصادر عن منظمة الشفافية الدولية، والحوكمة العالمية، والتنمية البشرية، والسعادة. ويعمل الشركاء على ترشيح ثلاثة وزراء بحد أقصى ممن تنطبق عليهم معايير التقييم، وبناءً على معرفتهم بالوزراء ونهج عملهم. فيما يعمل الفريق المركزي في «برايس ووتر هاوس كوبرز» على إجراء أبحاث اعتماداً على مصادر موثوقة وذات صدقية، تشمل المنتديات والمنظمات المتعددة الأطراف، والمنافذ الإعلامية المعروفة، والتقارير الحكومية الرسمية. كما يجري فريق المعلومات العالمي في الشركة تحليلات لشبكات التواصل باستخدام المصطلحات الأكثر انتشاراً عالمياً، والكلمات الدلالية الرئيسية المتعلقة بالوزراء في العالم.

مقالات مشابهة

  • مختصون من 23 دولة بملتقى دبي العالمي لطب الأسنان
  • ما هي وحدة نيلي التي تأسست بعد 7 أكتوبر.. تفاخرت بإنجازات كاذبة
  • حزب مصر أكتوبر: مصر دولة حرة ذات سيادة مستقلة.. ودعم فلسطين ثابت
  • محمد صبحي: مصر أقوى دولة في المنطقة ومهمتنا أصبحت معركة الوعي.. فيديو
  • محمد صبحي: مصر أقوى دولة في المنطقة ومهمتنا أصبحت معركة الوعي (فيديو)
  • مصانع العقول: الجامعات التي تغير العالم – الحلقة 2
  • بالأرقام والتفاصيل.. الكشف عن كافة العمليات العسكرية التي نفذتها القوات المسلحة ضد كيان العدو الصهيوني إسناداً لغزة
  • تعرّف على المنظمة التي تلاحق مجرمي الحرب الإسرائيليين بجميع أنحاء العالم
  • وزير التسامح يبحث مع وفد أوزبكي تعزيز قيم السلام العالمي
  • «قمة الحكومات» تدشن الدورة الثانية من المسح العالمي للوزراء