احتفال الكرامة.. تقييم لتركيبة الجيش ومسؤوليته
تاريخ النشر: 18th, May 2024 GMT
ما كان استعراض الجيوش والتهليل لها محل سخرية وسخط كما هو الحال منذ السابع من أكتوبر الماضي وبعد انتفاضة الأقصى، فالجيوش العربية يعد عناصرها بالملايين وعتادها يقيم بمئات المليارات من الدولارات، إلا أنها خارج معادلة التدافع اليوم، وبعضها يوظف لخدمة العدوان الإسرائيلي.
لقد دمرت قوة غير نظامية في غزة أسطورة الجيش الذي لا يهزم، وبالنظر إلى تجربة عملية الكرامة في الشرق الليبي، فإن انتصارها في حرب بنغازي خلال الأعوام 2014 ـ 2017م تحقق بفعالية المجموع الكبير من المقاتلين غير النظاميين، وصرح أبرز القادة الميدانيين، العقيد فرج البرعصي، من أن عدد العسكريين ممن شاركوا في العمليات العسكرية في حرب بنغازي لم يتجاوز 5 ـ 10%.
ما يزال الاعتماد على الجيوش والإنفاق عليها بسخاء أساسيا لدى الأنظمة العسكرية الشمولية، وبرز نموذج الجيش "البزناس" الذي يدير مشروعات تجارية وشركات بناء وتشييد ومصانع وغيرها، ويبدو أن الجيش التابع لمجلس النواب يسير على خطى التجربة المصرية في هذا الصدد، ليصبح السؤال المشروع: ما هي مهمة الجيش ومسؤوليته وقد ثبت أنه عاجز عن تحقيق انتصارات على الأرض، ومنسحب من معركة الأمة، وتشوهت رسالته، وانحرف عن مهمته؟
في الحالة الليبية اليوم، فإن الدور الذي اعتبره غالبية أنصار الجيش في الشرق بناء وذلك بعد العام 2014م، من خلال محاربة "الإرهاب"، صار محل شك لدى كثير من مؤيديه بعد أن أعيد تشكيله تحت سيطرة الأسرة المتنفذة، ودخل في عملية غربلة وفقا لمعايير بعيدة عن الأسس الصحيحة لبناء الجيوش، واتجه إلى تحقيق غايات سياسية من المفترض أن ينأى الجيش بنفسه عنها.من يدافعون عن الجيش بشكله وتركيبته الحالية في الشرق الليبي باستماته ينقسمون إلى أقلية هم أصحاب منفعة، وأغلبية يعتقدون أن الجيش هو ضمانة الاستقرار والأمان وبناء الدولة، والحقيقة أن هذا الفهم مغلوط، فالاستقرار الأمني فترة النظام السابق الذي دام عقودا لا علاقة للجيش به، بل فرضته أجهزة وكتائب أمنية، وهذا هو الحال في أغلب الأنظمة الاستبدادية المغلقة التي حكمت، ولا تزال، العالم العربي.
وبالعودة للتجربة الليبية ومسؤولية الجيش في الأزمات والملامات، لم يكن للقوات المسلحة النظامية دور سلبي أو إيجابي العام 2011م، فمن اعتمد عليهم النظام السابق في حربه على من طالب بإسقاطه معظمهم كتائب أمنية ومتطوعون، ومن ساهم بدرجة كبيرة في مقاومته ثم إسقاطه جُلهم ليسوا عسكريين.
التجربة السورية لا تخلو من أمثلة موافقة لهذا التحليل، واليمن أكثر وضوحا في هذا الصدد، فبغض النظر عن الموقف الصحيح للمتحاربين سياسيا وأخلاقيا، فإن إرادة القوات النظامية، السعودية والإماراتية ومن ناصرهم من دول أخرى، والمجهزة تجهيزا كبيرا والمدعومة بالطيران والدبابات والمدافع والقواذف الحديثة تكسرت أمام قوة غير مصنفة ضمن الجيوش، وهم الحوثيون.
من ناحية أخرى، فقد ثبت أن الارتكان للجيوش تحول إلى توظيف سياسي هدام، وهذا حال الأنظمة العسكرية خلال العقود الست الماضية، ومثاله الأوضح في الوقت الراهن هو مصر، وفي الحالة الليبية اليوم، فإن الدور الذي اعتبره غالبية أنصار الجيش في الشرق بناء وذلك بعد العام 2014م، من خلال محاربة "الإرهاب"، صار محل شك لدى كثير من مؤيديه بعد أن أعيد تشكيله تحت سيطرة الأسرة المتنفذة، ودخل في عملية غربلة وفقا لمعايير بعيدة عن الأسس الصحيحة لبناء الجيوش، واتجه إلى تحقيق غايات سياسية من المفترض أن ينأى الجيش بنفسه عنها.
أرجع إلى تقييم خبراء عسكريين ومحللين ومخططين استراتجيين عسكريين وأمنيين لما وقع ويقع الآن في غزة ستصل إلى خلاصة مهمة تتعلق بالأهداف التي من أجلها تشكلت الجيوش والتي تتمحور حول الدفاع عن البلاد من العدوان الخارجي، وأن النمطية التي على أساسها تبنى الجيوش والأغراض التي من أجلها تتشكل لا تحقق هذه الغاية، والنبراس ليس فقط غزة، فالشواهد التاريخية والمعاصرة كثيرة، وعندما تكون القضية عادلة والحق أبلج فإن الدفاع عنها سيكون عقيدة يهب الإنسان روحه لأجلها، أما إذا دخلت المصالح الضيقة على الخط، وصار الجيش أداة في الصراع الداخلي، فإن النتاج جسم بيروقراطي مترهل وعبئ على الخزانة والدولة وكيان بعيد عن المصلحة الوطنية.
أختم بالقول إن هذا التقييم لا مفهوم مخالفة له، أي لا يفيد بدعم الوضع الأمني والعسكري في المنطقة الغربية في البلاد واعتباره نموذجا سليما، بل هو وضع بائس ونموذج سيء، والكلام في هذا المقال له مناسبة هي الاستعراض العسكري الكبير احتفالا بذكري عملية الكرامة.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه الجيش ليبيا جيش احتفالات رأي مقالات مقالات مقالات سياسة مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة فی الشرق
إقرأ أيضاً:
اللواء سمير فرج: حروب الجيلين الرابع والخامس هدفها إسقاط الدولة والوقيعة بين الجيوش والشعوب
قال اللواء دكتور سمير فرج، الخبير العسكري: إن الهدف من حروب الجيلين الرابع والخامس، هو إسقاط الدولة من خلال تفكيك مفاصلها، وإحداث وقيعة بين الجيش والشعب، والتشكيك في دور الشرطة كما تم حرق جميع أقسام الشرطة في 25 يناير 2011، وفقدان الثقة في القضاء، والتفريق بين أفراد الشعب دينيًا كبث الفتنة بين المسلمين والمسيحيين، والإيقاع بين سكان الوجهين القبلي والبحري.
وأوضح اللواء دكتور سمير فرج، في تصريحات خاصة لـ «الأسبوع»، أن العالم مرّ حتى الآن بخمسة أجيال من الحروب، وحروب الجيل الأول هي التي كان يستخدم فيها السهم والرمح والعجلة الحربية الذي بدأه القدماء المصريين وحذا العالم كله حذوهم، ولذلك فالجيش المصري هو أقدم جيش في العالم، أما حروب الجيل الثاني فبدأت بعد اختراع الصين للبارود، الذي نابليون في الاستفادة منه حين صنع المدفع والبندقية.
وتابع الخبير العسكري: إن حروب الجيل الثالث بدأت مع اندلاع الحرب العالمية الأولى، التي استخدمت فيها الدبابة والطائرة والصواريخ وغيرها من الأسلحة، وبالنسبة لحروب الجيل الرابع فعند رؤية المقدمة التي كتبتها كلية الدفاع في الناتو عن هذه الحروب، تجدهم يقولون: «عندما قامت حرب 67 -التي يسمونها بحروب الأيام الستة بسبب استيلائهم وقتها على سيناء والجولان والضفة-، الجيش المصري انهزم ولكن مصر لم تسقط، بسبب وجود شعب أعاد الرئيس الذي تنحى ووقف مع الجيش وعاد لينتصر من جديد»، ومن هنا تم إثبات أن وجود المعدات العسكرية الجديدة والمعدات النارية الثقيلة ليست كافية لتحقيق الانتصار في الحرب.
وأكد فرج، أن الحروب القادمة لن تكون بالطرق التقليدية التي يستخدم فيها المدافع والدبابات والطائرات وغيرها في مقابل مثيلاتها من الأسلحة، ولكنها ستعتمد على العقل، بحيث يكون المستهدف هو الشعب، فإذا وقع الشعب سقطت الدولة.
وأشار الخبير الاستراتيجي، إلى أن حروب الجيل الخامس استخدمت فيها التكنولوجيا الحديثة، التي تعتمد على نشر الأخبار الكاذبة وترويج الشائعات، ويكون ذلك من خلال عمل قرابة الـ 100 حساب على مواقع التواصل الاجتماعي تهتم بتغطية مطالب الشعب، ثم بعد ذلك تبدأ في نشر الأخبار والشائعات الكاذبة وسط التغطيات التي تقوم بها.
اقرأ أيضاًاللواء سمير فرج: العالم الآن يخشى الجيش المصري ويخاف من ردة فعله
اللواء سمير فرج: الرئيس السيسي حقق حلم الجميع بالخروج من عباءة أمريكا.. وتنويع مصادر السلاح
سمير فرج: الحدود جميعها على صفيح ساخن.. والجيش المصري قادر على حمايتها