مخابز الدعم الإماراتية في مواجهة أزمة الخبز في غزة
تاريخ النشر: 18th, May 2024 GMT
في الوقت الذي لا تزال فيه أزمة الغذاء في قطاع غزة تتواصل، بفعل الدمار الذي أصاب الكثير من مخازن الدقيق، وخروج معظم المخابز التي كانت تنتج أساس القوت اليومي للأهالي عن الخدمة، فضلاً عن تعذّر دخول الوقود والدقيق إلّا بكميات شحيحة لا تكفي لتلبية الحد الأدنى من احتياجات الناس اليومية، وفق ما تؤكده معظم التقارير، إلا أن الاستجابة من دولة الإمارات العربية كانت حاضرة وسريعة منذ بداية الأزمة في خطوة تساهم عبرها بسد شح رغيف الخبز .
البداية كانت في منتصف شهر شباط الماضي؛ حيث قامت الإمارات بإرسال 5 مخابز آلية إلى مدينة العريش المصرية تمهيداً لإدخالها إلى قطاع غزة، وذلك ضمن «عملية الفارس الشهم 3» الإماراتية الإنسانية لدعم أهالي غزة.
وإذ لم تكتف الإمارات بهذا الدعم، فقد عملت تعزيزاً للمخابز المرسلة، على إعادة فتح 3 مخابز في شمال قطاع غزة في شهر نيسان الماضي، كتدخل عاجل منها تساند به السكان وتعينهم على مواجهة أزمة الخبز المستمرة، التي تؤكدها التقارير الدولية الحديثة، والتي تشير لأن نهاية الجوع لا تلوح في الأفق، مع محدودية إنتاجية المخابز الحالية التي ما زالت تعمل.
وتسعى مخابز الدعم الإماراتية إلى توفير الاحتياجات اليومية لأكبر عدد ممكن من أهالي قطاع غزة؛ خاصةً في مناطق النزوح، تصدياً لتداعيات الدمار الهائل الذي لحق بكافة مراحل سلسلة إمداد الأفران الآلية واليدوية في مختلف مناطق القطاع.
هذا وكان عدد المخابز التي كانت تخدم سكان القطاع في ما قبل الحرب يبلغ 140 مخبزاً، تجهد لتلبية احتياجات حوالي 2.3 مليون إنسان يعيشون في غزة، مقابل 8 مخابز فقط تعمل بقدرتها الإنتاجية الطبيعية، وفقاً لما صرح به رئيس جمعية مخابز غزة عبد الناصر العجرمي في شهر شباط.
وتهدف المبادرة الإماراتية للمساهمة في مواجهة النقص الحاد في الخبز داخل قطاع غزة في الظروف الراهنة ودعم الأمن الغذائي للأهالي في مواجهة الجوع؛ حيث تبلغ الطاقة الإنتاجية الحالية لكل مخبز من المخابز الخمسة نحو 17 ألفاً و500 رغيف في الساعة. ويمكن لدى توفر الدقيق والمياه والوقود أن تعمل المخابز على مدار 24 ساعة يومياً دون توقف.
على أرض الواقع، استطاعت مخابز الدعم الإماراتية خلال 3 أشهر وحتى منتصف شهر أيار الجاري توفير أكثر من 3.6 مليون رغيف لأكثر من 1.2 مليون مستفيد في قطاع غزة.
3.6 مليون رغيفوتفصيلاً، وفّر مشروع المخابز الإماراتية الآلية منذ شباط وحتى منتصف شهر أيار 3,611,550 رغيف و120,385 ربطة خبز لعدد من الأسر وأهالي القطاع؛ لا سيما في مناطق النزوح المكتظة، واستخدمت الأفران 229,606 كليو من الدقيق.
1.2 مليون مستفيدوبلغ عدد المستفيدين من مبادرة المخابز الإماراتية على مدى 3 أشهر 1,203,850 إنسان من مختلف مناطق قطاع غزة، مما ساهم في تخفيف وطأة الأزمة الإنسانية والغذائية التي يمرون بها بسبب النزوح المستمر في مناطق مختلفة من القطاع.
وفيما سيحتاج تعافي مخابز غزة وإعادة إعمارها إلى الوقت والجهد، وفيما يتواصل الضغط على المخابز العاملة حالياً في القطاع، يستمر مشروع المخابز الإماراتية من أجل تخفيف وطأة هذه المعاناة اليومية ودعم أهالي قطاع غزة لسد بعض من الاحتياجات في سلسلة إمداد خبز غزة، وتزويد أهلها بالحد الأدنى من احتياجات الخبز اليومية التي تشكّل شريان حياة لأهل القطاع.
المصدر: رؤيا الأخباري
كلمات دلالية: قطاع غزة الحرب في غزة غزة الامارات العربية المتحدة قطاع غزة
إقرأ أيضاً:
FP: هل يتمكن حكام سوريا الجدد من مواجهة المشاكل التي زرعها الاستعمار الغربي
نشرت مجلة "فورين بوليسي" مقالا للزميل الأول لدراسات الشرق الأوسط وأفريقيا في مجلس العلاقات الخارجية ستيفن كوك، قال فيه إن المسألة لم تكن سوى مسألة وقت قبل أن تخترق حقائق الوضع في سوريا الروايات الأخيرة، التي اتسمت في معظمها بالأمل والتفاؤل، حول انتقال البلاد من سلالة الأسد.
في 7 آذار/ مارس، اندلعت انتفاضةٌ ضد النظام السوري الجديد الذي أسسه أحمد الشرع، واشتبكت مع السلطات في اللاذقية وطرطوس وجبلة. بعد أن حقق الأسديون بعض النجاح الأولي، حشدت القوات الموالية للشرع قواتها وقمعت الانتفاضة.
تفاصيل هذه الأحداث غامضة نوعا ما نظرا لسيل الشائعات والمعلومات المضللة التي غمرت منصات التواصل الاجتماعي، فضلا عن ندرة الصحفيين الفعليين في المنطقة.
بحسب من اختار المراقبون تصديقه، كانت هناك إما مجازر بحق العلويين والأكراد والمسيحيين السوريين، أو لم تكن.
كان الشرع على علم بهذه المجازر، أو لم يكن. أما الرئيس السوري، فهو إما جهادي غير متجدد، أو أنه انفصل عن ماضيه ويحاول بناء سوريا جديدة بعد خمسة عقود من حكم عائلة الأسد.
تشير التقارير الموثوقة إلى أن القوات الحكومية والقوات الموالية للشرع سحقت الموالين للأسد بشراسة صادمة خلّفت نحو ألف قتيل، معظمهم من المدنيين.
تفاصيل الانتفاضة - كما هي، وإلى الحد الذي يستطيع المحللون فيه استنباط ما حدث - أقل تعقيدا من التحديات والعقبات التي تعترض بناء مجتمع يتفق فيه الجميع على معنى أن يكون المرء "سوريا".
لا شك أن الغالبية العظمى من السوريين سيقولون إن جميع سكان البلاد - العلويون والأكراد والدروز والمسلمين والإسماعيليون والمسيحيون والقلة المتبقية من اليهود - سوريون. هذا شعور إيجابي، لكنه شعور هش. وكما رأينا للتو، ففي أوقات الأزمات، يُمكن بسهولة وبعنف الطعن في هذه الفكرة التعددية. وهذا لا يُبشر بالخير لمستقبل البلاد القريب.
تُتيح الظروف الحالية في سوريا فرصة شبه مثالية لأصحاب المشاريع السياسية والقوى الخارجية العازمة على تقويض الشرع وجماعته التابعة سابقا لتنظيم القاعدة، هيئة تحرير الشام. عندما كانت فرنسا قوة استعمارية في بلاد الشام، رسّخت مكانة الطائفتين العلوية والدرزية كأقليات مُفضّلة، بل ذهبت إلى حدّ إنشاء دويلات لكليهما.
وتمّ في النهاية ضمّ هذه الدويلات إلى سوريا، لكن هذا لم يكن الحال بالنسبة للدولة المسيحية التي اقتطعها الفرنسيون مما أسماه القوميون ذوو الرؤية التوسعية لبلادهم "سوريا الطبيعية" لإنشاء دولة ذات هيمنة مارونية تُدعى لبنان. تمّ كل هذا على حساب السكان السنة، الذين كانوا كثيرين وغير مُرتاحين عموما للمشروع الأوروبي في المنطقة.
لقد خلق التلاعب الاستعماري بالطوائف والجماعات العرقية مجموعة من التبعيات المسارية التي ثبت أنه من الصعب على السوريين التخلص منها على مدى المائة عام الماضية.
كان حافظ الأسد، الذي حكم سوريا من عام 1971 حتى وفاته عام 2000، عضوا في حزب البعث - وهو حزب قومي عربي بامتياز. لقد حافظ، مثل الأحزاب والفصائل القومية العربية في جميع أنحاء المنطقة، على وهم أن الشرق الأوسط عربي بامتياز، مما أدى إلى محو التشكيلة الغنية من الجماعات العرقية والدينية التي كانت من السكان الأصليين للمنطقة.
لم يكن التزام حافظ بالبعث مهما كثيرا من الناحية العملية أو السياسية. ربما كان الرجل القوي في سوريا لفترة طويلة، لكنه لم يستطع أبدا التخلص من حقيقة أنه كان علويا - عضوا في مجتمع فقير تقليديا يمارس دينا غير تقليدي وتعاون قادته مع السلطات الاستعمارية الفرنسية.
وعلى الرغم من وجود سوريين من خلفيات متنوعة في هيكل السلطة السورية خلال فترة حكم حافظ الأسد الطويلة، فإنه اعتمد على العلويين كقاعدة لسلطته، مما أدى إلى إعادة خلق وتعزيز الاختلافات الطائفية والعرقية بين السوريين.
خلال فترة حكمه، قيل إن المسيحيين كانوا محميين، والأكراد كانوا يتعرضون للقمع ما لم يُستخدموا ضد الأتراك، وكان العديد من السنة مستائين. تمرد البعض - وتحديدا جماعة الإخوان المسلمين وأنصارها - وأشهرها في حماة عام ١٩٨٢. من جانبهم، مارس الدروز التقية.
هذه تعميمات بالطبع. لم يدعم كل علوي نظام الأسد، ولم يعارض كل سني النظام. كان هناك مسيحيون فعلوا ذلك، وكان هناك دروز وطنيون سوريون. أراد معظم السوريين ما يريده الجميع في كل مكان: عيش حياة كريمة ورؤية أطفالهم يكبرون ويزدهرون. مع ذلك، لا تقلل هذه الفروق الدقيقة من البعد الطائفي للسياسة السورية، وهو قابل للاستغلال.
ليس من المستحيل على السوريين التغلب على المؤسسات الاجتماعية والسياسية التي تقسمهم وتصنفهم حسب الطائفة والعرق، لكن الأمر سيكون في غاية الصعوبة.
من السابق لأوانه معرفة ما إذا كانت السياسة الجديدة في سوريا ستقوض هذه الأنماط، التي ترسخت في سياسة البلاد ومجتمعها على مدى القرن الماضي، أم ستعززها.
تُفسر هذه السمة "المتأصلة" لماذا، بمجرد أن أقدم الأسديون، الذين تدور مظالمهم ظاهريا حول السلطة والسياسة، على التحرك، بدا أن العنف الذي أعقب ذلك قد اتخذ طابعا طائفيا وعرقيا. ذلك لأن السلطة والسياسة في سوريا متشابكتان بشدة مع هذه الاختلافات.
لا شك أن أشخاصا وجماعات ودولا - إيران؟ روسيا؟ إسرائيل؟ - داخل سوريا وخارجها، سعت إلى تضخيم هذه الاختلافات وتعزيز فكرة أن ما كان يحدث هو هجوم جهادي شامل على الأقليات السورية.
يبدو - من التقارير غير الدقيقة التي ظهرت من غرب سوريا - أن هناك بعض الحقيقة في هذه الروايات. لا يمكن إنكار حقيقة أن أتباع الشرع قتلوا أعدادا كبيرة من العلويين (مع ذهاب البعض خارج البلاد إلى حد التلميح إلى أنهم يستحقون ذلك). رفض ناشطون وشخصيات على مواقع التواصل الاجتماعي الاتهامات الموجهة إلى مؤيدي النظام الجديد بقتل المسيحيين، ولكن يبدو أنهم كانوا مستهدفين. وهذا أمرٌ لا ينبغي أن يُفاجئ أحدا. فالمتطرفون الإسلاميون يهددون رجال الدين المسيحيين وكنائسهم منذ سقوط الأسد.
هذا ليس دفاعا عن الأسديين. فقد كانت سوريا بلدا قمعيا ودمويا للغاية خلال العقود الممتدة بين صعود حافظ الأسد عام ١٩٧١ وسقوط بشار الأسد أواخر عام ٢٠٢٤. وكان تصميم الابن على استخدام القتل كوسيلة للخروج من الانتفاضة ضد حكمه عام ٢٠١١ هو الدرس الذي تعلمه من والده، الذي قتل عشرات الآلاف ردا على انتفاضة حماة عام ١٩٨٢.
بل إن وجهة نظري هي أن السوريين، مثل جيرانهم في لبنان والعراق، من المرجح أن يواجهوا صعوبات في التكيف مع الهياكل الاجتماعية التي أورثهم إياها التاريخ. هناك نماذج قليلة يمكن للسوريين اتباعها. يُسهم النظام السياسي الطائفي في لبنان في التشرذم، بينما يُسهم النظام العراقي في دوامة من الغنائم والاختلال الوظيفي. لقد قال الشرع كلاما صائبا عن كون سوريا لجميع السوريين.
إنها رؤية إيجابية لمستقبل سوريا، يتفق عليها بلا شك الكثير من مواطنيه. ولكن، وبعيدا عن التعبير عن المشاعر، لم يُقدم الرئيس السوري طريقا حقيقيا للمضي قدما. في الوقت الحالي، يحق للسوريين أن يتساءلوا: "إلى أي سوريين يشير؟".