حول هجمات المحتل الأخيرة وعلاقتها بإستراتيجيته ومسار المعركة العام
تاريخ النشر: 18th, May 2024 GMT
مُذْ بدأ العدوّ الصهيونيّ هجمته الأخيرة على كل من رفح وحي الزيتون وجباليا، كثرت التكهنات والتساؤلات بشأن هذه الهجمات: هل نحن أمام أسلوب جديد؟ وهل نحن أمام إستراتيجية جديدة؟
الواقع يقول؛ إن سلوك العدوّ الأخير هو تعبير عن أزمة سياسية وعملياتيّة، تمثّلت في يأس جيش العدوّ من هزيمة حماس، وعدم قدرة المستوى السياسي على التوظيف السياسي للمجهود العسكري للجيش.
وبالتالي فإنّ الهجوم الجديد لا يعبّر عن إستراتيجية جديدة، ولا سلوك رؤيَوِي، وقد جرى التعبير عن ذلك على لسان قادة العدوّ، فقد ذهب غالانت وهاليفي إلى اتهام المستوى السياسي، بعدم بلورة إستراتيجية لليوم التالي للحرب، ورفض غالانت فكرة الإدارة العسكرية للقطاع. والتي تعني رفض البقاء في معبر رفح، أو البقاء في خط الوسط.
خلافات عميقةوقد أوضح غالانت منذ أيام، سبب مؤتمره الصحفي، بالقول: جهودي لإثارة قضية الحكم في غزة بعد الحرب لم تجد استجابةً من قِبل حكومة نتنياهو.
أما هاليفي، فقد نُقل أنه قال في سياق أحد الاجتماعات: إن الجيش يعمل الآن في جباليا مرة أخرى، وما دامت لا توجد عملية دبلوماسية لتطوير "هيئة حكم" في القطاع عدا حركة حماس، فسيتعين على الجيش تنفيذ حملات عسكرية مرارًا وتكرارًا في أماكن أخرى؛ لتفكيك البنية التحتية لهذه الحركة، وفي قراءته ستكون هذه مهمة لا متناهية وعديمة الجدوى.
ثم جاء خطاب نتنياهو ليكمل المشهد، حين ردّ على مؤتمر غالانت وعلى الجيش، بالقول: إنه لا يومَ تاليًا ما دامت حماس باقية، وأن القضاء على حماس هو السبيل لليوم التالي. ودندن على ذلك قادة اليمين الذين طالبوا بتغيير غالانت؛ لتتحقق أهداف الحرب.
وتأتي استقالة يورام بن حمو المسؤول في مجلس الأمن القومي الإسرائيلي عن بلورة اليوم التالي، في ذات الخلاف المذكور بين الجيش ونتنياهو.
جيش مترهلورغم أن عُمر أزمة اليوم التالي عند العدو، تعود لفترة سابقة، فإن استبسال المقاومة في الأيام الأخيرة، وصمود المستوى السياسي للمقاومة ووفدها المفاوض، جعلا الخلاف يُنتج مؤتمرات صحفية خاصة بهذا الشأن، حيث إن أداء المقاومة في الأسبوع الأخير، أسقط رواية الجيش حول هزيمة حماس، فيما قدّم قوة دفع لرؤية الجيش بأنَّ المستوى السياسي تأخر في استثمار جهده بشأن اليوم التالي.
وبالعودة لجدوى السلوك العسكري الإسرائيلي الجديد الذي لا ينتمي لرؤية إستراتيجية فعّالة، فمن الواضح أن مصيره الفشل، ليس فقط لأنه لا ينتمي لرؤية، بل لأسباب تكتيكية وعملياتية، أهمها:
1- زالت هيبة الحرب عند المجاهدين، وارتفعت روحهم المعنوية بشكل غير مسبوق، بعد فشل العدو في كسر المقاومة خلال المرحلة السابقة، ونرى شواهد ذلك في حالة التسابق على ميادين الاشتباك بشكل مذهل.
2- الدروس والعبر التي أخذتها القيادة الميدانية من الفترة السابقة، والتي تُرى ملامحُها في معارك شهرَي أبريل/ نيسان، ومايو/ أيار.
3- العمى الاستخباري غير المسبوق الذي يعيشه العدوّ، ما يضطره للتماسّ؛ حتى ينتج أهدافًا، وذلك على عكس تكتيكه الذي يقوم على ضرْب جزء مهم من الأهداف مسبقًا.
غياب الرؤية4- على الرغم من امتلاك الجيش عددًا كبيرًا من القوات الخاصة، فإنّ تمسكه بمبدأ التأمين لقواته أفقده المرونة، وجعله جيشًا ثقيلًا، مقابل مقاتلين ذوي مرونة عالية. وزاد من ثقله العمى الاستخباريّ المذكورُ.
5- فقدان العدو للزخم الناري: (التمهيدي والإسنادي)، الذي مُنح له أوّل المعركة، فرغم وجود الزخم، فإنه أقل تأثيرًا، خصوصًا على نفسيّة المجاهدين.
6- التكتيك الدفاعي الذي تستخدمه كتائب القسّام، يبطل مفاعيل الطريقة شبه الكلاسيكية للعدوّ في المواجهة الحالية، ويحرمه بشكل مطلق ميزة الاستنزاف، وفي هذا تفصيل.
بناءً على ما سبق، فإن النتيجة المترتبة على هذه القراءة لسير العمليات العسكرية، ترسّخ، من ناحيةٍ، أنّ المسار الإستراتيجيّ للمعركة يسير لصالح المقاومة، ويضع العدو في مأزِق عملياتي وإستراتيجي لم يسبق في معارك العدو وحروبه، ومن ناحيةٍ أخرى، فإن إمكانية التوصل إلى اتفاق ما زالت عالقة؛ بسبب غياب الرؤية الإسرائيلية التي تعيقها عدة تباينات سياسية وعسكرية، وأيضًا بسبب عدم قدرة أيٍّ من الطرفَين على الحسم.
الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معنارابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: ترجمات حريات المستوى السیاسی
إقرأ أيضاً:
قمة القاهرة الأخيرة .. مخرجات مخيبة للآمال وصنعاء تحذّر من استئناف عملياتها
يمانيون../
جاءت مخرجات القمة العربية التي عُقدت في العاصمة المصرية القاهرة الأربعاء الماضي مخيبة لآمال الشعوب العربية والإسلامية التي تتطلع إلى التحرر من قوى الهيمنة العالمية بقيادة “أمريكا وإسرائيل”، خصوصا في ظل المرحلة الحرجة التي تمر بها المنطقة، وعلى رأسها القضية الفلسطينية.
ورغم استمرار العدو الإسرائيلي المدعوم أمريكيًا وأوروبيًا في خرق وقف إطلاق النار في غزة ولبنان وسوريا، كان يُفترض بالقادة والزعماء المشاركين في القمة اتخاذ مواقف أكثر حزما تجاه الكيان الصهيوني، الذي أدخل المنطقة في دوامة من الصراعات والعنف وارتكاب الجرائم والمجازر منذ أكثر من ثمانية عقود، راح ضحيتها مئات الآلاف، معظمهم في فلسطين.
صحيح أن القمة، التي أُطلق عليها “قمة فلسطين”، ركزت على القضية الفلسطينية باعتبارها القضية المركزية للعالم العربي، إلا أن مخرجاتها اتسمت بنفس الخطاب الخجول والتقليدي الذي يؤكد على قيم التسامح والتعايش والاحترام المتبادل، في وقت لا يفهم فيه العدو الإسرائيلي ومن يقف وراءه سوى لغة القوة والمواجهة.
لم يستفد القادة العرب من دروس الماضي، حيث استمروا في الرهان على وعود أمريكية جوفاء بشأن حل الدولتين، وهي وعود أثبتت التجربة أنها مجرد تصريحات للاستهلاك السياسي لا أكثر، وقد جاء بيان القمة ليؤكد مرة أخرى على انتظار المجتمع الدولي، وعلى رأسه الولايات المتحدة، للقيام بدوره في تنفيذ حل الدولتين، رغم أن المجتمع الدولي لم يُقدم خلال العقود الماضية أي حلول حقيقية للصراع الفلسطيني – الإسرائيلي أو لأي أزمة دولية أخرى.
وفي حين يتمسك القادة العرب بما يسمى “مبادرة السلام العربية” المقدمة عام 2002م، والتي لم تعد صالحة في ظل المستجدات الحالية، يُواصل العدو الإسرائيلي وحلفاؤه الأمريكيون والبريطانيون جرائم القتل والتهجير القسري للفلسطينيين ونزع سلاح المقاومة والتوسع الاستيطاني، غير آبهين بكل تلك المبادرات الدبلوماسية.
لم تكتف القمة بتأكيدها على مبادرة السلام العربية، بل جددت رفضها لما وصفته بالعنف والتطرف والإرهاب، وهي عبارات أصبحت تستخدم لتجريم كل أشكال المقاومة المشروعة ضد الاحتلال الإسرائيلي، في تناقض واضح مع مبادئ العدالة الدولية وحقوق الشعوب في الدفاع عن نفسها.
وبالنظر إلى تاريخ القمم العربية، نجد أن البيانات الختامية وخطابات القادة العرب، لا تجرؤ على توجيه انتقادات مباشرة للولايات المتحدة وإسرائيل أو التصدي لمخططاتهما الاستعمارية لكنها غالبا ما تأتي بصياغات دبلوماسية هزيلة لا تخرج عن دائرة التودد للغرب، وكأن هذه المخرجات تضع من قبل جواسيس أمريكا وأدواتها الاستخباراتية.
في مقابل هذا التخاذل، تبرز صنعاء بقيادتها الثورية والسياسية والعسكرية بموقفها الواضح والثابت تجاه القضية الفلسطينية، حيث أثبتت منذ ثورة 21 سبتمبر 2014 قدرتها على فرض معادلات جديدة على الأرض، بدءا من طرد القوات الأمريكية من اليمن، وصولا إلى دعم المقاومة الفلسطينية ميدانيًا.
وفي خطوة عملية، تدخلت صنعاء عسكريا إلى جانب المقاومة الفلسطينية عبر استهداف العدو الإسرائيلي بالصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة، ومنعت مرور السفن المرتبطة بإسرائيل وأمريكا في البحر الأحمر وخليج عدن والمحيط الهندي، في رسالة واضحة بأن مرحلة الهيمنة الغربية المطلقة على المنطقة قد انتهت.
ورغم اتفاق وقف إطلاق النار، واصل العدو الصهيوني انتهاكاته، حيث سجل أكثر من 900 خرقا في قطاع غزة منذ 19 يناير الماضي، بالإضافة إلى استمرار إغلاق المعابر أمام المساعدات الإنسانية، ما دفع صنعاء إلى تحذير إسرائيل من استئناف عملياتها العسكرية إذا استمر التصعيد ضد الشعب الفلسطيني.
وبهذا الموقف، تظل صنعاء ترسم الخطوط العريضة لمستقبل المنطقة بإرادة ثابتة لا تعرف المساومة، وبينما تتردد العواصم العربية في اتخاذ قرارات حاسمة، تؤكد صنعاء أن المقاومة الفعلية، وليس الخطابات، هي السبيل الوحيد لفرض معادلات جديدة على الأرض، فالتاريخ لا يرحم المتخاذلين، والشعوب لا تنسى من خذلها، والمستقبل لن يكون إلا لمن يمتلك قراره ويدافع عن حقوقه بكل قوة.
سبأ