د. عبدالحميد مدكور.. أمين مجمع اللغة العربية: اليهود يحتقرون جميع الشعوب الأخرى
تاريخ النشر: 18th, May 2024 GMT
المفكر الكبير الدكتورعبدالحميد مدكور أستاذ الفلسفة الإسلامية بجامعة القاهرة الأمين العام لمجمع اللغة العربية، صاحب مسيرة علمية حافلة بالإنجازات والعطاء، وهو أحد المتصوفين والمترجمين الكبار، وداعية إسلامى صاحب الحجج والأسانيد الشرعية والعلمية. مؤخرًا فاز المفكر الكبير بجائزة «عبادة» التى تمنح لكبار علماء العالم فى العلوم الاجتماعية، وهى جائزة تمنحها مؤسسة العلوم الطبيعية للبشر وممولة من أكاديمية العلوم الإفريقية فى مجال العلوم والرياضيات، وسميت باسم الدكتور عبدالشافى فهمى عبادة عضو المجمع أحد نوابغ الرياضيات عالميًا تقديرًا لتميزه.
ولد الدكتور «مدكور» بقرية باسوس بمركز القناطر الخيرية فى محافظة القليوبية عام 1942م، وأتم دراسته الأولية ثم حصل على درجة ليسانس كلية دار العلوم جامعة القاهرة، ثم نال درجة الماجستير بالكلية ذاتها عام 1972م عن رسالة بعنوان» أبوطالب المكى ومنهجه الصوفى» ثم درجة الدكتوراه فى عام 1980م عقب مهمة علمية فى فرنسا، وكانت أطروحة الدكتوراه بعنوان «الولاية عند محيى الدين بن عربي».
عين معيدًا بكلية دار العلوم عام 1966م ثم مدرسًا مساعدًا فمدرسًا، وأستاذًا عام 1995م، وأعير إلى كلية التربية بجامعة الملك سعود بالرياض عام (83- 1988)، وأعير إلى كلية الشريعة جامعة قطر حتى عام 1988م وعاد بعدها للعمل بكلية دار العلوم جامعة القاهرة، كما عمل أستاذًا بالجامعة الأمريكية بالقاهرة للتدريس فى قسم الدراسات العليا لعامين متتاليين، كما عمل بعدها أستاذًا زائرًا بكلية الشريعة بجامعة اليرموك، ودرس الفلسفة الإسلامية فى كليات الألسن بجامعة قناة السويس، والآداب بطنطا والدراسات العربية والإسلامية بالفيوم، والآداب والتربية بجامعة المنوفية.
له العديد من المؤلفات العلمية والفلسفية التى أثرت المكتبة العربية والإسلامية ومنها «الدرسات فى علم الأخلاق» و«فى الفكر الإسلامى مقدمات وقضايا» و«دراسات فى العقيدة الإسلامية» و«نظرات فى التصوف الإسلامى» و«تمهيد لدراسة علم الكلام» و«تحقيق قوت القلوب لأبوطالب المكى»، كما اختير عضوًا بمجمع اللغة العربية بالقاهرة عام 2003، ثم انتخب أمينًا عامًا لمجمع اللغة العربية فى عام 2016م. فأمينا عام لاتحاد المجامع اللغوية بالقاهرة.
«الوفد» التقت الدكتور عبدالحميد مدكور أمين عام مجمع اللغة العربية والأمين العام لاتحاد المجامع اللغوية بالقاهرة فى حوار ثرى مع مفكر كبير من طراز فريد، وهذا نص الحوار.
- النظر إلى هذه القضية على هذا النحو يجعلنا نتذكر أن الذى أعطى هذه القضية طابعها الدينى هم الإسرائيليون، ولعلنا نتذكر ماقاله نتنياهو عن ما جاء فى سفر أشعياء وفى سفر صموئيل الأول، عندما استحضر الجانب الدينى فى هذه القضية وقال إنهم يريدون أن يحفظوا الرسالة فى العودة إلى أرض الميعاد والقول بأن أرض إسرائيل من النيل إلى الفرات، وهو الشعار الذى يضعونه على الكنيست استنادًا إلى مقالة منسوبة إلى سيدنا إبراهيم عليه السلام ثم إلى ابنه سيدنا إسحاق عليه السلام، وهذه كلها قضايا دينية، والمسلمون لم يحولوا المسألة إلى قضية دينية، لأن المسلمين لا ينظرون إلى اليهود على أنهم صنف أقل من أصناف البشر على حين ينظر اليهود إلى أنفسهم على أنهم شعب الله المختار ويحتقرون جميع الشعوب الأخرى، وهذا من منطلقات دينية، حيث ادعوا أنه لا نبوة ولا أنبياء إلا فى بنى إسرائيل، ولذلك لا يعترفون بأى دين آخر لا المسيحية ولا الإسلام، فهم الذين حولوا القضية إلى قضية دينية، أما الذين يقاومون من أجل أوطانهم، فهم ينطلقون من دوافع وطنية ومن دوافع إنسانية ورد الظلم عن المظلومين ومقاومة المحتل الذى يحتل هذه الأرض ولم يدخلوا إليها هذا الجانب الدينى إلا بعد أن قال نتنياهو وأمثاله وأحبارهم وهم الذين أعطوا القضية البعد الدينى الذى لم يكن ينظر ولا يفكر فيه من يقاومونهم من الفلسطنيين.
- هذا وعد الله لهم ولكنهم لم ينفذوه، فقد قيل لهم «ادخلوا الأرض المقدسة التى كتب الله لكم» ولكنهم لم يدخلوا وحرضوا على هذا الأمر أكثر من مرة ولم يستجيبوا لأى كلام، حتى قال نبيهم نفسه صلى الله عليه وسلم» لا أملك إلا نفسى وأخى فافرق بيننا وبين القوم الفاسقين» فموسى الذى قال ادخلوا الأرض المقدسة قال إنهم قوم فاسقون وأنهم لم يتمكنوا من نصرته ولم يدخلوا معه إلى الأرض التى كتب الله لهم فكأنهم أعرضوا عن الوعد الأمر الإلهى، ولذلك جعل الله لهم التيه فى صحراء سيناء، ومن ثم فالأمر كان يمكن أن يكون لو أنهم استجابوا لأمر الله تعالى الذى قاله لهم على لسان موسى عليه السلام ولكنهم لم يقبلوا بذلك وأعرضوا عنه، وجاءت الأمم كلها فأخرجتهم بعد دخولهم إليها، اليوبيسيون وهم قوم من العرب والكنعانيون والرومانيون والفارسيون والمصريون، كل هؤلاء أخرجوهم من تلك الأرض ولم تكتسب قداسة بوجودهم فيها ولا قداسة ببعدهم عنها.
- أرى أن اللغة والهوية عندهم ذات طابع دينى أيضًا، لأن إسرائيل عندما جاءت واحتلت هذه الأرض شيئًا فشيئًا لم تكن تجد أمامها طريقة لجلب اليهود من العالم كله إلا بهذا الشعار الدينى، فهم يوظفون الدين لأهداف سياسية، فاليهودى الأمريكى لن يكون بمستطاعه أن يترك أمريكا بما فيها من ثراء وعلم وأمان وطمأنينة إلا إذا كان هناك وازع دينى يدفعه إلى العودة إلى هذه الأرض بهذا الشعار الدينى الذى رفعوه، والفرنسى والألمانى وحتى العربى كذلك، فكل هؤلاء لا يمكن أن يتركوا أوطانهم التى نشأوا فيها وعاشوا فيها وتاجروا وتعلموا وعلموا وبقوا وأسهموا فيها، لا يمكن أن يعودوا إلى هذه الأرض إلا بهذا الشعار الدينى، ولذلك عرضت عليهم أماكن أخرى فى العالم فى أوغندا على سبيل المثال والبرازيل، ولكنهم قالوا إن هذه الأرض لا تصلح أبدًا أن تكون موطنًا لليهود، لأن العامل الدينى ليس موجودًا فيها، فالحركة الصهيونية العالمية رفعت الشعار الدينى لأنه هو المغناطيس الذى سيجذب اليهود من كل أنحاء العالم للوجود فى أرض فلسطين بهذا الأمر الدينى المنسوب إلى سيدنا إبراهيم منذ أكثر من أربعة آلاف عام، فهى تتاجر بالدين لأهداف سياسية لنسف القضية الفلسطينية.
- بالطبع لا يجادل أحد فى أن أمريكا لها الهيمنة على كثيٍر من دول العالم ويتضح ذلك من التصويت الذى يقع أحيانًا فى مجلس الأمن على سبيل المثال، فإذا وجدوا انصرافًا عن رأيهم فإنهم يستخدمون «الڤيتو» أى حق الاعتراض، ولكن الذى حدث فى هذه الشهور الثلاثة التى نعيشها مؤخرًا جعل الرأى العام العالمى يتغير على مستوى الشعوب أولا بنسبة عالية ثم على مستوى بعض الحكومات بنسبة أقل، ولكن عندما وقع تصويت فى الأمم المتحدة وجدنا مائة وثلاثا وخمسين دولة تصوت لمصلحة الجانب الفلسطينى وعشرين دولة تمتنع عن التصويت ولم يعارض هذا القرار إلا قلة قليلة جدًا، وهذا يعنى أن المسألة ليست مرهونة بأمريكا وحدها ولكن لو أن العالم بالفعل يرى العدل والحق والحرص على البشرية، ويرى حقوق الإنسان فإن المسألة يجب أن يكون لها سلوك آخر من الجانب السياسى سواء رضيت أمريكا أم لم ترض، أما الذى يحدث فى غزة الآن فهو مقاومة مشروعة عن أرض وحق ووجود فهؤلاء الناس كانوا موجودين فى هذه الأرض منذ أن فتحت على أيدى المسلمين فى عهد عمر بن الخطاب ولم يخرج المسلمون منها أبدًا لكن عندما دخل المسلمون إلى هذه البلاد وسلمت لعمر بن الخطاب كان البطريرك الموجود أو القسيس الذى عقد العهدة العمرية معه يقول كان من شروط المعاهدة ألا يساكنهم بها اليهود أى (القدس)، فعندئذ لم يكونوا موجودين وتفرقوا فى الأرض شيعًا وأحزابًا ووصلوا إلى كل مكان فيها ثم بجهود الحركة الصهيونية العالمية أرادوا أن يعودوا مرة أخرى إلى القدس، لكن الفلسطينيين لم يغادروها، وإذا أخذنا نسبة اليهود فى أوائل القرن العشرين فى فلسطين ستجد أنهم لا يزيدون على 2.5% أو 3% فليس هؤلاء هم الأغلبية التى كانت موجودة ولكنهم باستغلال ما وقع من انتداب بريطانى وبعد ظهور وعد بلفور 1917 بدأوا يتسللون ويرجعون، وقد عرض «وايزمان» على السلطان عبدالحميد الثانى أن تعطى لهم قطعة من فلسطين لكى يسكنوا فيها ليس بوصفهم أنهم سيحكمون هذه البلاد ولكن يعيشون فيها فقط، فلم يقبل ويرفض وقال إنها ليست ملكى ولكنها ملك دولة الإسلام والمسلمين أجمعين، وهو لا يمكن أن يفرط فيها ولو بحبة رمل واحدة، وكان هذا من أسباب القضاء عليه وإبعاده عن السلطة..إلخ، فالعرب لم يتركوها منذ دخلوها، بل هم الذين كانوا أشتاتًا لمدة 2000سنة.
- طبعًا.. ليس هناك شىء اسمه الديانة الإبراهيمية، فإبراهيم ديانته انقضت تاريخيًا ثم تجددت فى الديانة الإسلامية «ما كان إبراهيم يهوديًا ولا نصرانيًا ولكن كان حنيفًا مسلمًا وما كان من المشركين» أما أن يكون الأمر على هذا النحو، فنحن لا نستطيع حتى بمقتضى الديانة الإبراهيمية أن نلزم اليهود بأن يعترفوا بالإسلام، فنحن نعترف باليهودية دينًا جاء بها موسى وأنزل الله بها كتابًا هو التوراه وجاء من بعده أنبياء بنى إسرائيل بأسفره ووصايا وأخلاقيات.. إلخ لكنهم لن يعترفوا بمقتضى هذه الديانة الإبراهيمية بالمسلمين ولن يعتقدوا حتى فى الديانة المسيحية التى ترى أن اليهودية أصل من أصولها ومرجعية من مرجعياتها، لأن السيد المسيح عليه السلام لم يأت لينقذ الناموس ولكن ليخفف عن الأمة التى آمنت به ويعدل ويكون فيه رفق بالأمة التى عصت الله عز وجل فحرم عليها محرمات لكن هذا عمل ليس له صلة بالأديان.
- هذا عدم إدراك لا لحقائق الإسلام ولا لحقائق الواقع ولا لحقائق الفروق بين موقف الإسلام من العلم وموقف الكنيسة الكاثوليكية من العلم، فأوروبا وجدت نفسها فى قبضة الكنيسة الكاثوليكية، وقد وقفت من العلم موقفًا مضادًا ورفضت ما قاله العلماء خصوصًا علماء الفلك والطبيعة من نتائج بعد اختراع المناظر الكونية الكبرى فقالوا على سبيل المثال إن الأرض كما كانت الكنيسة تعتقد وتعلم مركز الكون، وعندما وجد العلماء هذه المناظير التى لاحظوا فيها حركة الفلك والنجوم والكواكب قالوا إن الأرض ليست من نظام فلكى أكبر وهو المجرات، والمجرات جزء أكبر من هذا الكون العميق الذى لا يعرف الناس حقيقة ما فيه إلا بتدرج طويل المدى، يستطيعون أن يتعرفوا فيه شيئًا فشيئًا على بعض معالم هذا العالم العميق الذى يأخذ بالعقول والألباب بسبب ما فيه من ضخامة كبرى تجعل القياس فيه بالسنة الضوئية، ولكن الكنيسة لم تقبل هذا الكلام ورأت أن هؤلاء العلماء هراطقة وزنادقة وخارجون على تعاليم الكنيسة، ولذلك عاقبتهم وحرمتهم من ملكوت السموات كما تدعى الكاثوليكية، وعاقبتهم عقابًا وصل فى بعض الأحيان إلى حد الإحراق ثم كان لها هيمنة على الحياة الاجتماعية للناس وهى التى كانت تقودهم إلى الحروب الصليبية وأثرت فى الحياة الأوروبية تأثيرًا هائًلا جعل الناس يقفون منها موقف الرافض، والإسلام ليس فيه هذا كله، فهو دين قام أصلا وفى أولى آياته على العلم، وعلى جعل العلماء ذوى مكانة «إنما يخشى الله من عباده العلماء» و«شهد الله أنه لا إله هو والملائكة وأولوا العلم قائمًا بالقسط»، «ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولى اللأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم» ولم يعاقب الإسلام عالمًا، لأنه قال رأيًا علميًا وما فى وقع فى تراثنا كان أمرًا له أسباب سياسية، فمنهج الإسلام «فبشر عباد الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه» والرسول يقول»الكلمة الحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أحق بها، والصحابة قالوا» اقبلوا الحق من كل من جاء به ولو كان كافرًا فإن على الحق نورًا واحذروا زيغة الحكيم»، فلدينا انفتاح على العالم، ولذلك ترجمنا تراث الأمم كلها، وقد كان بعض هذا التراث مخزونًا فى الخزائن بأمر الكنيسة المسيحية الكاثوليكية، لأن بعض آراء الفلاسفة اليونانيين الذين كانوا قبل المسيحية كانت ذات طابع وثنى لا يؤمن بالإله ولا التوحيد ولا الآخرة ولا البعث، وهذا لم يحدث أبدًا فى التاريخ العربى الإسلامى، فالقياس مع الفارق، وليقل لنا هؤلاء العلمانيون عندما اتجهت الدول العربى والإسلامية إلى العلمانية ماذا فعلت، ماذا قدمت من ابتكارات علمية وحقوق سياسية وإنسانية فوضع المسلمين فى العالم، كما نرى إلا بعض المسلمين فى بعض الدول، لكن الإسلام لا يحارب العلم كما فعلت الكنيسة الكاثوليكية ولا يحارب الكرامة الإنسانية لأن الله يكرم البشر أجمعين ماداموا لا يقاتلون المسلمين.
- هؤلاء قوم لديهم رفض أصلًا، لكن ليس لديهم اطلاع، فالحضارة الإسلامية فى أوقات ازدهارها تقبلت علوم العالم كله وترجمت علوم الهند والفرس واليونان والرومان واللاتين وكل الحضارات السابقة ترجمتها إلى اللغة العربية، وأدخلت إلى الحضارة الإسلامية علومًا وفنونًا لم يكن للمسلمين عهد بها ولكنها لم تكتف بأن تكون مستقبلة لهذه العلوم ولكنها جعلتها ركيزة للتقدم وبدأت تفكر فيها، تصلح أخطاءها وتكمل الناقص منها، وتخترع وتبتدع علومًا جديدة تضاف إلى العلم الإنسانى لم تكن معروفة عند الأمم السابقة واحتفظت بتراث كل هذه الأمم حتى بعد أن ضاع أصله فى لغتها الأصلية وبقيت الحضارة العربية والإسلامية هى التى تحتفظ بهذا كله ثم ترجم هذا كله إلى أوروبا وكانت علومنا تدرس هناك باللغة العربية أحيانًا وباللغة اللاتينية التى كانت لغة العلم فى أوروبا فى ذلك الوقت، أحيانًا أخرى وظلت اللغة العربية فى مقدمة لغات العالم بما فيها من علم وحضارة وثقافة وإبداع اعترف به المنصفون حتى من المؤرخين الأوروبيين فعندئذ لا ينبغى أن ينظر إلى العالم العربى فى وضعه الحالى لأن الإسلام ليس مسئولا عن هذا التخلف الذى وقع فيه المسلمون ولكن هذا بسبب التفكك السياسى وعدم وجود الأخوة والتعاون والتكامل، وأدى بنا إلى هذا الضعف، فهذا قوانين وسنن إلهية من أخذ بها يحصد نتائجها ومن لم يأخذ بها لا يناله شئ من نتائجها، فالمسلمون فرطوا فى السنن الكونية والسنن الاجتماعية فأدى ذلك إلى هذا التخلف الذى يعيشون فيه وأنهم الآن فى ذيل الأمم، فقد تركنا السنن الكونية فلم نحصل على ثمراتها والآخرون أخذوا بالسنن الكونية والاجتماعية فحصدوا نتائجها.
- بكلمة موجزة واقع مؤسف، فاللغة العربية تزدهر فى العالم الإسلامى خصوصًا فى البلاد التى كانت تابعة للاتحاد السوفيتى تعود مرة أخرى إلى الظهور وهؤلاء يتهافتون ويسارعون إلى تعلم هذه اللغة التى توصف بأنها لغة شريفة ولا توصف بأنها لغة عادية، ليست مجرد لغة للتواصل الإنسانى ولكنها لغة نزل بها القرآن الكريم، وكنت فى إحدى الزيارات بالهند وصليت الجمعة فى أحد المساجد فخطب خطيب الجمعة باللغة المحلية وهو واقف على الأرض ثم بعد أن أنهى خطبته صعد المنبر وألقى ملخصًا لهذه الخطبة باللغة العربية فسألته لماذا خطب على الأرض ثم على المنبر فقال لأن اللغة العربية لغة شريفة لا يخطب بها على الأرض، فهذا شعور المسلمين نحو العربية، خاصة الشعوب التى كانت تحت سلطان الاتحاد السوفييتى الذى قهر هذه الشعوب واستنزف ثرواتها وحول لغتها وجعلها تابعة له فى كل أمورها، وعندما خرج بدأت هذه الله المنطقة تأخذ مكانها وأنشئت فيها المراكز للغة العربية والجامعات، فهذه المنطقة كلها التى ظهر منها الفارابى وابن سينا وظهر منها فلاسفة وعلماء الذين أسهموا إسهاما كبيرًا فى الحضارة الإسلامية، وقد غيب هذا فى عهد الاتحاد السوفيتى، وهناك عالم أخر فى أوروبا وبعض بلاد آسيا مثل كوريا واليابان تتعلم اللغة العربية للسياسة والعمل فى العالم العربى والاقتصاد والسياحة والمعرفة بلغة زاخرة بالتراث العربى الإسلامى، أما العرب فهم يعطون ظهورهم للغتهم فلا يبذلون إلا قليلا، ويحولون مناهجهم الدراسية إلى تعليم باللغات الأجنبية وإلى ترك لمضامين اللغة العربية ومن ثم فإننا نقول إن على العرب أن يقدروا نعمة الله عليهم عندما أنزل كتابه بلغتهم وعليهم أن ينصروا هذه اللغة وأن يعملوا على نشرها وإذاعتها بين أبنائهم، لأن هذا شرف لهذه الأمة، أن تتحدث بهذه اللغة الشريفة التى كانت لغة العلم الأولى فى العالم أكثر من خمسة قرون، وأوربا نفسها كانت تعلم العربية وفلسفتها تنتسب إلى الفلسفة الإسلامية، حتى فى الرياضيات تأثروا بما عندنا من علم الجبر الذى وضعه المسلمون، فالعربية ليست لغة هزيلة ولا عاجزة، فالآن لأننا لا نصنع العلم أصبحت لغتنا فقيرة.
- الذكاء الاصطناعى والحوسبة تعد من التحديات الكبرى التى تواجه اللغة العربية، لأن العالم كله يتجه نحو لغة محوسبة، تنتقل من الورق لأن تكون لغة الكترونية، تكتب بلغة الحاسوب وتخزن فى ذاكرة الحواسيب، ولغتنا حتى الآن بما أننا لا نصنع العلم فليس لدينا كمبيوتر عربى، فالصينيون صنعوا لأنفسهم كمبيوتر وكذلك اليابانيون والكوريون، وهكذا فنحن مكلفون بألا تقع بيننا وبين هذه الأمم فجوة، ومن ثم يجب علينا أن نستخدم كل ذكاء علمائنا من أجل خدمة هذه اللغة حفاظًا على لغتنا وهويتنا، فاللغة العربية هى الهوية لكل الشعوب العربية، فالتطور العلمى أداة من عرفها وأحسن استثمارها وأفاد من كل إمكاناتها فإنها يمكن أن تنقل المحتوى الموجود باللغة العربية إلى آفاق عليا، ونحن للأسف الشديد نرى أن لغتنا صعبة وأنها واسعة جدًا، بحيث لا يمكن للكمبيوتر أن يدركها، فالعقل الطبيعى هو الذى يعلم العقل الاصطناعى، فلابد أن يكون هناك تعاون بين من يعملون فى حقل اللغة وآدابها وبين من يعملون فى حقل التقنية، فالعالم اللغوى يقدم الإنجازات بحسب العلوم اللغوية من معاجم وصرف وتراكيب لغوية ومبدعات علمية ونغذى هذه الحواسيب العملاقة بهذه المكتسبات باللغة العربية فيرتفع مستوى المحتوى العلمى العربى، بحيث يقرأه الكل بالعربية، وكل هذا يفيد فى اتصالنا بالعالم والترجمة وتعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها، أما خطة المجمع فى الحوسبة، فقد كانت هناك محاولات عديدة حتى وصلنا الآن إلى إعلان هذا المولود الذى ولد عملاقا وهو الذكاء الاصطناعى فى أقل من عشر سنوات، لكن هو محاولة وأدوات اذا استحسنا استثمارها نستطيع أن نقدم للحواسيب العملاقة ما تضمنته اللغة العربية من قواعد ومعاجم ومن إبداع علمى ولدينا لجنة تسمى لجنة الذكاء الاصطناعى بالمجمع بهدف تطويع التكنولوجيا لخدمة اللغة العربية.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: باللغة العربیة اللغة العربیة علیه السلام التى کانت هذه الأرض هذه اللغة فى العالم إلى هذه یمکن أن أن یکون لا یمکن اللغة ا ا فیها علوم ا ما فیه
إقرأ أيضاً:
حنان أبوالضياء تكتب عن: الهوية الأنثوية المشوشة فى Wild Diamond
تنقل المخرجة أجاثى ريدنجر، فى تجربتها الإخراجية الأولى عالم «التيك توك» بكل ما فيه من طموح وشغف إلى حد الجنون. من خلال فيلم (Wild diamond) الماس البري.. الفيلم يعرض فى مهرجان القاهرة السينمائى الدولى فى دورته الـ45. عُرض الفيلم لأول مرة فى المسابقة فى مهرجان كان السينمائى هذا العام.
يرسم فيلم Wild Diamond صورة مذهلة ومفصلة لشباب ينجرف وراء أسطورة المظهر والمال. وإدمانهم على الشبكات الاجتماعية للحصول على المزيد من المتابعين بأى ثمن، والانغماس فى التعليقات على منشوراتهم.
يشير (Wild diamond) إلى حياة فتاة مؤثرة على وسائل التواصل الجتماعى تطمح إلى أن تصبح مشهورة.. مقدمًا حكاية تحذيرية عن فتاة مراهقة مهووسة، وتملك رؤية مشوشة عن «الجمال».
وفى أول فيلم روائى طويل للمخرجة أجاثى ريدنجر يخفى الحزن العميق الذى يكتنف موضوعه الرئيسى أن الجمال والألم يصبحان بالنسبة للعديد من الشابات شيئاً واحداً، حيث يكشف عن الشعر والرموش الاصطناعية ليكشف ساحة معركة عاطفية بداخل البطلة.
المخرجة تجلب أيضًا بعض الواقعية الاجتماعية، حيث تمارس البطلة جاذبيتها غير المسئولة والمتهورة. والغموض يكتنف مسيرتها حول النجاح الذى يبدو مخيبًا للآمال. وفى الواقع ابتكرت ريدنجر لأول مرة شخصية المتسابقة الطموحة فى برنامج الواقع ليان فى فيلمها القصير لعام 2018 Waiting For Jupiter حيث لعبت دورها حينذاك سارة ميجان ألوش، ثم أخرجت لاحقًا فيلمًا قصيرًا آخر، Eve (2019)، والذى تناول أيضًا موضوعات الهوية الأنثوية.
فيلم Wild diamond الماس البرى من تصوير نوى باخ وسيناريو ليلى ديسيلس، الموسيقى لأودرى إسماعيل. وبطولة مالو خبيزى، إيدير أزوقلى، أندريا بيسكوند، آشلى رومانو، أليكسيس مانينتى، كيليا فرنان، ليا جورلا، ألكسندرا نوازييه، أنطونيا بوريسي.
ليان (مالو خبيزى ). شخصية محيرة مظهرها أنثوى للغاية، ربما تراها كشخصية إباحية ولكنها ذات مشاعر وتصرفات طفلة عذراء. تحتفظ بحذاء مصنوع لامع تسرق له فصوص من الماس الصناعى، وهى مرعوبة ومشمئزة فى نفس الوقت. ودائما هناك عنف فى الشهوة التى تثيرها. فى مناسبتين منفصلتين ؛ تتخلل التعليقات على حسابها على «إنستجرام» تهديدات بالإبادة الجنسية واقتراحات بأن تقتل نفسها.
الألم الذى تشعر به داخلها ليس شيئًا يمكن علاجه بزراعة مؤخرة برازيلية أو شراء فستان جديد قصير ومثير. وكما تشير قدماها، اللتان تنزفان وتنبضان بسبب العقاب المتراكم الذى تفرضه عليها أحذيتها، فإن الألم هو مجرد شيء يجب عليها أن تتعايش معه.
إننا أمام شخصية كاريكاتيرية مزيج من الإثارة الجنسية. والهوس بالشهرة والنجاح، لذا عندما يتم استدعاؤها لأداء اختبار أداء برنامج تليفزيون الواقع، يبدو الأمر وكأن مصيرها قد تقرر.
ليان عبارة عن خليط من الدوافع التى لا تتوافق مع بعضها البعض، على الرغم من أنها لم تتمكن من التعبير عن أى منها. ترسل القبلات إلى متابعيها الذين يبلغ عددهم خمسين ألفًا كمهارات للتسويق بشكل عام.
ليان تعبر الأراضى القاحلة مرتدية شورت الجينز الصغير، وتزحف تحت الأسوار، وترتكب سرقتها الصغيرة لإعادة بيع العطور، وأقراص USB، وسماعات الرأس. لديها صديقات جيدات من الطفولة، وقبل كل شيء، مؤثرات الشبكة، ونصائحهن الجمالية من دبى من البلسم السرى إلى الجراحة التجميلية.
ليان تطمح إلى الحرية والحقيقة فى صخب ما بعد المراهقة الساذج المليء بالآمال العالية والعواطف السيئة التوجيه، إنها تعبر عن دوامة من الخيال والسعى إلى تسلق اجتماعى سريع حيث يتسلل اليأس. إنها رحلة صعبة على عجلة الحياة الكبيرة ملفوفة ببعض الصور الجميلة الجسدية.
ليان منتمية لنوع من الكاثوليكية؛ وتخبر صديقتها من الفتيات بكل جدية أن مصيرها كنجمة تلفزيونية واقع هو بين يدى الله. تسرق ليان البضائع المسروقة وتبيعها لتدفع ثمن جراحة تكبير الثدى كما أجرت عملية تجميل لشفتيها. إنها تقضى وقتًا مع أصدقائها، وتشرب الخمر..
تعيش ليان فى شقة رثة فى جنوب فرنسا مع والدتها المتهربة من دفع الضرائب وأختها الصغيرة التى تحبها وترعاها، وتطمح إلى أن تصبح «كيم كارداشيان الفرنسية». تأتى انطلاقتها الكبيرة فى شكل اختبار أداء لبرنامج تليفزيون الواقع Miracle Island. يعد اختيار الممثلين أمرًا مستبعدًا للغاية، لكن ليان تستغل الفرصة بكل ما أوتيت من قوة، وتصف نفسها بأنها مؤثرة، وتقوم بتعديلات فى جسدها مكلفة فى ظل ظروفها المالية ومؤلمة، حيث تعمل وشم على بطنى بنفسها لتعرضه على «إنستجرام»، وتتابع تعليقات الآلاف من متابعيها بحماسة شديدة. ومع ضغط نفسى شديد؛ خاصة أنها لديها بعض القيم وترفض علاقات أمها الجنسية مقابل المال، ومع ذلك ليان تسرق من المحلات، حيث يتم القبض عليها وهى تسرق من أحد المتاجر وتهرب من حراس الأمن. وتقتحم حفلًا فاخرًا وتعرض نفسها على ثلاثة رجال بأداء رقصة خاصة مقابل ألف يورو، لكنها تتراجع فى لحظة وتهرب قبل تهورها. يتركها الرجال كنوع من المسئولية الأخلاقية لكونها صغيرة. فهى فتاة فى التاسعة عشرة من عمرها.
ليان، الابنة الكبرى لابنتين لأم عزباء ترى أن الشهرة هى الخيار الوحيد المتاح لها لتحسين حياتها. وسوف تتخذ كل المسارات لتظهر مرة فى برنامج تليفزيون الواقع، حتى تصبح مروجة للمنتجات، وربما التمثيل. وتقول لنفسها بكل ثقة: «سوف يحبنى الناس، وسوف يرغبون فى رؤيتى».
ومع مرور الأيام، وعدم تلقى ليان أى رد من شركة الإنتاج التليفزيونى، يشتعل فتيل غضبها بسرعة أكبر وتبدأ فى مهاجمة من حولها. والرفض شخصى لكل المحيط بها.
لقد تم تصوير الفيلم بألوان تبدو مبالغًا فيها وجريئة، مثل الألوان التى تظهر على لوحة ظلال العيون التى تستخدمها ليان. وهناك لحظة رائعة، بعد محاولة فاشلة للتقارب مع دينو الرجل الوحيد إلى يحصل على مساحة بالفيلم، عندما تحاول بتردد أن تلمس نفسها ولا تشعر بأى شيء.
مستشارتها المهنية فى منتصف العمر، على الرغم من كل ما أصابها من إرهاق بسبب نوبات الغضب التى تنتاب ليان، تشفق عليها.
تطرح أسئلة يجب أن تؤكد إجاباتها على صورة الفتاة السيئة التى اضطرت إلى إنكارها أو قمعها أمام الخدمات الاجتماعية، ولكنها مصطنعة مثل صورة الفتاة الطيبة التى يتوقعها المحيطون بعد الاختبار، نرى كيف أصبحت ليان الآن فى حالة يمكن وصفها فقط بأنها نسخة مبتهجة من اضطراب ما بعد الصدمة. فهى تعتقد أنها حصلت على برنامج الواقع، وفى الحقيبة هذا سراب.
السيناريو يركزعلى صورة لليان؛ فهو يظهرها فى كل مشهد. وحاولت المخرجة استخدام مسافات وظلال منفصلة لتجنب إضفاء طابع جنسى مفرط على جسدها. وتشير إلى بعض التفاصيل، والتى تفسر تصرفاتها العنيفة. فعندما كانت ليان أصغر سنًا، وضعتها والدتها سابين (أندريا بيسكوند) تحت رعاية الدولة. وقضت ليان ثلاث سنوات فى دار الأيتام. والآن عادت إلى شقة العائلة المتعفنة، حيث لم تعد والدتها تتمتع بالمحبة؛ لتركز اهتمامها على أختها الصغيرة أليشيا (أشلى رومانو) وتحاول رعايتها، رغم أن رعايتها تمتد إلى حد كبير إلى تعليمها الرقص. صديقها الحقيقى الوحيد هو دينو (إيدير أزوجلى) الذى التقت به فى دار الأيتام، والذى وجد وظيفة لائقة فى إصلاح الدراجات النارية، والذى وقع فى حبها بكل صراحة.
فيلم Wild Diamond يذكرنا بفيلم How To Have Sex للمخرجة مولى مانينج ووكر فكليهما يركز على الضغوط الأدائية على الشابات لتمثيل نوع من التفاعلات الجنسية البعيدة كل البعد عن طبيعتهن الحقيقية. ويقترب من فيلم البجعة السوداء، حيث التعامل مع الذات بكل القسوة لتحقيق طموحها كراقصة بالية فما أشبة عذاب صناعة الوشم فى هذا الفيلم، بالرقص بقدم عارية على الزجاج المكسور رغبة فى الكمال والارتقاء فى مجال اللياقة البدنية.