سودانايل:
2024-11-08@19:50:05 GMT

الدرك السحيق

تاريخ النشر: 18th, May 2024 GMT

ينزلق السودانيون، هذه الأيام، بسبب الخصومات والخلافات السياسية، إلى درك سحيق من الأفك والكذب والفجور، لا أدري هل هذه هي خاصية اختصنا بها الله وحدنا، أم أنها ظاهرة كونية، وما نحن إلا شكل من أشكال تمظهرها بسبب الصراع الحاد في المشهد السياسي السوداني. من يقف ورائها، وماذا سيحصد منها ممارسوها، لأنها تمثل الإقصاء في أبشع تجلياته، وهل ما عاد ممكناً أن نتصارع فكرياً، ونتنافس سياسياً في أرض نظيفة، منبسطة، خالية من الحصى والشوك والحسكنيت؟.


منذ أن نصب نميري المشانق للمدنيين، لأول مرة في أحكام سياسية، في يوليو 1971، طوينا صفحة من التسامح، وولجنا عصر العنف السياسي في أقبح صوره، العنف الذي يمارس من أجل تحقيق مكاسب سياسية، وهو أمر دخيل علينا، حيث لم نكن قبل ذلك التاريخ، بل وحتى خلال سنوات الاستعمار، أن شهد السودان الاغتيالات السياسية. وكما فتح نميري ذلك الباب في بدايات حكمه، كتب لنفسه سوء الخاتمة بمهزلة محاكمة الفكر وإعدام شهيد الرأي الأستاذ محمود محمد طه كشكل آخر من أشكال العنف السياسي.
بعد استعادة الحكم المدني بعد إبريل 1985، كنا نعتقد أننا قد طوينا، وللأبد، تلك الصفحات المظلمة في تاريخنا من الممارسات السياسية، إلا أننا شهدنا الخروج عن أدب الخلاف وممارسة سوء الأدب والانحطاط السياسي في صحف الجبهة القومية الإسلامية، ألوان، والراية، حيث ضربتا بكل القيم والأخلاق عرض الحائط، بعد أن سعتا بجهد دؤوب على تشويه فكرية التعددية، وصارتا تقدما صورة مشوهة من الممارسة الديمقراطية في حقوق النشر وحرية الرأي، وذلك لإضفاء الشرعية على النموذج الاستبدادي الذي يعدون له العدة منذ دخولهم في المصالحة مع النميري في 1976.
توجت الجبهة القومية الإسلاموية ذلك التبخيس للديمقراطية بانقلابهم المشئوم عليها في يونيو 1989 وأدخلوا البلاد في لُجٍّ من الحروب والعنف السياسي بصورة لم تخطر على بال أشهر الدكتاتوريين في العالم وأشدهم قسوة وعنفا أمثال هيتلر وموسيليني والجنرال فرانكو. شيدوا لأنفسهم أعتى نظام استبدادي في تاريخ الانسان، حيث استأثروا لأنفسهم، بسياسة التمكين، بكل السلطات، وعزلوا السودان من محيطه الاقليمي والعالمي بعد أن حولوه إلى خميرة عكننة لكل العالم، ومارسوا سياسة العنف والترهيب من دون أي اعتبار لأبسط المبادئ الإنسانية، لم يجدوا حرجاً في تعيين وظيفة رسمية في أجهزة الدولة تحت مسمى (مغتصب).
الآن وفي ظل ثورة ديسمبر المجيدة رأينا كيف تآمرت وتورطت اللجنة الأمنية بقيادة الجنرالين البرهان وحميدتي في جريمة فض الاعتصام النكراء لشباب عزل كل جرمهم أنهم كانوا يتغنوا للحرية والسلام والعدالة وهم في حمى جيش الوطن.
ربما أحتكر الاسلامويون القتل في الجرائم السياسية بعد حكم نميري، إلا أن ممارسة العنف السياسي، في أشكاله الأخرى، لم يعد حكراً لهم، بعد أن أصابت جرثومته معظم القوى السياسية وانتشرت، يا للأسف، بين الكتاب والأدباء والمفكرين. ونجد أكبر ضحايا ذلك العنف اللفظي والمعنوي هي تحالف قوى الحرية والتغيير المختصرة ب "قحت" أو تنسيقية القوى المدنية "تقدم" حتى صارت كلمة "قحاتي" كأنها شتيمة لصاحبها، بعد أن دمغوا زوراً وبهتاناً قحت وتقدم بالخيانة والعمالة وبأنها الحاضنة السياسية لمليشيا الدعم السريع.
عندما تأتي مثل تلك الاتهامات المسيئة من قبل الكيزان والفلول، فذلك أمر متوقع، حيث لم نر منهم صدقاً قط، لا في قول أو في فعل، ولم نشهد لهم إلا بالكذب والافتراء وخيانة العهود. لذا ليس بمستغرب أن تأتي منهم مثل تلك الفرية الكأداء لكن أن ترددها قوى محسوبة على الثورة، ومن كتاب ومثقفين، وحزب مثل الحزب الشيوعي فذلك أمر مثير للدهشة!.
في كلمة الميدان، لسان حال الحزب الشيوعي السوداني، العدد 4185 الصادر بتاريخ 14 مايو 2024 جاء فيها ( ... لقد فشل انقلاب 25 أكتوبر 2021 في الوصول والاحتفاظ بالسلطة للمكون العسكري لحماية مصالح البرجوازية الطفيلية وبقايا الفلول ومن يدعمهم إقليمياً ودولياً، كان لتصدي جماهير شعبنا ممثلة في قواه الحية والجذرية ومظاهراتها السلمية التي ملأت شوارع مدن السودان، السبب الرئيسي لتراجع قوى الانقلاب، بل بروز انقسامات في صفوفها، وحاول طرفا المكون العسكري الاحتماء بحاضنة مدنية، وجدت مليشيا الدعم السريع ضالتها في بقايا "قحت" بينما استمر بقية اللجنة الأمنية في توسيع قوى اعتصام الموز ....).
إن قرار وموقف قحت وتنسيقية تقدم منذ اندلاع هذه الحرب العبثية، والذي أعلن من أول يوم الاحتفاظ بمسافة واحدة من الطرفين والسعي معهما للوصول إلى إعلان مبادئ مشترك لوقف إطلاق النار، ثم ابتدار عملية سياسية تنقل البلاد إلى مربع السلام والتحول الديمقراطي.
بما أن الحزب الشيوعي خاض مع الخائضين في عرض هذا التحالف العريض، حلفاء الأمس، والذي لم يزل، رغم انسحاب الحزب الشيوعي وبعض الكتل والأحزاب السياسية والحركات المسلحة مثل "حركة تحرير السودان" بقيادة مناوي، "حركة العدل والمساواة" بقيادة د. جبريل إبراهيم، وأحد فصيلي تجمع المهنين السودانيين بعد انقسامه الي فصيلين، بقي أحدهم عضوا في التحالف.
على الرغم من ذلل التشظي والتلظي، لا يزال التحالف هو الأكبر ولأكثر تأثيرا في الشارع والقرار السياسي، وهو الوحيد الذي يجد الاعتراف والاحترام والقبول من قبل المجتمع العالمي الداعم للثورة السودانية. يكفي أنه لا يزال يضم أكبر حزبين سياسيين عرفهما السودان في تاريخه الحديث وهما حزبا الأمة – الأصل – والتجمع الاتحادي المعارض الذي يضم معظم الكتل الاتحادية، هذا عدا الحزب الصاعد بقوة الدفع الشعبي والنقاء الثوري حزب المؤتمر السوداني، ولا يزال هناك الفصيل الأكبر في تجمع المهنيين عضوا فاعلا فيه.
نعم يعاني التحالف من العديد من الإشكالات التنظيمية والضعف الهيكلي، وغياب الديمقراطية والشفافية في بعض مكوناته، ويعاني كذلك من المطاردات والاعتقالات والتصفيات التي يتعرض لها ناشطوه في الداخل، لكنه على الرغم من ذلك يظل الأمل الوحيد لهزيمة الفلول ومخططاتهم، ودونه، شئنا أم أبينا، لن يوجد السودان الذي كنا نعرفه أو نبني السودان الذي ننشده.
في مطلع أبريل الماضي أصدرت النيابة العامة في السودان، أوامر بالقبض على رئيس الوزراء السابق، رئيس تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية، عبد الله حمدوك، و15 من قادة التنسيقية، وجاء قرار النيابة بناء على بلاغ دونته اللجنة السودانية للتحقيق في جرائم الحرب، ضد قادة تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية، بتهم تتعلق بإثارة الحرب ضد الدولة وتقويض النظام الدستوري والجرائم الموجهة ضد الإنسانية والإبادة الجماعية، تهم تصل عقوبتها إلى الإعدام.
عرف الحزب الشيوعي السوداني، وطوال تاريخه، مؤمنا وعاملا بمقولة المفكر الفرنسي فولتير (قد أختلف معك في الرأي، ولكني مستعد ان ادفع حياتي ثمنا لحقك في التعبير عن رأيك)، أضابير المحاكم، وروزنامة الراحل المقيم كمال الجزولي مليئة بكثير من المواقف التي هب فيها رجالات الحزب لرفع الظلم عن أفراد وجماعات محسوبون ضمن القوى المناوئة للحزب مما أكسبه احترام الأعداء قبل الأصدقاء.
فلو قرأنا هذا الصمت المريب من قبل الحزب الشيوعي تجاه تلك التهم الجائرة في حق قيادات تقدم مع ربطه فيما أوردته من كلمة الميدان، نستنتج موقف الحزب الرسمي على تلك الاتهامات وهو التأييد المطلق لها، فما دام الحزب يطالب بتصنيف مليشيا الدعم السريع كمنظمة إرهابية، وأن تقدم أو قحت هي الحاضنة السياسية لتلك المليشيا الإرهابية فبالتالي هم شركاؤهم في الدم وفي الجرائم والانتهاكات التي ارتكبها الدعم السريع!
هذا الأمر أكاد لا أصدقه وأتمنى أن ينفيه بيان رسمي من الحزب الشيوعي يغسل به عار الصمت المتواطئ مع جرائم الفلول فهو أمرا لا يشبهه وموقف مخزٍ لا يليق به.

عاطف عبدالله
17/05/2024

atifgassim@gmail.com  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: العنف السیاسی الحزب الشیوعی الدعم السریع بعد أن

إقرأ أيضاً:

انهيار ائتلاف حكومة أولاف شولتس.. ما الذي يحدث في ألمانيا؟

الاقتصاد نيوز - متابعة

بعد محطات واسعة من الخلافات حول التوجهات الاقتصادية، والتي تفاقمت خلال الأسابيع الماضية، أقال المستشار الألماني أولاف شولتس وزير المالية كريستيان ليندنر، في خطوة تعبر عن حالة الانقسام الواسعة في برلين، ومن شأنها تمهيد الطريق أمام إجراء انتخابات برلمانية مبكرة.

بُعيد اجتماع اللجنة ا لائتلافية (مُشكلة من الحزب الاشتراكي الديمقراطي والخضر والحزب الديمقراطي الحر)، بساعات قليلة، أعلن المستشار الألماني إقالة وزير المالية، في خطوة أخرى نحو انهيار الائتلاف بشكل واضح، وبعد اقتراح الوزير إجراء انتخابات مبكرة من أجل حل الخلاف بشأن الميزانية، وهو الاقتراح الذي رفضه المستشار الألماني.

وبدلاً من ذلك أعلن سولتش (الذي قال إن وزير ماليته خان ثقته مراراً، وأن العمل الحكومي صار غير ممكناً في ظل تلك الظروف)  الدعوة إلى إجراء تصويت على الثقة في منتصف شهر يناير المقبل، وهو الأمر الذي قد يقود إلى إجراء انتخابات مبكرة، فيما تنادي المعارضة بعدم الانتظار حتى طرح الثقة.

رئيس قسم الشؤون الاقتصادية والدبلوماسية في المنظمة الأوروبية للسياسات، ناصر زهير، يقول لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية":

يعود هذا الانقسام في ألمانيا إلى خلافات كبيرة بين أطراف الائتلاف الألماني. فقد شهدت ألمانيا لأول مرة تحالفاً بين ثلاثة أحزاب لتشكيل الحكومة، وهي الحزب الاشتراكي، والحزب الليبرالي، وحزب الخضر.

تتركز الخلافات بين وزير المالية والمستشار الألماني شولتس حول دستورية الميزانية، حيث قضت المحكمة الدستورية بعدم جواز استخدام القروض أو إعادة تخصيص القروض المتبقية من جائحة كورونا.

تم تخصيص حزمة قروض في ألمانيا لمواجهة الجائحة بلغت 60 مليار يورو، وبقي جزء منها. وقد اقترحت الحكومة استخدام هذه الأموال في برامج المناخ والطاقة، إلا أن المحكمة الدستورية رفضت هذا الاقتراح.

هذا الخلاف أدى إلى توتر بين وزير المالية والمستشار الألماني، حيث اقترح وزير المالية على المستشار إجراء انتخابات مبكرة لحل الخلافات حول الميزانية، إلا أن المستشار رفض هذا الاقتراح.

بناءً على ذلك، من المتوقع إجراء انتخابات مبكرة في بداية العام المقبل، والتي من المحتمل أن تؤدي إلى خسارة الاشتراكيين في ظل نتائجهم السيئة في الانتخابات المحلية.

من المتوقع عودة حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي إلى الحكم ضمن ائتلاف جديد، مما يجعل استمرار حكومة الاشتراكيين أو بقاء شولتس غير مرجح، إلا إذا تم التوصل إلى حل لهذه الخلافات في اللحظات الأخيرة.

ومع تفاقم الخلافات، أعلن الحزب الديمقراطي الحر أنه سيسحب جميع وزرائه من الحكومة، وسط انتقادات من شركائه في الائتلاف الحكومي.

ودعا زعيم المعارضة الألمانية فريدريش ميرز إلى إجراء انتخابات مبكرة في يناير عقب انهيار حكومة أولاف شولتس، محذرا من أن البلاد لا يمكن أن تخاطر بفترة طويلة من عدم اليقين السياسي.

ورفض رئيس حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي المحافظ، الخميس، الجدول الزمني الذي حدده المستشار الألماني بعد أن قام بتفكيك الائتلاف الحاكم - وهي الخطوة التي مثلت ذروة الخلاف طويل الأمد حول السياسة الاقتصادية وأغرقت أكبر اقتصاد في أوروبا في اضطرابات سياسية.

وضغط ميرز على شولتس، قائلاً إنه "لا يوجد سبب" للانتظار حتى 15 يناير لتقديم تصويت الثقة في البوندستاغ - مما يعني أن أقرب موعد يمكن إجراء التصويت المبكر فيه هو مارس. وقد ردد كبار رجال الأعمال دعوته وحذروا من الحاجة إلى اتخاذ إجراءات عاجلة لإحياء الاقتصاد الألماني .

وقال زعيم المعارضة إن مجموعته البرلمانية،  وافقت بالإجماع على مطالبة شولتس بإجراء تصويت على الثقة "على الفور، في بداية الأسبوع المقبل على أقصى تقدير". وهذا من شأنه أن يسمح بإجراء الانتخابات في النصف الثاني من يناير.

وقال شولتس إنه يريد العمل مع حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي في الأشهر المقبلة لدفع التدابير الرامية إلى دعم الأعمال وتحفيز الاقتصاد.

لكن ميرز قال: "لا نستطيع ببساطة أن نتحمل وجود حكومة بلا أغلبية في ألمانيا لعدة أشهر"، تليها حملة انتخابية تستمر شهوراً وأسابيع من بناء الائتلاف. وأضاف: "يتعين أن تحدث الأمور بسرعة".

توقيت "مثير للجدل"

من برلين، يقول الكاتب المتخصص في الشؤون الأوروبية، عبدالرحمن عمار، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية":

الخلافات بين وزير المالية الألماني والمستشار ليست جديدة، لكن وصول الأمور إلى إقالة المستشار لوزير ماليته فاجأ الألمان.كما فاجأهم توقيت هذه الخطوة، خاصة أنها جاءت بعيد فوز ترامب بالانتخابات الأميركية.

تعرف المخاوف الألمانية والأوروبية من عودة ترامب إلى الحكم، حيث يخشى الأوروبيون أن يؤدي ذلك إلى التخلي عن دعمهم أمنيًا وأيضًا التأثير على التعاون الاقتصادي. لذا، كانت ألمانيا بحاجة إلى حكومة قوية في هذا الوقت تحديدًا، لدعم أوكرانيا أيضًا.

أما تبرير وزير المالية لموقفه فيعود إلى أن الميزانية التي تقدم بها الاشتراكيون والخضر لا تأخذ في الاعتبار الوضعية الحرجة لألمانيا.

يرفض وزير المالية التخلي عن سقف الديون، مما يعني عدم السماح لألمانيا بأخذ ديون جديدة لتمويل مشاريع متعددة، من ضمنها دعم أوكرانيا وزيادة المساعدات الاجتماعية.

يرى المستشار وحليفه حزب الخضر أن هذا التوجه ضروري حاليًا بسبب التضخم والمشكلات الاقتصادية. لكن العديد من المحللين يجمعون على أن خطوة وزير المالية تهدف أيضًا لإنقاذ حزبه، الذي قد يواجه صعوبة في دخول البرلمان في الانتخابات القادمة العام المقبل.

بينما فيما يخص السيناريوهات الحالية، يقول عمار: تواصل الحكومة الألمانية عملها بدون الحزب الليبرالي. وقد صرح المستشار بأنه سيطرح التصويت على الثقة في الحكومة في يناير المقبل، تمهيدًا لاحتمال إجراء انتخابات مبكرة في مارس. في المقابل، تطالب المعارضة بالتسريع في إجراء الانتخابات، معتبرة أن عودة ترامب للبيت الأبيض تتطلب عدم التأخير في اتخاذ القرارات المناسبة.

عدم اليقين.. ومخاوف الاقتصاديين

في السياق، حذر كبار رجال الأعمال في أكبر اقتصاد أوروبي من مخاطر زيادة حالة عدم اليقين في وقت حرج بالنسبة للاقتصاد.

وقال سيجفريد روسورم، رئيس اتحاد رجال الأعمال الرئيسي في ألمانيا، "في ضوء الوضع السياسي العالمي والتطورات السلبية في الاقتصاد الألماني، فإننا بحاجة إلى حكومة جديدة فعالة تتمتع بأغلبية برلمانية خاصة بها في أقرب وقت ممكن"، بحسب ما نقلته صحيفة فايننشال تايمز البريطانية.

كما حذر الرئيس التنفيذي لدويتشه بنك، كريستيان سوينغ، من أن كل شهر من التقاعس عن العمل يهدد بالتسبب في "عام من النمو المفقود".

وكتب على موقع لينكد إن: "ألمانيا تواجه تحديات اقتصادية كبرى، ولهذا السبب لم يعد بوسعنا أن نتحمل البقاء مكتوفي الأيدي".

ارتفعت تكاليف الاقتراض طويلة الأجل في ألمانيا إلى أعلى مستوياتها منذ يوليو في أعقاب انهيار الائتلاف، حيث وضع المستثمرون في الحسبان احتمال زيادة الاقتراض الألماني بعد أن أقال شولتس وزير ماليته المتشدد كريستيان ليندنر. وارتفع العائد على السندات الحكومية لأجل عشر سنوات بمقدار 0.1 نقطة مئوية إلى 2.49%.

وقال الرئيس الألماني فرانك فالتر شتاينماير إن كثيرين في البلاد يشعرون بالقلق إزاء عدم الاستقرار في الداخل والعالم في أعقاب الانتخابات الأمريكية وحث السياسيين على التصرف بمسؤولية. وقال شتاينماير "إن هذه ليست لحظة التكتيكات والمراوغة، بل هي لحظة العقلانية والمسؤولية".

ومن المتوقع أن يتقلص الناتج الألماني للعام الثاني على التوالي في عام 2024 وسط مشاكل عميقة في صناعة السيارات وقطاعي الكيماويات والهندسة. وتواجه ألمانيا خطر التفاقم بسبب إعادة انتخاب دونالد ترامب، الذي تعهد بمواصلة سياسات الحماية التي من شأنها أن توجه ضربة قوية للصادرات الأوروبية.

محاور الانقسام الرئيسية

من برلين أيضاً، يشير الكاتب الصحافي محمد الخفاجي، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية":

الانقسام داخل الحكومة الألمانية يعود لخلافات بين أحزاب الائتلاف الحاكم (الحزب الديمقراطي الاجتماعي، حزب الخضر  والحزب الديمقراطي الحر) حول قضايا رئيسية:

السياسات الاقتصادية: يدعم الحزب الديمقراطي الحر سياسة تقشف وتخفيض الإنفاق الحكومي بينما يسعى الحزب الديمقراطي الاجتماعي (حزب المسشار شولتس) وحزب الخضر لزيادة الإنفاق على الرعاية الاجتماعية والبنية التحتية. مثلا  الخلاف حول تمويل خطط دعم الطاقة للأسر والشركات لمواجهة ارتفاع التكاليف والذي تم تنفيذه عدة مرات منذ بداية الحرب الروسية الاكرانية

السياسات البيئية: يدفع حزب الخضر لتحقيق أهداف بيئية صارمة للحد من الانبعاثات وتحويل الاقتصاد للطاقة المتجددة، لكن الحزب الديمقراطي الحر يخشى تأثير ذلك على الصناعات وارتفاع التكاليف مثال على ذلك جدل حول تخفيض الاعتماد على الفحم ووقف إنتاج السيارات العاملة بالوقود التقليدي بحلول 2030 والذي تعارضه ايضا الشركات المنتجة للسيارات في المانيا.

الهجرة: الحزب الديمقراطي الاجتماعي وحزب الخضر يؤيدان سياسات هجرة أكثر انفتاحا بينما يدعو الحزب الديمقراطي الحر إلى ضبط أكبر لسياسات الهجرة واللجوء. مثال على ذلك خلاف حول استقبال اللاجئين من مناطق الصراع مثل سوريا وأوكرانيا.

السياسة الخارجية والدفاع: اختلافات في مستويات دعم أوكرانيا حيث يتخذ الحزب الديمقراطي الاجتماعي موقفًا أكثر حذرا في التمويل العسكري، بينما يدفع حزب الخضر لمزيد من الدعم.

أما لجهة التداعيات المحتملة والتي تؤثر على تماسك الائتلاف الحكومي فتتمثل في تقدير خفاجي، في تعطيل القرارات المهمة وتأخر في تنفيذ برامج التحول الطاقي أو الدعم الاجتماعي، وهذا في قد يؤدي الى  انهيار الائتلاف؛ فاستمرار التوترات قد يدفع أحد الأحزاب للانسحاب ما قد يؤدي إلى انتخابات مبكرة.

ومن شأن هذا الخلاف أن يؤدي الى تراجع ثقة الناخبين فقد يفقد الناخبون ثقتهم، ما قد يؤدي إلى تعزيز المعارضة  خاصة الأحزاب اليمينية والتي تشهد استطلاعات الراي على تقدمها في الفترة الأخيرة، وفق خفاجي.

إلى جانب ذلك وعلى المستوى الأوروبي، فإن "هذا الخلاف يسهم في ضعف الدور الألماني في أوروبا فإن  عدم استقرار الحكومة قد يؤثر على قدرة ألمانيا في قيادة السياسات الأوروبية، خصوصًا فيما يتعلق بالطاقة والسياسة الدفاعية والتي أصبحت ألمانيا محورا مهما فيها".

ردود أفعال أوروبية

وعبر الأمين العام لحلف شمال الأطلسي مارك روته عن ثقته في أن برلين "ستفي بالتزاماتها" في مجال الدفاع والسياسة الخارجية.

وتعد ألمانيا ثاني أكبر مزود للمساعدات العسكرية لأوكرانيا بعد الولايات المتحدة. وقال روته لدى وصوله إلى اجتماع الزعماء الأوروبيين في بودابست: "لست قلقًا بشأن ذلك".

بدورها قالت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، وزيرة الدفاع الألمانية السابقة، إن أزمة الحكومة "من شأن ألمانيا أن تناقشها"، مضيفة أنه من المهم لأعضاء الاتحاد الأوروبي "البقاء على المسار الصحيح".

تأثير عودة ترامب!

وربط محرر الشؤون الأوروبية في صحيفة فاينانشال تايمز، بن هول، في مقال له، الخميس، بين فوز ترامب وما يجري في ألمانيا، قائلاً: بعد اثنتي عشرة ساعة فقط من فوز دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية الأميركية، أودت سياسته "أميركا أولا" بأول ضحاياها الأوروبيين مع انهيار الحكومة الائتلافية في ألمانيا. كان الشركاء الثلاثة في الائتلاف الحاكم - الديمقراطيون الاجتماعيون بزعامة أولاف شولتس، والخضر بزعامة وزير الاقتصاد روبرت هابيك، والديمقراطيون الأحرار الليبراليون بزعامة وزير المالية كريستيان ليندنر - على خلاف منذ شهور بشأن السياسة إلى حد الشلل.

ويوم الأربعاء، اجتمعوا لمحاولة حل خلافاتهم بشأن فجوة قدرها 9 مليارات يورو في ميزانية 2025. كان الخلاف حول العجز المالي - وهو مبلغ ضئيل مقابل الإنفاق المخطط له بأكثر من 2 تريليون يورو - في الواقع بمثابة وكيل لانقسام أيديولوجي أوسع بكثير.

مقالات مشابهة

  • كرزايات السودان والرمرمة السياسية
  • بايدن: لا بد أن نقبل الخيار الذي اتخذته البلاد في هذه الانتخابات الرئاسية
  • انهيار ائتلاف حكومة أولاف شولتس.. ما الذي يحدث في ألمانيا؟
  • الحزب الشيوعي رغم العداء تحالف مع اليمين (2 – 15)
  • صعود الميليشيات في السودان: بين ضعف الدولة وتفكك النظام السياسي
  • مواقف الحزب الشيوعي من التحالفات عبر تاريخه (1 – 15)
  • السعودية تتمسك بالحل السياسي لأزمة السودان وتدعو البرهان لزيارتها
  • الانتخابات الأمريكية 2024| ماذا ينتظر واشنطن حال فوز ترامب أو هاريس؟.. محللون: أمريكا بحاجة إلى قائد قوي.. والناخب سيختار الأقل سوءًا والابتعاد عن العنف السياسي
  • قصة رمز الحزب الديمقراطي الأمريكي.. الحمار الذي تحول إلى أيقونة سياسية
  • مجلس الوزراء السعودي: “منبر جدة” الحل السياسي هو الطريق الوحيد لإنهاء الأزمة في السودان