ما تأثير عقوبات واشنطن على قائدين بالدعم السريع في معارك الفاشر؟
تاريخ النشر: 18th, May 2024 GMT
الخرطوم– فرضت الولايات المتحدة عقوبات جديدة على اثنين من قيادات قوات الدعم السريع لما دعت أنهما وراء هجمات قواتهما للسيطرة على الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور ومركز الإقليم، في خطوة يعتقد مراقبون أنها لن تؤدي إلى توقف العملية، وتسعى واشنطن من ورائها إلى مخاطبة الرأي العام الداخلي والخارجي حتى لا تتهم بالتقصير في وقف ما يجري بدارفور من جرائم وانتهاكات بحق المدنيين.
وتشهد الفاشر منذ 10 أيام اشتباكات بين الجيش السوداني والحركات المسلحة من جهة وقوات الدعم السريع من جهة أخرى مما أدى إلى مقتل عشرات المدنيين وإصابة المئات ومحاصرة المدينة، وتدهور الأوضاع الإنسانية، وإلى حركة نزوح واسعة.
وقالت الخزانة الأميركية إن مكتب مراقبة الأصول الأجنبية التابع للوزارة فرض عقوبات على اللواءين علي يعقوب جبريل وعثمان محمد حامد، لقيادتهما حملة تشنها قوات الدعم السريع على الفاشر "مما عرض حياة نحو مليون مدني سوداني للخطر، وعرقل وصول المساعدات الإنسانية، وزاد من خطر وقوع جرائم إبادة جماعية".
واللواء جبريل زعيم مليشيا قبلية عربية، اتهمته مجموعات قبلية غير عربية بارتكاب انتهاكات وجرائم بحق مدنيين، قبل أن يلتحق بقوات الدعم السريع حيث يتولى قيادة قواتها بولاية وسط دارفور، وتربطه صلة وثيقة مع قائد تلك القوات محمد حمدان دقلو "حميدتي".
كما أنه يقود عملية قوات الدعم السريع للسيطرة على الفاشر، بعدما اجتاح في أبريل/نيسان الماضي بلدة مليط 56 كيلومترا شمال الفاشر، وهي المنفذ الرئيسي الذي يغذي شمال دارفور بالمواد الغذائية القادمة من ليبيا ومصر عبر مدينة الدبة شمال السودان.
أما اللواء حامد الشهير بـ"عمليات" فهو مسؤول العمليات في قوات الدعم السريع، وانتدبه حميدتي من الجيش لقواته وبات قريباً منه ومصدر ثقته، وبعد إنهاء الجيش لانتدابه بعد اندلاع الحرب ظل في موقعه مع "الدعم السريع" ويعد المشرف على العملية العسكرية في الفاشر.
وكانت الخزانة الأميركية فرضت في سبتمبر/أيلول 2023 عقوبات على كل من عبد الرحيم حمدان دقلو نائب قائد قوات الدعم السريع شقيق "حميدتي"، وقائد القوات بولاية غرب دارفور عبد الرحمن جمعة، لما اعتبرت أنهما مسؤولان عن أعمال عنف وانتهاكات لحقوق الإنسان، بما في ذلك استهداف المدنيين والقتل على أساس عرقي غرب دارفور بعد اغتيال حاكم الولاية خميس أبكر والتمثيل بجثته.
ويرى المحلل السياسي خالد سعد أن العقل الأميركي الذي يدير ملف السودان يعيد تجارب غير فعالة بشكل حاسم وسريع، ويكشف ذلك عن إدراك غير عميق بتعقيدات أمور السودان، ويعزز فرضية أن "مشاوراتهم الإقليمية قاصرة عن فهم بلادنا بصورة أفضل".
وحسب حديث المحلل السياسي إلى الجزيرة نت، فإن مسألة العقوبات تريح واشنطن من ناحية داخلية، وتستفيد منها في مواجهة منتقديها بالخارج بشأن بقائها "مكتوفة الأيدي" أمام هذه الكارثة في السودان. وحتى لا يجرح كبرياء تأثيرها الدولي تستخدم ورقة العقوبات، لكن فعليا تمزقها الأوضاع على أرض الواقع، كما حدث العام الماضي مع العقوبات الصادرة ضد أشخاص من بينهم نائب قائد الدعم السريع.
وتعد الخطوة الأميركية -حسب المحلل السياسي- تكتيكاً يمهد للمبعوث الأميركي إلى السودان انخراطا أكثر فاعلية في المسألة عبر "منبر جدة" أو غيرها من الوساطات، وذلك استكمالا لسياسة "امنحوا الحرب الفرصة الهادفة للحسم أو الإنهاك" في إشارة إلى رغبة واشنطن بإطالة أمد الحرب.
ويتوقع المتحدث ذاته ممارسة الولايات المتحدة ضغوطا أكثر على كافة أطراف الصراع بما فيها القوى السياسية، للتهدئة والدخول في محادثات أكثر جدية، لكن ذلك أيضا رهين بالأوضاع على أرض الواقع خصوصا في معارك حاكمة لسياسة الحرب سواء في الفاشر أو ولاية الجزيرة التي تسيطر قوات الدعم السريع على غالب محلياتها.
لقد وصلتنا اخبار أكيدة ان قيادة مليشات الدعم السريع قامت بإطلاق استنفار جديد لاجتياح الفاشر ونهبها من كل جهات بما في ذلك من غرب أفريقيا ، في دعوتها للاستنفار لقد أغرت المستنفرين بنهب واستباحة مدينة الفاشر . من طرفنا نعلن استنفاراً عاماً لدفاع عن الأنفس الأبرياء وممتلكات…
— Mini Minawi | مني اركو مناوي (@ArkoMinawi) May 15, 2024
عقوبات غير فعالةمن جانبه، رحب حاكم إقليم دارفور مني أركو مناوي بفرض واشنطن عقوبات على اثنين من قيادات الدعم السريع.
وأشاد -خلال تدوينة في صفحته في "فيسبوك"- بموقف الولايات المتحدة الذي يدعو لوقف التصعيد في الفاشر، ودعوتها للدعم السريع التخلي فوراً عن ضرب الحصار على المدينة بغرض التخويف والتجويع، وقال إن قوات الدعم السريع تستهدف النهب واستباحة المدينة كما فعلت في مدن أخرى.
وفي المقابل، يقول كبير باحثي المركز الأفريقي بالمجلس الأطلسي كاميرون هدسون -معلقاً على العقوبات الأميركية- إن المنطق المعطوب وغياب الإستراتيجية يؤديان إلى فرض عقوبات اقتصادية على فردين لا يمتلكان حسابات مصرفية بالدولار الأميركي ولا يسافران إلى الخارج.
وكتب هدسون في منصة "إكس" أن الولايات المتحدة قلقة بشأن ما يحدث في الفاشر، وهي عاجزة إلى حد كبير عن تغيير مسار الصراع، واتخذت خطوة ضغط لـ"فعل شيء ما" أو على الأقل الظهور وكأنهم يفعلون شيئًا حتى لو كان ذلك الشيء في الغالب تمثيليًا.
وأضاف "تبدو هذه العقوبات صارمة دون أن تكون صارمة وتجعل الولايات المتحدة تبدو وكأنها منخرطة دون أن تكون منخرطة فعليًا.. هذه هي السياسة عندما لا تكون لديك إستراتيجية، ويكون نفوذك متضائلا، وتهتم أكثر بعلاقاتك مع الفاعلين في الصراع أكثر من اهتمامك بالضحايا".
من جهته يقول الباحث في قضايا دارفور آدم عبد الرحمن إن واشنطن تسعى إلى طي ملف الأزمة في السودان قبل بدء الحملة الانتخابية الرئاسية، حتى لا يستخدم ما يجري في دارفور من جرائم حرب وانتهاكات ضد إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن واتهامها بالتقصير خاصة أن الذاكرة الأميركية لا تزال تختزن الإبادة التي وقعت في الإقليم قبل 21 عاما.
ويرى عبد الرحمن -في تصريح للجزيرة نت- أن الولايات المتحدة لا تملك أوراق ضغط كافية لإنهاء الحرب في دارفور، ويستدل على ذلك باستمرار قوات الدعم السريع في الهجوم على الفاشر بعد 24 ساعة من فرض العقوبات الأميركية على اثنين من قيادتها.
كما أن مصالح الولايات المتحدة مع دول وجهات أخرى تزود قوات "حميدتي" بالأسلحة وتمثل وقوداً للحرب -يقول الباحث- لا تمكنها من فرض ضغوط فاعلة عليها.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: ترجمات حريات قوات الدعم السریع الولایات المتحدة على الفاشر فی الفاشر
إقرأ أيضاً:
الفاشر تحت وطأة القتال، نزوح عكسي ومعاناة لا تنتهي
مع اشتداد وتيرة العمليات العسكرية في الفاشر بولاية شمال دارفور العام الماضي، اضطرت السيدة فاطمة عبد الكريم لمغادرة منزلها في المدينة التي ولدت بها، نحو قرية شقرة غربًا. لكن هجمات الدعم السريع الأخيرة على تلك القرى أجبرتها على العودة إلى مسقط رأسها الأسبوع الماضي، في رحلة نزوح عكسية.
منتدي الاعلام السوداني : غرفة التحرير المشتركة
المصدر : سودان تربيون
الفاشر 19 فبراير 2025 - مع اشتداد وتيرة العمليات العسكرية في الفاشر بولاية شمال دارفور العام الماضي، اضطرت السيدة فاطمة عبد الكريم لمغادرة منزلها في المدينة التي ولدت بها، نحو قرية شقرة غربًا. لكن هجمات الدعم السريع الأخيرة على تلك القرى أجبرتها على العودة إلى مسقط رأسها الأسبوع الماضي، في رحلة نزوح عكسية.
ويواجه سكان عشرات القرى المترامية الواقعة غربي مدينة الفاشر، ومخيم زمزم للنازحين أوضاعًا إنسانية مأساوية بعد هجمات عنيفة شنتها قوات الدعم السريع حولت تلك المناطق إلى ركام، محيلة حياة المواطنين فيها إلى جحيم لا يطاق.
ونفذت قوات الدعم السريع، أواخر يناير المنصرمة، هجمات ذات طابع انتقامي طالت نحو 17 قرية واقعة في الريف الغربي لمدينة الفاشر في سياق حملة تهدف إلى تضييق الخناق على عاصمة شمال دارفور، حيث أطلق مسلحو الدعم السريع والمليشيات المتحالفة معها النار بصورة عشوائية تجاه المدنيين مما أدى إلى مقتل أعداد كبيرة منهم بجانب قيامها بحرق المنازل بعد إفراغها من محتوياتها التي تضم المحاصيل الزراعية وقليل من النقود والحُلى الذهبية.
وعلى مدار أكثر من أسبوعين ظل جنود قوات الدعم السريع يرتكبون انتهاكات واسعة ضد المدنيين، ومعظمهم من الذين فروا من مدينة الفاشر بسبب العمليات الحربية المستمرة، حيث تعد قرى الريف الغربي مركزًا لتجميع آلاف الفارين الذين وصلوا إلى المنطقة بعد موجة التصعيد العسكري الكبير بين الجيش وحلفائه من القوة المشتركة ضد قوات الدعم السريع.
عودة عكسية
فاطمة عبد الكريم، وهي من سكان مدينة الفاشر، فرت إلى منطقة "شقرة" علها تجد الأمان هناك، لكنها اضطرت مرة أخرى إلى العودة للفاشر برغم استمرار القصف العشوائي والاشتباكات المباشرة بين أطراف النزاع، وتقول لـ"سودان تربيون": "الجنجويد طردونا من الفاشر لشقرة ولكنهم لحقوا بنا هناك وهاجموا المنطقة مرة أخرى مما دفعنا للعودة لحي الدرجة الأولى في مدينة الفاشر".
وتضيف: "فقدنا كل شيء في رحلة النزوح الأولى وعدنا ولا نملك شيئًا حيث نعتمد في غذائنا على ما توفره التكايا من طعام مجاني لي ولآلاف غيري من النازحين".
التهجير القسري
وتروي عائشة علي آدم ما عاشته من أهوال جراء هجوم قوات الدعم السريع على منطقتها، وتقول لـ"سودان تربيون": "هجم علينا الجنجويد في ليل 30 يناير الماضي وهم مدججين بالسلاح وقاموا بإطلاق الرصاص على المنازل المبنية من المواد المحلية وهي القش والحطب مما أدى لحرقها".
وأضافت مريم التي نزحت من قرية كويْم غرب الفاشر: "سرقوا كل الماشية والذرة والحمير، وما لم يتمكنوا من حمله قاموا بحرقه أمامنا، ومن يعترض على ذلك تعرض للضرب… تركونا بلا شيء ولا مأوى ووصلنا الآن لمعسكر زمزم ونعيش في ظروف قاسية".
وتكشف حواء محمد، وهي سيدة فارة من منطقة أم مزاليق غرب الفاشر، عن تعرضها للضرب والسحل بواسطة عناصر قوات الدعم السريع بعد أن قاومت ما قالت إنه محاولة اختطاف لابنتيها بواسطة قوات الدعم السريع، وتضيف لـ"سودان تربيون": "مجموعة من قوات الدعم السريع داهمت منزلنا في قرية أم مزالق وطلبوا من بناتي الاثنين مرافقتهم تحت تهديد السلاح فاعترضت على ذلك فتجمعوا حولي وقاموا بضربي بعنف وتسببوا لي في كدمة في الساعد".
وتشير إلى أنها تمكنت من الهروب برفقة بناتها وبعد رحلة سير قاسية استمرت يومين حتى تمكنت من الوصول لأطراف مدينة الفاشر، وهم في حالة إعياء كامل: "وصلنا إلى هنا ونحن لا نملك قوت يومنا، والمنطقة التي نتواجد فيها غير آمنة، فقد تعرضنا لهجوم من الجنجويد قبل أيام، ولم يعد هناك مكان آمن نلجأ إليه"، تقول حواء.
وتطالب بشدة المنظمات الدولية والحكومة المركزية بضرورة إجراء عمليات إسقاط جوي للطعام والدواء والخيام لآلاف العالقين ما بين الفاشر ومعسكر زمزم وهم بلا مأوى ولا طعام منذ 5 أيام ويعتمدون في غذائهم على قليل من الذرة الرفيعة.
وكشفت بأن النازحين يعانون من نقص كبير في مياه الشرب بعد أن دمر عناصر قوات الدعم السريع محطات المياه في معسكر زمزم وحرقها بشكل كامل، وتابعت بقولها: "هناك بعض المتطوعين تمكنوا من إيصال المياه ولكنها لم تفِ بحاجة الناس لأعدادهم الكبيرة".
القتل على أساس العرق
وتقول سكينة محمد، وهي نازحة من قرية دقيس، لـ"سودان تربيون": "بعد رحلة سير ثلاثة أيام استطعنا أن نصل لمعسكر زمزم والآن نعيش في العراء ونحن في حاجة ماسة للإغاثة والدواء، الجنجويد أفقرونا تمامًا ونهبوا وحرقوا كل ما نملك ونحتاج الآن لخيام وأغطية".
ووصفت ما تعرضت له مناطق غرب الفاشر بالإبادة الجماعية والتطهير العرقي، وأشارت إلى أن مسلحي قوات الدعم السريع يقتلون المواطنين على أساس العرق، وتضيف: "العرب يطلقون النار على الزغاوة حتى وإن كانوا أطفالًا ويقولون بأننا تابعين للتوروبورا - في إشارة للقوة المشتركة التي تقود مواجهات داخل مدينة الفاشر - الجنجويد ليست لهم رحمة يعتدون على الصغار والكبار وينهبون كل شيء حتى الحمير لم تسلم منهم".
الهجوم على زمزم
وضاعف معاناة نازحي غرب الفاشر الـ17 الذين وصلوا لمخيم أبو شوك الهجوم الكبير الذي شنته قوات الدعم السريع على المخيم يومي 11 و12 فبراير الجاري، حيث اعتدت القوات على النازحين وتسببت في قتل العشرات منهم كما أنها دمرت مصادر المياه والمدارس والمستشفيات قبل أن تقوم بحرق السوق بشكل كامل.
أكبر كارثة إنسانية
وكشف المتحدث باسم نازحي معسكر زمزم محمد خميس دودة لـ"سودان تربيون" أن 200 ألف شخص وصلوا إلى معسكر زمزم هربًا من هجمات قوات الدعم السريع على مناطق "قولو، شقرة، سلومة، أنجمينا، أمقديبو، عرب بشير، حلة كنين" وغيرها من مناطق غرب الفاشر، ولفت إلى أن هذه المناطق تم تدميرها بصورة كاملة من قبل قوات الدعم السريع.
ولفت إلى أن آلاف الأطفال والنساء يواجهون خطر الموت لغياب الرعاية الصحية وتفشي الأمراض وارتفاع معدلات أمراض سوء التغذية.
ولفت إلى أن الوضع في معسكر زمزم بعد وصول النازحين الجدد ومع استمرار ملاحقة الميليشيات للفارين حتى داخل المخيم فإن الوضع أصبح كارثة حيث ارتفعت معدلات الوفيات بصورة كبيرة وسط الأطفال والنساء الحوامل وكبار السن.
وكشف عن تعرض النظام الصحي في المخيم للانهيار الكامل لتوقف المستشفيات وخروجها من الخدمة بسبب استهدافها من قبل قوات الدعم السريع واضطرار المنظمات الدولية لتعليق أنشطتها.
وأشار لوجود نحو 47 حالة جراحية حرجة أصيبوا جراء الهجمات الأخيرة هم في حاجة لتدخل طبي عاجل فضلًا عن وجود حالات ولادة معقدة تتطلب عمليات جراحية أصبحت غير متوفرة بسبب التطورات الأخيرة وإغلاق الطريق الرابط بين زمزم والفاشر وهو ما يجعل من الصعوبة توفير الرعاية الطبية اللازمة للمتضررين.
وأوضح دودة أنه في ظل استمرار القصف والحصار وانتشار المجاعة يعيش آلاف النازحين في كارثة إنسانية تتطلب التدخل العاجل من قبل المجتمع الدولي لتدارك وقوع أكبر كارثة في العالم.
SilenceKills #الصمت يقتل #NoTimeToWasteForSudan #الوضع في السودان لايحتمل التأجيل #StandWithSudan #ساندواالسودان #SudanMediaForum