عبد الفضيل الماظ (1924) ومحمد أحمد الريح في يوليو 1971: دايراك يوم لقا بدميك اتوشح
تاريخ النشر: 18th, May 2024 GMT
كانت للشهيد عبد الفضيل الماظ، شهيد ثورة 1924، بصمته على انقلاب 19 يوليو بصورة موحية. وسبق أن رويت لكم حكاية النقيب أحمد المصطفى (الجوكر) المشارك في الانقلاب. فلقيه النميري والتفت إلى الصحفية مريم روبين، من صحيفة الأخبار المصرية، وقال لها إنما سموه بالجوكر لأنه مغزوز في كل انقلاب. ولم يفقد الجوكر حسه الفكاهي في ذلك اليوم العصيب فقال: “اصلو أنا عبد الفضيل الماظ”.
وبينما كان الجوكر يسمو بحسه الفكاهي على سفاح الشجرة كان هناك من قادة الانقلاب من ترسم خطى الماظ حرفياً. فاستشهد مثله تحت ركام المبني الذي واصل فيه القتال حتى اللحظة الأخيرة. ولما عثروا عليه وجدوا سلاحه في يده. كان ذلكم هو المقدم محمد أحمد الريح “ود الريح” عضو مجلس انقلاب 19 يوليو والمنتسب لأسر أل الريح وآل السنهوري وآل البرير من المتمة.
وأنقل أدناه مشهد مصرع الماظ وود الريح ليرى القارئ أوجه الشبه. ونقلت مصرع الماظ من كتاب “ملامح من المجتمع السوداني” المعروف للمرحوم حسن نجيلة. وأخذت مشهد مصرع ود الريح من مذكرات للملازم صديق عبد العزيز الذي كان في قيادة القوة التي استردت القيادة العامة من انقلابيّ 19 يوليو. وهي مذكرات وجدتها صدفة في أوراقي مما ربما استعرته من المرحوم ماجد بوب ولم أردها. وهي بطرفي وستصل صديق حيث شاء.
قال حسن نجيلة عن مقتل الماظ:
كانت القوة السودانية، التي اتجهت للخرطوم بحري لتنضم للقوات المصرية، التي أمرها الإنجليز بمغادرة البلاد، بقيادة عدد من الضباط هم عبد الفضيل الماظ، وحسن فضل المولى، وثابت عبد الرحيم، وعلى البنا، ومحمد سليمان. لما بلغوا كبرى النيل الأزرق وجدوا قوة إنجليزية سدته وفتحت الكبرى على مصراعيه فتحاً استحال بذلك عبوره. فأطلقت القوة الإنجليزية رصاصها في الهواء إرهاباً، وأسرع رجال القوة السودانية وتحصنوا بالجداول التي في طرف الشارع، وصوبوا نيرانهم الحامية نحو الجنود البريطانيين فأردوا عدداً منهم في الحال. ودارت الملحمة بين الفريقين من نحو الساعة الخامسة من مساء الخميس 27-11-1924 حتى ضحوة يوم الجمعة 28-11-1924. ونفذت ذخيرة الجنود السودانيين فأخذوا يختفون ويتسللون. وقد استشهد داخل مبنى المستشفى العسكري (مستشفى النهر، مستشفى العيون الحالي؟) الماظ بعد أن احتمى به، وأخذ يصلي الجنود الإنجليز وابلاً من رصاص المكسيم. ولما لم يتمكنوا من الاقتراب منه أُمرت الطابية الإنجليزية أن تُلقى على المستشفى القنابل الثقيلة من البعد. فهدمت جانباً من المستشفى على رأس الماظ. ووُجدت جثته فيما بعد تحت الأنقاض وهو ممسك بالمكسيم بكلتا يديه: إنه ما يزال يواصل المعركة (حسن نجيلة 200-201).
ومن جهة ود الريح:
وصف الملازم صديق عبد العزير معركة استعادة القيادة العامة من انقلابي يوليو بالشراسة. وقال إنه التقى في الطريق إليها بالمقدم عبد القادر أحمد محمد الذي لم يعرفه قبلاً. وتولى القيادة عنه. وقال:
كانت دبابات المدافعين تطلق نيرانها من مواقع لم يمكن لهم تحديدها. وقيل إن النقيب بشير عبد الرازق، العضو القيادي في انقلاب 19 يوليو، هو الذي صمم مواقعها بتلك الدقة. ورد عليها المقدم عبد القادر بطلقات من عيار 155 مم وأمر صديق أن يفعل نفس الشيء. ولكن صديق أمر الجنود باستخدام الرشاشات فقط لتفادي خسائر غير مرغوب فيها في أمكنة مبنية. ثم فجأة طلب منه المقدم أن يهد القيادة كلها. فانصاع له المقدم ولكنه سأل أحد جنوده إن كان يعرف المقدم. قال: “دا في المدرعات ومشهور بعبد القادر جني”. فأمر صديق الجنود ألا ينفذوا أمراً منه باستخدام الذخيرة الثقيلة. ولما اشتدت النيران طلع المقدم بنفسه على متن إحدى الدبابات وأطلق قذيفة ثقيلة عيار 155 مم سقطت على مخزن للوقود فاشتعلت النيران. ثم يشرح صديق مفاوضات جرت ليسلم جنود الانقلاب أنفسهم عرضها الملازم علي سيد احمد الشايقي على الملازم صديق لأن المقدم لم يكن يلبس شارات رتبته. وقال إن الشايقي جاءهم وسط النيران المتبادلة بغير اكتراث للحمم المتطايرة. وصرخ مساعد-صول لصديق ألا يقبل العرض لأن ذلك خداع حدث لهم في معركة أبا في 1970. وواصل صديق التفاوض لرغبته في إنهاء المواجهة بسلام. وقبل المقدم عبد القادر عرض الاستسلام ولكنه حمّل صديق مغبة أي خداع.
دخلت القوة القيادة العامة بالدبابات. واستمرت تراشقات هنا وهناك. وظل رشاشاَ بنافذة أحد المباني يوالي الضرب. وبعد مدة وجيزة أُغلقت النافذة وتوقف الضرب. وبدا أن ذخيرة صاحب الرشاش نفدت. فصدر أمر المقدم لصديق والاحيمر المشهور أن يأتيا بمن كان يطلق النار حتى آخر لحظة. فقال صديق بالنص “وجدنا الباب مغلقاً، انفتح بركلة من الاحيمر. ويالهول ما رأينا: إنه المقدم محمد احمد الريح، الذي كنت أعرفه تماماً لتردده على أخيه الملازم أحمد الريح الشيخ بميز الضباط بالصافية حيث كنا نقيم. وجدناه مَلْقيّاً على الأرض أمام طاولة المكتب الكبيرة على البلاط ممسكاً بطبنجته بيده اليمني وسيرها ممتداً على يده اليسرى. وكان الدم يسير غزيراً من صدره. وعلى ما يبدو أنه فارق الحياة. اتجهت إليه وتأكدت من مفارقته الحياة تماماً. بعدها تركته ونزلت وأبلغت المقدم بالأمر. لكنه لم يعره كثير اهتمام علماً بأن المقدم كان عضواً في مجلس قيادة الحركة.”
يقول الإنجليز إن ثمة تحشية فضية لكل سحابة. ويريدون أنه ثمة بارق حتى في أعظم الدواهي. والبارقة هنا في وحشية يوم 22 يوليو البغيض، التزام نظام نميري بالخلق المهني حيث وقر وقفة ود الريح واستشهاده وسلاحه في يده. فسلموا جثته لأسرته لدفنه، الشيء الذي حرموا منه بقية أسر الشهداء، وسلموا عربته الخاصة، ولم يتم حرمانه من المعاش.
ويعيد التاريخ نفسه بصور مفاجئة ووسيمة.
عبد الله علي إبراهيم
صورة الشهيد ود الريح إلى اليمين ورفيقه معاوية عبد الحي إلى يساره. رحمهما الله.
المصدر: موقع النيلين
كلمات دلالية: عبد القادر
إقرأ أيضاً:
بدور القاسمي تفتتح في “1971 – مركز للتصاميم” معرضاً لأعمال الفنانين المشاركين في “مهرجان تنوير”
افتتحت الشيخة بدور القاسمي، مؤسسة ورؤية مهرجان تنوير معرض، “نماذج أبدية” الذي ينظمه “1971 – مركز للتصاميم”، بالتزامن مع استعداد الشارقة لانطلاقة “مهرجان تنوير”، حيث يكشف المعرض خفايا العملية الإبداعية لأعمال فنية يعرضها المهرجان، استلهمت رؤيتها من طبيعة صحراء مليحة، مصطحباً الزوار في رحلة تفاعلية بدءاً من تصوّر وتطوير الأعمال الفنية وصولاً إلى تنفذيها.
ويسلط المعرض، الذي يفتتح أبوابه رسمياً اليوم (20 نوفمبر) وحتى 3 أبريل 2025، الضوء على أعمال 10 فنانين مصممة من قبل 11 فناناً إماراتياً وعربياً وأجنبياً يتخذون من دولة الإمارات العربية المتحدة مقراً. ويتضمن المعرض برنامجاً مكثفاً من الجولات، وحوارات مع الفنانين، وورش العمل، والفعاليات المجتمعية على مدار 5 أشهر، حيث يوسع المعرض آفاق الحوار حول الإبداع، والمرونة، والتواصل إلى ما وراء الأعمال الفنية ذاتها.
ويقام “مهرجان تنوير 2024” تحت شعار “أصداء خالدة من المحبة والنور” أيام 22 و23 و24 نوفمبر الجاري، في صحراء مليحة الغنية بالمشاهد الطبيعية الساحرة والمواقع التاريخية، وتستلهم دورة العام الجاري من المهرجان تعاليم الشاعر جلال الدين الرومي، وتستضيف نخبة من أعظم الفنانين والشعراء على مستوى العالم للاحتفال بالإبداع والترابط والعلاقة الوثيقة بين الفن والطبيعة والحياة الروحانية.
الحكمة والجمال وترابط الإنسان بالطبيعة
ويتجاوز معرض “نماذج أبدية” مفهوم الحدود التقليدية للمعرض الفني، حيث يشكّل سرداً شاملاً للتعبير الإبداعي، موثقاً العمليات الدقيقة لتنفيذ الأعمال الفنية، حيث يتيح الفرصة أمام الزوار لاستكشاف مراحل تكوين المنحوتات والأعمال التركيبية الفنية المشاركة في “مهرجان تنوير”، بدءاً من مسودات الرسومات والتصميمات وصولاً إلى تطوير النماذج الأولية. كما يكشف كافة مراحل العملية الإبداعية من خلال عرض منظم يشمل تفاصيل الرسومات والنماذج المصغرة وتجارب المواد المستخدمة، بالإضافة إلى مقابلات مصورة مع الفنانين، مقدماً رؤية عميقة وشاملة لرحلة التجسيد الإبداعي، بما ينسجم مع كلمات الشاعر الرومي من القرن الثاني عشر: “عندما تقرر أن تبدأ الرحلة، سيظهر الطريق.”
ويعد الإبداع الدقيق في محاكاة الكثبان الذهبية لصحراء مليحة من أبرز العناصر المتميزة للمعرض، حيث يعبر الزوار مساراً متعرجاً يستحضر رحلة حقيقية عبر المشهد الصحراوي، موفراً لهم تجربة تفاعلية غامرة، إذ يضع المسار النماذج الفنية في مساحة تعكس البيئة الواسعة لصحراء مليحة، ويدعو الزوار لتأمل الحكمة، والجماليات، وترابط الإنسان بالطبيعة، والانغماس فيها، حيث تتنوع التركيبات والأعمال الفنية بين تفسيرات بصرية لتعاليم جلال الدين الرومي، والأعمال المستوحاة من الامتداد الطبيعي والأثري للصحراء، موفرة تنوعاً في وجهات النظر الفنية، مع تأكيد العلاقة التفاعلية بين التعبير الإبداعي والجماليات الطبيعية والبيئية.
التميز الإبداعي لـ11 فنان عالمي
ويقدم كل فنان مساهمة فريدة إلى المهرجان، ونموذجاً للتميز الإبداعي، فانطلاقاً من عمل بعنوان “آثار صحراوية” للفنانين كريم وإلياس الذي يتأمل الأصداء التاريخية، إلى رحلة فكرية عبر “طريق الرومي” للفنانة عزة القبيسي، وصولاً إلى “واحة النخيل” التفاعلية للفنان خالد شعفار، يوفر كل عمل فني تفسيراً شخصياً لشعار المهرجان.
ويستكشف عملان فنيان، الأول بعنوان “دائرة النجوم” للفنانة باتريشيا ميلنز، والثاني بعنوان “حَلَقيّ” للفنانة زينب الهاشمي، العلاقة بين الظواهر السماوية والأشكال الأرضية، في حين يتيح عمل بعنوان “بوابة الحكمة” للفنانة نداء إلياس، للمشاهدين فرصة التفاعل في تأمل سرد بصري حول الذات والتنوير، أما “حُماة الأرض” للفنانة رباب طنطاوي، فيجسد مفهوم الحماية الثقافية ويكشف مبدأ المرونة في حوار الثقافات.
ويزداد ثراء المعرض بأعمال عديدة منها: “لامُتَنَاه” للفنان أحمد قطّان، والنجوم السوداء من العمل الفني “ليلة القدر” لرغد الأحمد، و”نَّو” للفنان عمر القرق، حيث يسهم كل عمل بتقديم طبقات من التعبير التأملي والثقافي المشترك.
وبعد اختتام “مهرجان تنوير” في 24 نوفمبر الجاري، ستبقى هذه التركيبات متاحة للجمهور، موفرة لهم فرصة مواصلة الاستمتاع بأعمال فنية، وتأملها، في المشهد الطبيعي الهادئ لصحراء مليحة.