إن كل حر تتوق نفسه إلى التحرر من الاستبداد والظلم بشتى أنواعه، وأمنيته أن تتحرر الشعوب من رق عبودية الاستكبار العالمي ومن أدواته وأزلامه وأصنامه الدائرة في فلكه والسائرة على نهجه والمطيعة لأمره..
وأمنيته هذه نابعة من الشعور بالمسؤولية، فكل مسلم حر يتألم لوضع الكثير من الشعوب المقهورة التي تعيش تحت وطأة الظالمين والمستكبرين وهذا الشعور بالمسؤولية الذي ينتاب كل مؤمن حر هو نتيجة إيمانه بالله تعالى فالمؤمن يتألم بما يحدث لإخوانه حتى ولو كانوا في مشارق الأرض أو في مغاربها، جاء في الحديث: ( مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى) رواه البخاري (٦٠١١)
وجاء في حديث آخر :(من لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم).
فهذان الحديثان يدلان على أن المسلم الحقيقي والمؤمن الصادق هو الذي يهتم بأمر المسلمين ويتألم لآلامهم ويؤدي واجبه نحوهم بحسب قدرته واستطاعته..
فالمسلم الحر عليه أن يستخدم كل الوسائل المتاحة للتحرر من عبودية الظالمين، وكذلك يقوم بنصرة إخوانه من الشعوب الأخرى حسب إمكاناته المتاحة..
ولهذا كان الشعار :(الله أكبر، الموت لأمريكا، الموت لإسرائيل، اللعنة على اليهود، النصر للإسلام) والصرخة به إعلان موقف عدائي تجاه أعداء الله تعالى، وهو سلاح قوي لكل مسلم حر تتوق نفسه للحرية وإلى حرية الآخرين ، يُظهر ويعلن من خلالها المعاداة لأعداء الله ورسوله ولأوليائه ، فالموالاة والمعاداة تعد من أسس وفرائض الدين وعلامة من علامات الإيمان الصادق التي لا بد أن يتحلى بها المؤمن ، وقد تكلمنا في بحثنا الموسوم بـ” أهمية الولاية لله ورسوله والذين آمنوا ” – والذي أنزلناه حلقات في وسائل التواصل الاجتماعي – تكلمنا فيه عن كل ما يخص الموالاة والمعاداة من حيث تعريفها وأهميتها واستعرضنا فيه الآيات والأحاديث و….. الخ، فعليك به فهو في غاية النفاسة.
ولن نعيد هنا ما ذكرناه هناك وسنقتصر على ذكر آية وهي قوله تعالى :(قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَاء مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاء أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ..)[الممتحنة : 4]
أمرنا الله تعالى أن نقتدي بإبراهيم وبالذين آمنوا معه عندما أعلنوا البراءة من أعداء الله حيث تبرأوا منهم قولاً وفعلاً – كما نصت عليه الآية – ونحن علينا أن نقتدي ونتبرأ من أعداء الله وهي أمريكا الشيطان الأكبر لأنها استعبدت الشعوب وسلبتهم حريتهم وجعلت أكثر الأنظمة العربية والإسلامية عبيداً لها ..
فهذا الشعار هو مصداق من مصاديق البراءة من أعداء الله والمعاداة لهم..
وصيغته هذه (الله أكبر، الموت لأمريكا، الموت لإسرائيل، اللعنة على اليهود، النصر للإسلام) والتي أطلقها الشهيد القائد السيد حسين الحوثي – رضوان الله عليه – وجعلها شعاراً وصرخة ضد المستكبرين تعد غزيرة المعنى متكاملة المبنى لأنها تزرع في قلوب الشعوب السخط على أعداء الله وتجعل الأعداء في قلق دائم وضيق مستمر، وذلك لما لنتائجها من تأثير كبير في قلوب المسلمين وتغيير قوي في واقعهم.
كذلك الشعار له تأثير كبير على الأعداء (الصهاينة والأمريكان) حيث أنه يضرب نفسياتهم، وإلا لماذا أمريكا قلقت أشد القلق من هذا الشعار وبإيعاز منها جعلت النظام اليمني السابق يشن حروبه الست على الشهيد القائد وعلى أتباعه ومحبيه في صعدة؟!
ولماذا ذهب السفير الأمريكي آنذاك إلى صعدة وقام بشطب الشعار من الجدران؟!
لماذا خوفهم وهلعهم من هذا الشعار الذي أقضّ مضاجعهم؟!
لأنهم يدركون قوة وتأثير هذا الشعار وأنه سوف يورث سخط الشعوب عليهم لا سيما إذا تم تصديره إليهم وصرخوا به – وفعلاً قد وجدنا بعض الشعوب ترفع هذا الشعار وتصرخ به – فإذا كان هكذا خوفهم وقلقهم من هذا الشعار ومن نتائجه فأنعم به وليكن هو شعارنا ونحقق معانيه في واقعنا ونجعله هدفنا في مسارنا ..
إن كل أمر نقوله أو نفعله ويغتاظ منه أعداء الله فعلينا أن لا نتركه لأن الله تعالى يكتب لنا به عملا صالحا، يقول الله تعالى :(وَلاَ يَطَؤُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلاَ يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَّيْلاً إِلاَّ كُتِبَ لَهُم بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ) [ التوبة : 120]، فلاحظ إذا كان المكان الذي تطأه قدمك وفيه إغاظة لأعداء الله فإن الله يكتب لك بذلك عملا صالحا ، فكذلك الشعار يغيظ أعداء الله ..
هذا ناهيك عن أن الشعار يحقق أهدافا كثيرة منها تحرير الشعوب، وتحصين الأجيال الحاضرة واللاحقة من أعداء الله الذين يتربصون بالمسلمين ويسعون إلى ضربهم عبر حربهم الناعمة المتعددة الوسائل والمتنوعة الاتجاهات..
إن رفع الشعار والصرخة به والاستمرار في ترديده يُعد استجابة للتحذير الذي جاء في مضمون قوله تعالى :(لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الْيَهُودَ) [ المائدة : 82] فالله تعالى يخبرنا بأن اليهود هم ألد أعدائنا وأن عداوتهم سوف تستمر إلى قيام
الساعة، فكلام الله تعالى ليس موقوفاً على أولئك الذين كانوا في زمن النبوة، بل كلامه لكل العصور ولكل الأجيال السابقة والحاضرة واللاحقة..
وإذا كانت عداوة اليهود مستمرة لنا فاستمرار رفع الشعار والصرخة به معناه أن لا نغفل عن أعدائنا وأعداء كل شعوب المسلمين في كل عصر وزمن..
والشعار يُعد – أيضاً – استجابة إلى تحذير الله تعالى لنا، قال تعالى: (وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ) [البقرة : 120]، فمهما قدمت لهم الأنظمة المتأسلمة من خدمات كي يرضوا عنهم فإنهم لن يرضوا عنهم حتى يسلخوهم عن إسلامهم ويخرجوهم عن إيمانهم ، ليس هذا فحسب بل حتى يجعلوهم يذوبون في منهجهم المنحرف ويسيرون نفس مسارهم…
لهذا كان الشعار من مصاديق هذه الآية والتي قبلها من حيث تحذير الله لنا من أعدائه ومن أساليبهم الخبيثة التي من خلالها يسعون إلى تجريد المسلمين عن إسلامهم وسلخهم عن إيمانهم..
ويعد الشعار – أيضاً – من مصاديق الامتثال للنهي الإلهي الذي جاء في قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ) [المائدة : 51] ، وإذا كان الحق تعالى أمرنا أن لا نتخذهم أولياء لأن من يفعل ذلك يصير منهم فهذا يعني – من حيث مفهوم المخالفة – أن نتخذهم أعداء ويكون عداؤنا لهم قولاً وفعلاً..
كذلك الشعار يحقق هذا الغرض وهو الاستجابة في الامتثال للنهي الإلهي، وهكذا نفهم بقية الآيات كقوله تعالى ???? لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ) [ المجادلة : 22]
وقوله :(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ..)[الممتحنة : 13
وقوله :(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ ..)[ النساء : 144]..
ويعد الشعار – أيضا – من مصاديق قوله تعالى :(وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنتَصِرُونَ) [ الشورى،:39]
وهل هناك بغي أكبر مما تفعله أمريكا وإسرائيل تجاه الشعوب؟!
وإذا عجزت الشعوب عن نصرة نفسها فعلياً فعليها أن تنتصر لنفسها قوليا وتصدع بالشعار الذي سيحقق الانتصار الفعلي إذا ما استمرت على ترديده..
وإذا كان الله تعالى أجاز لك أن تتكلم بالسوء على من ظلمك من المسلمين أو من غيرهم بما ترفع به ظلمك (لاَّ يُحِبُّ اللّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوَءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلاَّ مَن ظُلِمَ) [النساء : 148] ،فكيف بمن استباح عرضك واحتل أرضك وأكل ثرواتك وقتل ما لا حصر لهم من المسلمين !! ألا وهو الاستكبار العالمي (أمريكا وأذنابها) ألا فرددوا الشعار وأعلنوا صرختكم به وسوف تعيقون مخططات الأشرار وتحصّنوا شعوبكم في جميع الأمصار.. هذا ولا يكمل الإيمان إلا بإظهار المعاداة لأعداء الملك الجبار ورسوله المختار وآله الأطهار..
المصدر: الثورة نت
إقرأ أيضاً:
خطبتا الجمعة من المسجد الحرام والمسجد النبوي الشريف
مكة المكرمة
أوصى فضيلة إمام وخطيب المسجد الحرام الشيخ الدكتور صالح بن عبدالله بن حميد، المسلمين بتقوى الله وعبادته، والتقرب إليه بطاعته بما يرضيه وتجنب مساخطه ومناهيه.
وقال فضيلته: “اتقوا الله رحمكم الله، طهروا قلوبكم قبل أبدانكم، وألسنتكم قبل أيديكم، عاملوا الناس بما ترون لا بما تسمعون، اسمعوا من إخوانكم قبل أن تسمعوا عنهم ظنوا بإخوانكم خيرًا، واتقوا شر ظنون أنفسكم، ومن أدب الفراق دفن الأسرار، من أغلق دونكم بابه فلا تطرقوه، واكسبوا إخوانكم بصدقكم لا بتصنعكم، وكل ساق سيسقى بما سقى: (وَقُل لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَعُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنسَانِ عَدُوا مُّبِينًا).
وأضاف فضيلته أن الإيمان والعبادة، وعمارة الأرض، وإصلاحها أركان متلازمة، والمسلم يقوم بالإعمار قربة لله ونفعًا لنفسه ولعباده، فيستثمر في كل ما ينفع العباد والبلاد، الإيمان فينا مقرون بالعمل الصالح، والقراءة مقرونة باسم الله مستشهدًا بقوله تعالى (أقرأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ)، والعلم مربوط بخشية الله، والإيمان هو قائد العقل حتى لا يطغى العقل فيعبد نفسه، والإيمان هو الضابط للعلم حتى لا تؤدي سلبياته إلى اضطراب تنهار معه البشرية.
وأفاد الشيخ بن حميد أن القرآن الكريم تكلم عن الأمم السابقة، وما وصلت إليه من القوة، والبناء، والإعمار، ثم بين ما كان من أسباب هلاكها وفنائها من أجل أن نعرف سنته سبحانه، فقد أخبر عن عظمة ما وصل إليه قوم عاد، فقال جل وعلا: (إرم ذَاتِ الْعِمَادِ * الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا في البلاد)، مما يدل على عظمتها، وجمالها، وتقدمها، ولكنه في مقام آخر، قال جل وعلا: ﴿ فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآياتِنَا يَجْحَدُونَ )، غرتهم قوتهم وكذبوا رسل الله، وتنكروا لدعوة الإيمان استكبارًا وجحودًا، ومن أعرض عن ذكر الله يبقى مرتكسًا في الظلمات مهما أوتي من العلوم والقوى، حيث خاطب الله نبيه محمدًا- صلى الله عليه وسلم – بقوله: ﴿ كِتَبُ أَنزَلْتَهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ )، وقال جل وعلا: ﴿ هُوَ الَّذِي يُنزِلُ عَلَى عَبْدِهِ وَايَتٍ بَيِّنَتِ لِيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ)، فالقوة والعزة بالإيمان والتقوى، والانتصار والبقاء بتعظيم شعائر الله، والعلوم مهما كانت قوتها، والصناعات مهما بلغت مخترعاتها وتقنياتها فإنها لا تجلب حياة سعيدة، ولا طمأنينة منشودة، مبينًا أن الدين الإسلامي ليس ذمًا للعلوم واكتشافاتها، ولا للصناعاتها وأدواتها، ولا للمخترعات وتطويرها، ولا تنقصا من مكانتها وقيمتها، وإنما هو التأكيد على أنه لا بد من نور الوحي لتزكية النفوس، وهداية البشرية، واستنارة الطريق.
وأشار إمام وخطيب المسجد الحرام إلى أن الازدها الذي أحرزته التراكمات المعرفية من بيت اللبن والطين إلى ناطحات السحاب وشاهقات المباني، وما حصل في وسائل النقل عبر التاريخ من التحول من ركوب الدواب إلى امتطاء الطائرات مرورًا بالسيارات والقاطرات، وفي بريد الرسائل: من الراجل والزاجل إلى البريد الرقمي، كل ذلك على عظيم اختراعه وعلى جماله، والراحة في استعماله لكنه لم يقدم البديل عن الإيمان، وتزكية النفس واحترام الإنسان، وتأملوا ذلك -حفظكم الله- في ميدان الأخلاق، وحقوق الإنسان، وضحايا الحروب، والتشريد، والتهجير، والفقر، والتسلط، والاستبداد، واضطراب المعايير.
وأوضح فضيلته أن القوة الحقيقة هي الربط بين الإيمان والأخذ بالأسباب، وليس التعلق بالأسباب وحدها، لأن الرب سبحانه هو رب الأرباب، ومسبب الأسباب ما شاء كان، وما لم يشأ لم يكن، بيده الأمر كله، وإليه يرجع الأمر كله، ومن ثم فإن صدق التوكل على الله هو المدد الحقيقي في كل مسارات الحياة ودروبها، بل التوكل عليه سبحانه هو معيار الإيمان (وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ)، والعزة الله ولرسوله وللمؤمنين، ونور الوحي أعظم النور وأعلاه وأغلاه، وعلى المؤمن أن يعرف قيمته ومنزلته وقوته، ولا يستصغر نفسه أمام الماديات، أو يشعر بالحرج تجاهها.
وأبان الشيخ بن حميد أن الإيمان هو القائد للعقل، وهو الحامي للعلم، وحين ينفصل العقل عن الإيمان ينهار العمران البشري، وحين يعبث العقل بالعلم تنهار الحواجز بين الحق، والباطل، والصالح، والفاسد، والظلم والعدل، وتضطرب المعايير، وتتحول السياسات من سياسات مبادئ إلى سياسات مصالح، وبالعلم والإيمان يستقيم العمران، وتسير القاطرة على القضبان، والله غالب على أمره.
وأفاد إمام وخطيب المسجد الحرام أن بناء العمران وانهياره مرتبط بالإنسان، فالله سبحانه استخلف الإنسان ليقوم بعمارة الأرض، ومن ثم فإن أسباب تقدم المجتمع وتأخره يعود -بإذن الله- إلى الإنسان نفسه، فالتغيير في الخارج لا يكون إلا حين يكون التغيير في النفوس (وإِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيْرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ)، وسنة الله أن الصالح يبقى لان فيه نفعًا للبشرية، وغير الصالح لا يبقى لأنه لا نفع فيه، واعلموا أن الصلاح لا يكون إلا بالإيمان الصحيح، فهو الذي يطبع النفوس على الصدق، والإخلاص، والأمانة، والعفاف، ومحاسبة النفس، وضبط نوازعها، وإيثار الحق، وسعة النظر، وعلو الهمة، والكرم، والتضحية والتواضع، والاستقامة، والقناعة، والسمع والطاعة، والتزام النظام.
كما أوصى فضيلة إمام وخطيب المسجد النبوي الشيخ الدكتور حسين آل الشيخ، المسلمين بتقوى الله تعالى، والمسارعة إلى مرضاته، مستشهدًا بقوله تعالى: (وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ).
وقال: “أن من التوفيق الأعظم، والسداد الأتم، أن يحرص العبد على حفظ طاعاته لربه عز وجل، فيكون حريصًا أشد الحرص على حفظ طاعته، يجاهد نفسه على السلامة من حقوق الخلق، ويجاهدها على البعد التام عن الوقوع في ظلم المخلوقين، بأي نوع من أنواع الظلم القولية والفعلية، يقول تعالى: (وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ ۚ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ)”.
وأوضح فضيلته، أن من أعظم البوار، وأشد الخسارة، ترك العنان للنفس في ظلمها للآخرين وانتهاك حقوقهم، قال صلى الله عليه وسلم: (اتَّقُوا الظلم، فإنَّ الظُّلْمَ ظُلُماتٌ يَومَ القيامة)، مبينًا أن أعظم ما يجب على المسلم حفظ حسناته، وصيانة دينه والحفاظ عليه، مستشهدًا بقوله تعالى: (وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَسِينَ).
وأكّد الدكتور آل الشيخ، أن الإفلاس الحقيقي والخسارة الكبرى، أن توفّق للخيرات والمسارعة للطاعات، وتأتي يوم القيامة حاملًا حقوق الناس متلبسًا بظلمهم فتلك البلية العظمى والخسارة الكبرى، مستشهدًا بقوله -صلى الله عليه وسلم-: (أَتَدْرُونَ من المُفْلِسُ؟ قالوا : المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع، فقال صلى الله عليه وسلم: إن المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام، وزكاة، ويأتي قد شتم هذا، وقذف هذا، وأكل مال هذا، وسَفَكَ دَمَ هذا، وضَرَبَ هذا، فيُعطى هذا من حسناته، وهذا مِن حَسَناتِهِ، فَإِن فَنِيَتْ حَسَناتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه، ثم طرح في النار ) رواه مسلم.
ودعا إمام وخطيب المسجد النبوي المسلمين إلى المبادرة بأداء حقوق العباد، والتحلل منهم، وكف اللسان عن شتم الخلق، وقذفهم، وغيبتهم، والطعن في أعراضهم، محذرًا من الظلم والاعتداء على الخلق، وأكل أموالهم، والتهاون في إرجاعها، مستشهدًا بقوله تعالى: (وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا).
وختم الخطبة، مبينًا أن الواجب على كل مسلم أن يجتهد في براءة ذمته من حقوق الخلق، فقد ورد في الحديث الصحيح أن الجهاد في سبيل الله يكفر الخطايا إلا الدين، وأن التساهل به يورد العبد الموارد المهلكة في الدنيا والآخرة، مستشهدًا بقوله صلى الله عليه وسلم: (من أخذ أموال الناس يُريد أداءها أدى الله عنه، ومَن أخذَ يُرِيدُ إتلافها أتْلَفَهُ الله) رواه البخاري.