العراق والأمم المتّحدة.. علاقة غامضة ومعقّدة!
تاريخ النشر: 18th, May 2024 GMT
تأسّست بعثة الأمم المتّحدة لمساعدة العراق "يونامي" (UNAMI) في العام 2003، وذلك بناءً على طلب حكومة العراق للمساعدة في تجاوز وترتيب ظروف البلاد الشاذّة بعد الاحتلال، وهي بعثة خاصّة شُكّلت بموجب قرار مجلس الأمن الدوليّ المرقم (1500)، وتوسّع دورها في العام 2007 بموجب القرار 1770.
ومعلوم أنّ الحالة العراقيّة بعد الاحتلال، والظروف غير الصحّيّة في البلاد حينها، دَفَعت لفرض "يونامي" على العراق وبدفع أمريكيّ، رغم أنّ الطلب قُدِّم "شَكْليّا" من "حكومة العراق"!
ورغم حالة الاستقرار النسبي في بعض مرافق الحياة العراقيّة، وخروج العراق، في شباط/ فبراير 2022، من البند السابع الذي فُرِض بعد غزو الكويت، إلا أنّ المشهد العراقيّ العامّ بقي مليئا بالمطبّات، وربّما الألغام التي قد تنفجر في أيّ لحظة!
وقبل أيّام، وتحديدا يوم العاشر من أيّار/ مايو 2024، طالب رئيس حكومة بغداد، محمد شياع السوداني رسميّا بإنهاء أعمال "يونامي" في العراق.
وسبق لحكومة السوداني، نهاية نيسان/ أبريل الماضي، أن أكّدت اعتزامها إعادة تنظيم العلاقة مع الأمم المتّحدة من خلال مطالبتها "يونامي" بإنجاز مهامها بحلول شهر أيّار/ مايو 2026.
وهذا الطلب العراقيّ كشفه الأمين العامّ للأمم المتّحدة "أنطونيو غوتيريش" عبر رسالة إلى مجلس الأمن الدوليّ في نهاية آذار/ مارس الماضي، وبُرِّر الطلب نتيجة "لحالة الاستقرار الأمنيّ والسياسيّ التدريجي في العراق"!
هل سيتمكن السوداني من قَلْب المعادلة العراقيّة وتسليم الأمور والجمل بما حمل لمكوّن واحد، ولو بصورة تدريجيّة، وبالذات بعد الإصرار على صبغ غالبيّة مفاصل الدولة بلون مذهبيّ محدّد، والسعي لإدخال مناسبات دينيّة خاصّة ضمن الإطار العامّ للدولة، ومنها المحاولات الحاليّة والجادّة لإقرار عطلة "يوم الغدير" بشكل رسميّ، وكذلك محاولات هدم نصب "أبي جعفر المنصور" ببغداد لأسباب مذهبيّة وتاريخيّة؟!
وشدّد "غوتيريش" على وجوب استعداد العراق لتولّي زمام الأمور، وأنّ مهام "يونامي" المقبلة مع بغداد تهدف لتحقيق "الانتقال التدريجي والتحضير لنقل قدرات البعثة إلى فريق الأمم المتّحدة المحلّيّ في مجالات الانتخابات، وحقوق الإنسان، والإعلام"، وتعزيز قدرات بغداد في مجالات "مكافحة الفساد، وإصلاح الأمن".
ولكنّ غوتيريش أكّد وجود عدّة تحديات في الواقع العراقيّ، ومنها مشكلة الجماعات المسلّحة الفاعلة، والخشية من إمكانيّة ظهور إرهاب جديد، أو "داعش"، ومشكلة الصراع على السلطة، ومخاوف القوى السنّيّة والكرديّة من تَغوّل القوى الشيعيّة الحاكمة والفاعلة!
وهل سيتمكن السوداني من قَلْب المعادلة العراقيّة وتسليم الأمور والجمل بما حمل لمكوّن واحد، ولو بصورة تدريجيّة، وبالذات بعد الإصرار على صبغ غالبيّة مفاصل الدولة بلون مذهبيّ محدّد، والسعي لإدخال مناسبات دينيّة خاصّة ضمن الإطار العامّ للدولة، ومنها المحاولات الحاليّة والجادّة لإقرار عطلة "يوم الغدير" بشكل رسميّ، وكذلك محاولات هدم نصب "أبي جعفر المنصور" ببغداد لأسباب مذهبيّة وتاريخيّة؟!
العراق بلد مليء بالأزمات، وهو بلا رئيس للبرلمان منذ عدّة أشهر، والفوضى السياسيّة تترك الجميع في حيرة من أمرهم!
ويتمثّل تفويض "يونامي" بمنح الأولويّة لتقديم المشورة والدعم للعراقيّين بشأن " تعزيز الحوار السياسيّ الشامل والمصالحة الوطنيّة"!
ولا نعلم أين هذه المساعدة، وأين تلك المصالحة الوطنيّة، ونحن نتابع يوم 9 أيار/ مايو 2024 نائبا في البرلمان العراقيّ وهو يشتم كبار صحابة النبي الكريم خلال لقاء تلفزيونيّ، ويستفزّ مشاعر الملايين، وهنالك الآن ضجّة قانونيّة وشعبيّة وشرعيّة تتعلّق بهذا التجاوز الخطير!
ثمّ ما الذي قدّمته المنظّمة الدوليّة للعراقيّين، وهم يُعانون في واقعهم السياسيّ والأمنيّ من تَغوّل مستمرّ لشخصيّات وجماعات، لا نقول خارجة عن القانون بل فوق القانون؟ وتأكيدا لذلك الواقع المخيف وضعت الحكومة البريطانيّة، الأربعاء الماضي، العراق ضمن "القائمة الحمراء"، وحذّرت مواطنيها من "السفر الى العراق"!
إنّ الألغاز الكبيرة في الدستور العراقيّ، والتشابك السياسيّ بين الحكومة والشركاء، وبالذات مع السّنّة والكرد، وتنامي السلاح خارج إطار القوّات الرسميّة المسلّحة، والتدخل الأجنبيّ، وتفشّي المخدّرات وغيرها من الآفات، جميعها أسباب كافية لوجوب استمرار عمل المنظّمة الدوليّة ببغداد!
ومع هذه الظروف المركّبة كيف يمكن لمجلس الأمن أن يقتنع بالمبررات المرفقة بالطلب العراقيّ، بينما الواقع مرهق ومخيف، وبالذات ما يتعلّق بسير العمليّة السياسيّة والانتخابات، وحقوق الإنسان، وحرّيّة التعبير، لدرجة أنّ العشرات من المدنيّين، وهم مسلّحون حقيقة، يتهجّمون، الاثنين الماضي، على منزل شاب بسبب تعليق له في مواقع التواصل الاجتماعيّ يتعلّق بشخصيّة "دينيّة شيعيّة عراقيّة"!
استمرار حالة الانغلاق السياسيّ، وتهميش المعارضة العراقيّة بالخارج، وهشاشة غالبيّة مؤسّسات البلاد الإداريّة والماليّة والخدميّة والصناعيّة، يفرض على المجتمع الدوليّ التأنّي قبل الموافقة على الطلب العراقيّ الذي يفتقر لأرضيّة صالحة وصلبة للتعايش الوطنيّ والسلم المجتمعيّ!
استمرار حالة الانغلاق السياسيّ، وتهميش المعارضة العراقيّة بالخارج، وهشاشة غالبيّة مؤسّسات البلاد الإداريّة والماليّة والخدميّة والصناعيّة، يفرض على المجتمع الدوليّ التأنّي قبل الموافقة على الطلب العراقيّ الذي يفتقر لأرضيّة صالحة وصلبة للتعايش الوطنيّ والسلم المجتمعيّ!
ينبغي على المجتمع الدوليّ، الذي يراقب الواقع العراقيّ بحذر، أن يساهم مساهمة جادّة في خلاص العراقيّين من محنتهم المعقّدة، والسعي لبناء دولة إنسانيّة جامعة وعادلة لا مكان فيها لأيّ متورّط بانتهاك القانون وسلب أرواح الناس وحرّيّاتهم!
فهل سيساهم المجتمع الدوليّ في ترميم البيت العراقيّ، أم أنّه سينسحب وسيكتفي ببيانات القلق الجافّة التي لا تُساهم في تغيير الواقع العراقيّ المرير؟
والسؤال الدقيق: مَنْ الذي سينقل للمجتمع الدوليّ الواقع العراقيّ إن أُنْهِيَت مهام "يونامي" وتوقّفت إحاطاتها الدوريّة؟ هل سيتابع المجتمع الدوليّ أحوال العراق عبر الإعلام فقط؟
استقرار العراق مفتاح سلام وأمن للمنطقة، فلا تُفرّطوا في العراق لأنّ نيران خرابه، لا قدّر الله، ستنتشرّ في المنطقة والعالم!
twitter.com/dr_jasemj67
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه العراق الاستقرار العراق الأمم المتحدة الاستقرار سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة المجتمع الدولی الواقع العراقی الطلب العراقی العراقی ة المت حدة ة العراق غالبی ة
إقرأ أيضاً:
إعصار الرسوم الأمريكية يضرب أسواق العالم.. والاقتصاد العراقي في مهب الريح
بغداد اليوم – بغداد
في خضم العاصفة الاقتصادية التي أثارتها قرارات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب المتعلقة بفرض رسوم جمركية جديدة، أكد النائب في البرلمان مضر الكروي أن العراق لم يكن بمنأى عن تداعيات هذه القرارات، مشيرا إلى آثار مباشرة طالت الأسواق والنفط والمالية العامة في البلاد.
وقال الكروي في تصريح لـ"بغداد اليوم"، إن "الإجراءات الأمريكية الأخيرة ألحقت أضرارا فادحة بالاقتصاد العالمي، حيث تسببت بتراجع حاد في أكثر من 30 بورصة رئيسية خلال الـ48 ساعة الماضية، وهو ما أدى إلى خسارة مئات المليارات من الدولارات وتأرجح حاد في الأسواق الأمريكية.
ولفت إلى أن "الاقتصاد العراقي، كجزء من المنظومة الاقتصادية الدولية، تأثر بشكل مباشر، وكان أول تلك التأثيرات هو انخفاض أسعار النفط بنسبة تتراوح بين 7 إلى 10%، مما يشكل تهديدا مباشرا لموارد الدولة المالية وقدرتها على الإيفاء بالتزاماتها المتعلقة بالرواتب وتمويل المشاريع التنموية في المحافظات".
وأشار الكروي إلى أن "الضرر الاقتصادي الناتج عن هذه القرارات لن يكون له تأثير فوري على المشهد الانتخابي العراقي، لكن التداعيات الكاملة قد تظهر بوضوح في الأشهر المقبلة".
وفي سياق متصل، شدد الكروي على ضرورة معالجة أزمة السيولة في العراق، مؤكدا أن "أكثر من 80% من النقد العام لا يزال خارج الدورة المصرفية، وهو ما يتطلب تحركا حكوميا عاجلا لتحفيز المواطنين على إيداع أموالهم في المصارف.
الكروي كشف أيضا، أن "اللجنة المالية النيابية تعتزم عقد اجتماعات موسعة بعد عطلة عيد الفطر، بمشاركة وزارة المالية والبنك المركزي ورئاسة الوزراء، لوضع خطة شاملة للتعامل مع آثار القرارات الجمركية الأمريكية والانخفاض المستمر في أسعار النفط، بما يضمن استقرار الاقتصاد الوطني وتفادي أزمة مالية مرتقبة".
وتأتي تصريحات النائب مضر الكروي في ظل تداعيات قرارات اقتصادية اتخذها الرئيس الأمريكي، تضمنت فرض رسوم جمركية جديدة على عدد من الواردات، ضمن سياسة "أمريكا أولا" التي تبناها خلال فترة رئاسته.
العراق، الذي يعتمد بشكل شبه كلي على صادرات النفط لتمويل موازنته العامة، تأثر مباشرة بهذه التقلبات، حيث أدى انخفاض أسعار النفط إلى تهديد استقراره المالي، خاصة في ظل التزامه بتغطية النفقات الحكومية والرواتب والمشاريع.
يشار إلى أن الاقتصاد العراقي يعاني منذ سنوات من تحديات متراكمة، تشمل الاعتماد المفرط على النفط، وغياب التنويع الاقتصادي، وضعف القطاع المصرفي، وتراجع ثقة المواطنين في النظام المالي، ما أدى إلى احتفاظ غالبية السكان بأموالهم خارج المصارف.