صدر حديثا كتاب جماعي بعنوان "القضية الفلسطينية بعد السابع من أكتوبر الأبعاد التاريخية والتحولات الجيوستراتيجية" عن مؤسسة عقول الثقافة بشراكة مع مركز معارف المستقبل للبحوث والدراسات.

وتبلور جزء من الأوراق العلمية التي ضمها هذا الكتاب من خلال 5 ندوات علمية دولية عن بعد نظّمها "مركز معارف المستقبل للبحوث والدراسات" بتنسيق مع "مركز أندلس للأبحاث والدراسات"، بدأت منذ الـ11 نوفمبر/تشرين الثاني 2023 وكانت هذه السلسلة العلمية بعنوان:"طوفان الأقصى: الأبعاد التاريخية والدلالات الإستراتيجية".

وذلك بغرض المواكبة العلمية والتحليل الأكاديمي من لدن نخب فكرية وأكاديمية مغربية وعربية لهذا الحدث ومآلاته على كافة المستويات السياسية والإستراتيجية والاقتصادية والحضارية.

وفي ضوء ذلك، جاءت محاور هذا العمل محاولة لاستيعاب مختلف أبعاد القضية الفلسطينية في ظل تحولات معركة طوفان الأقصى، وما أفرزه من نماذج جديدة في الحروب العسكرية وأشكال المقاومة التحررية، وما ولّده من حروب إعلامية ورقمية ونفسية تستهدف بالصورة والدعاية والتحكم في المحتوى الرقمي، خلق حالة ملتبسة من لوم الضحية وتبرئة الجلاد، ناهيك عمّا حصل من ارتباك في التجارة والملاحة الدوليتين ومن تعثر في النظام الاقتصادي العالمي، وما خلفه من توتر وإحراج قانوني وأخلاقي للمؤسسات الدولية.

تحديات

وقد اجتهد  الكتاب والباحثون  والمترجمون  في قراءة التحديات الضاغطة والصعبة التي تمر بها القضية الفلسطينية والمنطقة العربية الإسلامية، من خلال تقديم قراءة في المشاريع المطروحة في المنطقة: سياقها ووسائلها وتجلياتها وإمكاناتها ومآلاتها وكيفيات التعامل معها، إضافة إلى تحليل الوضع الفلسطيني والعربي والدولي في خضم تحولات معركة طوفان الأقصى، وهي محاولة من أجل بناء موقف علمي يتجاوز العرض التسطيحي، ويغوص في أعماق الأحداث بما ينتج رؤية للواقع والمآل أكثر تفسيرية وموضوعية وإنصافا.

والمشاركون في الكتاب هم الأكاديميون والكتاب والباحثون: سلمان بونعمان، إسماعيل حمودي، فاطمة الزهراء هيرات، إدريس قسيم، محمد أقديم، عبد الحكيم أحمين، مصطفى الطالب، خالد عاتق، نور الدين أحمد لشهب، سعد عبد الرزاق السكندراني، يوسف المتوكل، محمد السعيد الكرعاني، والأستاذة: آمنة مصطفى دلة (مترجمة)، الحسن مصباح (مترجم).

حركة الذاكرة

ويقول الكاتب سلمان بونعمان في مقدمة الكتاب الجماعي إن "الطوفان" ذكّر العالم بأجمعه، أنه بعد أكثر 70 عاما على النكبة المستمرة، وأزيد من 50 سنة على النكسة وضياع فلسطين وتهويد القدس، لن تتغير حقائق الصراع مهما اجتهدت الصهيونية ومؤيدوها وأصدقاؤها في تحريف بوصلة الصراع وتغيير الوجهة وتمييع المعاني وتسميم الفكر، وأكّد أن قضية فلسطين لا يمكن تهميشها أو تغييبها، كما أكد "النموذج الطوفاني" المبدع أن الكيان الصهيوني ليس قوة  مطلقة تحكم العالم ويستحيل هَزمها؛ ففي كل معركة ورغم اختلال موازين القوى المادية يثبت صاحب الحق أن كل شيء ممكن أن يتغير في حركة التاريخ، إذا توفرت الفكرة الأصيلة والإرادة الحرّة وتألقت الفاعلية الإنسانية وتفاعلت مع الإيمان المجاوز للمادة. وهذا ما أكدته حركة طوفان الأقصى ونموذجها الانتفاضي المقاوم، ورسخته كل تجارب المقاومة المسلحة وحركات التحرر الوطني، وهي تناهض كل أشكال الاحتلال الاستيطاني والاستعمار الإبادي، وتتمسك بحقها في الأرض والذاكرة والهوية، بحسب وصفه.

ويضيف "أهمية حدث السابع من أكتوبر وتداعياته وتأثيره  تجاوز مساحة فلسطين والصراع العربي الإسرائيلي ليفرض نفسه على بنية النظام الدولي برمته، فيختبر مؤسساته وفاعليه وقوانينه ويضعها على المحك، ثم يخترق "هدير فلسطين" قلب الجامعات الغربية والنخب الأكاديمية بها، لتصبح التظاهرات الطلابية في أرقى جامعات أوروبا وأميركا وأشهرها سمعة ومصداقية، مقرات للاعتصام والاحتجاج ضد الإبادة الإسرائيلية والتمويل الأميركي للإبادة، وتطالب بوقف الحرب والتجويع والحصار، وتصرخ الأجيال الشابة بأعلى صوتها:"فلسطين حرة". وهي حالة غير مسبوقة في تاريخ الجامعات الغربية من حيث رمزية حضور العلم الفلسطيني وألوانه ولبس الكوفية الفلسطينية في الفضاء الجامعي، وإصرار الأساتذة والطلاب على الصمود في وجه الأجهزة الأمنية التي تدخلت لفض الاعتصامات واعتقال الطلاب وتهديدهم بالطرد في صيغة تذكر بالدول الديكتاتورية والقمعية".

ويتابع "لقد تنامى الدعم الشعبي العالمي لفلسطين ولحقوق شعبها ومطالبه، وتسارع بشكل لم يكن في حسبان الاحتلال وداعميه، رغم كل السياسات والتهديدات والإجراءات التي قامت بها الدول الغربية في تقييد حركة التضامن الإنساني. لقد مثلت انتفاضة الطلاب في الغرب حدثا دالا على تحولات عميقة تختمر في المجتمعات الغربية، فهو نجاح مقدّر للسردية العربية الفلسطينية الأصيلة، وفضح غير متوقع للرواية الصهيونية وسرديتها المزيفة، وخطوة مهمة في فضح ممارسات الاحتلال ومحاصرته دوليًا، وتعزيز المقاطعة الأكاديمية والاقتصادية والشعبية".

وفي حين اختارت غالبية النخب الفكرية والأكاديمية العربية "الحياد السلبي" وقررت "الصمت" تجاه الإبادة الجماعية في غزة بدعوى الموضوعية أو المصلحة الوطنية، كما وظف بعضهم قدراته المعرفية وأدواته البحثية لتبرير الاحتلال بتحميل المقـاومة المسؤولية عن هذه الجرائم البشعة وغير المسبوقة، بحسب مقدمة الكتاب.

خطاب النخب

إن خطاب هذه النخب -بوعي أو بدون وعي- صار جزءا من مشروع التطبيع الهادف إلى الصهينة الشاملة التي تتعرض لها المنطقة، فضلا عن فقدان هذه النخب للمصداقية العلمية والأخلاقية في تحيزها لصالح الظلم والاستكبار العالمي، وانكماشها عن إبداء أي موقف أخلاقي منحاز للمظلومين، بحسب الكتاب.

ويرى بونعمان أن "المعرفة تخيف دائما "الغالب/المسيطِر" الذي يقدم القوة على الحق، فيحرص على توظيفها ضد "المغلوب" بقلب الحقائق وتزوير السرديات. وإن امتلاك المعرفة والوعي بها يحرر الشعوب ويعزز ثقتها في ذاتها، ويشجعها على تحطيم الأساطير والتحرر من الأوهام ومساءلة نظام الأشياء القائم، وتفكيك السرديات المتغلبة (الإمبريالية والصهيونية في الزمن المعاصر)، مما يذكي فضيلتي التمرد والممانعة، فإذا انضاف إلى هذه المعرفة كل من الإيمان والإرادة والرسالية، تغيرت قوانين المعركة، وموازين القوى، وطبيعة الصراع واتجاهاته لصالح الشعوب الممانعة والمقاومة، وتحققت بشارات النصر والتمكين".

ويعتبر أن معظم الخطاب العربي حول القضية الفلسطينية بقي حبيس خطاب اختزالي وتعبوي من جهة، ومستغرقا في مقاربات انفعالية وانطباعية من جهة أخرى؛ في ظل غياب للخطاب التفسيري المركب والمقاربات الفكرية والتاريخية والإستراتيجية المتعددة التخصصات، والقادرة على تقديم رؤية أكثر تركيبية لتحولات القضية الفلسطينية وتحليل تحدياتها، وهذا أحد أهداف هذا الكتاب الجماعي الذي يسعى إلى فهم عميق لطبيعة الصراع القائم في المنطقة، كما يقول.

ويرى أن الاشتغال المعرفي على دراسة المشروع الصهيوني وتياراته في علاقته بالقضية الفلسطينية، يقتضي الوعي المركب بالآخر/العدو والتعرف العلمي على مشروعه وآليات اشتغاله، وكذا مناهج تفكيره وحركاته ونفسياته، والفلسفات المؤطرة لفكره وسوسيولوجيا استيطانه، بالإضافة إلى فهم تحولات بنياته الاجتماعية والاقتصادية وجغرافيا تمدده في المحيط وتحالفاته الإقليمية والدولية، رصدا وتحليلا واستشرافا، فضلا عن وضع القضية الفلسطينية في سياق صراع المشاريع الكبرى ورهانات القوى الدولية والسياسات الغربية في المنطقة.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: ترجمات حريات القضیة الفلسطینیة طوفان الأقصى

إقرأ أيضاً:

الحراك الطلابي الأميركي وتداعياته على القضية الفلسطينية

لم يكن السابع من أكتوبر/تشرين الأوّل 2023م يومًا عاديًا بالنسبة للقضية الفلسطينية وبالنسبة للعالم أجمع، فالمواجهة التي بدأت في ذلك اليوم لا تزال مستمرّة من حيث تداعياتها على الداخل الفلسطيني من جهة، وعلى منطقة الشرق الأوسط من جهة أخرى، حيث أعقبها الكثير من التأثيرات التي ستظلّ انعكاساتها كبيرة على مجمل القضية الفلسطينية بمختلف جوانبها مستقبلًا.

وبذات القدر من الأهمية شكّل السابع عشر من أبريل/نيسان 2024م علامة فارقة في تاريخ الاحتجاجات الطلابية بأميركا، وذلك عندما قامت مجموعة من الطلاب بجامعة كولومبيا بولاية نيويورك الأميركية بالتظاهر؛ احتجاجًا على المجازر الهمجية والتصفية المُمنهجة التي قامت بها إسرائيل ضد مواطني غزة.

إن الذي أعطى تلك الاحتجاجات ذلك الصدى هو أنها انطلقت من جامعة تصنف ضمن أبرز الجامعات على مستوى العالم، إضافة إلى أنّ معظم النخب التي لعبت ولا تزال تلعب أدوارًا مفصلية في تحديد الكثير من الأمور في ماضي ومستقبل الكوكب الذي نعيش فيه، قد تخرجت في هذه الجامعة العريقة.

كما أن جامعة كولومبيا تعتبر من بين أكثر الجامعات التي تربطها صلات وشراكات مع إسرائيل، وهناك برنامج للشهادات المزدوجة بين جامعتَي كولومبيا وجامعة تل أبيب، فضلًا عن وجود المركز العالمي بتل أبيب، وهو أحد فروع مراكز كولومبيا العالمية الموجهة لدعم عدد من البلدان لحل المشكلات ذات الطبيعة المعقدة التي تواجه تلك المجتمعات، وبالتالي يُنظر للحراك الطلابي الصادر من جامعة كولومبيا في هذا السياق.

وهي تعد جامعة رائدة ومؤثرة على صعيد مؤسسات التعليم العالي في الولايات المتحدة الأميركية والعالم من واقع تأثير ما حدث في حرمها الجامعي على بقية الجامعات والكليات، حيث أقام مئات الطلاب مخيمات احتجاجية فيما لا يقلّ عن اثني عشر حرمًا جامعيًا آخر في جميع أنحاء أميركا؛ للاحتجاج على الانتهاكات الإسرائيلية ضد مواطني غزة.

الأمر الآخر الذي يُعطي حيويةً إضافيةً إلى هذا الحراك، هو أنّ أغلب المتحدثين باسم الطلاب من اليهود، بجانب أنّ عملية توفير الطعام للمتظاهرين كانت تتم بواسطة شريحة مقدرة من سكان مدينة نيويورك، مما يُضفي على هذا الحراك بُعدًا شعبيًا يتجاوز أسوار الحرم الجامعي.

مطالب الحراك

لقد كان المطلب الرئيسي لهؤلاء المتظاهرين هو وقف إطلاق النار في غزة، ووقف التعامل مع إسرائيل. وتتفاوت النظرة لمطالب وقف التعامل مع إسرائيل من جامعة لأخرى، بيد أنّها لا تخرج عن أربعة أشكال تصبّ محصلتها النهائية في دعم وقف العدوان على غزة، ومناصرة القضية الفلسطينية.

فهناك من طالب بالتوقف عن التعامل مع الشركات المصنعة للأسلحة العسكرية التي تزوّد إسرائيل بها، ومنهم من دعا لعدم قبول تمويل الأبحاث العلمية التي تساعد الجهود العسكرية، ومنهم من ناشد بوقف استثمار الأوقاف الجامعية مع مديري الأموال الذين يستفيدون من الشركات أو المقاولين الإسرائيليين، فضلًا عن شكل آخر ينادي بضرورة أن تكون هناك شفافية أكبر بشأن الأموال التي يتم تلقيها من إسرائيل، والأغراض التي تستخدم فيها.

ووَفقًا لقاعدة بيانات وزارة التعليم الأميركية Department of Education، فقد أبلغت حوالي 100 كلية أميركية عن هدايا أو عقود من إسرائيل بقيمة إجمالية تبلغ 375 مليون دولار على مدى العشرين سنة الماضية، والمفارقة العجيبة أنّ البيانات المتوفرة لا تُنبئ إلا عن القدر القليل فيما يخُصّ مصدر الأموال، أو كيفية استخدامها، فوَفقًا للمركز الوطني لإحصاءات التعليم The National Center for Education Statistics لعامي 2019م-2020م، فإنّ عدد الكليات الجامعية في الولايات المتحدة بلغ 3.982 جامعة.

وبالتالي عندما تتمّ مقارنة الكليات التي قدّمت تقارير لوزارة التعليم عن حجم الدعم المالي الذي تتلقّاه من إسرائيل، وتلك التي لم تقدّم تقارير عن ذلك، نجد أن الفجوة المعلوماتية كبيرة للغاية، وعليه فإنّ الافتراض بوجود ارتباطات أو عدمها بين تلك الكليات وإسرائيل، يظلّ كبيرًا، ويعكس حجمَ الفرص المتوفّرة لها لتطوير قطاع الصناعات الدفاعية بالتعاون مع المؤسّسات العلمية الأميركية، ومن ثم يعطي وجاهة لمطالب المتظاهرين ضد الحرب على غزة بضرورة قطع أيّة صلات لهذه الجامعات والكلّيات بإسرائيل.

خصوصية الحراك

من المعلوم أنّ الجامعات الأميركية قد شهدت موجة عارمة من الاحتجاجات في منتصف الستينيات من القرن العشرين؛ بسبب الحرب في فيتنام، حيث ترافقت حركة التذمّر ضد الحرب مع تصعيد الرئيس الأميركي ليندون جونسون من وتيرة العمليات العسكرية، وزيادة عدد القوات العسكرية المشاركة.

وقد تختلف التفسيرات الخاصة بدواعي تصاعد الحراك الطلابي المناهض للحرب ما بين العام والخاص، فالعام يتعلق برفض الانتهاكات التي رافقت الحرب بدرجة محدودة – حسب تقديري الشخصي – والخاص الذي يرتبط بمصالح شريحة عريضة من الطلاب الذين انتظموا في ذلك الحراك، هو عدم استعدادهم للانضمام للجيش، والمشاركة في الحرب، ضمن ما يُعرف بالخدمة العسكرية، وأنا أميل لترجيح كفة هذا الدافع على ما عداه من دوافع، من واقع استبسال المقاومة الفيتنامية في إلحاق الأذى البدنيّ المباشر بأفراد الجيش الأميركي.

وبالتالي كان الطلاب يرون في الذهاب والمشاركة الفعلية في الحرب أمرًا يحمل درجة عالية من الخطورة على حياتهم، وجاءت معارضتهم من ذلك الباب، بينما الحراك الطلابي الداعم لوقف الانتهاكات الموجهة ضد أهالي غزّة بشكل خاصّ والداعم للقضية الفلسطينية بشكل عام، ارتبط بشكل مباشر بعاملين اثنَين:

العامل الأول، يتعلق بالموقف الأخلاقي من الحرب، ورفض الإبادة الجماعية الممنهجة التي قامت بها إسرائيل والمدعومة من قبل الولايات المتحدة، وهذا فرق كبير للغاية من المنظور الإنساني والسياسي. فالحراك الطلابي المناصر لغزة نابع من وعي سياسي عميق وموقف أخلاقي يتجاوز دائرة المصلحة الشخصية، كما كان الحال في حرب فيتنام، مع الأخذ في الاعتبار الاختراق الكبيرالذي أحدثه هذا الحراك في فتح باب النقاش واسعًا – وبصورة لم يسبق لها مثيل – حول العلاقة بين إسرائيل والولايات المتحدة، وجدوى هذا التحالف الذي ظلّ يُكلف دافع الضرائب الأميركي ما يقدر بـ 3.3 مليارات دولار سنويًا.

وقد بلغ حجم الدعم العسكري المقدم لإسرائيل منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023م تاريخ الحرب الدائرة في غزة، ما قيمته 12.5 مليار دولار. فالعلاقة مع إسرائيل ونقد سياستها ودور اللوبي الصهيوني، تُعد من الأمور المحرم نقاشها على أي مستوى من المستويات، وذلك لما لهذا اللوبي من سطوة كبيرة على مختلف هياكل السلطة وأبنيتها في نطاق النظام السياسي الأميركي.

العامل الثاني الأهم؛ هو أنّ نجاح الشعب الفلسطيني بشكل عام، وأهالي غزة بشكل خاص في الصمود أمام آلة القمع الإسرائيلية المدعومة بالقوة العظمى الأميركية – وعدم انكسارهم وإصرارهم على عدم مغادرة أراضيهم، رغم الكلفة البشرية العالية جدًا – سبب رئيسي في كسب تعاطف الطبقة المستنيرة داخل الولايات المتحدة الأميركية مُمثلة في طلاب الجامعات.

تمدّد هذا التعاطف والتفهم لعدالة قضية الشعب الفلسطيني بشكل لم يسبق له مثيل، وقد نجح المواطن الفلسطيني من خلال استخدام وسائل التواصل الاجتماعي في مخاطبة الرأي العام العالمي بشكل عام، والرأي العام الأميركي المستنير بشكل خاص، وبصورة تجاوز فيها سطوة وسائل الإعلام التقليدية التي كانت تحتكر الرواية الخاصة بالقضية الفلسطينية بصورة ساهمت في عدم وصولها للشعوب الحرة التي تؤمن بحقوق الإنسان، والتي من بينها الحق في الحياة.

الدروس المستفادة

​رغم أنّ حجم الحراك الطلابي قد انخفض بشكل ملحوظ في الوقت الحالي؛ بسبب نهاية العام الدراسي الجامعي بالولايات المتحدة الأميركية، فإنّه حمل بين طياته مجموعة من الدروس المُستفادة والتي من بينها أنّه مهما كانت عدالة القضية المعنية – القضية الفلسطينية – وحجم الدعم الذي يُمكن أن تحظى به، يظل العامل الحاسم في استمرار التعاطف والتأييد مرتبطًا بمتغير مُستقل أوحد، وهو درجة صمود أصحاب القضية واستعدادهم للتضحية مهما كان حجمها؛ بُغية الوصول لأهدافهم العادلة. وبالتالي لم يكن مُمكنًا أن تحظى القضية الفلسطينية بهذا التأييد لولا صمود أهل غزة، والصورة النادرة التي قدموها للعالم.

الأمر الثاني هو أنّ الانتباه لقوة وسائل التواصل الاجتماعي والاستعانة بها في الوصول للرأي العام العالمي، من الأمور التي أسهمت بشكل إيجابي في شرح القضية الفلسطينية، وكسب المناصرة والتأييد لها.

ومن الدروس المُهمة التي أفرزتها تجربة الحراك أنّ البعد الإنساني والقيمي، يُعتبر من الأمور المُهمة التي تدفع شريحة مقدرة من الناس للتعاطف مع قضية ما – القضية الفلسطينية – بصورة تتجاوز حواجز الديانات والمعتقدات والجغرافيا، فأغلب المتظاهرين الذين خرجوا محتجّين على ما أفرزته الحرب الدائرة من انتهاكات موجهة ضد الفلسطينيين لم يكونوا مسلمين، وليست لهم أي ارتباطات مباشرة بمنطقة الشرق الأوسط، ولا يعرفون عنها إلا القليل.

التوقعات المستقبلية

إنّ مستوى الوعي الذي أفرزه الحراك الطلابي داخل الجامعات الأميركية سيشكّل نقطة انطلاق لتغيير الأسس التي يتم من خلالها النظر للسياسة الخارجية، وتحديد خياراتها بناءً على معيار المصلحة الملتزم بالأبعاد الأخلاقية، والخاسر الأكبر في هذا الصدد سيكون إسرائيل، وسيسهم ذلك في تعميق عزلتها، الأمر الذي سيصبّ في مصلحة القضية الفلسطينية على المدى الطويل، بالنظر إلى أنه يمكن أن يُشكل هؤلاء المتظاهرون الطبقة السياسية الحاكمة في أميركا على المدى البعيد.

من جهة ثانية، ستنحسر سطوة اللوبي الصهيوني على مستوى السياسة الخارجية الأميركية تجاه منطقة الشرق الأوسط إجمالًا، وإسرائيل على وجه الخصوص بتأثير حملة الوعي التي ابتدرَها طلاب الجامعات الأميركية عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وبعيدًا عن سطوة وسائل الإعلام التقليدية المعروفة كالـ "CNN" و"FOX News"، وغيرهما.

ومن المتوقع أن تتصاعد فاعلية استغلال وسائل التواصل الاجتماعي من قبل الفلسطينيين للوصول للرأي العام الأميركي بشكل منهجي سيأخذ في الحسبان التكوين النفسي والفكري والقيمي الذي ينطلق منه المواطن الأميركي؛ لضمان تأثير أكبر في شرح قضيتهم، فضلًا عن توقعات بنشر الوعي الإلكتروني المرتبط باستخدام وسائل التواصل الاجتماعي وسط الشعب الفلسطيني، الأمر الذي سيعقد من مسار وحركة قطار التطبيع في المنطقة، على خلفية الوعي المفترض تأسيسه وانتشاره.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2024 شبكة الجزيرة الاعلامية

مقالات مشابهة

  • افتتاح معرض الفن التشكيلي لنصرة فلسطين
  • الحراك الطلابي الأميركي وتداعياته على القضية الفلسطينية
  • مبلغ هائل.. بكم دعمت واشنطن عدوان الاحتلال في غزة منذ السابع من أكتوبر؟
  • تراث اللغة العربية مخطوطاً
  • عطاف يُشيد بالموقف المشرف لبولندا من القضية الفلسطينية
  • أشكال القصة القصيرة خلال أربعة عقود في كتاب “القصة القصيرة في سورية” للدكتور الناقد ياسين فاعور
  • "جينات أنثوية".. كتاب جديد لـ عمرو منير يكشف العلاقة الأزلية بين الرجل والمرأة
  • الحروب الثقافية وحرب غزة.. كيف صاغ السابع من أكتوبر مفهوم الأمة؟
  • فصائل: تمكنا من قنص جندي إسرائيلي في شرق رفح الفلسطينية
  • ‏واشنطن بوست: الولايات المتحدة قدمت مساعدات أمنية لإسرائيل بقيمة 6.5 مليار دولار منذ السابع من أكتوبر