في عام 2018 شاهد المسؤولون الأوروبيون الرئيس دونالد ترامب وهو "ينسف" صفقة نووية مع إيران ويعيد فرض عقوبات كاسحة ويفكر في فك ارتباط بنوكها بشبكة سويفت. لقد بلغ السيل الزبى في نظرهم. فأمريكا تستخدم سطوتها المالية لإجبار الحلفاء على معاقبة آخر ضحاياها. والشركات الأوروبية تهرب من إيران خوفًا من العقوبات الثانوية من أمريكا.

آلية انستيكْس قررت كل من بريطانيا وفرنسا وألمانيا القتال. تمثل ردها (على إجراءات ترامب ضد إيران) في أداة دعم التبادلات التجارية (انستيكْس). إنها نظام مقايضة يمكن أن يدعم التجارة لأغراض إنسانية مع إيران دون أية استعانة بالدولار. انضمت سبع دول أخرى من الاتحاد الأوروبي الى هذه الآلية. وفي مارس 2020 دعمت المعاملةُ التدشينية لنظام انستيكس صفقةَ بيعِ سلع طبية لإيران. لكن هذه المعاملة الأولى أصبحت الأخيرة لإنستيكس. فالجمهورية الإيرانية منعت عدة صفقات مقترحة. وخشيت الشركات الأوروبية من أن المقايضة لوحدها قد تثير غضب أمريكا. هكذا انطوت صفحة آلية إنستيكس بهدوء في عام 2023 أو بعد ثلاث سنوات من اطلاقها. وبدلًا من أن تقدم بديلًا للدولار انتهى بها المطاف إلى تسليط الضوء على مناعة وضع الدولار. هذه الواقعة تصور نموذجًا مصغرًا للتدافع الذي يسعى إلى تقليص هيمنة الدولار. فالعالم لديه أسباب عديدة للرغبة في خيارات بديلة. لقد حوَّلت واشنطن المتقلبة التنبؤ بسياساتها الاقتصادية في الأجل الطويل وبالتالي قيمة الدولار الى لعبة عبثية. فساستها يدخلون في مواجهات بين فترة وأخرى حول رفع أو إبقاء سقف الدين القومي الأمريكي والذي في حال عدم رفعه قد يقود إلى عجز عن السداد، ويهدد مكانة سندات الخزانة باعتبارها الأصل المالي الأكثر أمانًا في العالم. إلى ذلك، خلال السنوات القليلة الأخيرة سمح بنك الاحتياط الفدرالي للتضخم بالارتفاع على نحو هو الأكثر إثارة منذ سنوات الثمانينات. ولم يسيطر عليه بشكل كامل حتى الآن. مع ذلك ورغم هذه الحوافز لتجنب الدولار لم تقترب أية عملة منافسة له من انتزاع تاجه بوصفه عملة الاحتياط الاولى في العالم. بل بدلًا عن ذلك يحاجج أسوار براساد وهو زميل أول بمعهد بروكنجز بأن الصراع الحقيقي دار بين عملات أخرى وتلك عملية اسماها "تشظي الطبقة الثانية من العملات". ورغم تكاثر أسباب تجنب الدولار إلا أن تفوقه على أقرب منافسيه، خلافًا لما هو متوقع، صار أقوى من أي وقت مضى.

إذا أحببت العملة استثمر فيها

أوضح ما يكون هذا في نسبة تداولات العملات التي يكون طرفها الدولار. فمنذ بداية القرن الحادي والعشرين ظلت هذه النسبة بين 85% و90%. جزء من الحضور الكبير للدولار ناشئ عن استخدامه في المدفوعات العالمية وتدفقات التجارة ورؤوس الأموال. لكنه أيضًا يرتبط بالدور المركزي الذي تلعبه العملة للمتعاملين في النقد الأجنبي. فإذا أردت أن تبيع الجنيهات الأسترلينية مقابل الين يمكن أن تفعل ذلك مباشرة. أما إذا كانت عملة الرينجيت مقابل عملة الزلوتي فلن يكون ذلك كذلك. إذ سيلزمك بيع الرينجيت مقابل الدولار ثم استخدام الدولار لشراء الزلوتي. تستفيد سوق الصرف الأجنبي إذا لعبت عملة واحدة هذا الدور المحوري إذ يسمح ذلك بتجميع مجموعات سيولة منفصلة للعملات النظيرة التي يندر تداولها. في الأثناء تأرجحت حظوظ العملات الأخرى. ففي عام 2001 كانت عملة اليورو المنافسَ الصاعد للدولار. استُخدم اليورو في تكتل بلدانٍ لها إنتاج اقتصادي قابل للمقارنة بأمريكا، ويشكل 38% من تداولات الصرف الأجنبي. لكن خلال العقدين التاليين بدأت عملات أخرى كاليوان الصيني مع اتساع نطاق استخدامها في قضم جزء من حصة معاملات اليورو بأكثر مما كانت تفعل ذلك مع حصة الدولار. بحلول عام 2022 تراجعت نسبة اليورو إلى 31%. وكان أداء الين الياباني شبيها بذلك. وهكذا تعزز تقدم الدولار على أقرب منافسيه. وفي السنوات الأخيرة تعزز أيضًا استخدامه في المدفوعات العابرة للحدود. لقد شكل 47% من المدفوعات التي تمت عبر شبكة سويفت في يناير ارتفاعًا من 38% قبل ثلاث سنوات. (شبكة سويفت اختصار من الأحرف الأولى لاسم جمعية الاتصالات المالية العالمية بين البنوك. وهي نظام مركزي عالمي لإرسال واستقبال الحوالات المالية بين البنوك العالمية الكترونيا- المترجم). هنالك اتجاهات شبيهة وواضحة في تشكيلة العملات التي يحتفظ البنك المركزي. القصد من مثل هذه الاحتياطيات من العملات الأجنبية استخدامها في أوقات الاضطرابات والأزمات. يعني ذلك وجوب إمكانية بيعها في لمح البصر وأن تتشكل مثاليًا من مزيج من أكبر عملات التداول النظيرة للعملة المحلية. هذه الحوافز تضمن مرة أخرى أن الدولار يكسب. وعلى الرغم من ارتفاع حصة اليورو في العقد الذي أعقب إصداره إلى 28% في عام 2009 مقارنة بنسبة 62% للدولار إلا أنها هبطت بشدة بعد أزمة الدين في منطقة اليورو إلى 20% عام 2023 مقابل 58% للدولار. ارتفعت حصص اليوان والدولار الأسترالي والدولار الكندي الى أكثر من 2% من الاحتياطيات. لكن كما هي الحال مع سوق الصرف الأجنبي جاء ارتفاعها على حساب كبار منافسي الدولار. لقد استمر تفوق الدولار حتى في مواجهة تجميد الغرب احتياطيات النقد الأجنبي الخاصة بالبنك المركزي الروسي في عام 2022. قد يرغب المنافسون الجيو- سياسيون للولايات المتحدة في بدائل. لكن لا يمكن لأي منها مضارعة سيولة الدولار أو دوره المركزي في التجارة الدولية. لذلك ستكون مثل هذه العملات أسوأ في الوفاء بوظيفة الاحتياطيات المثبِّتة لسعر الصرف في المقام الأول. جاذبية الدولار تبدو قابلة للاستدامة بطرائق أخرى. فالطلب الذي لا نظير له يقلل أسعار الفائدة على الدين المقوَّم بالدولار مما يجعله خيارًا مفضلًا للشركات والحكومات التي تقترض بالعملات الأجنبية. (تقريبًا حوالي نصف كل القروض المصرفية وأوراق الدين العابرة للحدود مقومة بالدولار). ويضمن اعتقاد سائد بالقدرات التي يتفوق بها بنك الاحتياط الفدرالي على البنوك المركزية الأخرى تعزيز قوة الدولار في الأزمات حتى إذا كانت الولايات المتحدة نفسها مصدر أسوأ المتاعب كما في عام 2008. هذا بدوره يعني أن الأصول الدولارية خصوصًا سندات الخزانة الأمريكية تعتبر أكثر أمانًا من الأصول الأخرى وبالتالي أكثر فائدة كضمان. لقد تعثرت جهود الترويج لبدائل أكفأ وأسرع. فالعملات الرقمية مثل عملة البتكوين تتعرض لتقلبات شديدة في قيمتها مما يجعلها وحدة حساب ومخزن قيمة غير موثوقة. وهاتان الخصيصتان وظيفتان حاسمتان في أهميتهما لأية عملة. العملات الرقمية المستقرة التي تغلبت على هذا النقص عبر ربطها بعملات ملائمة هي الأكثر فائدة. لكن فقط العملات المرتبطة بالدولار (والتي بالتالي تعتمد تمامًا على المدفوعات الدولارية) حققت أي شيء يقارب الاستخدام واسع النطاق. بدأت البنوك المركزية تدريجيًا سك عملاتها الرقمية الخاصة بها. وأكبر مشروع تجريبي وهو اليوان الرقمي الذي أصدره بنك الشعب الصيني بلغ إجمالي حجم معاملاته 1.8 تريليون يوان (250 بليون دولار) فقط بحلول يونيو 2023. حتى إذا انطلقت حقًا مثل هذه العملات الرقمية سيلزم واحدة منها على الأقل اثبات أنها يمكن أن تكون مفيدة على نحو فريد (وأفضل من أمريكا في ذلك) لتحقيق ميزة لها معنى وتتفوق بها على الدولار.

عملة غير رائجة

هنالك مهددات أخرى محتملة للدولار تبدو في الأفق. فقد يتسارع نمو أنظمة المدفوعات البديلة والمعاملات التي لا تحتاج إلى الدولار. ويعود ذلك إما إلى الشطط في فرض العقوبات الغربية أو تأثير تزايد أعداد الأطراف التي تجري معاملات بدون الدولار. إذا كان "نظام المدفوعات بين البنوك عبر الحدود" الصيني المستفيد الرئيسي قد تتعزز حظوظ اليوان على الرغم من أن ضوابط رأس المال هناك ستجعل البنوك المركزية الأجنبية حذرة من الاعتماد عليه كعملة احتياط. الى ذلك داخل الصين تجاوزت المدفوعات باليوان عبر الحدود تلك التي سددت بالدولار بقدر طفيف في العام الماضي مثل هذه التغييرات ستحدث غالبًا ببطء شديد قياسًا بعملة الاحتياط السابقة للعالم (الجنيه الإسترليني الذي تدهور على مدى عقود قبل أن يحل الدولار محله). هذا إذا لم تسرّع أزمة جديدة تحولات النظام المالي العالمي الذي استعرضناه في هذا التقرير.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: مثل هذه فی عام

إقرأ أيضاً:

الداخلية توجه ضربة جديدة لمافيا الدولار

واصلت أجهزة وزارة الداخلية الضربات الأمنية لجرائم الاتجار غير المشروع بالنقد الأجنبى والمضاربة بأسعار العملات  عن طريق إخفائها عن التداول والإتجار بها خارج نطاق السوق المصرفى ، وما تمثله من تداعيات سلبية على الإقتصاد القومى للبلاد .

نصبوا على مواطنين .. الداخلية تغلق 4 شركات سياحةالداخلية تداهم مصنع مكملات غذائية بالمنوفية

أسفرت جهود قطاع الأمن العام بالإشتراك مع الإدارة العامة لمكافحة جرائم الأموال العامة ومديريات الأمن خلال24 ساعة عن ضبط عدد من قضايا "الإتجار" فى العملات الأجنبية المختلفة بقيمة مالية قرابة (9مليون جنيه).  


تم إتخاذ الإجراءات القانونية. 
 

مقالات مشابهة

  • الداخلية تضبط قضايا تجارة عملة بقيمة 7 ملايين جنيه
  • للمرة الأولى.. عملة بتكوين تتخطى الـ107 آلاف دولار
  • بيتكوين تتجاوز 107 آلاف دولار مع تأكيد خطة ترامب للاحتياطي الاستراتيجي
  • البيتكوين تحقق قفزة تاريخية لأول مرة
  • أسعار العملات في فلسطين - سعر صرف الدولار اليوم
  • بيتكوين تحلق فوق 106 آلاف دولار بدعم خطة ترامب
  • البيتكوين تتخطى 106 آلاف دولار للمرة الأولى
  • للمرة الأولى.. "بيتكوين" تتجاوزر الـ106 آلاف دولار
  • مجلس السيادة يكشف عن مؤامرة واختراقات وتقارير من النيابة وبنك السودان تحدث عن عملة “مزيفة”
  • الداخلية توجه ضربة جديدة لمافيا الدولار