"تحليل أمريكي" يسلط الضوء على تآكل القيادة الأمريكية جراء هجمات الحوثيين في البحر الأحمر (ترجمة خاصة)
تاريخ النشر: 17th, May 2024 GMT
سلط مركز أبحاث أمريكي الضوء على تآكل القيادة المركزية الأمريكية في المنطقة العربية، اثر الهجمات التي تشنها جماعة الحوثي على السفن في البحرين الأحمر والعربي.
وقال مركز الأبحاث الأطلسي الأمريكي "Atlantic Council" في تحليل للباحث "جان لوب سمعان" ترجم أبرز مضمونه "الموقع بوست" إنه "بعد ستة أشهر من إطلاق إدارة جو بايدن عملية "حارس الازدهار" لضمان حرية الملاحة في البحر الأحمر، فإن أكبر مشكلة تواجه البيت الأبيض ليست تهديد الحوثيين، بل فشل الولايات المتحدة في حشد الشركاء والحلفاء خلف قيادتها".
وأضاف "منذ أن شن الحوثيون هجماتهم على السفن العابرة للبحر الأحمر، لحسن الحظ، نجحت القوات الأمريكية في اعتراض المقذوفات التي أطلقت من اليمن".
وتابع "كانت الأضرار المادية محدودة، وعلى عكس المخاوف الأولية، ظل التأثير الاقتصادي تحت السيطرة. ومع ذلك، فإن الرد الدولي على تهديد الحوثيين لا يمثل قصة نجاح. كافحت إدارة بايدن لحشد الدعم الدبلوماسي والمساهمات العسكرية".
إحباطات أوروبية وخليجية من الإستراتيجية الأمريكية
وأردف "كان الحلفاء الأوروبيون متشككين. وأعربوا عن عدم موافقتهم على دعم واشنطن للعملية الإسرائيلية في غزة وشككوا في الأهداف الاستراتيجية لعملية حارس الازدهار. ونتيجة لذلك، أعلن الاتحاد الأوروبي في 19 فبراير/شباط عن عملية "أسبيدس"، وهي عملية أمنية بحرية خاصة به".
وأكد أن إنشاء "أسبيدس" أثار التوترات بين المسؤولين من جانبي المحيط الأطلسي. ومن غير المستغرب أن تكون حكومة إيمانويل ماكرون الفرنسية ــ التي تؤمن بشدة بقدرة أوروبا على تقديم بديل للإطار الاستراتيجي الأميركي ــ في طليعة هذه المبادرة الأوروبية. في المحادثات التي أجريتها مع المسؤولين الأمريكيين، زعموا أن أسبيدس تبعث برسالة الانقسام بين حلفاء الناتو دون تقديم بديل موثوق به على المستوى العسكري.
وأشار إلى أن العملية الأوروبية تواجه مشكلاتها الخاصة، خاصة فيما يتعلق بالقدرات البحرية المتواضعة التي توفرها الدول المساهمة. وحتى اليوم، تعتمد العملية فقط على أربع سفن حربية لمواجهة هجمات الحوثيين. ويعاني الأوروبيون أيضاً من محدودية قدرات الدفاع الجوي.
ولفت إلى أن البحرية الفرنسية استخدمت مرارا وتكرارا صواريخ أستر 30 أرض جو لمواجهة الصواريخ الباليستية الحوثية المتعددة. كانت عمليات الاعتراض ناجحة، لكن تكلفة نظام Aster الواحد بلغت حوالي 1.1 مليون دولار. ومن المشكوك فيه، من حيث الخدمات اللوجستية والمالية، أن تمتلك القوات البحرية الأوروبية الوسائل اللازمة لمواصلة حملة مدتها أشهر بهذا الحجم. وهذا يسلط الضوء على الانفصال بين الطموحات الأوروبية في مجال الأمن البحري وواقع مواردها العسكرية.
يقول المركز إن "رد الولايات المتحدة على أزمة البحر الأحمر قوبل بعدم الثقة من جانب شركاء البلاد في الخليج. ومن بين أعضاء مجلس التعاون الخليجي الستة، انضمت البحرين فقط إلى منظمة حارس الازدهار. وعلى وجه التحديد، رفضت المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة العملية الأمريكية بسبب خلافهما مع واشنطن حول الصراع في اليمن الذي سبق أزمة البحر الأحمر".
وبحسب التحليل فإن السعودية والإمارات كانتا أكبر المساهمين في العملية التي بدأتها الرياض في عام 2015 لطرد الحوثيين من اليمن. شعر كلاهما بالإحباط من تطور الولايات المتحدة فيما يتعلق بالحرب. ومن وجهة نظرهم، دعمت واشنطن في البداية العملية التي قادتها السعودية في اليمن خلال إدارة باراك أوباما، ولكن بعد ذلك تغير الكونجرس وانتقد دول الخليج عندما واجهت طريقًا مسدودًا في ساحة المعركة مع الحوثيين. وفي وقت لاحق، استخدم الرئيس دونالد ترامب حق النقض ضد محاولات المشرعين لتعليق المساعدات العسكرية الأمريكية للتحالف السعودي. ولكن بعد انتخاب بايدن عام 2020، قامت إدارته بإزالة الحوثيين من قائمة الإرهاب التابعة لوزارة الخارجية (تم إعادتهم منذ يناير). ثم توقف البيت الأبيض عن تقديم الدعم اللوجستي للتحالف السعودي وأعلن أن “هذه الحرب يجب أن تنتهي”.
وقال "في الأشهر التالية، جدد الحوثيون هجماتهم ضد التحالف، سواء في ساحة المعركة أو على الأراضي السعودية والإماراتية. وأجبر ذلك دول الخليج على التوصل إلى حل وسط والدخول في محادثات لإنهاء الحرب في عام 2021. ومع ذلك، ثبت أن المفاوضات صعبة، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى إحجام قادة الحوثيين عن تقاسم السلطة مع الحكومة اليمنية المدعومة من السعودية".
"ونتيجة لذلك، يُنظر إلى الحملة الأمريكية الحالية ضد الحوثيين في الرياض وأبو ظبي على أنها عملية محدودة التصميم ومن غير المرجح أن تحل معضلاتهم. والأسوأ من ذلك أن مشاركتهم قد تنقلب ضدهم، وتؤدي إلى استئناف هجمات الحوثيين على مدنهم، وإخراج المحادثات الهشة في اليمن عن مسارها" وفقا للتحليل.
القوى الآسيوية ترفض العملية الأمريكية في البحر الأحمر
واستدرك "عانت الهند، شريك رئيسي آخر للولايات المتحدة، من هجمات الحوثيين في البحر الأحمر. وتم استهداف عشرات السفن المتجهة نحو الهند، أو التي تحمل أطقمًا هندية على متنها. ونتيجة لذلك، زادت البحرية الهندية دورياتها في البحر الأحمر ونشرت خمس مدمرات مزودة بصواريخ موجهة وطائرة دورية بحرية".
وأوضح أن الأنشطة البحرية الهندية لم تدفع حكومتها إلى الانضمام إلى العملية الأمريكية أيضًا. ويرجع هذا في الغالب إلى رغبة نيودلهي في الحفاظ على تقاليد عدم الانحياز، على الصعيدين الدبلوماسي والعسكري. على الرغم من أن رئيس الوزراء ناريندرا مودي أيد علنًا رد إسرائيل على هجوم حماس في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، إلا أن الهند حافظت أيضًا على علاقات دبلوماسية جيدة مع إيران - الداعم الرئيسي لكل من حماس والحوثيين. وعلى المستوى العملياتي، تريد البحرية الهندية الاحتفاظ بحرية العمل، والتي يمكن تقليصها إذا انضمت البلاد إلى عملية تقودها الولايات المتحدة.
وزاد "الأهم من ذلك أن الصين واقتصادها يعتمدان أيضًا بشكل كبير على البحر الأحمر. وامتنعت بكين عن التدخل في الأزمة ورفضت العروض الأمريكية للتعاون. ويرتكز موقفها على الاعتقاد بأن الأهداف الأساسية للهجمات هي الولايات المتحدة وحلفائها. وفي مارس/آذار، أفادت التقارير أن الصين توصلت إلى اتفاق مع الحوثيين لضمان المرور الآمن لسفنها".
وقال "مع ذلك، ثبت أن صفقة عدم الاعتداء هذه محفوفة بالمخاطر. في 23 مارس/آذار، أطلق الحوثيون أربعة صواريخ باليستية مضادة للسفن على ناقلة نفط مملوكة للصين كانت تعبر البحر الأحمر. ووقع الهجوم بعد أيام فقط من الاتفاق المعلن عنه، وكان بمثابة ضربة للدبلوماسية الصينية. ربما كان السبب في ذلك هو المعلومات الخاطئة، حيث أن السفينة التي تعرضت للهجوم قد غيرت ملكيتها قبل شهر. ومع ذلك، فإنه يشير إلى أن الاعتماد على امتثال الحوثيين هو مقامرة محفوفة بالمخاطر بالنسبة للصين".
المشاكل القادمة لسياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط
يشير مركز أبحاث الأطلسي الامريكي إلى أن أزمة البحر الأحمر تسلط الضوء بشكل عام، على عدم قدرة الولايات المتحدة على حشد شركائها خلف قيادتها. لكن هذا لا يعني أن قوة أخرى حلت محل واشنطن. إن الاستراتيجيات التي اتبعها جميع أصحاب المصلحة في المنطقة لم تعوض فشل إدارة بايدن.
وذكر أن الأوروبيين يتوقون إلى الحفاظ على مكانة بارزة في مجال الأمن البحري. وفي مناطق مثل البحر الأحمر، يعتقد الاتحاد الأوروبي أنه قادر على تقديم بديل لمنافسة القوى العظمى. وقد يروق هذا في بعض الأحيان للشركاء المحليين الذين يشعرون بعدم الارتياح تجاه المعادلة بين الولايات المتحدة والصين. لكن تأمين المساحات البحرية مثل البحر الأحمر يتطلب قدرات بحرية لا تستطيع الدول الأوروبية توفيرها.
ومما أورده التحليل أنه وفي الوقت نفسه، رفعت دول الخليج طموحاتها في السنوات الماضية. لكنهم لم يقدموا بعد حلاً موثوقًا للحكم في البحر الأحمر. ويعود بعض هذا الفشل إلى القيود المفروضة على القوات البحرية الخليجية. يعانون من نقص التمويل لسنوات، ويكافحون من أجل العمل خارج نطاق المهام لحماية سواحلهم.
وعلى المستوى الدبلوماسي، يقول "كانت ممالك الخليج أيضًا غائبة بشكل واضح. يمكن للمرء أن ينسى تقريبًا أن المملكة العربية السعودية أنشأت مجلسًا للبحر الأحمر في عام 2020 لتعزيز التعاون الأمني بين ثماني دول ساحلية. في ذلك الوقت، أشارت الهيئة الجديدة إلى رغبة السعودية في توسيع نفوذها في القرن الأفريقي، لكن التقدم كان بطيئا منذ إنشائها".
وقال إن الاستراتيجيات الهندية والصينية في مواجهة هجمات الحوثيين تكشف عن عناصر استمرارية في توجهات سياستهما الخارجية: العمل جنبا إلى جنب مع القوى الغربية مع تعزيز عدم الانحياز لدى نيودلهي ومنع التورط في النزاعات المحلية، في حين تستفيد بكين - على الأقل ضمنا - من الوجود البحري الأمريكي.
وخلص التحليل الأمريكي إلى أنه وفي نهاية المطاف، فإن تآكل القيادة الأميركية يدفع كل لاعب إلى الدفع نحو أجندته الخاصة على حساب إيجاد إطار عمل جماعي. ومن ثم يؤدي هذا إلى تفاقم الانقسام السياسي - ليس فقط في البحر الأحمر، بل في جميع أنحاء الخليج والشرق الأوسط.
وأكد أن هذا الاتجاه يضع المؤسسات الإقليمية القائمة جانباً ويفضل التحالفات المخصصة التي قد تتنافس مع بعضها البعض. وهذا يهدد بإهدار الموارد الدبلوماسية والعسكرية لأصحاب المصلحة، وهو ما له آثار فورية على نجاح عملية حارس الرخاء. وعلى المدى الطويل، تنبئ هذه التطورات في البحر الأحمر أيضًا بالصعوبات المتزايدة التي تواجهها واشنطن في تشكيل البنية الأمنية للشرق الأوسط.
المصدر: الموقع بوست
كلمات دلالية: اليمن أمريكا الحوثي البحر الأحمر القيادة المركزية الولایات المتحدة فی البحر الأحمر هجمات الحوثیین إلى أن مع ذلک
إقرأ أيضاً:
إسقاطُ المقاتلة f18 يسلِّطُ الضوءَ على بيئة التهديد الصعبة في البحر الأحمر
يمانيون../
برغم التكتُّمِ الشديدِ الذي تمارسُه الولاياتُ المتحدة على الهجوم النوعي والمعقَّد الذي نفَّذته القواتُ المسلحةُ اليمنية، الأحد الماضي ضد مجموعة حاملة الطائرات (يو إس إس هاري إس ترومان) في البحر الأحمر والذي أسفر عن إسقاط مقاتلة (إف-18) للمرة الأولى، فَــإنَّ أصداء الهجوم لا زالت تتردّد وتفتح نقاشاتٍ جديدةً وغيرَ مسبوقة حول حدود فاعلية أدوات وتكتيكات البحرية الأمريكية، وهي نقاشات تفتح فصلًا جديدًا من فصول الهزيمة التأريخية التي تعيشُها واشنطن أمام اليمن.
التكتُّمُ الذي تمارسُه الولاياتُ المتحدة بخصوصِ الهجوم، خَيَّمَ عليه شُعُورٌ بالفضيحة كان قد برز بوضوح من خلال البيان الذي أصدرته القيادة المركزية الأمريكية بخصوص “إسقاط طائرة (إف-18) بنيران صديقة” حسب وصفها، حَيثُ لم تنشر القيادة الأمريكية البيان على موقعها الرسمي وصفحاتها على مواقع التواصل كما جرت العادة، بل وزّعته على وسائل الإعلام ووكالات الأنباء الأمريكية، في خطوة عكست الحرجَ الكبيرَ الذي يواجِهُه الجيشُ الأمريكي بين ضرورة الإقرار بإسقاط الطائرةِ، والحاجة إلى الهروبِ من تفاصيل الإرباك الكبير والفاضح الذي سبَّبه الهجومُ اليمني على مجموعة الحاملة (ترومان) والذي دفع بالسفينة الحربية (جيتيسبيرج) إلى إطلاق النار على المقاتلة الأمريكية أثناء محاولةِ اعتراض الصواريخ والطائرات اليمنية التي يبدو بوضوح أنها وضعت مجموعة السفن الحربية تحت ضغط استثنائي غير مألوف حتى في ظل “الدروس” التي يفترض أنه قد تم أخذُها من الهجمات السابقة التي تعرضت لها البحرية الأمريكية على امتداد ما يقرب من عام كامل، كما تقول التقارير الأمريكية دائمًا.
ومع ذلك، فَــإنَّ الإعلان الاضطراري على خلوِّه من التفاصيل كان كافيًا لإثارة التساؤلات التي حاولت واشنطن تجنبها مسبقًا من خلال التكتم، وقد بدأ ذلك قبل أن تعلن القوات المسلحة عن تفاصيل ما حدث، حَيثُ شن محلل الأمن القومي في مجلة ناشيونال إنترست براندون ويشيرت، هجومًا لاذعًا على الجيش الأمريكي، وكتب في سلسلة تدوينات على منصة “إكس” ساخِرًا: “الخبر الجيد هو أن الدفاعات المضادة للطائرات على مدمّـراتنا تعمل، الخبر السيء هو أننا أسقطنا طائرة (إف/إيه-18 سوبر هورنت)” مُضيفًا أن “الحوثيين يضحكون وهم يشاهدون الأمريكيين يقاتلون أنفسَهم”.
وشكَّكَ ويشيرت في رواية الجيش الأمريكي الخالية من التفاصيل، قائلًا إن موضوع “النيران الصديقة” لا يصدَّق وإنه الطائرة قد تكون أسقطت من قبل القوات المسلحة اليمنية، مُشيرًا إلى أن مقاتلات (إف -18) “هي الطائرات الحربية الأَسَاسية من الجيل الرابع التي تستخدمها البحرية الأمريكية وسلاح مشاة البحرية” وهي “من أفضل الطائرات في العالم؛ لأَنَّها مجهزة بقدر هائل من قدرات الكشف والدفاع لتجنب التعرض لإطلاق النار… وبالإضافة هذه الأنظمة الدفاعية والكشفية، فَــإنَّ هذا الطائرات تشارك في تفاعل معقد بينها وبين مجموعة حاملات الطائرات التي يتم نشرها منها، وهناك العديد من الإجراءات الموضوعة لمنع النيران الصديقة بشكل أَسَاسي”.
وأضاف: “تصر البحرية على أن الحادث كان نيرانًا صديقة وأن الأمر سيتم التحقيق فيه بدقة، ولكن هذه هي نفس البحرية التي ادعت أنه لم يحدث شيء على الإطلاق خلال الصيف لحاملة الطائرات الأمريكية (دوايت د. أيزنهاور)، وما نعرفه الآن هو أن صاروخًا باليستيًّا مضادًا للسفن أطلقه الحوثيون اقترب لمسافة 200 متر من حاملة الطائرات الأمريكية أيزنهاور خلال الصيف”.
وبرغم أن بيان القوات المسلحة أكّـد أن القوات الأمريكية أطلقت النار على الطائرة أثناء الارتباك الذي سببه الهجوم اليمني، فَــإنَّ التشكيك السريع في رواية الجيش الأمريكي يعكس حجم الصدمة الكبيرة التي يمثلها الواقع التي فرضه اليمن حتى عندما يتم الاعتراف بجزء منه، فالمحلل الأمريكي استبعد احتمالية “النيران الصديقة”؛ نظرًا لاعتبارات كانت في نظره بمثابة أَسَاسيات ثابتة، وهي أن الطائرة ولديها تنسيق تقني عالٍ مع مجموعة حاملة الطائرات، لكن القوات المسلحة نسفت هذه البديهيات وبرهنت أنها ليست فقط قادرة على مهاجمة البحرية الأمريكية بقوة، بل وأنها قادرة على إرباكها بصورة تجعلها أكثر من عاجزة عن الاستفادة من أدواتها وتقنياتها المتطورة بل تعكس اتّجاه وتأثير هذه الأدوات والتقنيات ضد البحرية الأمريكية نفسها!
هذا أَيْـضًا ما أكّـده موقع “ماريتايم إكسكيوتيف” الأمريكية المختص بالشؤون البحرية، حَيثُ نشر تقرير ذكر فيه أن “حادثة النيران الصديقة تسلط الضوء على بيئة التهديد الصعبة بشكل استثنائي في البحر الأحمر، فضلًا عن الضغوط التي يتعرض لها أفراد الدفاع الجوي، ففي المناطق الضيقة للبحر الأحمر، غالبًا ما يكون لدى المقاتلين التابعين للبحرية الأمريكية ثوانٍ قليلة لتحديد التهديد الصاروخي بشكل صحيح وإطلاق صاروخ اعتراضي ردًّا على ذلك”.
وأضاف: “إن مخاطر سوء التقدير عالية” مُشيرًا إلى أن “هذه ليست المرة الأولى التي يرتكب فيها فريق الاستجابة المتحالف في البحر الأحمر خطأً، ففي فبراير 2024، كادت الفرقاطة الألمانية (هيسن) أن تسقط طائرة أمريكية بدون طيار فوق البحر الأحمر، ولم يتمكّن الطاقم من تحديد هُوية الطائرة وخلصوا إلى أنها تشكل تهديدًا، وبسبب خطأ فني غير محدّد، أخطأ صاروخان أطلقتهما الفرقاطة على الطائرة، وقال المتحدث باسم وزارة الدفاع الألمانية مايكل ستيمبفلي في ذلك الوقت: حُلت القضية عندما تبين أنها لم تكن طائرة معادية بدون طيار، وهو ما لم يتضح إلا بعد فوات الأوان”.
ونشر موقع “آرمي ريكوجنيشن” العسكري البلجيكي تقريرًا، ذكَرَ فيه أن “إسقاطَ الطائرة (إف/إيه-18 سوبر هورنت) بشكل مأساوي يؤكّـدُ التحدياتِ المُستمرّةَ في الحروب المعاصرة، حَيثُ يمكن حتى للأصول العسكرية الأكثر تطورًا أن تتورطَ في أخطاء تشغيلية أَو سوء تفاهم أَو أعطال” مُشيرًا إلى أن السفينةَ الحربية (جيتيسبيرج) التي أطلقت النار على الطائرة “مجهَّزةٌ بأنظمة متطورة هي جزء أَسَاسي من أسطول البحرية الأمريكية، وقادرةٌ على التعامل مع التهديدات الجوية بدقة عالية، ومع ذلك، يسلِّط الحادث الضوء على كيف يمكن حتى لهذه الأنظمة المتقدمة، والتي صُمِّمت للحماية من الصواريخ والطائرات المعادية، أن تكون عُرضةً للخطأ في التعرُّف والأخطاء، وخَاصَّة في مواقف القتال عالية الضغط والسريعة الحركة”.
وَأَضَـافَ أن “إسقاط الطائرة بواسطة السفينة الحربية (جيتيسبيرج) يشكل تذكيرًا قويًّا بالثغرات التي لا تزال قائمة في العمليات العسكرية الحديثة، على الرغم من ظهور الأسلحة وأنظمة الدفاع المتطورة” مُشيرًا إلى أنه “من المرجح أن تدفع الحادثة التي وقعت في البحر الأحمر إلى إعادة تقييم أنظمة السلامة الحالية، والإجراءات التشغيلية، وفعالية برامج التدريب للأفراد المشاركين في العمليات المشتركة”.
وكما يبدو بوضوح من هذه التناولات، فَــإنَّ رواية “القيادة المركزية الأمريكية” لم تفلح في إغلاق باب التساؤلات المحرجة حول حدود فاعلية وتكتيكات البحرية الأمريكية، كما لم تفلح في صرف النظر عن الضغط الكبير الذي خلّقته القوات المسلحة من خلال الهجوم النوعي الواسع الذي شنته على مجموعة الحاملة (ترومان) في توقيت مفاجئ وغير متوقع، وهو ما سيفتحُ خلال الفترة القادمة المزيد من النقاشات والتحليلات والتناولات التي لن تخلوَ على الأرجح من اعترافاتٍ جديدةٍ بأن اليمن قد طوى تمامًا زمنَ حاملات الطائرات والسفن الحربية، وكتب نهايةَ التفوق التكنولوجي العسكري للغرب، وأسَّسَ مدرسةً جديدةً هو سيِّدُها في الحرب.