شعراء وباحثون يكشفون ملامح التلاقي والتباين بين القصيدتين العربية واليونانية
تاريخ النشر: 17th, May 2024 GMT
سالونيك- اليونان (وام)
أكد أكاديميون وأدباء إماراتيون ويونانيون، أن العلاقة بين الثقافة العربية واليونانية تتجلى في الأدب والشعر والفن والفكر والفلسفة، ويشهد عليها تاريخ طويل منذ المعلم الأول أرسطو إلى الفارابي، وتتواصل حتى اليوم بما تقوده إمارة الشارقة من جهود دولية على مستوى العالم، مشيرين إلى أن دور الإمارة الثقافي والمعرفي في المنطقة والعالم يشبه الدور الذي كان يقوده «بيت الحكمة» التاريخي في عهد الخليفة المأمون.
جاء ذلك خلال الجلسة الأولى من فعاليات الشارقة ضيف شرف الدورة 20 من معرض سالونيك الدولي للكتاب في اليونان، حيث أقيمت الجلسة بعنوان «مظاهر اللغة الشعرية في الشعر العربي الحديث والشعر اليوناني الحديث»، في جامعة سالونيك، وتحدث فيها كل من الدكتورة إيوانا نعوم، أستاذة مساعد في الأدب المقارن بقسم فقه اللغة اليونانية بجامعة سالونيك، والشاعر الإماراتي إبراهيم الهاشمي، والشاعرة اليونانية كلوي كوتسوبيلي، نائبة رئيس جمعية الكتاب المبدعين في سالونيك وبيرسا كوموتسي، أنطولوجيّة ومترجمة الشعر العربي إلى اللغة اليونانية الحديثة، وأدارها الدكتورأنجيليكي زياكا، أستاذ دراسة الأديان، جامعة سالونيك.
حضر الجلسة، التي نظمتها هيئة الشارقة للكتاب، ومختبر الأدب المقارن والنظرية الأدبية «Com-Lit» في كلية الفلسفة، ومختبر لغات الحوار ودراسة الأديان بجامعة أرسطو في سالونيك، أحمد بن ركاض العامري، الرئيس التنفيذي لهيئة الشارقة للكتاب، والبروفيسور كونستانتينوس بيكوس، عميد قسم الفلسفة اليونانية بجامعة أرسطو في سالونيك، ونيكوس كوكيس، رئيس المؤسسة الثقافية الهيلينية، وعدد من كبار الأدباء والمثقفين والإعلاميين الإماراتيين واليونانيين.
صورة بانورامية
استهلت مديرة الجلسة الدكتور أنجيليكي زياكا، أستاذ دراسة الأديان الحديث، بالإشارة إلى أن أواصر العلاقة بين الثقافة اليونانية والعربية ممتدة إلى آلاف السنين، وتشهد عليها الكثير من العلامات في تاريخ الفكر والفلسفة والفن والشعر لدى الحضارتين. وقدّم الشاعر الإماراتي إبراهيم الهاشمي، خلال الجلسة، صورة بانورامية حول مراحل تطوّر القصيدة العربية منذ العصر الجاهلي، إلى اليوم، متوقفاً عند مميزات الشعر العربية الحديثة والمعاصرة، حيث أوضح أن الشعر العربي الحديث هو ما كتب على غير الشعر الكلاسيكي العمودي، وهو ما يختلف في القضايا التي يتناولها.
وأشار إلى أن الشعر العربي الحديث يتميز بالانحياز إلى البساطة على مستوى المفردات والبناء والأسلوب، مبينا أن أبرز ملامح القصيدة العربية الحديثة تتجسد في اختفاء الكثير من أغراض الشعر القديمة مثل الفخر والهجاء، وزيادة توظيف الخيال، وكثرة استخدام الأسلوب الساخر، بالإضافة إلى عدم الالتزام بالقافية، واللجوء إلى الرمز، وظهور اتجاهات جديدة مثل الشعر السياسي والقومي والإنساني. وبيّن الهاشمي أن الثقافات الأجنبية وترجمة آدابها كان له أثر مباشر على القصيدة العربية الحديثة، مؤكداً أن الكثير من الشعراء العرب اطلعوا على تجارب شعراء غربيين، وتأثروا بهم.
حضور قديم ومتجدد
وقالت الدكتورة إيوانا نعوم، إن اللقاء بين الثقافة العربية واليونانية الذي يتحقق اليوم بحضور إمارة الشارقة، حضور قديم ومتجدد وسيتواصل، مشيرة إلى أن عصر التنوير الغربي يشهد على حجم مساهمة الثقافة العربية في الحضارة الغربية والإنسانية. وأوضحت أن بناء العلاقات بين الحضارات والثقافات يستند في الكثير من مقوماته إلى قوة وطاقة الأدب، الذي يملك ميزة الهجرة والترحال وفتح أفق التواصل بين البشر، وأكدت أن العولمة غيرت التصورات حول الأدب المحلي الذي ينشغل بالثقافات الخاصة، معتبرة أن هذا النوع من الأدب لا يمكن التخلي عنه ولا يمكن أن يختفي.
وقرأت الشاعرة اليونانية كلوي كوتسوبيلي، مجموعة مختارة من أبرز قصائدها باللغة اليونانية والمترجمة إلى اللغة الإنجليزية، مقدمة ملمحاً حول جماليات القصيدة اليونانية المعاصرة، وما تحمله من مضامين تتوقف عند الذات الإنسانية وقدرتها على تجاوز هواجسها الخاصة لتكوين خطاب عالمي يشترك فيه البشر.
وتوقفت كوتسوبيلي عند تجربة مجموعة من الأصوات الشعرية النسائية المعاصرة في اليونان، مشيرة إلى أن أبرز ما يميز هذا الحراك الشعري أنه صوت قوي، يتجاوز السائد، ويحمل مقومات التجديد، وينحاز إلى القيم الإنسانية النبيلة، وتحدثت حول ديوان للشاعرة يورغيا دياغو بعنوان «أنني أعلم هؤلاء الذين يغزلون في وسط البحر»، الذي يتناول تجربة المهاجرين الذين يلجؤون عبر البحر إلى اليونان.
وقرأت المترجمة بيرسا كوموتسي، قصيدة من أعمال الشاعر الإماراتي إبراهيم الهاشمي، وأشارت إلى أنه خلال السنوات الثلاث الماضية صدر 15 ديواناً شعرياً لشعراء عرب تمت ترجمتها إلى اللغة اليونانية، مؤكدة أن إقبال القراء في اليونان على القصائد العربية المترجمة كان لافتاً. أخبار ذات صلة
المصدر: صحيفة الاتحاد
كلمات دلالية: معرض سالونيك الدولي للكتاب هيئة الشارقة للكتاب اللغة الیونانیة الشعر العربی الکثیر من إلى أن
إقرأ أيضاً:
برغسون والفلسفة
هل كان برغسون فـيلسوفا؟ لقد شكك خصومه، مثل جوليان بيندا وبرتراند راسل، فـي ذلك دوما، واعترفوا فقط بأنه يتمتع بأسلوب جميل، من هنا يبدو برونو كليمان فـي كتابه الصادر بالفرنسية «برغسون، جائزة نوبل للآداب» (منشورات فـيردييه)، وكأنه ينحاز إلى أولئك الخصوم ويصدقهم: إن برغسون كاتب بالفعل، وكان من الصواب منحه جائزة نوبل فـي الأدب (فـي عام 1927)، فـي حين كان من الخطأ منحها لراسل (فـي عام 1950). ولكن لو كانت هناك جائزة نوبل للفلسفة، هل كان برغسون سيحصل عليها؟
عند وفاة برغسون عام 1941، أشاد بول فاليري بالمفكر الذي «نقل ما بدا له من حياته الداخلية» وابتكر «طريقة للتعبير عن نفسه مناسبة لهذا الغرض، لأن اللغة تنبع من مصدرها الخاص»: «لقد تجرأ على استعارة أسلحته الساحرة من الشعر، التي جمع قوتها مع الدقة التي لا يطيقها عقلٌ، تغذّى بالعلوم الدقيقة. أطاعت أسعد الصور والاستعارات وأكثرها حداثة رغبته فـي إعادة بناء اكتشافاته فـي وعي الآخرين، ونتائج تجاربه الداخلية».
وهذا هو بالضبط ما لامه عليه معارضو برغسون. لقد اتهمه بيندا (فـي كتابه «فلسفة مثيرة للشفقة»، 1913)، وراسل (فـي «فلسفة برغسون»، 1912)، ثم بوليتزر (فـي «نهاية العرض الفلسفـي، البرغسونية»، 1929) بأنه يفضل المشاعر الفلسفـية على الأفكار الفلسفـية، والحدس على المفاهيم، والخيال على التفكير، وأنه فـي الأساس مجرد رجل من أهل الأدب، وروحاني فـي الوقت عينه. فـي كتابه «لماذا الفلاسفة؟» (1957)، يجد جان -فرانسوا روفـيل أنه يقدم إلى الفلسفة عبارات تليق بالسيد دي نوربوا، كما هو الحال عندما يتحدث عن «تموجات الواقع».
ولكن عندما نُشيد ببرغسون أو على العكس من ذلك، عندما ننتقده بسبب مواهبه الأدبية، فهل نعني أن هذه المواهب تأتي بالإضافة إلى صفاته الفلسفـية، أم أن فلسفته ترجع بالكامل إلى حقيقة أنه كاتب وشاعر؟ لقد تردد فاليري فـي تأييد الأطروحة الثانية، لكن بيندا وراسل أكداها: إن برغسون مجرد كاتب، وفلسفته لا تساوي أكثر من رواية جيدة. على العكس من ذلك، يرى برونو كليمان أن برغسون هو فـيلسوف حقيقي لأنه كاتب، منذ البداية، يخبرنا أنه لن يتناول فلسفة برغسون. وفـي الواقع، فهو لا يقول شيئا عن أطروحات برغسون حول المكان، والزمان، والمدة، والحرية، والممكن، والروح والجسد، والذاكرة.
يبرز برونو كليمان، عند مؤلف «الفكر والحركة» و«التطور المبدع»، هذا الميل إلى استخدام الاستعارات والصور وموسيقى الجملة والاهتمام بالأسلوب. يخبرنا أن الفضل الرئيسي لبرغسون هو أنه قاد الفلسفة إلى التفكير فـي أسلوب تعبيرها، وأننا يجب أن نقرأ برغسون ككاتب، وفنان، ومنتج للصور، وليس كفـيلسوف يفكر وينتج المفاهيم. فهي «سائلة» ومرنة، وليست جامدة أو واسعة للغاية مثل مفاهيم الفلاسفة العقلانيين. لا يتبع فكره مسارا خطيا، بل يعمل عن طريق العودة والتنقيح، عن طريق «البانورثوس». فوفقا لبرونو كليمان، فإن برغسون ينتبه، مثل الفنانين، إلى المفرد، إلى المواقف، إلى القصص، تماما مثل صموئيل بيكيت، أو ناتالي ساروت، أو غيرهم من الروائيين. ألم يكن مهتمًا بالبحث النفسي، كما يقترح كليمان، الذي علق بالتفصيل على مقالته الشهيرة عن «أشباح الأحياء»؟ ألم يكن، مثل هنري جيمس، شقيق صديقه ويليام جيمس، قريبًا من البراغماتية كما هو قريب من قصص الأشباح؟ لا بدّ لي من القول إن هذا الوريد، الذي استغله بالفعل ديفـيد لابوجاد (فـي «خيالات البراغماتية. ويليام وهنري جيمس»، منشورات مينوي، 2008)، يبدو لي هشًا للغاية، حتى لو كان هنري قد قرأ ويليام. ما علاقة البراغماتية بالأشباح؟ بين فكرة أن التصميم لا معنى له إلا إذا تمكنا من قياس آثاره فـي الممارسة العملية ووجود أرواح منفصلة عن الأجساد تعود لتطاردنا؟ هل هذا يجعل من برغسون مؤلفًا لفلسفة الأشباح تمامًا كما أن آن رادكليف أو ديكنز مؤلفان لقصص الأشباح؟
ولكن على وجه التحديد، هنا، حيث كان بإمكان برونو كليمان أن يواجه أطروحات برغسون فـي المادة والذاكرة أو فـي التطور الإبداعي حول العقل والجسد، والتوازي النفسي الجسدي، والروحانية الشاملة أو الدافع الحيوي مع اهتمامه بالأشباح، فإنه يرفض مواجهة ما يعتبره أدبيًا بشكل صحيح عند برغسون مع ما يعتبره هذا الأخير فلسفـيًا. ومع ذلك، كان لدى برغسون الطموح لمناقشة مسائل الفلسفة، سواء اتفقنا مع أطروحاته أم لا: أن الزمن أكثر جوهرية من المكان وأن جوهره هو المدة، وأن الطبيعة العميقة للذاكرة هي ذات جوهر روحي، وأن الحدس وليس الفكر هو الأسلوب الحقيقي للمعرفة الفلسفـية. هل أن نظرية برغسون فـي الحرية، ومفهومه للممكن، والخرافات أو القصص، قادرة على التقدير الجمالي المحض؟ هل يمكن تقليص خلافه مع أينشتاين إلى مجرد مواجهة بين فـيزيائي وشاعر؟
من الصحيح أن الفكر الفلسفـي الفرنسي حظي على مدى نصف قرن من الزمان بالثناء على جودة كتاباته، وأنه من الممكن، استعارة عنوان مقال مشهور كتبه رورتي عن ديريدا، أن نزعم أن الفلسفة هي فـي الأساس شكل من أشكال الكتابة. وبما أننا نقرأ مونتين، أو باسكال، أو روسو باعتبارهم كتابا عظماء وفلاسفة عظماء فـي الوقت نفسه، فهل يعني هذا أننا يجب أن نترك نظرياتهم الفلسفـية جانبا؟ هل أن فرنسيس بونج أقل جودة من ميرلوبونتي عندما يريد كلاهما الوصول إلى النقطة عينها؟ لا ينوي برونو كليمان الذهاب إلى هذا الحد، لأن هدفه الأساسي هو إثبات أن برغسون أراد اقتراح أسلوب آخر للتعبير الفلسفـي. لذا نجده يطلب منا أن نقبل العبارة الشرطية: إذا كان برغسون كاتبًا، فهو فـيلسوف. وبما أنه كاتب، كما يخبرنا، فمن الطبيعي أن يكون فـيلسوفًا. ولكن يمكننا أن نرفض المقدمة، ولا نفصل النتيجة، أو كما فعل بيندا وراسل، من خلال المقارنة، نستنتج أن برغسون كاتب فاشل.
حتى لو لم تكن براهينه مقنعة، فإن برونو كليمان يطرح سؤالا أساسيا: وفقا لأي معايير نتعرف على الفرق بين الأدب والفلسفة؟ والجواب الذي يقدمه، إلى جانب أغلب منظري الأدب المعاصرين، هو أن الأدب لا يخضع للقيم المعرفـية، مثل البحث عن الحقيقة، أو التبرير بالأسباب الموضوعية، أو المعرفة، بل للقيم الجمالية، مثل الإبداع وثراء التعبير، والتي ليست موضوعية. فوفقًا لبرونو كليمان، فإن برغسون سيكون ناقدًا لقيم النوع الأول، ومدافعًا عن النوع الثاني فـي الفلسفة نفسها. ولكن يمكن للمرء أن يتساءل عمّا إذا كان الأدب لا يستطيع أيضًا أن يطيع القيم المعرفـية، وما إذا كانت الأعمال الأدبية لا تحتوي، مثل الأعمال الفلسفـية المفهومة بالمعنى التقليدي -وبالتالي غير البرغسوني، إذا كان برونو كليمان على حق- على هدف المعرفة. لقد طرح مؤلفون مثل بروست، وموزيل، وبروخ، وجويس هذا السؤال على أنفسهم.