عربي21:
2024-11-23@12:39:54 GMT

مصطلحات القشّ.. عما يُسمّى المشروع الإيراني

تاريخ النشر: 17th, May 2024 GMT

* كثير مما يُكتب في الشأن العربي لا يخبرك كثيرا عن الشأن العربي، بل أكثر من ذلك؛ كثير من كتابات هذا الشأن تخبرك عن كاتبها أكثر بكثير مما تخبرك عن الموضوع. قلائل مَن يحفظون للكتابة مهمّتها الأمّ: مسودة تفكير في الواقع، ومحاولة مخطوطة لتجاوز الظاهر. وعندما تتوه الكتابة عن مهمتها تلك تنتهي تضخيما صوتيا لمواقف، وشيئا من صنف الدعاية.

لا يعني هذا أنها بلا قيمة فهي شاهد حينها على تمترسات اللاعبين (أو المتفرجين) وخارطةٌ لتحزب الأطراف، لكن يبقى هذا حدُّها وآخِر مكان تأخذك إليه.

* أمام أدب الكتابة الدعائية (كما يمكن له أن يُسمّى)، لا تحتاج غوصا عميقا فيما يقال، ويكفي أن ترصد تعبيرا بعينه وقد ملأ الشاشات وتناسل كالجراد على ألسنة الناس. "المشروع الإيراني" واحدة من هذه التعابير وأكثرها انتشارا في أيامنا هذه، ولطالما راودني الفضول حول هذا المصطلح: لأي حدّ يتفق مستخدموه في فهمهم له، وهل هم على بيّنةٍ من أمره حقا؟ هل يستحضرون -ولو في أذهانهم- مقصدا واضحا منه؟ شواهدُ كثيرة توحي أن الإجابة هي بالنفي وأن شيوع المصطلح لا يعني وضوحه أبدا، بل ربما يعني العكس أحيانا. وهنا طبعا سحر المصطلحات؛ أن استخدامها ليس مشروطا بفهمها ولا بوجود دلالة دقيقة لها، ويكفيك لتداولها أن تدرك جَوّها العام وتراهن أن أحدا لن يستجوبك لاحقا عما تقصد.

"المشروع الإيراني" واحدة من هذه التعابير وأكثرها انتشارا في أيامنا هذه، ولطالما راودني الفضول حول هذا المصطلح: لأي حدّ يتفق مستخدموه في فهمهم له، وهل هم على بيّنةٍ من أمره حقا؟
* يكفي شاهدا على فوضى الدلالة أن ترى المصطلح حاضرا في أدبيات يستحيل على أصحابها أن يَصدروا فيها عن فهمٍ واحد. مثال بسيط: في كتابه المعنون "المشروع الإيراني الصفوي الفارسي" (والعنوان يكفي لبيان طبيعة المحتوى) يقول الكاتب محمد يوسف أن هدف "المشروع الإيراني" هو "هدم الإسلام" و"إخراج أهل السنة من دينهم". ضع الآن هذه الرؤية أمام استخدام اليمين الانعزالي بلبنان (القوات والكتائب) لتعبير "المشروع الإيراني"، وسيظهر بوضوح أن الطرفان يقصدان أشياء مختلفة جدا حتى وإن تطابق العنوان والمسمى.

* هل المشروع الإيراني هو مشروع إيران النووي، أم أنه مشروع تصدير الثورة الإسلامية، أم مشروع تمتين الجمهورية وفرض سيادتها، أم نشر الفوضى في المحيط، أم تمكين حلفاء في الإقليم، أم حماية النظام وتحصينه من عدوانية الغرب؟ أم كل هذا أم بعضه؟ أم ماذا تماما؟ وحتى لا يكون الأمر تسفيها بكثرة الاقتراحات، يجوز القول أن القاسم الأدنى في كل المعاني الممكنة لعبارة المشروع الإيراني هو تطوير قوة الدولة وتحصينها وزيادة نفوذها في جوارها الإقليمي. بهذا المعنى، فأي الدول في هذا العالم لا تملك مشروعا؟ لماذا لا نسمع كلاما كثيرا عن المشروع السعودي، وعن المشروع الإماراتي وعن المشروع القطري، وعن المشروع الجزائري؟ حتى في كلامنا المتعلق بالهيمنة الأمريكية على المنطقة العربية، لا يبدو أن أحدا يتحدث عن "المشروع الأمريكي". لماذا صار لفظ "المشروع" مخصصا بأغلبه لدولة بعينها؟ ولماذا تتحول بدهية العمل لزيادة قوة الكيانات "مشروعا" يُصوّر استثناء رهيبا يحفّه الشر؟

* في أغلب استخداماته، "المشروع الإيراني" هو إعلان مختصر عن العداء لإيران، وهو مستقدم على الأرجح من تعبير "المشروع الصهيوني" ضمن المجهود المعروف لإزاحة العداء من الدولة العبرية صوب سواها، وإسقاط معجم الصراع ضد الصهيونية على الصراعات الإقليمية والأهلية. ليست المشكلة هنا، فتمرير المواقف وبثّ التمترسات تحت زخرف التحليل (ومصطلحاته الغامضة) ليس جديدا؛ المشكلة هي في التعطيل الذي يمارسه النشر الأعمى لتعابير كهذه على إمكانات التفكير؛ أي عندما يتحول جوّ المصطلح النفسي إلى مسلّمةٍ سياسية بالتدريج، ويغدو "المشروع الإيراني" قاعدة يبدأ التفكير من بعدها لا مسألة يحصل التفكير فيها ومن عندها. يذكّرني كل هذا بعبارة رائقة كتبها مهدي عامل ذات مرة -وهو سيد من سادة العبارات الرائقة- تحدث فيها عن "تغلّب منطق الإنشاء على منطق الأشياء"، وهذا أبلغ ما قيل يوما في عسكرة المصطلحات وتشويه المفاهيم.

* اللافت في الأمر أنك تجد استخداما لتعبير "المشروع الإيراني" في سياقات غربية أيضا، ولكن بمعنى مختلف تماما، فالعبارة تُستخدم تسمية لمجموعات بحثية أو مراكز دراسية مختصة بالشأن الإيراني. ومهما بلغ التلوث السياسي لهذه الدوائر، فأدواتها معرفية في النهاية، وهي تفعل النقيض الأقصى لما نفعله نحن بمصطلح "المشروع الإيراني" لأننا نستخدمه بالضد على المعرفة ولسدّ أي طريق علمي إليها بتحويلها شتيمة سياسية وأداة مشاغبة.

* وسط هذا الضباب، تسمع شكوى أحيانا من غياب "المشروع العربي" في وجه "المشروع الإيراني". ومرة أخرى تجد نفسك أمام ذات السؤال، ما المقصود بالمشروع العربي؟ المسألة الآن أشد صعوبة لأنها تخص مشروعا يدّعي ذاكروه أنه غائب أصلا. هل المقصود هو الشكوى المواربة من غياب الوحدة العربية؟ إن كانت كذلك فعبارة "المشروع العربي" تغدو بثّا وجدانيا خجولا لا يملك حتى جرأة البوح عن مضمونه الفعلي، وعليه لا تستحق التفاتا كثيرا. الواقع أن التفجّع الإنشائي للمثقفين العرب على غياب "المشروع العربي" هو اعتصام موارب بأبراج العاج وانفصال عن الواقع. هناك "مشاريع" عربية (إن كنا ملزمين بهذه المفردة). والمسألة تتعلق بقراءة المرء لها وتموضعه ضمن خارطتها؛ إنكارُ وجودها هو إعفاء للمرء من مشقة المفاضلةوإن لم يكن "المشروع العربي" رديفا مواربا للوحدة العربية، فهل يمكن لدولة عربية بعينها أن تكون صاحبة "المشروع العربي"؟ إن كان الأمر كذلك، فنحن نملك اليوم جمهرة مشاريع عربية، وليس مشروعا واحدا. وها نحن الآن عند زاوية جديدة لنطلّ على مفردتنا العجيبة المدعوة "بالمشروع".. على المصطلح الذي حشوَتُه من قشّ، ويحكي انتفاخا صولة المفهوم لكنه بلا كتلة حقيقية لأنه -في جوهره وأصلِ اختراعِه- أداةُ دعاية لا أداة قراءة.

* الواقع أن التفجّع الإنشائي للمثقفين العرب على غياب "المشروع العربي" هو اعتصام موارب بأبراج العاج وانفصال عن الواقع. هناك "مشاريع" عربية (إن كنا ملزمين بهذه المفردة). والمسألة تتعلق بقراءة المرء لها وتموضعه ضمن خارطتها؛ إنكارُ وجودها هو إعفاء للمرء من مشقة المفاضلة، وركون لعدمية سياسية تتظاهر أنها لن تقبل بأقل من مشروع تامٍّ يأتي لهذه الأمة على ظهر فرس أبيض (أو دبابة أمريكية كما يراهن البعض).

* إن كانت الأهلية للقب "المشروع العربي" تنطلق من تعلقها بفكرة تحرر عربية تتجاوز محددات القُطرية وانقسامات الطوائف، فالأكيد أن طوفان الأقصى هو رأس "المشروع العربي". هذا "مشروعٌ" حقيقي قائم، وليس فكرة في كتاب، ولا حشوة صوتية في ندوة؛ الطوفان الذي عبر حدودا طائفية ظنّ البعض عبورها مستحيلا، ورسم قوسا قتاليا عربيا نبع من غزّة، وذرع المسافة من صنعاء وحتى جبل عامل، وأسس لمفهوم "الطوفان" بوصفه فكرة ونهجا ومشروعا: فعل عسكري فائق، لا يكسر الجمود وحسب، بل يحرك التاريخ ويعيد خلق الوعي، ويفتح للفكرة العربية الإسلامية أهم بابٍ عرفته منذ عقود.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه الإيراني المصطلحات مشاريع إيران العالم العربي مشاريع مصطلحات مقالات مقالات مقالات صحافة سياسة سياسة رياضة سياسة سياسة سياسة اقتصاد سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة المشروع الإیرانی المشروع العربی عن المشروع

إقرأ أيضاً:

محمود عصمت: الربط الكهربائي بين مصر والسعودية نواة لمشروع عربي

أجرى الدكتور محمود عصمت، وزير الكهرباء والطاقة المتجددة، اليوم زيارة ميدانية إلى محطة الربط المصري السعودي جهد 500 كيلو فولت تيار مستمر بمدينة بدر، وتهدف الزيارة إلى تفقد أعمال تركيب المحولات بالمحطة، التي تُعد الأولى من نوعها في منطقة الشرق الأوسط من حيث الحجم وتكنولوجيا التصنيع والتشغيل والاستخدام على خطوط الربط مع الشبكات الكهربائية.

جاء ذلك بحضور المهندسة صباح مشالى نائب الوزير والمهندس جابر دسوقى رئيس الشركة القابضة لكهرباء مصر، والمهندسة منى رزق رئيس الشركة المصرية لنقل الكهرباء، ومشاركة مديري المشروع، والاستشاري، ومسئولي الشركات القائمة على التنفيذ، وفريق العمل المسئول عن مشروع الربط الكهربائي المصرى السعودى بقدرة 3000 ميجاوات.

تكثيف العمل وزيادة عدد الورادى

واستعرض «عصمت» الوضع الراهن للمشروع ومعدلات تنفيذ الأعمال والمخطط الزمنى ومواعيد تسليم المراحل المختلفة في إطار مخطط تشغيل الخط، وربطه مع الشبكة الموحدة، وكذلك خطة العمل الحالية ومراجعة تنفيذ ما تم التوجيه به خلال الزيارات السابقة وموقف وصول المعدات وفتح الاعتمادات وحجم تنفيذ الأعمال ومدى توافق ذلك مع المخطط الزمني، وكذلك التعاون والتنسيق بين كافة الأطراف المعنية لتكثيف العمل وزيادة عدد الورادي والانتهاء من الأعمال الفنية الخاصة بارتفاع الأبراج فى مناطق المرتفعات المحيطة بالمطارات وعبور خطوط البترول وقناة السويس وبعض المناطق الأخرى فى مسار خط الربط.

ووجه بتذليل كافة العقبات والمعوقات، مطالبا بضرورة الالتزام بإنهاء المشروع وبدء التشغيل مطلع الصيف المقبل كأحد أهم المحاور لضمان استقرار الشبكة ومواجهة الأحمال المرتفعة المتوقعة، مشيرًا إلى المتابعة المستمرة من القيادة السياسية لمستجدات تنفيذ مشروع خط الربط المصرى السعودى، واجتماع الدكتور مصطفى مدبولي رئيس مجلس الوزراء بالشركات القائمة على التنفيذ لمتابعة المستجدات.

خطة شاملة ومتكاملة لرفع كفاءة منظومة الطاقة

وشدد على وجود رؤية واضحة تشمل خطة شاملة ومتكاملة لرفع كفاءة منظومة الطاقة وإيجاد حلول عاجلة ومستدامة لاستقرار الشبكة الموحدة وتحسين جودة الخدمة، مشيرا إلى الاعتماد على الطاقات المتجددة ورفع كفاءة تشغيل محطات التوليد وخفض استخدام الوقود وإيجاد حلول عملية للفقد فى شركات التوزيع.

وأوضح ضرورة استمرار المتابعة الميدانية لإنهاء مشروع الربط الكهربائي مع السعودية والالتزام بالخطة الزمنية فى ضوء توجيهات الرئيس عبدالفتاح السيسي، مضيفا أن المشروع يهدف الى استغلال الاختلاف فى وقت حدوث ذروة الحمل بين شبكتي البلدين بما فى ذلك من تعظيم الاستفادة من قدرات التوليد فى مصر والسعودية وخفض معدلات استهلاك الوقود والتشغيل الاقتصادى للشبكة، موضحًا أن هذا المشروع يعد ربطا بين أكبر شبكتين كهربائيتين في المنطقة ونواة لربط كهربائي عربى شامل فى المستقبل وفتح المجال لسوق عربية مشتركة فى مجال الكهرباء والطاقة ، وهو مايؤدي إلى استقرار وزيادة اعتمادية التغذية الكهربائية بين البلدين بالإضافة إلى حجم المردود الاقتصادى والتنموى.

مقالات مشابهة

  • محمود عصمت: الربط الكهربائي بين مصر والسعودية نواة لمشروع عربي
  • تفاصيل أول مشروع طاقة شمسية عائم في مصر
  • صواري| كلمة إسكندرانية تتصدر ترند «إكس».. ما حكايتها؟
  • مركز الملك سلمان يحل أزمة نقص المياه في ذوباب بتعز
  • العكّاري: التحول إلى الدفع الإلكتروني مشروع وطني استراتيجي يحتاج إلى دعم من المواطن
  • قوى 8 آذار: الواقع العربي جيد
  • قطر تطلق مشروعا سياحيا بـ3 مليارات دولار
  • علي بن تميم: مشروع "كلمة" يؤسس لنهضة عربية في فروع المعرفة
  • نفسي أحج.. حكاية أم أحمد صاحبة مشروع بيع مشروبات على عربية في وسط البلد
  • الحكومة تستعرض مستجدات مشروع الربط الكهربائي بين مصر واليونان