عربي21:
2024-07-01@16:35:21 GMT

مصطلحات القشّ.. عما يُسمّى المشروع الإيراني

تاريخ النشر: 17th, May 2024 GMT

* كثير مما يُكتب في الشأن العربي لا يخبرك كثيرا عن الشأن العربي، بل أكثر من ذلك؛ كثير من كتابات هذا الشأن تخبرك عن كاتبها أكثر بكثير مما تخبرك عن الموضوع. قلائل مَن يحفظون للكتابة مهمّتها الأمّ: مسودة تفكير في الواقع، ومحاولة مخطوطة لتجاوز الظاهر. وعندما تتوه الكتابة عن مهمتها تلك تنتهي تضخيما صوتيا لمواقف، وشيئا من صنف الدعاية.

لا يعني هذا أنها بلا قيمة فهي شاهد حينها على تمترسات اللاعبين (أو المتفرجين) وخارطةٌ لتحزب الأطراف، لكن يبقى هذا حدُّها وآخِر مكان تأخذك إليه.

* أمام أدب الكتابة الدعائية (كما يمكن له أن يُسمّى)، لا تحتاج غوصا عميقا فيما يقال، ويكفي أن ترصد تعبيرا بعينه وقد ملأ الشاشات وتناسل كالجراد على ألسنة الناس. "المشروع الإيراني" واحدة من هذه التعابير وأكثرها انتشارا في أيامنا هذه، ولطالما راودني الفضول حول هذا المصطلح: لأي حدّ يتفق مستخدموه في فهمهم له، وهل هم على بيّنةٍ من أمره حقا؟ هل يستحضرون -ولو في أذهانهم- مقصدا واضحا منه؟ شواهدُ كثيرة توحي أن الإجابة هي بالنفي وأن شيوع المصطلح لا يعني وضوحه أبدا، بل ربما يعني العكس أحيانا. وهنا طبعا سحر المصطلحات؛ أن استخدامها ليس مشروطا بفهمها ولا بوجود دلالة دقيقة لها، ويكفيك لتداولها أن تدرك جَوّها العام وتراهن أن أحدا لن يستجوبك لاحقا عما تقصد.

"المشروع الإيراني" واحدة من هذه التعابير وأكثرها انتشارا في أيامنا هذه، ولطالما راودني الفضول حول هذا المصطلح: لأي حدّ يتفق مستخدموه في فهمهم له، وهل هم على بيّنةٍ من أمره حقا؟
* يكفي شاهدا على فوضى الدلالة أن ترى المصطلح حاضرا في أدبيات يستحيل على أصحابها أن يَصدروا فيها عن فهمٍ واحد. مثال بسيط: في كتابه المعنون "المشروع الإيراني الصفوي الفارسي" (والعنوان يكفي لبيان طبيعة المحتوى) يقول الكاتب محمد يوسف أن هدف "المشروع الإيراني" هو "هدم الإسلام" و"إخراج أهل السنة من دينهم". ضع الآن هذه الرؤية أمام استخدام اليمين الانعزالي بلبنان (القوات والكتائب) لتعبير "المشروع الإيراني"، وسيظهر بوضوح أن الطرفان يقصدان أشياء مختلفة جدا حتى وإن تطابق العنوان والمسمى.

* هل المشروع الإيراني هو مشروع إيران النووي، أم أنه مشروع تصدير الثورة الإسلامية، أم مشروع تمتين الجمهورية وفرض سيادتها، أم نشر الفوضى في المحيط، أم تمكين حلفاء في الإقليم، أم حماية النظام وتحصينه من عدوانية الغرب؟ أم كل هذا أم بعضه؟ أم ماذا تماما؟ وحتى لا يكون الأمر تسفيها بكثرة الاقتراحات، يجوز القول أن القاسم الأدنى في كل المعاني الممكنة لعبارة المشروع الإيراني هو تطوير قوة الدولة وتحصينها وزيادة نفوذها في جوارها الإقليمي. بهذا المعنى، فأي الدول في هذا العالم لا تملك مشروعا؟ لماذا لا نسمع كلاما كثيرا عن المشروع السعودي، وعن المشروع الإماراتي وعن المشروع القطري، وعن المشروع الجزائري؟ حتى في كلامنا المتعلق بالهيمنة الأمريكية على المنطقة العربية، لا يبدو أن أحدا يتحدث عن "المشروع الأمريكي". لماذا صار لفظ "المشروع" مخصصا بأغلبه لدولة بعينها؟ ولماذا تتحول بدهية العمل لزيادة قوة الكيانات "مشروعا" يُصوّر استثناء رهيبا يحفّه الشر؟

* في أغلب استخداماته، "المشروع الإيراني" هو إعلان مختصر عن العداء لإيران، وهو مستقدم على الأرجح من تعبير "المشروع الصهيوني" ضمن المجهود المعروف لإزاحة العداء من الدولة العبرية صوب سواها، وإسقاط معجم الصراع ضد الصهيونية على الصراعات الإقليمية والأهلية. ليست المشكلة هنا، فتمرير المواقف وبثّ التمترسات تحت زخرف التحليل (ومصطلحاته الغامضة) ليس جديدا؛ المشكلة هي في التعطيل الذي يمارسه النشر الأعمى لتعابير كهذه على إمكانات التفكير؛ أي عندما يتحول جوّ المصطلح النفسي إلى مسلّمةٍ سياسية بالتدريج، ويغدو "المشروع الإيراني" قاعدة يبدأ التفكير من بعدها لا مسألة يحصل التفكير فيها ومن عندها. يذكّرني كل هذا بعبارة رائقة كتبها مهدي عامل ذات مرة -وهو سيد من سادة العبارات الرائقة- تحدث فيها عن "تغلّب منطق الإنشاء على منطق الأشياء"، وهذا أبلغ ما قيل يوما في عسكرة المصطلحات وتشويه المفاهيم.

* اللافت في الأمر أنك تجد استخداما لتعبير "المشروع الإيراني" في سياقات غربية أيضا، ولكن بمعنى مختلف تماما، فالعبارة تُستخدم تسمية لمجموعات بحثية أو مراكز دراسية مختصة بالشأن الإيراني. ومهما بلغ التلوث السياسي لهذه الدوائر، فأدواتها معرفية في النهاية، وهي تفعل النقيض الأقصى لما نفعله نحن بمصطلح "المشروع الإيراني" لأننا نستخدمه بالضد على المعرفة ولسدّ أي طريق علمي إليها بتحويلها شتيمة سياسية وأداة مشاغبة.

* وسط هذا الضباب، تسمع شكوى أحيانا من غياب "المشروع العربي" في وجه "المشروع الإيراني". ومرة أخرى تجد نفسك أمام ذات السؤال، ما المقصود بالمشروع العربي؟ المسألة الآن أشد صعوبة لأنها تخص مشروعا يدّعي ذاكروه أنه غائب أصلا. هل المقصود هو الشكوى المواربة من غياب الوحدة العربية؟ إن كانت كذلك فعبارة "المشروع العربي" تغدو بثّا وجدانيا خجولا لا يملك حتى جرأة البوح عن مضمونه الفعلي، وعليه لا تستحق التفاتا كثيرا. الواقع أن التفجّع الإنشائي للمثقفين العرب على غياب "المشروع العربي" هو اعتصام موارب بأبراج العاج وانفصال عن الواقع. هناك "مشاريع" عربية (إن كنا ملزمين بهذه المفردة). والمسألة تتعلق بقراءة المرء لها وتموضعه ضمن خارطتها؛ إنكارُ وجودها هو إعفاء للمرء من مشقة المفاضلةوإن لم يكن "المشروع العربي" رديفا مواربا للوحدة العربية، فهل يمكن لدولة عربية بعينها أن تكون صاحبة "المشروع العربي"؟ إن كان الأمر كذلك، فنحن نملك اليوم جمهرة مشاريع عربية، وليس مشروعا واحدا. وها نحن الآن عند زاوية جديدة لنطلّ على مفردتنا العجيبة المدعوة "بالمشروع".. على المصطلح الذي حشوَتُه من قشّ، ويحكي انتفاخا صولة المفهوم لكنه بلا كتلة حقيقية لأنه -في جوهره وأصلِ اختراعِه- أداةُ دعاية لا أداة قراءة.

* الواقع أن التفجّع الإنشائي للمثقفين العرب على غياب "المشروع العربي" هو اعتصام موارب بأبراج العاج وانفصال عن الواقع. هناك "مشاريع" عربية (إن كنا ملزمين بهذه المفردة). والمسألة تتعلق بقراءة المرء لها وتموضعه ضمن خارطتها؛ إنكارُ وجودها هو إعفاء للمرء من مشقة المفاضلة، وركون لعدمية سياسية تتظاهر أنها لن تقبل بأقل من مشروع تامٍّ يأتي لهذه الأمة على ظهر فرس أبيض (أو دبابة أمريكية كما يراهن البعض).

* إن كانت الأهلية للقب "المشروع العربي" تنطلق من تعلقها بفكرة تحرر عربية تتجاوز محددات القُطرية وانقسامات الطوائف، فالأكيد أن طوفان الأقصى هو رأس "المشروع العربي". هذا "مشروعٌ" حقيقي قائم، وليس فكرة في كتاب، ولا حشوة صوتية في ندوة؛ الطوفان الذي عبر حدودا طائفية ظنّ البعض عبورها مستحيلا، ورسم قوسا قتاليا عربيا نبع من غزّة، وذرع المسافة من صنعاء وحتى جبل عامل، وأسس لمفهوم "الطوفان" بوصفه فكرة ونهجا ومشروعا: فعل عسكري فائق، لا يكسر الجمود وحسب، بل يحرك التاريخ ويعيد خلق الوعي، ويفتح للفكرة العربية الإسلامية أهم بابٍ عرفته منذ عقود.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه الإيراني المصطلحات مشاريع إيران العالم العربي مشاريع مصطلحات مقالات مقالات مقالات صحافة سياسة سياسة رياضة سياسة سياسة سياسة اقتصاد سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة المشروع الإیرانی المشروع العربی عن المشروع

إقرأ أيضاً:

“الشؤون الإسلامية” تطلق مبادرة مشروع “وقف حجاج الإمارات”

 

 

 

 

أطلقت الهيئة العامة للشؤون الإسلامية والأوقاف والزكاة مشروع “وقف حجاج الإمارات”، في إطار مبادراتها للارتقاء بالوقف وتنويع مصادره وتوسيع مصارفه ليؤدي دوره الحضاري في المجتمع.

ودشنت الهيئة المشروع بتخصيص سهم وقفي هدية لكل حاج من حجاج الإمارات الذين وفقهم الله لأداء هذا الركن العظيم هذا العام، كصدقة جارية لهم وأجر مستدام لا ينقطع، وأرسلت لهم رسائل نصية بذلك وأتاحت لهم المجال لمن أراد التبرع في هذا المشروع الوقفي.

وهنأ سعادة الدكتور عمر حبتور الدرعي، رئيس الهيئة حجاج الدولة بعودتهم لأرض الوطن عقب أداء الفريضة، مشيرا إلى أن هذه الهدية من الهيئة للحجاج تعكس مدى تقدير دولتنا وقيادتها الرشيدة لحجاج الدولة، داعيا الله العلي القدير أن يمتع صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة “حفظه الله”والقيادة الرشيدة بالصحة والعافية ، مشيدا بدعمها الكبير للهيئة ولمكتب شؤون حجاج دولة الإمارات وتمكينه من تقديم أفضل الخدمات لحجاج الدولة في الأراضي المقدسة.

وأكد الدكتور الدرعي حرص الهيئة على إشراك كل أفراد المجتمع في أعمال الخير كسبا للثواب والأجر، من خلال توفير منصات خيرية تمكنهم من وقف أموالهم في مختلف المشاريع التي تحقق السعادة للشعوب، مشيرا إلى أن إطلاق هذا المشروع يعد مبادرة تضاف إلى مصارف الوقف المتنوعة لدى الهيئة والموجهة لخدمة شرائح المجتمع.وام


مقالات مشابهة

  • مصطلحات إسلامية: الحاكمية والسيادة
  • ٤ دول عربية تشارك في حدث الموضة الأول IFA
  • رئيس الوزراء يوجّه بحسم الاستملاكات على طول مسار (مشروع طريق التنمية)
  • صور| مشروع ابنتي الغالية يستعرض أنشطته بأصفون جنوب الأقصر
  • رحلة سليمان البحري.. بناء حلم في جبال قرية «العلياء»
  • الأرشيف والمكتبة الوطنية يعلن نتائج مشروع «قياس أثر البرامج التعليمية على الأجيال»
  • أمانة المدينة المنورة تطرح فرصة استثمارية لإنشاء مشروع فندقي
  • توضيح جديد حول انبوب بصرة – حديثة: تنموي وسيرفد الاقتصاد العراقي
  • المشروع 2025.. خطة ترامب لحكم أميركا مجددا
  • “الشؤون الإسلامية” تطلق مبادرة مشروع “وقف حجاج الإمارات”