تقنيات جديدة وذكاء اصطناعي يتوسط ساحة الحرب على غزة.. ولكن هل حقق المطلوب؟
تاريخ النشر: 17th, May 2024 GMT
222 يوما مضت منذ أن بدأت قوات الاحتلال عدوانها على قطاع غزة، خلالها استشهد آلاف المدنيين من سكان القطاع إلى جانب موجة عارمة من الدمار الذي حوّل القطاع إلى أرض جرداء يصعب العيش فيها، ورغم أن إسرائيل اعتادت استخدام التقنيات الحديثة في جهودها العسكرية، إلا أنها تطرقت إلى العديد من التقنيات الفريدة في هذه الحرب تحديدا، وهي تقنيات ساهمت في زيادة الأضرار والدمار الناتج.
وتنوعت التقنيات التي تم استخدامها كما تنوعت الأهداف والنتائج من هذا الاستخدام، إذ كانت بعضها تقنيات دفاعية كما ادعى ممثلو جيش الاحتلال، بينما كان الآخر مخصصا للهجوم بشكل مباشر على المواطنين في القطاع.
وتختلف هذه التقنيات عن تقنيات الأسلحة المعتادة التي تتاح لإسرائيل مثل الصواريخ الموجهة أو الدبابات التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي والقبة الحديدة، إذ إن هذه التقنيات موجودة قبل بدء الحرب الأخيرة.
حضور طاغٍ للذكاء الاصطناعياستقر الذكاء الاصطناعي في منتصف جهود إسرائيل في الحرب على القطاع، وذلك عبر دمجه في منتصف عملياتها وإرفاقه بالأسلحة المتنوعة التي اعتمدت عليه لتعزيز أداء الجنود، وفي مقدمة هذه الأسلحة كانت دبابة "إيتان إيه بي سي" (Eitan APC)، وهي تعتمد على كوكبة من المستشعرات القادرة على مراقبة محيطها بشكل دائم وتنبيه الجنود داخلها.
كما حصلت عدة مدرعات إسرائيلية على "منظومة كأس الحماية النشطة" (Trophy Active Protection System) التي أنتجتها شركة "رافال" (Rafael) مطلع هذا العام، وهي أيضا تعمل على حماية المدرعة عبر مراقبة محيطها وإرسال التنبيهات.
الدور الأكبر الذي لعبه الذكاء الاصطناعي كان عبر استخدام المسيّرات التي كان لها دور في رسم خرائط الأنفاق التي تستخدمها المقاومة في الهجمات المباغتة، وهي الهجمات ذاتها التي تمكّنت من التغلب على أنظمة الذكاء الاصطناعي المدمجة في المدرعات.
و"بشكل عام، تمتلك الحرب في غزة العديد من التهديدات والعقبات، ولكنها أيضا تقدم لنا فرصا لاختبار التقنيات الناشئة في المجال العسكري"؛ هكذا وصف آفي حسون المدير التنفيذي لحاضنة الأعمال الإسرائيلية "نيشين سينترال" (Nation Central) أثناء مقابلته مع وكالة الأنباء الفرنسية مؤخرا، وأتبع كلامه قائلا: "تشهد هذه الحرب استخدام تقنيات عديدة للمرة الأولى في التاريخ".
إسرائيل لم تكن الوحيدة التي استفادت من تقنيات الذكاء الاصطناعي والمسيرات عن بعد، إذ اعتمدت عليها حماس أيضا في مقاومة الغزو الإسرائيلي وتوجيه العديد من الضربات القاسية، كان في مقدمتها هجوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي الذي تمكن من اختراق القبة الحديدة الشهيرة، إلى جانب العديد من الهجمات على المدرعات والجنود الإسرائيليين.
الدور الأكبر الذي لعبه الذكاء الاصطناعي كان عبر استخدام المسيّرات (غيتي) "واتساب" لتحديد الأهداف بدقةربما كان استخدام جيش الاحتلال لتطبيق "واتساب" الشهير للتواصل الاجتماعي أحد أبرز تقنيات الهجوم الإسرائيلي، إذ استطاع الجيش عبر الوصول إلى رسائل "واتساب" وخاصية تحديد الأماكن فيه معرفة موقع الشخص الذي يستخدمه لتبدأ منظومة الاستهداف عبر الذكاء الاصطناعي المدعوة "لافندر" (Lavender) بتوجيه الضربات على هذه المنازل.
بالطبع نفت إدارة "واتساب" هذا الاستخدام مؤكدةً على كونه أداة في الحياد وأنه لم يشارك بأي شكل من الأشكال في الحرب، ولكن تقارير عدة تشير إلى هذا الاستخدام من ضمنها تقرير "بول بيجار" من موقع "تيك فور بلاستاين" (Tech For Palestine).
وأدانت العديد من المنظمات الحقوقية استخدام "واتساب" لاستهداف المدنيين في فلسطين، وذلك لأنه لا يفرق بين طفل أو عجوز أو مقاتل فضلا عن خطورة تسريب بيانات سرية من المنصة رغم ادعائها المستمر بكونها منصة مجانية تحمي بيانات المستخدمين.
المستخدمون وصانعو المحتوى المناصرون للقضية الفلسطينية وجدوا حلولا للالتفاف حول خوارزميات "ميتا" والتغلب عليها (غيتي) دور نشط لـ"ميتا"تعود ملكية منصة "واتساب" إلى شركة "ميتا- فيسبوك سابقا"، ورغم محاولات المنصة مرارا وتكرارا التأكيد على حياديتها، إلا أنها اتخذت الجانب الإسرائيلي وأصبحت ذراعه الإعلامي من أجل التعتيم الإعلامي ونشر العديد من الأخبار الخاطئة.
واتخذت "ميتا" عدة خطوات للتأكد من عدم انتشار القضية في منصتها أو دعم القضية، وذلك عبر إيقاف الوصول للمنشورات التي تتحدث عن القضية وجرائم الحرب في قطاع غزة.
ولم تكتف الشركة بذلك، إذ توسع دورها لتقوم بحظر أي مستخدم يشير إلى الحرب على القطاع حتى وإن كانت إشارة غير مباشرة، وذلك عبر جميع منصات الشركة بما فيها "فيسبوك" و"إنستغرام".
ووجد المستخدمون وصانعو المحتوى حلولا للالتفاف حول خوارزميات "ميتا" والتغلب عليها، وذلك عبر وضع النقاط بين الحروف أو إزالة النقاط من الجمل تماما لتصبح غير مقروءة للآلة ولكن مقروءة بسهولة للبشر.
خداع أنظمة "تحديد المواقع الجغرافية" (GPS)عمدت بعد ذلك إسرائيل لحماية مواطنيها بشكل أفضل عبر استخدام منظومة عالمية لخداع شبكة تحديد المواقع بدقة "جي بي إس" (GPS)، لتظهر المنشآت الحساسة الخاصة بها والمستخدمين والطائرات في حدود لبنان بعيدا عن موقعها الحقيقي في إسرائيل.
تود همفريز -وهو أستاذ في جامعة تكساس للهندسة الجوية- يرى أن استخدام تقنيات خداع "جي بي إس" بدلا من التشويش عليه بشكل كامل هو أمر غير مسبوق ولم تقم أي دولة باستخدامه سابقا فضلا عن كونها دولة حليفة للولايات المتحدة الأميركية، وأشار إلى أن روسيا اتخذت طريقا مشابها عبر تشويش إشارات الشبكة بشكل كامل في أوكرانيا، ولكنها لم ترتق لمثل ما فعلته إسرائيل.
رغم ترسانة جيش الاحتلال من الأسلحة التقنية القادرة على ردع المقاومة بشكل سريع، فإنها لا تزال غير قادرة على حسم المعركة (وكالة الأنباء الأوروبية) جهود بدون طائلتزخر ترسانة جيش الاحتلال بالعديد من الأسلحة التقنية القادرة على ردع المقاومة بشكل سريع، أو هكذا ظنت قياداته، إذ أثبت مقاتلو قطاع غزة عبر استخدام تقنيات أكثر بدائية وبساطة من مثيلتها الإسرائيلية أنهم عقبة لا يمكن تخطيها بسهولة مهما كانت التقنيات المستخدمة.
ورغم محاولات "ميتا" المستمرة لقمع الأخبار والتعتيم الإعلامي، إلا أن هذا لم يكن كافيا لمنع المعلومات من الوصول إلى جميع دول العالم وحتى الجامعات الأميركية التي شهدت في الآونة الأخيرة موجة من الاحتجاجات على جرائم الحرب المرتكبة في غزة.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: ترجمات حريات الذکاء الاصطناعی جیش الاحتلال عبر استخدام العدید من وذلک عبر
إقرأ أيضاً:
الكرسي الرسولي: الذكاء الاصطناعي فرصة لكن الإنسان يخاطر بأن يصبح عبدا للآلات
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
تشكل تحذيرات البابا فرنسيس حول الذكاء الاصطناعي في السنوات الأخيرة الخطوط العريضة لمذكرة "Antiqua et nova"، وهي مذكرة حول العلاقة بين الذكاء الاصطناعي والذكاء البشري الناتجة عن التفكير المتبادل بين دائرة عقيدة الإيمان ودائرة الثقافة والتربية وثيقة موجهة إلى جميع المدعوين إلى التربية ونقل الإيمان، وإنما أيضًا إلى الذين يشاركون في الحاجة إلى تطور علمي وتكنولوجي "في خدمة الإنسان والخير العام".
في ١١٧ فقرة، تسلط المذكرة "Antiqua et nova"، الضوء على تحديات وفرص تطور الذكاء الاصطناعي في مجالات التعليم والاقتصاد والعمل والصحة والعلاقات وسياقات الحرب. في هذا المجال الأخير، على سبيل المثال، يمكن أن تؤدي إمكانات الذكاء الاصطناعي إلى زيادة موارد الحرب "إلى ما هو أبعد من متناول البشر"، الأمر الذي يسرِّع "سباق تسلح مزعزع للاستقرار مع عواقب مدمرة لحقوق الإنسان" .
بشكل مفصَّل، تسرد الوثيقة مخاطر الذكاء الاصطناعي وإنما أيضًا التقدم الذي يشجعه باعتباره "جزءًا من تعاون" الإنسان مع الله ولكنها مع ذلك، لا تخفي القلق الذي يرافق جميع الابتكارات التي لا يمكن التنبؤ بآثارها تم تخصيص عدة فقرات من المذكرة للتمييز بين الذكاء الاصطناعي والذكاء البشري. ومن "المُضلِّل"، كما نقرأ، استخدام كلمة "ذكاء" في الإشارة إلى الذكاء الاصطناعي لأنّه ليس "شكلاً اصطناعيًا من أشكال الذكاء"، بل هو "أحد منتجاته"
ومثل أي منتج من منتجات الإبداع البشري، يمكن للذكاء الاصطناعي أيضًا أن يكون موجهًا نحو "غايات إيجابية أو سلبية". يمكن للذكاء الاصطناعي أن يقدم "ابتكارات مهمة"ولكنه أيضًا قد يؤدي إلى تفاقم حالات التمييز والفقر والفجوة الرقمية وعدم المساواة الاجتماعية ما يثير "المخاوف الأخلاقية" هو حقيقة أن "الجزء الأكبر من السلطة على التطبيقات الرئيسية للذكاء الاصطناعي تتركز في أيدي عدد قليل من الشركات القوية" ، وهكذا ينتهي الأمر بالتلاعب بهذه التكنولوجيا من أجل تحقيق "مكاسب شخصية أو مكاسب الشركات" .
بالإشارة إلى الحروب، تسلّط المذكرة الضوء على أن أنظمة الأسلحة المستقلة والفتاكة القادرة على "تحديد الأهداف وضربها بدون تدخل بشري مباشر" هي "سبب خطير للقلق الأخلاقي" في الواقع، دعا البابا فرنسيس إلى حظر استخدامها لأنها تشكل تهديدًا حقيقيًا "لبقاء البشرية أو مناطق بأكملها" إن هذه التقنيات.
كما تُندِّد المذكرة "Antiqua et nova"، "تمنح الحرب قوة تدميرية لا يمكن السيطرة عليها وتؤثر على العديد من المدنيين الأبرياء، بدون أن تستثني حتى الأطفال". وفيما يتعلق بالعلاقات الإنسانية، تشير الوثيقة إلى أن الذكاء الاصطناعي يمكنه أن يقود إلى "عزلة ضارة" وأن "تشبيه الذكاء الاصطناعي بالإنسان" يطرح مشاكل لنمو الأطفال وأن تمثيل الذكاء الاصطناعي كشخص هو "انتهاك أخلاقي خطير" إذا ما استخدم ذلك لأغراض احتيالية. تمامًا كما أن استخدام الذكاء الاصطناعي للخداع في سياقات مثل التعليم والعلاقات والجنس هو أمر "غير أخلاقي ويتطلب يقظة حذرة" .
هذه اليقظة عينها تُطلب في المجال الاقتصادي والمالي. في مجال العمل بشكل خاص، يمكننا أن نلاحظ أنه في حين أن الذكاء الاصطناعي لديه "إمكانية" زيادة المهارات والإنتاجية من ناحية، يمكنه من ناحية أخرى أن "ينقص من مهارات العمال، ويخضعهم للمراقبة الآلية ويحيلهم إلى وظائف جامدة ومتكررة" .
كذلك تخصص المذكرة "Antiqua et nova"، مساحة واسعة لمسألة الرعاية الصحية. مع التذكير بالإمكانات الهائلة في مختلف التطبيقات في المجال الطبي، وتحذِّر المذكرة في هذا السياق من أنه إذا حل الذكاء الاصطناعي محل العلاقة بين الطبيب والمريض، فسيخاطر "بتفاقم" الوحدة التي غالبًا ما ترافق المرض. كما تنبّه المذكرة أيضًا من تعزيز "طبٍّ للأغنياء"، يستفيد فيه الأشخاص الذين لديهم إمكانيات مالية من الأدوات المتقدمة، بينما لا يستطيع الآخرون الحصول حتى على الخدمات الأساسية.
وتبرز المخاطر أيضًا في مجال التعليم. إذا تم استخدام الذكاء الاصطناعي بحذر، يمكن للذكاء الاصطناعي أن يحسن الحصول على التعليم ويقدم "إجابات فورية" للطلاب وتكمن المشكلة في أن العديد من البرامج "لا تقدم سوى إجابات بدلاً من أن تدفع الطلاب إلى البحث عنها بأنفسهم، أو كتابة النصوص بأنفسهم"؛ الأمر الذي يؤدي إلى عدم تطوير فكرٍ نقدي ناهيك عن كمية "المعلومات المشوهة أو المفبركة" و"الأخبار المزيفة" التي يمكن أن تولدها بعض البرامج وفيما يتعلق بموضوع الأخبار المزيّفة، تحذر المذكّرة من الخطر الجسيم المتمثل في "توليد الذكاء الاصطناعي لمحتوى تم التلاعب به ومعلومات كاذبة" ، والتي يتم نشرها بعد ذلك "للخداع أو الإضرار".
وجاء النداء في هذا السياق "للحرص دائمًا على التحقق من صحة" ما يتم نشره وتجنب "مشاركة الكلمات والصور التي تحط من قدر الإنسان"، واستثناء "ما يؤجج الكراهية والتعصب" أو يحط من "حميمية الجنس".
فيما يتعلق بالخصوصية والرقابة، تشير المذكرة إلى أن بعض أنواع البيانات يمكنها أن تصل إلى حد "المساس حتى بضمير الشخص" ، مع خطر أن يصبح كل شيء "نوعًا من المشاهد التي يمكن التجسس عليها" كما "يمكن استخدام المراقبة الرقمية لممارسة السيطرة على حياة المؤمنين وتعبيرهم عن إيمانهم" أما فيما يتعلق بموضوع الخليقة، فتُعتبر تطبيقات الذكاء الاصطناعي لتحسين العلاقة مع البيت المشترك "واعدة". في الوقت عينه، تتطلب نماذج الذكاء الاصطناعي الحالية "كميات هائلة من الطاقة والمياه وتساهم بشكل كبير في انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، فضلاً عن كونها كثيفة الاستخدام للموارد".
وأخيراً، تحذر المذكرة من خطر أن يصبح البشر "عبيداً لعملهم". ومن هنا تأتي التوصية: "ينبغي استخدام الذكاء الاصطناعي فقط كأداة مكملة للذكاء البشري وليس بديلاً لغناه".