خطبتا الجمعة من المسجد الحرام والمسجد النبوي
تاريخ النشر: 17th, May 2024 GMT
المناطق – واس
أوصى فضيلة إمام وخطيب المسجد الحرام الشيخ الدكتور بندر بليلة، المسلمين بتقوى الله سبحانه وتعالى بالإكثار من الطاعات فالحياةُ الدنيا متاعٌ، وأنَّ الآخرةَ هي دارُ القرارِ.
وقال فضيلته في خطبة الجمعة التي ألقاها اليوم بالمسجد الحرام: إنَّ اللهَ اصطفى من أيَّامِهِ أوقاتاً وأزماناً، واختارَ من أكوانِهِ بُقعةً ومكاناً، فشاءَ سبحانه بعلمِهِ وأرادَ بحكمتِهِ أن يجعلَ مكَّة المكرمةَ خيرَ البقاعِ عندَهُ، وأكرمَهَا عليهِ، وأحَبَّها إليهِ، فعن عبدِ الله بنِ عَدِيٍّ بنِ حَمْرَاءَ، قال: رأيتُ رسولَ الله واقفًا على الحَزْوَرَةِ (هو اسمُ مَوضعٍ بمكَّةَ كان به سُوقٌ )، فقال: «واللهِ إنَّكِ لـخَيرُ أرضِ اللهِ، وأحبُّ أرضِ اللهِ إلى اللهِ، ولولا أَنِّي أُخرِجتُ منكِ ما خرجتُ» أخرجه الترمذيُّ وصحَّحهُ.
وبيَّن أن مكَّة المكرمة، تاريخٌ وذِكرَى، سِيرةٌ ومَسيرَةٌ، جعلَ اللهُ فيها أوَّلَ بيتٍ وُضعَ للنّاسِ في هذا الوجودِ، يَؤُمُّونهُ للعبادةِ والنُّسُكِ من شتّى بقاعِ الأرض فتحصَّلَ فيه من الفضائلِ مجتمعةً ما لا يُوجدُ في غيرهِ إلّا مُفرَّقاً: البركةُ، والهدايةُ، والآياتُ، والأمنُ، والأمانُ، والإيمانُ، فتبارك اللهُ ربُّنا الرحمن فلقدْ عَظَّم اللهُ بلدَهُ الحرامَ، ورفعَ ذِكرَهُ وأَسمى لهُ المقامَ، هِيَ أمُّ القُرَى، ومَقْصِدُ وُجوهِ الوَرَى،حرّمَ جلّ وعلا الاقتتالَ فيه إلَا على البادِي الباغِي. ذلكَ أنّهُ مَوطنُ العبادةِ، وموئِلُ البِشْرِ والسعادةِ، إليه يثوبُ الناسُ، وحولَ كعبتَهِ يطوفونَ، وعندَهُ يركعونَ، وبهِ يسجدونَ، فيه يأمنونَ على أرواحهِمْ، ودمائهِمْ، وأموالـهِمْ، وأعراضهِمْ، فالأمنُ والأمانُ من أعظمِ سِماتِهِ، وأشرفِ مِيزاتِهِ يُساقُ إليهِ الرّزقُ اِنسِياقاً، وَيَنْصَبُّ عَليهِ الخيرُ اِنْصِبَاباً، في مكَّةَ بئرُ زمزمَ، وغارُ حراءَ، وغارُ ثورٍ، بها نزلَ القرآنُ، فخاطبَ اللهُ به القلوبَ قبلَ الآذانِ، وأحيا به الأرواحَ قبلَ الأبدانِ.
وأكد الدكتور بليلة أن مكَّةُ بلد حرام، شرَّفَ اللهُ قدرَهُ، وأعلَى سبحانهُ ذِكرَهُ، وخصَّهُ بفضائِلَ وأحكامَ تُصانُ بها هذهِ المكانَةُ، وتُحفظُ بها حُرمَةُ البيتِ ومكانُهُ، فألزمَ قاصدِيهِ بِعُمرَةٍ أو حَجٍّ بالإحرامِ لَـهُ، والتجرُّدِ من الثيابِ والزّينةِ للدُّخُولِ إليهِ، عندَ مواقيتَ مَكانيَّةٍ، على بُعْدِ أميالٍ منهُ، نَصَبَها جلَّ وعلا على لسانِ رسولِهِ، تهيئَةً واستعدادًا، وتشريفًا لهُ وانقِيادًا، ولا يحِلُّ استقبالُه بغائِطٍ ولا بولٍ، ولا يُقطعُ نبتُهُ الذي نبتَ فيهِ بنفسِهِ، ولا يُنَفَّرُ صيدُهُ، ولا يُختلَى خلَاهُ، فعن ابنِ عباسٍ رضي اللهُ عنهما: أنَّ النبيَّ قالَ عامَ الفتحِ: «إِنَّ اللهَ حرَمَ مكّةَ، فلم تحِلَّ لأحدٍ قبْلي، ولا تحِلُّ لأحدٍ بعدِي، وإنّما أُحلَّتْ لي ساعةً من نهارٍ، لا يُختلى خلاهَا، ولا يُعضَدُ شجَرُها، ولا يُنَفَّرُ صيدُها، ولا تُلتقَطُ لُقطتُها إلّا لِمُعرّفٍ. وقال العباسُ: يا رسولَ الله، إلّا الإذخِرَ، لِصاغَتِنَا وقُبورِنا؟ فقال: إلّا الإذخِرَ». قال البخاريُّ رحمهُ اللهُ: وعن خالدٍ، عن عكرمةَ، قال: هل تدري ما: «لا يُنَفَّرُ صَيْدُها»؟ هو أن يُنَحِّيَهُ من الظِّلِّ ينزِلُ مكانهُ. يريد: أن يُزِيحَ الصيْدَ عن مكانِ الظِّلِ؛ ليستظِلَّ بِهِ العبدُ مكانهُ. وإذا كانَ هذا حَظُّ البهائمِ من الأمنِ في بلدِ اللهِ الحرامِ، فكيفَ بالإنسانِ الّذي كرَّمهُ اللُه وفضَلهُ على سائرِ الحيوانِ؟! الصّلاةُ فيه بمائةِ أَلْفِ، والثّوابُ فِيه مضاعَفٌ، فعن جابرِ بنِ عبدِ اللهِ رضي اللهُ عنهما، قال: قال رسولُ الله : «صلاةٌ في مسجدِي هذا أفضلُ من ألفِ صلاةٍ فيما سواهُ، إلّا المسجدَ الحرامَ، وصلاةٌ في المسجدِ الحرامِ أفضلُ من مائةِ ألفِ صلاةٍ فيما سواهُ » أخرجَهُ أحمدُ وغيرُهُ وأصلُهُ في الصَّحيحَيْنِ.
فيا من أكرمهُمْ اللهُ بسُكناهُ، ووفقهُمْ لزيارتهِ ورُؤياهُ، اِعرِفُوا لـهذا التَكريمِ فضلَهُ وقيمتَهُ، واستشعرُوا لهذا الاصطفاءِ عظمتَهُ ومِنَّتَهُ، واشكرُوا اللهَ على ما خصَّكُمْ بهِ دونَ غيركُمْ من العبادِ، فبالشُّكْرِ تدومُ النِّعمُ وتزداد فطُوبَى لمن استحضرَ شرفَ مكَّةَ، وحفِظَ فيها جوارِحَهُ وصانَ لسانَهُ وفَكَّهُ، وبُشرى لمن أَوْفَى لهذا الحرَمِ حرمتَهُ، وقدَّرَهُ حقَّ قدرِهِ، وحفِظَ مكانَتَهُ، وانتهى فيه عن كُلِّ مَأثَمٍ، ولم يظلِمْ فيه ولم يُؤْذِ ولم يُخاصِمْ.
وأشار فضيلته في خطبته إلى أن ما نراهُ اليومَ للعَيانِ ظاهرٌ، ولا يجحدُهُ إلا حاسدٌ أو مكابرٌ، من نعمَةِ الأمنِ والأمانِ، والخيرِ والاستقرارِ، الّذي تنعَمُ بهِ بلادُ الحرمينِ الشريفينِ ـ حرسها اللهُ ـ لَـهُو دليلٌ لِـما اختصَّه اللهُ جلَّ وعلا به ـ لتكونَ قبلةً للمسلمينَ، ومَهبِطَ الوَحيِ، ومَنْبَعَ الرسالةِ ـ ومن ذلكَ أنْ جعلَها تحتَ قيادةٍ رشيدَةٍ، وحكومةٍ سديدةٍ، تَقْضِي بالحَقِّ وبهِ تَعْدِلُ، وتحكُمُ بِشَرْعِ اللهِ وبهِ تَفْصِلُ، وبما سخَّرهُ لـها مِن رجالِ أمنٍ أشدّاءَ، أقوياءَ أُمناءَ ، يُحمونَ حِماها، ويذُودُونَ عن أرضِها وسماها، وكذلكَ ستبقَى -بإذن الله تعالى-، بقيادتِها وسيادتِها وريادتِها ولُـحْمَتِها، رُغْمَ أُنوفِ أعدائهاِ، فمنْ حاولَ النَّيلَ منهَا، كانَ السُّوءُ بهِ أعجلَ، والشَّرُ إليه ألـحقَ وأَمْيَلَ.
وأضاف إمام وخطيب المسجد الحرام، إنه معَ اقترابِ موْسمِ الحجِّ، الَّذِي هُو ركنٌ من أعظمِ أركانِ الإسلامِ، وشَعِيرةٌ من شعائِرِ اللهِ العظامِ، فإنَّ الدَّولةَ ـ رعاها الله ـ تَعْملُ جاهدةً على تنظيمِهِ وتَسْيِيرِهِ، بما يُحقِّقُ أهدافَه الشَّرعِيَّةَ ومقاصِدَهُ المَرْعِيَّةَ، من عبادَةِ اللهِ وحدَهُ لا شريكَ لهُ في أَمنٍ وأَمانٍ، ومن ذلكَ ما وضعَتْهُ من اشتراطِ التَّصْريحِ لأدائِهِ، إِعمالًا لمقاصِدِ الشَّريعَةِ الإسلاميَّةِ، لتحقيقِ المصالحِ وتكثيرِهَا، ودَرْءِ المفاسِدِ وتقلِيلِهَا، مِن حِفْظٍ للأرواحِ والأَموالِ والمرافِقِ، وتسهِيلِ السَّبِيلِ وتَذْلِيلِهِ، وفي الحجِّ بلا تَصرِيحٍ مُخالفَةٌ ظاهِرَةٌ لِوَليِّ الأمْرِ، ومعارضةٌ صريحِةٌ لِنصُوصِ الكتابِ والسُّنةِ، الَّتي تأمْرُ بطاعَتِهِ، فمن خالفَ أمرَهُ، فهو آثِمٌ، وعليهِ تَبِعَتُهُ، ويُؤاخَذُ بِجريرَتِهِ؛ لـما يترتَّبُ علَى ذلكَ مِن أَذِيَّةٍ وضَرَرٍ لِلمسلمينَ وأَمَا مَن تَعَذَّرَ عليهِ استخراجُ التَّصريحِ، فإنَّهُ فِي حُكمِ غيرِ المُستطيعِ.
وفي المدينة المنورة أوصى إمام وخطيب المسجد النبوي فضيلة الشيخ الدكتور حسين بن عبدالعزيز آل الشيخ، المسلمين بتقوى الله تعالى قال جل من قائل: ((وَاتَّقُوا اللَّهَ . إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ)).
وبيَّن إمام وخطيب المسجد النبوي أن من أجل المقاصد وأنفع العلوم وأشرفها العلم بأسماء الله الدالة على أحسن المعاني وأكمل الصفات وأجلها و أعظمها، وأن أعظم ما يستنير به القلب وينشرح له الصدر معرفة أسماء الله الحسنى وصفاته العلا مما أنزله تعالى من وحي قال جل من قائل: ((وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى. فَادْعُوهُ بِهَا )).
وأوضح أن على المؤمن تلقي أسماء الله وصفاته بالقبول والرضا والتسليم والانقياد لها واطمأنت لها النفس وسكن إليها القلب وقويت بها معرفته وتعبد بها لله ازداد إيماناً و تعظيماً ومحبة وإجلالاً لربه.
وقال: أن فلاح العبد وسعادته تكمن في إقراره بأسماء الله الحسنى وصفاته، مشيراً إلى حاجة القلب إلى المعرفة بالله وبأسمائه وصفاته.
وتابع فضيلة إمام وخطيب المسجد النبوي من أحصى حفظاً وفهماً لمعناها ومدلولاتها وعمل بمقتضاها على ظاهرها اللائق بكمال الله من غير تحريف ولا تعطيل ولا تمثيل ولا تكييف دخل الجنة ففي الحديث (إنَّ للهِ تعالى تسعةً و تسعين اسمًا مائةً إلا واحدًا، من أحصاها دخل الجنَّةَ).
وأضاف أن الله تعالى وحده من يعلم بكيفية ذاته وصفاته فهي مما استأثر بعلمه قال تعالى ((لَيسَ كَمِثلِه شَيء وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ ))، كما يثبت العبد لله أسمائه فهو ينفي ما نفاه الله تعالى عن نفسه مع إثبات كمال ضد المنفي.
وبين إمام وخطيب المسجد النبوي أن على أن يدعوا الله دعاء الطلب وبما يتناسب وحاجته قال عز من قائل: ((قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَّا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى)).
وأكد إمام وخطيب المسجد النبوي أن الواجب على من أراد الحج الالتزام بما اتفق عليه المسلمون باستخراج تصريح الحج فهو مما دلت عليه مقاصد الشريعة من وجوب الالتزام به، وختم فضيلته أنها من باب التعاون على البر والتقوى.
المصدر: صحيفة المناطق السعودية
كلمات دلالية: المسجد الحرام المسجد النبوي خطبة الجمعة إمام وخطیب المسجد النبوی المسجد الحرام الله تعالى
إقرأ أيضاً:
الحديث النبوي: من هم الذين تحرم عليهم النار؟
في حديث شريف عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: «أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِمَنْ تُحَرَّمُ عَلَيْهِ النَّارُ؟» فسأله الصحابة: «بلى يا رسول الله»، فأجاب صلى الله عليه وسلم: «عَلَى كُلِّ هَيِّنٍ، لَيِّنٍ، قَرِيبٍ، سَهْلٍ». (صحيح ابن حبان)
معنى الحديث وشرح الكلماتهذا الحديث الشريف يوضح لنا صفات بعض الأشخاص الذين تُحَرَّمُ عليهم النار يوم القيامة. وقد ورد الحديث في سياق حديث النبي ﷺ عن النجاة من النار وخصوصًا تلك الصفات التي يجب أن يتسم بها المؤمن ليكون من الذين يُثابون بالجنة ويجنبون عذاب النار.
1. "هَيِّن":
يأتي من كلمة "الهون"، وهي تعني السهولة واللين في التعامل مع الناس. الشخص "الهين" هو الذي لا يصعب عليه أمر في الحياة ولا يحمل قلبه قسوة تجاه الآخرين. بل هو شخص بسيط ومتواضع.
2. "لَيِّن":
اللين ضد الخشونة، وتعني أن يكون الشخص حليمًا، قادرًا على التحمل والتفاهم مع الآخرين، بعيدًا عن الانفعال والغضب. الشخص "اللين" هو الذي يتعامل مع المواقف والأشخاص بمرونة وصبر.
3. "قَرِيب":
أي أن الشخص يكون قريبًا من الناس في علاقاته، ويميل إلى مجالستهم وملاطفتهم. الشخص "القريب" هو الذي يسعى للتواصل مع الآخرين ويُظهر عاطفته لهم، ما يجعلهم يشعرون بالراحة والألفة.
4. "سَهْل":
يعني أن الشخص سهل المعاملة، لا يحمل في قلبه صعوبة تجاه الآخرين. فهو يساعدهم في قضاء حوائجهم بسهولة وبدون تردد. الشخص "السهل" هو الذي لا يعقّد الأمور ويقدم يد العون للآخرين دون تأخير أو تعسف.
في هذا الحديث الشريف، نجد أن النبي صلى الله عليه وسلم يحدد بوضوح مجموعة من الصفات التي يتمتع بها المؤمن الذي يُحَرَّمُ عليه عذاب النار.
من خلال هذا الحديث، يتضح أن الإسلام يحث على التسامح والرفق في التعامل مع الآخرين، ويشجع على أن يكون المسلم شخصًا سهلًا في حياته الاجتماعية، لا يكلف الآخرين أعباءً أو صعوبات.
3 فضائل مستفادة من الحديثالرفق في التعامل مع الناس:
يُظهر هذا الحديث أهمية الرفق واللين في العلاقات الإنسانية. فإذا كان الشخص يتمتع باللين والتفاهم مع الآخرين، فإنه يبتعد عن النزاعات ويعمل على بناء علاقات طيبة.
التيسير في قضاء حوائج الناس:
الحديث يلفت نظرنا إلى أن المؤمن يجب أن يسعى لتسهيل الأمور على الآخرين، وأن يكون عونًا لهم في الأوقات الصعبة، وهو بذلك يحقق معاني التعاون والتآزر.
البساطة والتواضع:
الحديث يؤكد على أن التواضع والبساطة في التعامل مع الناس، وعدم تعقيد الأمور، من السمات التي يحبها الله ورسوله، وتؤدي إلى النجاة من عذاب النار.
إن هذا الحديث يوضح لنا الطريقة المثلى للتعامل مع الناس في حياتنا اليومية، من خلال التحلي بالصفات الأربعة المذكورة، يمكن للمؤمن أن يكون قريبًا من الله سبحانه وتعالى، وأن يكسب رضا الله ورسوله، مما يضمن له النجاة من النار في الآخرة. لذلك، علينا أن نتذكر دائمًا هذه الصفات ونحاول تطبيقها في حياتنا اليومية، لنكون من الذين تُحَرَّمُ عليهم النار.