وجدي كامل

لم يمر وقت طويل من لحظة انتهائنا لاختبارات القبول بمعهد الدولة السوفيتية للسينما والتلفزيون بموسكو عام ١٩٨١، في حضور المخرج السوفيتي الحائز على جائزة لينين ولقب فنان الشعب، يوري نيكولايفيش اوزيروف (من أشهر أفلامه التحرير ومعركة ستالينغراد، وفيلم الأولومبياد) حتى خرجت علينا بالممر الضيق، ذي الأرضية الخشبية المتماسكة العتيقة، سكرتيرة لجنة القبول تنادي علينا، شخصي وزميلنا السوري عبد الغني بلاط باسمينا، وتهنئنا باجتياز الاختبار واختيار المخرج اوزيروف لنا كي نكون ضمن تلاميذه، في المجموعة التي اختارها لدراسة الإخراج الروائي خلال السنوات الخمس القادمة.


ذلك عام اختار فيه اوزيروف طلابه وطالباته، وكذلك المخرج سيرغى بندرشوك، مخرج فيلم الحرب والسلام لتولستوي.
أذكر جيدا الآن حديث رجل كان يقف غير بعيد منا وهو يدخن بشراهة. اقترب الرجل مبتسما بعد أن تابع مخاطبة السكرتيرة لنا، ثم وجه حديثه لعبد الغني (المخرج الشهير فيما بعد لعدد كبير من المسلسلات السورية) والذي عرف الرجل أنه من سوريا:
- أنت محظوظ لأنك ستدرس على يد واحد من كبار المخرجين عندنا. صمت للحظات ثم أضاف: بما أنك سوري فعليك الاستمرار في النجاحات التي حققها ابن بلدك عبد اللطيف عبد الحميد، الذي تخرج العام الفائت من مجموعة اوزيروف.
كانت تلك أول مرة أسمع فيها اسم عبد اللطيف عبد الحميد، الذي ذكره (المدخن الشره) والذي أصبح أستاذنا لأمتع المواد الدراسية فيما بعد - مادة التمثيل.
كانت أولى تجارب المشاهدة التي وفرها لنا مشرفنا، المخرج يوري اوزيروف في برنامج زياراته الأسبوعية لنا بالمعهد، هي عرض أفضل الافلام القصيرة لخريجيه من الدارسين السابقين. وجاء في مقدمة تلك فيلم التخرج لعبد اللطيف.
أكاد أجزم بأن سيرة عبد اللطيف لم تغب إطلاقا عن أحاديث أستاذه، طيلة سنوات الدراسة بإشراف اوزيروف.
كنا ثلاثة أجانب ضمن بقية من الطلاب والطالبات السوفيت، المنحدرين من جمهوريات سوفيتية متنوعة، غيور الميحري وعبد الغني السوري وشخصي.
بعد عامين جاء عبد اللطيف لزيارة موسكو مشاركا في مهرجانها الدولي للأفلام، بفيلمه الأول (ليالي ابن آوى)، ممثلا للأفلام السورية في تلك الدورة. فاز عبد اللكيف بإحدي جوائز تلك الدورو، لنتابع بعدها سيرة الأفلام المتميزة التي كتبها وأخرجها، وهي: ( رسائل شفهية) و(صعود المطر) و(نسيم الروح) و(قمران وزيتونة) و(ما يطلبه المستمعون) و(مطر أيلول) و(طريق النحل) و(عزف منفرد).
مثلت تلك التجارب الفيلمية ذات الخصوصيات والصفات الإبداعية، امتدادا طبيعيا لأعمال عبد اللطيف الدراسية، وحازت على جوائز عديدة من مهرجانات السينما في دمشق والقاهرة، إضافة إلى مهرجانات إقليمية وعالمية أخرى. بل إنها مثلت موجة جديدة ساهم في تأسيسها أيضا المخرجان السوريان، أسامة محمد ومحمد ملص. الحبكات الدرامية المتفردة والروح الشفيفة، والشاعرية والجرأة في تناول الموضوعات، تعتبر أهم ما ميز تلك الأفلام، وشكل مادة مشجعة على البحث الإخراجي لمن جاء بعدهم. ومن أهم هؤلاء زميلنا في الدراسة وصديقنا باسل الخطيب.
تأثر إنتاج عبد اللطيف ومن قبله إنتاج أسامة محمد ومحمد ملص، اللذين درسا بذات المعهد وزاملا السينمائين السودانيين سليمان محمد إبراهيم وصلاح شريف، تأثر إنتاجهم وكبقية السينمائين العرب المتفردين، بأحوال بلدانهم وتدهور صناعة السينما فيها، كنتيجة لتدهور الأوضاع السياسية وغياب الاستقرار السياسي. فغاب تبعا لذلك من غاب منهم، واعتزل من اعتزل، وانطوت بصمتهم الإنتاجية، لتطوي حقبة من التطور الفيلمي الواعد.
فقد غاب في مصر ومنذ بدايات الألفية، رضوان الكاشف وعاطف الطيب والمجدد محمد خان، والمخرج الباحث والناقد د. محمد كامل القليوبي.
تقلبات مفاجئة ضربت سوق السياسة والاقتصاد والسينما، ساهمت في ذلك الغياب، فصمت الكبار عن الكلام السينمائي الجديد. ولعل أهم مظاهر تلك الزلازل، الحرب في سوريا وما ألحقته من دمار بالكثير من علامات الحياة، ومن ضمنها الإنتاج الفني والثقافي بالبلاد. هذا إلى جانب التحولات الاقتصادية والسياسية في بلدان أخرى بالمنطقة ومن بينها مصر، التي تأثر الإنتاج الفني والثقافي فيها بشدة نتيجة ذلك.
مضى جيل ذهبي من المجددين السينمائيين، ممن ارتبطت أشواقهم بالتغيير وإنتاج واقع جديد، وظلت مقاعدهم شاغرة لم يتمكن الوافدون الجدد من ملئها. غاب عبد اللطيف بموهبته الاستثنائية، ليس فقط في التأليف والإخراج، ولكن في التمثيل أيضا. حيث شارك كممثل في عدد من الأفلام مثل: (بانتظار الخريف) من إخراج جود سعيد، و(ماورد) من إخراج أحمد إبراهيم أحمد.
واليوم إذ ننعي المخرج عبد اللطيف عبد الحميد، فإننا ننعي مرحلة هامة من التطور الفني السينمائي في المنطقة العربية، وتيارا بدأ ذكيا وعاصفا ومخلصا لقضايا التحول الثقافي والتعبير الفني المغاير.

wagdik@yahoo.com  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: عبد اللطیف عبد الحمید

إقرأ أيضاً:

مهرجان شباب الجنوب يكرم 10 رموز فنية.. و17 عرضا يتنافسون على جوائز الدورة التاسعة

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

تنطلق فعاليات الدورة التاسعة من المهرجان المسرحى الدولى لشباب الجنوب برئاسة الناقد الفنى هيثم الهوارى، مساء غدا الثلاثاء، بقصر ثفافة قنا، وتستمر حتى 20 أبريل الجاري.

شباب الجنوب يحتفلون بالمسرح الفلسطينى

تحمل الدورة التاسعة اسم د.عايدة علام، ويحتفل المهرجان هذا العام بالمسرح الفلسطينى، ويقام برعاية وزارة الثقافة، وزارة الشباب والرياضة، محافظة قنا.

المهرجان  يكرم 10 شخصيات من الرموز المسرحية والفنية خلال الدورة التاسعة من المهرجان

قال الكاتب بكرى عبد الحميد  مدير المهرجان، إن الدورة التاسعة تشهد تكريم 10 رموز مسرحية وفنية، وهم: الفنان احمد الشافعي من مصر، الفنان خليل العلي من فلسطين، الدكتور سيد علي من مصر، الفنان طالب البلوشي من سلطنة عمان، الفنان عزت زين من مصر، الفنان قاسم اسطنبولي من لبنان، المخرج محمد الشوالي رئيس اتحاد الفنانين الفلسطينيين في لبنان، النجم  محمد نجاتي من مصر، المخرج منتظر الطويل من العراق، الفنان يوسف اسماعيل من مصر، الفنان وليد سعدالدين من فلسطين.

وأضاف عبد الحميد، أنه وقع الاختيار على 17 عرضا مسرحيا فى القائمة النهائية وهم فى المسابقة الرسمية، شريط كاسيت (مصر)، احبك يا ماريا (كولمبيا)، قوم يابا (لبنان)، رحيل (الأردن)، عجيج فاطمة (البحرين)، فى شارع الحرب (تونس)، ميراث الدم (مصر)، الواغش (مصر)، انقطع الخط (المغرب).

وفى مسابقة الشارع: فوبيا (العراق)، على حافة الانهيار (سلطنة عمان)، طف وطوفان(العراق)، أما فى برنامج مسرح الطفل عرض علامة تعجب (إيطاليا).

وعلى هامش المسابقة يتم تقديم عروض  لاجىء فى لاهاى (فلسطين)، الاحتفال بالحياة (إسبانيا / البرتغال)، النمرود (المغرب)، وفى برنامج الحكى عرض  حكايات من بلادى (فلسطين).

وأشار عبد الحميد إلى أن لجنة المشاهدة تكونت من  مصر د. نبيلة حسن، الكاتب محمد بهجت، د. محمد زعيمة، ومن العراق المخرج د. مهند العميدى، ومن تونس المخرج نوار الضويوى، كما تتكون لجنة التحكيم من الفنان طالب البلوشى من سلطنة عمان، والفنان يوسف إسماعيل  من مصر، والفنان وليد سعد من فلسطين.

وأوضح عبد الحميد، أن ادارة المهرجان قررت تقديم عرض حكى فى بداية العروض يوميا بعنوان "حكاوى فلسطينية" بما يتناسب مع الاحتفال بالمسرح الفلسطينى هذا العام .

مقالات مشابهة

  • الأهلي يضع ظهير بتروجت في حساباته.. واقتراب رحيل مصطفى العش
  • مهرجان شباب الجنوب يكرم 10 رموز فنية.. و17 عرضا يتنافسون على جوائز الدورة التاسعة
  • محمد عبد اللطيف يستعرض الرؤية المصرية لمواءمة التعليم مع سوق العمل
  • عبد اللطيف: نسعى لتطوير التعليم الفني والتوسع في مدارس التكنولوجيا التطبيقية
  • فعاليات سينمائية للاحتفاء بـ" محفوظ في القلب .. لعزة الهوِيَّة المصرية"
  • محمد فاروق: الأهلي يؤجل رحيل كولر بسبب صن داونز
  • بـ «رسالة غامضة».. محمد سامي يثير الجدل بين الجمهور
  • وفود من 10 دول تتفقد وحدات الإسكان الاجتماعي.. ومي عبد الحميد: التجربة المصرية رائدة
  • 17 عرضًا و11 مكرمًا في الدورة التاسعة لمهرجان مسرح الجنوب
  • محمد عبد اللطيف يستعرض ملامح التجربة المصرية في تطوير التعليم بالسعودية