على الرغم من علم أوكرانيا بنوايا روسيا لشن هجوم صيفي، إلا أنها لم تكن متأكدة من الموقع الذي ستنطلق منه القوات الروسية. ومع اجتياح هذه الأخيرة للمنطقة الحدودية شمال مدينة خاركيف في العاشر من مايو، فقد بدأت ملامح الخطة الروسية في الاتضاح، وفقا لهيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي". 

ومنذ نحو أسبوع، تمكنت روسيا من السيطرة على عدة قرى قرب الحدود وسط محاولاتها المستمرة للتقدم، بينما تسعى القوات الأوكرانية التي تعاني من نقص في التسليح، جاهدة لصد الهجوم.

إقامة منطقة عازلة أم توسيع السيطرة

وكشف محللون عسكريون لـ"بي بي سي"، أنه بعد سيطرة القوات الروسية على مدينة فوفتشانسك الواقعة على بعد 5 كيلومترات داخل الحدود الأوكرانية، وتوسيعها لنفوذها على حيز كبير من الأراضي المحيطة بمدينة خاركيف، قد تسعى إلى تأسيس منطقة عازلة تحمي حدودها من أي هجمات أوكرانية محتملة.

ورجح محللون أن تكون لموسكو خطط "أكثر طموحا بكثير"، بعد أن شاهدوا الحالة السيئة نسبيا لدفاعات أوكرانيا.

ومنذ فترة، يتحدث الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن إنشاء "منطقة عازلة" التي ستحمي منطقة بيلغورود الجنوبية من هجمات الطائرات بدون طيار والصواريخ وأيضا من التوغلات التي تنفذها اثنتين من القوات شبه العسكرية الروسية المعارضة للكرملين والتي تتمركز في أوكرانيا.

وصرّح سيرجي شويغو، الذي تولى مؤخرا منصب رئيس مجلس الأمن الروسي، بأن القوات الروسية تحرز تقدما على كافة الجبهات دون الخوض في التفاصيل.

وقد تنطوي تصريحات شويغو على احتمالية توغل روسي أعمق في الأراضي الأوكرانية، سواء بهدف دفع كييف إلى سحب قواتها من خط المواجهة الساخن في دونباس شرق البلاد، أو للاستيلاء على المزيد من المناطق الأوكرانية.

ويرجح معهد "دراسة الحرب" أن الهدف الأساسي للعملية العسكرية الروسية هو إنشاء منطقة عازلة على الحدود، وهو ما يتفق معه المحلل العسكري الروسي، أناتولي ماتفيتشوك.

وتتقدم القوات الروسية أيضا باتجاه قرية ليبتسي التي تقع على مسافة 20 كيلومترا من الضواحي الشمالية لمدينة خاركيف. ويقول ماتفيتشوك: "بإمكاننا رؤية ضواحي خاركيف عمليا باستخدام المناظير". 

وفقا لتقديرات كيريلو بودانوف، رئيس الاستخبارات العسكرية الأوكرانية، فإن روسيا تعتزم شن هجوم آخر عابر للحدود باتجاه مدينة سومي الواقعة في شمال غرب أوكرانيا. 

ويعتقد بودانوف أن "مجموعة صغيرة من القوات" الروسية تتركز في تلك المنطقة وجاهزة للتحرك والمضي قدماً في الهجوم المرتقب.

وبحسب الهيئة البريطانية، فإن المستجدات الأخيرة، تشير إلى أن الهدف الروسي المقبل قد يكون السيطرة على خاركيف، ثاني أكبر مدن أوكرانيا، وإخضاعها للسيطرة الروسية.

هل خاركيف معرضة للخطر؟

وقبل اندلاع الحرب، كان عدد سكان مدينة خاركيف يبلغ 1.4 مليون نسمة، مما يجعلها ثالث أهم مدينة في أوكرانيا من الناحية الاقتصادية بعد العاصمة كييف ومدينة دنيبرو.

ونظرا لقربها الشديد من الحدود، تفتقر خاركيف إلى دفاعات جوية كافية، وقد تعرضت مرارا لقصف روسي مدمر بصواريخ باليستية وصواريخ مضادة للطائرات معدلة وقنابل انزلاقية.

ويرى المحلل العسكري ماتفيتشوك، أن سيطرة روسيا على خاركيف ستشكل "نقطة تحول" في مسار الحرب، وستوجه ضربة قوية للقدرات الصناعية الأوكرانية.

لكن هذا السيناريو يبدو مستبعدا إلى حد كبير، إذ أن المراقبين الأوكرانيين والغربيين على قناعة بأن روسيا تفتقر إلى الموارد اللازمة لتحقيق ذلك. 

وخلال زيارة له إلى خاركيف، أكد الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي أن الوضع في المنطقة "تحت السيطرة بشكل عام"، رغم أن الأوضاع لا تزال بالغة الصعوبة.

من جانبه، يقول أولكساندر موسيينكو، رئيس مركز الدراسات العسكرية والسياسية في كييف، إن "الاستراتيجية الروسية تهدف إلى محاصرة خاركيف باعتبارها مركزا إقليميا".

وبهذه الطريقة، لن يقتصر الأمر على إنشاء منطقة عازلة بعمق 10-15 كم فحسب، بل سيتيح ذلك لروسيا خيار مهاجمة خاركيف في وقت لاحق.

ويشير المدون العسكري الأوكراني، يوري بوتوسوف، إلى ارتكاب العديد من الأخطاء في الدفاع عن الحدود. والآن، بعد أن رأت القوات الروسية ضعف خطوط الدفاع الأوكرانية، قد تسعى إلى إنشاء منطقة عازلة ورأس جسر للتوغل بشكل أعمق في الأراضي الأوكرانية، مؤكداً: "هذا هو هدفهم بكل تأكيد".

روسيا تركز على الشرق

وعلى مدى عدة أشهر، استمرت الحرب بوتيرة بطيئة، حيث حققت القوات الروسية مكاسب طفيفة بتكلفة بشرية باهظة، لا سيما في منطقة دونيتسك الشرقية.

ويرى جاك واتلينغ من "المعهد الملكي للخدمات المتحدة"، أن الهدف الأساسي من الهجوم الصيفي هو "توسيع نطاق التقدم الروسي في دونباس"، بغية قطع خطوط الإمداد ومنح القوات الروسية طريقا للتقدم شمالا وجنوبا.

وبعد ثلاثة أشهر من السيطرة على أفدييفكا، وضعت القوات الروسية نصب أعينها أهدافا أخرى في منطقة دونيتسك إلى الشمال الغربي، بما في ذلك بلدة تشاسيف يار الاستراتيجية الواقعة على قمة تل.

وبحسب روب لي من معهد "أبحاث السياسة الخارجية"، فإن القوات الأوكرانية التي كانت متمركزة في تشاسيف يار نُقلت على الأرجح إلى خاركيف، مما أدى إلى تقليص عدد الوحدات المتاحة هناك.

وأضاف أن "خسارة تشاسيف يار ستجعل المدن الأوكرانية في دونباس أكثر عرضة للهجوم الروسي".

ومن خلال إجبار أوكرانيا على تخصيص قوات ودفاعات جوية ومدفعية للدفاع عن ثاني أكبر مدنها، سيتم الضغط أيضا على خط الجبهة الجنوبي بالقرب من نهر دنيبرو، مما يشكل تهديدا لمدينة زابوريجيا الكبيرة جنوب شرق البلاد.

واستولت القوات الروسية بالفعل على قرية جنوبية واحدة كانت أوكرانيا قد استعادتها الصيف الماضي. وحتى لو كانت أوكرانيا لا تزال تسيطر على قرية روبوتين، فمن الواضح أن الهجوم الروسي في الشمال يضع ضغطا هائلا على القوات الأوكرانية التي تعاني من نقص العدد في مناطق أخرى.

المصدر: الحرة

كلمات دلالية: القوات الروسیة مدینة خارکیف منطقة عازلة

إقرأ أيضاً:

ما أهداف روسيا في أوكرانيا مع اقتراب الشتاء الثالث للحرب؟

مع دخول الحرب الروسية الأوكرانية شتائها الثالث، رجحت مجلة نيوزويك الأميركية أن روسيا قد تحاول استغلال الثغرات لدى الجيش الأوكراني بمنطقة دونيتسك لتعزيز تقدمها بعد استيلائها على مدينة سيليدوف، التي تعد أكبر مدينة تسيطر عليها منذ سقوط أفدييفكا.

وقال خبير الاستخبارات مفتوحة المصدر في مجموعة "بلاك بيرد" الفنلندية إميل كاستيهلمي لمجلة نيوزويك إن روسيا تشن هجوما في شرق وجنوب دونيتسك على جبهة بعرض 30-40 ميلا، تمتد من منطقة سيليدوف إلى القرى الواقعة شرق فيليكا نوفوسيلكا.

تقع سيليدوف على بعد نحو 11 ميلا جنوب شرق المركز اللوجستي في بوكروفسك، المحور الإستراتيجي للقوات الروسية لتحقيق هدفها في السيطرة على منطقة دونيتسك بأكملها ومنطقة دونباس الأوسع.

ويعرض المحلل العسكري خريطة لتوقعاته لما قد يحدث على الجبهة الأوكرانية خلال الأشهر المقبلة.

وأشارت الصحيفة في مقالها إلى زيادة النشاط الروسي في هذه المناطق، وأن الجيش تقدم بسرعة في قرى وحقول مختلفة فيها، مما يعتبر تطورا مثيرا للقلق بالنسبة لأوكرانيا، إذ لم تتم ملاحظة مثل هذه التحركات السريعة في وقت سابق.

ويمكن اعتبار التقدم الحالي في سيليدوف بمثابة تحضير لخلق مواقع أفضل للهجوم نحو بوكروفسك.

وبعد الاستيلاء على سيليدوف، من المرجح أن تحاول القوات الروسية إجبار الأوكرانيين على التراجع من كوراخيفكا، إذا تمكنت القوات الروسية من الوصول إلى الخزان في المنطقة، فهذا يوفر لها نقاط انطلاق جيدة لمزيد من العمليات. وعلى نطاق العمليات، من المرجح أنهم يحاولون دفع أوكرانيا للخروج من جنوب دونيتسك، وفي حين يفعلون ذلك، هناك طموحات محتملة لتطويق كوراخوف، وهي مدينة محصنة بشدة.

كان أكتوبر/تشرين الأول الماضي شهرا صعبا بالنسبة إلى أوكرانيا، إذ حققت خلاله القوات الروسية مكاسب جنوب كوبيانسك، وتوغلت حتى نهر أوسكيل.

وتقدمت روسيا الأيام القليلة الماضية جنوب شرق كوبيانسك وغرب سفاتوف، كما اخترقت قوات موسكو الدفاعات الأوكرانية بالقرب من توريتسك.

وفي الاتجاه الجنوبي، لاحظ كاستيهلمي، تقدم القوات الروسية أكثر من 6 أميال في غضون أيام قليلة وسيطرتها على معظم شاختارسك ونوفوكراينكا.

ومن المرجح أن تسيطر روسيا بشكل كامل على بوهويافلينكا، وفقا لنيوزويك، وقد تكون لهذه الوتيرة من التقدم والقدرات الجوية عواقب وخيمة على أوكرانيا، التي لن تكون قادرة على جلب معداتها إلى قرب الجبهة، على الأقل دون خسائر كبيرة في القوات.

الدفع الجنوبي سيستمر في إحراز تقدم عبر الحقول غير المحصنة، أيضا نحو أندرييفكا، مما يجبر القوات الأوكرانية على الخروج من منطقة كوراخوف المحصنة بشدة. وحسب الصحيفة، فإن أوكرانيا قد تتمكن من نقل الاحتياطيات والقضاء على الهجمات الآلية، لكنها قد تخسر كوراخوف قبل نهاية العام.

مقالات مشابهة

  • بوتين يراقب الانتخابات الأمريكية.. هل تنتهي الحرب الروسية الأوكرانية؟
  • «القاهرة الإخبارية: اتساع الاشتباكات بين القوات الروسية والأوكرانية في خاركيف
  • أوكرانيا: الجيش الروسي يقصف خاركوف بقنابل جوية موجهة
  • ما أهداف روسيا في أوكرانيا مع اقتراب الشتاء الثالث للحرب؟
  • قائد القوات الأوكرانية: نكبح واحدة من أقوى الهجمات الروسية منذ بدء التدخل
  • القوات الروسية تسيطر على قرية بمنطقة دونيتسك الأوكرانية
  • أوكرانيا تسجل 173 اشتباكا قتاليًا على طول الخطوط الأمامية للجبهة مع الجيش الروسي
  • ارتفاع ضحايا الهجوم الروسي على مركز للشرطة في خاركيف بأوكرانيا
  • خرائط تظهر حجم الاستيلاء الروسي على الأراضي الأوكرانية.. تقدم سريع (شاهد)
  • القوات الروسية تحرر بلدتين جديدتين وتكبد القوات الأوكرانية خسائر فادحة