فوكوياما في مقابلة مع بلومبيرغ: هل وصلت الديمقراطية إلى نهايتها؟
تاريخ النشر: 1st, August 2023 GMT
نشر موقع بلومبيرغ الأميركي حوارا مع العالم السياسي فرانسيس فوكوياما، ليستقصي منه إجابة عن سؤال عما إذا كانت الديمقراطية كنظام سياسي قد وصلت إلى نهايتها.
وتركز الحوار -الذي أجراه معه توبين هارشو محرر صفحة مقالات الرأي بالموقع- حول انخفاض عدد الدول الليبرالية في العالم خلال الـ15 سنة الماضية، وما إذا كان مقدرا للولايات المتحدة أن تسلك المصير نفسه.
وكمدخل للحوار، يقول هارشو إنه على الرغم من أن عدد الدول الاستبدادية في العالم بات أقل مما كان عليه قبل قرن من الزمان فإن الأنظمة الديمقراطية غير الليبرالية آخذة في الارتفاع.
"نهاية التاريخ"ولفت هارشو الانتباه إلى أن فوكوياما كان قد نشر مقالا بعنوان "نهاية التاريخ" في مجلة ناشونال إنترست الأميركية قبيل أشهر من انهيار الاتحاد السوفياتي عام 1991 قلب عالم السياسة الخارجية رأسا على عقب.
وجادل العالم السياسي الأميركي في أطروحته تلك بأن الديمقراطية الليبرالية أثبتت أنها أعلى شكل من أشكال الحكم يمكن لأي مجتمع بلوغه، فهل يدحض الركود الديمقراطي في السنوات الأخيرة وجهة نظره هذه؟ أم أن بمقدور الليبرالية تغيير الأمور؟
وعن سؤال لهارشو حول العوامل التي تدفع باتجاه تدني أعداد الديمقراطيات الليبرالية في العالم فيما تعيش شعوب كثيرة في رحاب ديمقراطيات غير ليبرالية مثل المجر وتركيا والهند، يجيب فوكوياما بأنه لا يوجد عامل واحد، ففي الولايات المتحدة وكما في أوروبا يعزى ظهور القوميين اليمينيين في الأغلب إلى تفاقم ظاهرة عدم المساواة الاقتصادية التي أفرزتها العولمة.
ليس اقتصاديا فقط
فلو كان الأمر اقتصاديا بحتا -يواصل فوكوياما حديثه- لكنت قد شاهدت نشوءا لحركة شعبوية يسارية كبيرة في كل مكان، لأن الناس يريدون المزيد من مزايا الرعاية الاجتماعية، وتعويضات عن البطالة، وأشياء من هذا القبيل "لكن الأصوات الجديدة كلها تأتي من تيار اليمين، وهم قوميون".
ويؤكد فوكوياما أن الشيء الآخر المهم حقا هو التكنولوجيا، فقد قضى ظهور الإنترنت على التسلسلات الهرمية التي كانت بمثابة حراس للمعلومات وعن الكيفية التي يمكن للتكنولوجيا أن تقود بها إلى إرساء نظام سياسي.
ويقول فوكوياما -الذي يعمل الآن باحثا في معهد فريمان سبوغلي للدراسات الدولية بجامعة ستانفورد- إن السؤال الكبير هو ما إذا كان هناك شكل سياسي لم تؤثر فيه أو على الأقل شجعته عملية التحديث الاقتصادي.
من الممكن أن تتحول أميركا لأكبر مهدد للديمقراطيةوعما إذا كان لا يزال عند وصفه ذات مرة بأن الولايات المتحدة تمثل أحد أكبر التهديدات للديمقراطية في العالم، أعرب فوكوياما عن اعتقاده بأنه إذا أعيد انتخاب دونالد ترامب للرئاسة في عام 2024 فإن الأمر لا يقتصر على مجرد انتخاب سياسي لديه أولويات سياسية مثل خفض الضرائب، والحد من الهجرة، فالرجل -أي ترامب- أظهر تحديا للمؤسسات الليبرالية الأساسية، فإذا انتخبت شخصا مستعدا لقلب نتيجة انتخابات حرة ونزيهة فأنت بذلك تلقي الديمقراطية نفسها من النافذة، على حد تعبير العالم السياسي الأميركي.
وانتقد فوكوياما هجوم الرئيس السابق ترامب على ما تسمى الدولة العميقة، لأنه يؤدي إلى زعزعة الاستقرار.
وأضاف أن هناك معاني مختلفة لمفهوم الليبرالية حول العالم، ففي الولايات المتحدة كونك ليبراليا يعني أنك من يسار الوسط، وفي أوروبا فإن ذلك يعني أنك على يمين الوسط.
وأضاف أن الفرضية الأهم -حسب تقديره- تتمحور حول المساواة في الكرامة الإنسانية، بمعنى أن يتمتع جميع البشر بقدر معين من الكرامة التي تستوجب الاحترام.
من هو الليبرالي؟وفي مجتمع ليبرالي لا تقل -حسب رأي فوكوياما- إن هناك مجموعة فرعية واحدة من البشر تتمتع بمكانة أكبر استنادا إلى عرقهم، فإذا كنت تؤمن بمبدأ احترام الكرامة الإنسانية والحفاظ عليها وحمايتها لجميع البشر على قدم المساواة والحاجة إلى نظام قانوني يقيد الحكومات من انتهاك تلك الكرامة الأساسية فأنت ليبرالي.
ويعتقد العالم السياسي في حواره مع موقع بلومبيرغ أن هذه الحزمة من المبادئ تواجه تحديات من اليمين واليسار على حد سواء، فأنصار اليمين يودون العودة إلى نمط من القومية، حيث يمكنهم القول إن للهنغاريين أو الهندوس أو مجموعة فرعية أخرى من البشر وضعا خاصا.
وفي تيار اليسار، يرى فوكوياما في ختام الحوار أن الأمر يتعلق أكثر ما يتعلق بالتشكيك في القيم الليبرالية الأساسية للتسامح وحرية التعبير.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: فی العالم إذا کان
إقرأ أيضاً:
غسان سلامة :العالم إلى حروب أوسع... ودول على طريق النووي
كتب ميشال بو نجم في" الشرق الاوسط": مع انقضاء الربع الأول من هذا القرن، تزدحم الأسئلة حول اتجاهات العالم ولجلاء بعض هذا الغموض، حملنا سلَّة من الأسئلة إلى غسان سلامة، البروفسور السابق في معهد العلوم السياسية الممثل السابق للأمين العام للأمم المتحدة. في حوار موسَّع، تحدث سلامة عن توقعاته للنظام العالمي وأقطابه، من الفرص المنظورة لـ20 دولة قد تتحول إلى قوى نووية، إلى
قدرة تجمع «البريكس» على منافسة مع الحلف الأطلسي، وصولاً إلى مصير الدولار كقوة مالية عالمية، وانتهاء بحروب المسيرات الجديدة؛ إذ يدخل الذكاء الاصطناعي سلاحاً وازناً في قلب المعادلات على الأرض.
* ما الذي تغيَّر في النظام العالمي خلال الربع الأول من القرن 21؟
الأسوأ أن واشنطن كانت الجهة التي لعبت الدور الأكبر في إنشاء النظام الدولي القائم منذ عام 1945، مثل الأمم المتحدة والصناديق الدولية والمنظمات الأخرى. وإذا كانت هذه الجهة تسمح لنفسها بتجاوز القوانين التي ساهمت بوضعها؛ فكيف يمكن منع الدول الأخرى من اتباع نهجها؟ وهذا ما حصل بالفعل: دخلت روسيا إلى جورجيا ثم إلى مولدوفا ثم إلى أوكرانيا مرة أولى، ثم مرة ثانية، وتبعتها دول أخرى، كبرى أو وسطى، على المنوال نفسه، بحيث برز نزوع نحو اللجوء إلى القوة.
كذلك، فإن عدداً من الدول غير النووية تسعى للتحول إلى دول نووية. هناك 20 دولة قادرة على التحوُّل إلى نووية خلال عام واحد، وأنا أتوقع أن يقوم بعض منها بذلك.
* إلى أين يذهب التنافس الأميركي - الصيني؟ هل السنوات المقبلة ستوصلنا إلى قيام ثنائية قطبية؟
- من الخطأ الكبير برأيي اعتبار أن الثنائية القطبية بين الصين وأميركا موجودة اليوم. هي مشروع، محاولة بدأت منذ نحو 15 سنة لبناء نظام جديد دولي ثنائي القطبية. الولايات المتحدة لا تحب تعدد الأقطاب، وهي تعلم تماماً أنه ليس بإمكانها أن تمسك بعدد كبير من حلفائها إذا كانت هي القطب الأوحد في العالم. والنظام الذي ترتاح إليه واشنطن هو نظام ثنائي القطب تكون لها فيه الأرجحية، مع وجود منافس قوي لكي تجمع الحلفاء إلى جانبها.
* يعيش العالم العربي ارتجاجات «تكتونية» وتراكمات، ومثال ما هو جارٍ في سوريا قائم أمام أعيننا. هل سيبقى العالم العربي بهذا التمزق؟
ثمة عدة تفسيرات لذلك، والرائج يتناول وجود أو غياب دولة القانون، وتمثيل المواطنين وإشراكهم في القرار السياسي. وتوافر هذه العناصر يوفر الاستقرار. هذا هو التفسير الليبرالي. ولكنْ هناك رأي آخر يقول إن القراءة الليبرالية تنطبق على الدول المتقدمة قليلة السكان، وليس على الدول المتخلفة وكثيرة السكان حيث الاستقرار لا يتوفر إلا بفرض القانون فرضاً. أعتقد أن هذين التفسيرين لديهما ما يشرعهما، لكن التفسير غير كافٍ.
في اعتقادي أننا نعيش، في المنطقة العربية، مرحلة من الظواهر التي لا يمكن أن تسمح بالاستقرار. هناك أولاً اللامساواة الهائلة في المداخيل بين الدول المجاورة. هذا الأمر سيدفع الدول الأكثر فقراً إلى الاستمرار، باعتبار أن الدول المحظوظة لا تستحق ما لديها، وأنه يجب، بشكل من الأشكال، أن تشركها في جزء من ثرواتها. فانعدام التوازن بين الدول الثرية والدول الفقيرة في العالم العربي من أكثر الهوات عمقاً في العالم.
* هل تغير الثورة التكنولوجية الجديدة كيفية إدارة شؤون العالم والمجتمع؟
- الثورة التكنولوجية «التي تشمل الإنترنت والهواتف الذكية ووسائل التواصل الاجتماعي» هي مِن نوع خاص، لأنها أسرع بكثير في تحققها من الثورة الصناعية في القرن الثامن عشر، كما أنها تحتضن في باطنها ثورات داخلية، على رأسها الثورة الإلكترونية التي أوصلت إلى ثورة الذكاء الاصطناعي. والسؤال: مَن المستفيد منها؟
باختصار، فإن وسائل التواصل الاجتماعي تتيح التواصل السريع وتعبئة الأشخاص، لكنها لا تتيح تنظيمهم ورصَّهم في برنامج سياسي. والرأي السائد أن الثورة التكنولوجية جاءت على حساب الأنظمة القائمة والسلطات المالية والسياسية والأمنية.
* هل سيبقى الدولار الأميركي عملة المستقبل؟
-الواقع أن الدولار أعلن عن وفاته كالعملة الدولية الأولى باكراً جداً. وتكرر ذلك خلال 20 سنة؛ إذ أتذكر أنه، في مطلع القرن، ظهرت تحليلات حتى في مجلة «فورن أفيرز» أو مجلات المؤسسة الأميركية تتنبأ بنهاية الدولار، خصوصاً بعد ظهور العملة الأوروبية (اليورو). ثم مؤخراً عامل جديد؛ إذ قررت «البريكس» أن تكون لديها عملة موحَّدة.
الدولار الذي لم يزل الدولار العملة الأولى في أكثر من 50 إلى 60 في المائة من المبادلات التجارية الكبرى، ومن ودائع المصارف الكبرى. وهذا الأمر يعطي الولايات المتحدة قدرة سياسية كبيرة، لأن لديها القدرة على طبع هذه العملة من جهة، ويعطيها، من جهة أخرى، قدرة للتأثير على اقتصادات الدول الأخرى، وبالتالي على أمنها.