عربي21:
2025-02-22@04:23:57 GMT

أمريكا وحروب الإبادة: سجل حافل بالصناعة أو التورط

تاريخ النشر: 17th, May 2024 GMT

تقاعدَ الأمريكي لورنس دافيدسون عن تدريس التاريخ في جامعة وست شيستر، بنسلفانيا؛ لكنه، لحسن حظّ الباحثين عن أنساق النقد الأعمق للسياسات الخارجية الأمريكية واستراتيجيات الإمبريالية الحديثة والمعاصرة، لم يتوقف عن تسليط الأضواء الكاشفة على ما خفي، أكثر من تلك التي تظهر وتُعلن، من فظائع وكوارث وجرائم حرب وإبادات.

وقد يصحّ القول إنّ الأبحاث الأدقّ حول تورّط الديمقراطيات الغربية عموماً، والولايات المتحدة خصوصاً، تدين للرجل بأعمال لامعة مثل «فلسطين أمريكا: المُدركات الشعبية والرسمية منذ بلفور وحتى حال الدولة الإسرائيلية» 2001؛ و«شركة السياسة الخارجية المتحدة: خصخصة المصلحة القومية الأمريكية» 2009؛ و«الإبادة الثقافية» 2012.
ولأنه معنيّ، على نحو أكثر تخصصاً، بشؤون الشرق الأوسط إجمالاً والقضية الفلسطينية تحديداً؛ فإنّ متابعاته لحرب الإبادة الإسرائيلية الراهنة ضدّ قطاع غزّة تأخذ غالباً منهجية حميدة تماماً، تضع جرائم الاحتلال ضمن سياقات أعرض تحيل إلى الولايات المتحدة بوصفها الرأس والقوة الكونية ضمن التكتل الإمبريالي، والأطلسي، الأعرض. وبين أحدث مساهماته في هذا الميدان مقالة جامعة، نشرها موقع «كاونتربنش» الأمريكي مؤخراً، تناولت سوابق تاريخية لانخراط الولايات المتحدة في جرائم الحرب الجماعية والتطهير العرقي، أو التواطؤ عليها؛ وسلوك الرئيس الأمريكي الحالي جو بايدن ليس إلا أحدث الأمثلة على ملفّ حافل. ولا يبدّل من منطق هذا المثال الأخير أنّ سنة إعادة انتخاب/ أو فشل تنتظر سيد البيت الأبيض، أو أن تشدّقه الخطابي بصدد توفير الحاجات الإنسانية لسكان غزّة ليس سوى أكاذيب، يفضحها إصرار إدارته على رفض وقف إطلاق النار، والامتناع عن ممارسة ضغط جدّي مؤثر على رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو.
في عداد الأمثلة السابقة، ثمة أندرو جاكسون الرئيس الأمريكي السابع، الذي اعتبر أنّ بطء «اندماج» أبناء الأقوام الأصلية («الهنود الحمر» حسب التوصيف اليانكي) في «المجتمع الأبيض» يشكل عائقاً أمام «التقدم»؛ فأشرف، أواخر 1820، على مخطط تطهير شامل شرق نهر المسيسيبي، وأجبر نحو 800.000 من هؤلاء على التهجير غرباً، بقوّة الجيش الأمريكي، الأمر الذي أسفر عن وفاة الكثيرين خلال السيرورة القسرية. وحفظ التاريخ تصريح جاكسون الشهير: «أيّ رجل صالح يمكن أن يفضّل بلداً مغطى بالغابات وحفنة آلاف من المتوحشين، على جمهوريتنا الواسعة العتيدة، الملأى بالمدن والبلدات والمزارع المرفهة، التي يسكنها 120 مليون نسمة سعداء؟».
المثال الثاني بطله وودرو ولسون، الرئيس الـ28 الذي يحلو لأدبيات الليبرالية الأمريكية تسميته بـ«نبيّ» الحريات العامة وحقوق الإنسان؛ وقد جهد لإعادة الولايات المتحدة عقوداً إلى الوراء، عن طريق فرض الفصل العنصري في أجهزة الدولة والبيروقراطية والجيش، وذلك فور توليه المنصب سنة 1913. ورغم أنّ أمريكا خلال رئاسته انخرطت في الحرب العالمية الأولى، وكانت في حاجة إلى الجنود من كلّ عرق ولون، فإنه لم يخفِ مقته الشديد لـ«الملوّنين» على نحو كانت روائحه العنصرية تزكم الأنوف.
وينقل دافيدسون عن الصحافي والناشط الحقوقي (الأبيض) أوزوالد فيلارد أنّ الولايات المتحدة في عهد ولسون تحوّلت إلى جهاز ضخم مسعور، لا همّ لمؤسساته سوى «وصم الملونين بدمغة جذام تعسفية، وتصنيفهم في خانة حاملي العدوى الجسدية والأخلاقية، وانعدام الأهلية للدخول في المجتمع».
المثال الثالث قدّمه لندون جونسون الرئيس الـ36 خلال حرب الأيام الستة، بصدد الهجوم الإسرائيلي على السفينة الأمريكية USS Liberty، قرب شواطئ غزّة، يوم 8 حزيران (يونيو) ومقتل 34 وجرح 173 بحاراً أمريكياً كانوا على متنها؛ حين اعتبر جونسون أنّ أمن دولة الاحتلال الإسرائيلي يعلو على سلامة السفينة وطاقمها، فأمر بسحب المقاتلات الأمريكية التي كانت تحمي السفينة. أكثر من ذلك، وإمعاناً في التأكيد على أنّ جريمة الحرب هذه، التي طالت أمريكيين هذه المرّة وليس أبناء جنسيات أخرى أجنبية، لا تمسّ في شيء علاقة واشنطن بدولة الاحتلال؛ سارع الرئيس الأمريكي إلى قبول «اعتذار» من تل أبيب نهض على تبرير الواقعة بخطأ في تحديد هوية الهدف. وكي يذهب أبعد، أمر جونسون الأدميرال إزاك كيد، رئيس لجنة التحقيق في الواقعة، بقبول تبريرات الاحتلال؛ كما أمر أن يُطلب من البحارة الناجين التزام الصمت والامتناع عن توصيف الهجوم، تحت طائلة الإحالة إلى محاكم عسكرية.
الأمثلة الأخرى في العقود الحديثة كثيرة، تشمل جورج بوش الأب وبيل كلنتون وبوش الابن وباراك أوباما ودونالد ترامب وبايدن الحالي، والأحرى القول إنه يندر أن يُستثنى منها رئيس أمريكي، ديمقراطياً كان أم جمهورياً، وفي ولاية أولى أم ثانية. خلاصة دافيدسون لا تهمل حقيقة حرص الرؤساء، أجمعين تقريباً، على إبداء الالتزام بالقانون الدولي وحقوق الإنسان ومواثيق الحروب، وإطلاق البلاغة اللفظية على عواهنها بصدد إدانة الإبادة الجماعية أو التطهير العرقي أو جرائم الحرب المختلفة. المفارقة الفاقعة، في كلّ حالة انتهاك ذات صلة بدولة الاحتلال، أنّ الدبلوماسية الأمريكية لا تتحرّج في استغفال العقول بصدد حماية الاحتلال من أيّ مساءلة أو محاسبة؛ بل تلجأ أيضاً إلى تغطية الانتهاكات، الأكثر جلاءً وفظاعة وتوحشاً، في مجلس الأمن الدولي والكونغرس والمحافل الدولية من جهة، كما تواصل تزويد آلة حروب الإبادة الإسرائيلية بالأسلحة والذخائر والأموال…
وفي تلمّس إطار آخر للعلاقات الأمريكية ــ الإسرائيلية، وهي بالطبع عديدة متنوعة بقدر ثباتها على ركائز كبرى منيعة على التبدّل الجوهري؛ قد يكون دالاً، وطريفاً أيضاً، استذكار واقعة تعود إلى ربيع 2010، خلال زيارة إلى دولة الاحتلال قام بها بايدن، نائب الرئيس الأمريكي يومذاك. وسواء تعمد نتنياهو، وكان رئيس حكومة الاحتلال، أم لم يكترث أصلاً بإقامة الصلة؛ فوجئ بايدن بقرار من الحكومة الإسرائيلي يقضي ببناء 1600 مستوطنة جديدة؛ فغضب و(خلال جلسة مع نتنياهو، مغلقة بالطبع) أبلغ الأخير أنّ قرارات كهذه «بدأت تكتسي طابعاً خطيراً بالنسبة إلينا. وما تفعلونه هنا ينسف أمن قوّاتنا المقاتلة في العراق وأفغانستان والباكستان. هذا يُلحق الخطر بنا، وبالسلام في المنطقة» طبقاً لرواية الصحافي الإسرائيلي شيمون شيفر، في «يديعوت أحرونوت».
ضمن قراءة أولى للواقعة، ثمة في «غضب» بايدن ما يوحي بالحرص على أمن قوات الولايات المتحدة المنتشرة هنا وهناك في الشرق الأوسط. قراءة ثانية تعيد الغضب إياه إلى أمثولة الرئيس جونسون، الذي فضّل أمن دولة الاحتلال على دماء الأمريكيين التي أُريقت على ظهر السفينة «ليبرتي» بقذائف إسرائيلية. وأمّا قراءة ثالثة، لعلها الأكثر اتساقاً مع واقع الحال، فيمكن أن تُستمدّ من واقعة رديفة، خلال الشهر إياه من تلك السنة. فقد كان الجنرال دافيد بترايوس، القائد الأسبق للقوّات الأمريكية والأطلسية في أفغانستان، والقيادة الوسطى، يقدّم أمام لجنة القوّات المسلحة في الكونغرس شهادة مكتوبة وقعت في 56 صفحة، يقول في إحدى فقراتها: «المواجهات الدائمة بين إسرائيل وبعض جيرانها تطرح تحديات ملموسة على قدراتنا في رعاية مصالحنا. والنزاع يثير شعور العداء لأمريكا، بسبب إدراك تفضيل الولايات المتحدة لإسرائيل. والغضب العربي الناجم عن القضية الفلسطينية يحدّ من قوّة وعمق الشراكات الأمريكية مع الحكومات والشعوب في المنطقة، ويضعف شرعية الأنظمة المعتدلة في العالم العربي».
لقد أسمع الجنرال لو نادى أحياء، بالطبع، إذْ أنّ ما يجمع أمريكا والاحتلال أكثر من مجرد «علاقة عاطفية» كما أسماها جورج و. بول ذات يوم؛ والإبادات، صناعة أو تورطاً أو مساندة، شواهد راسخات.
(القدس العربي)

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه الاحتلال امريكا غزة الاحتلال مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة صحافة سياسة سياسة سياسة اقتصاد سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الولایات المتحدة الرئیس الأمریکی

إقرأ أيضاً:

بعد محادثات الولايات المتحدة وروسيا.. من هما المرشحان للسفارتين في موسكو وواشنطن؟

سلط موقع "نيوز ري" الروسي الضوء على الاسمين المرشحين لتولي منصب سفير الولايات المتحدة في العاصمة الروسية موسكو، وسفير روسيا في العاصمة الأمريكية واشنطن.

وقال الموقع في تقريره الذي ترجمته "عربي21"، إن موسكو وواشنطن اتفقتا على استئناف العلاقات الدبلوماسية الطبيعية عقب المفاوضات التي جمعت الطرفين في الرياض.

وقال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف خلال كلمة ألقاها في مجلس الدوما يوم الأربعاء: "لقد بدأت العلاقات تبتعد عن حافة الهاوية التي كادت إدارة بايدن تدفعها نحوها، لكن هذه ليست سوى الخطوات الأولى".


وأضاف أن "الأجواء إيجابية والنوايا صادقة، وسنرى كيف يتطور الوضع أكثر، وما هي القرارات التي سيتم اتخاذها".

وتابع لافروف: "المسألة الأكثر إلحاحًا، هي سرعة تعيين سفير روسيا في الولايات المتحدة، وسفير الولايات المتحدة في روسيا، فضلا عن إزالة العقبات التي وُضعت على مدى سنوات عديدة، وخاصة من إدارة بايدن خلال السنوات الأربع الماضية، والتي أعاقت بشكل كبير عمل بعثاتنا الدبلوماسية".

من يكون السفير الأمريكي الجديد في روسيا؟
ذكر الموقع أن السفيرة الأمريكية الحالية في روسيا لين تريسي استلمت مهامها في روسيا منذ كانون الثاني/ يناير 2023، خلال إدارة الرئيس السابق جو بايدن.

وكانت تريسي تشغل منصب سفيرة الولايات المتحدة في أرمينيا منذ 2019 وإلى غاية كانون الأول/ ديسمبر 2022، وكانت تمارس مهامها أثناء أزمة إقليم كاراباخ في سنة 2020.


وأكد الموقع أنه من المرجح أن يرأس البعثة الدبلوماسية الأمريكية في موسكو خلال الفترة القادمة المبعوث الأمريكي الخاص إلى ليبيا، ريتشارد نورلاند.

ووصفت وكالة أنباء نوفوستي على تطبيق "تلغرام" هذا التعيين بأنه "تخفيف للتصعيد"، وأضافت: "بدلًا من لين تريسي، التي لم تتعاون مع وزارة الخارجية الروسية.. سوف يتم إرسال الدبلوماسي ريتشارد نورلاند من ليبيا إلى روسيا بعد أن فشل في محاولاته لمواجهة نفوذ مجموعة فاغنر في منطقة الساحل".

وتابعت الوكالة "في بداية مسيرته، بذل نورلاند جهودًا لتدريب المقاتلين الشيشان وغيرهم من المسلحين القوقازيين، لكنه فقد خبراته منذ ذلك الحين. تعيين العجوز نورلاند بدلًا من شابة قادمة من دائرة الاستخبارات هو إشارة على أن روسيا لم تعد تثير اهتمام الولايات المتحدة على المدى الطويل".

من يكون سفير روسيا لدى الولايات المتحدة؟
أشار الموقع إلى أن وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو كان قد أعلن قبل محادثات الرياض أن روسيا والولايات المتحدة اتفقتا على عودة طاقم السفارتين في موسكو وواشنطن.

وقال روبيو في هذا الصدد: "إذا كانت هناك فرصة حقيقية لتحقيق السلام من خلال التعامل مع الروس، سنحتاج إلى سفارات ناشطة في موسكو وواشنطن".

ونقل الموقع عن مصدر في مجلس الدوما قوله لوكالة إنترفاكس في 19 شباط/ فبراير، إن استلام أوراق اعتماد السفير الروسي الجديد في واشنطن من المتوقع أن تصدر في وقت قريب جدا.

وحسب المصدر ذاته، فقد تمت مناقشة هذه القضية باعتبارها "محورية" خلال محادثات الرياض.


وفي وقت سابق، أفادت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية، ماريا زاخاروفا، بأن موسكو قد حددت بالفعل مرشحها لمنصب السفير الجديد في الولايات المتحدة، وهي بانتظار موافقة واشنطن.

وقال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في برنامج 60 دقيقة عبر قناة "روسيا 1" الحكومية، إن الولايات المتحدة ترحب بالترشيح الذي قدمته موسكو.

وأفادت مصادر صحيفة "كوميرسانت" أن المرشح الأقرب لمنصب سفير روسيا في واشنطن هو مدير إدارة أمريكا الشمالية بوزارة الخارجية الروسية، السفير السابق لدى كندا ألكسندر دارتشيف، لكن لم يتم الإعلان عن اسمه رسميًا حتى الآن.

وختم الموقع بأن دارتشيف يبلغ من العمر 64 عاماً، ويعمل في السلك الدبلوماسي منذ سنة 1992.

مقالات مشابهة

  • شهر على عودة الرئيس ترامب.. الأيام الثلاثون التي هزت العلاقات بين ضفّتي الأطلسي
  • بعد محادثات الولايات المتحدة وروسيا.. من هما المرشحان للسفارتين في موسكو وواشنطن؟
  • الرئيس الأمريكي يؤكد أهمية الاستثمارات التي تولد عوائد مالية
  • الرئيس الأمريكي يؤكد أهمية الاستثمارات التي تولد عوائد مالية خلال كلمته في النسخة الثالثة لقمة الأولوية بميامي
  • ترامب وريما بنت بندر .. ماذا قال الرئيس الأمريكي عن السفيرة السعودية؟
  • محلل سياسي: زيارة الرئيس السيسي لإسبانيا شهدت استقبالًا حافلًا من الجالية المصرية| فيديو
  • التحول في الموقف الأمريكي: لماذا هاجم ترامب الرئيس الأوكراني زيلينسكي؟
  • هتافات مؤيدة للفلسطينيين خلال لقاء البوسنة والاحتلال في الهوكي (شاهد)
  • الرئيس الأمريكي يكشف قيمة الرسوم «على السيارات والرقائق والأدوية»
  • هتافات مؤيدة للفلسطينيين خلال لقاء البوسنة وإسرائيل في الهوكي (شاهد)