السودان في مهب حرب شاملة
تاريخ النشر: 17th, May 2024 GMT
عائشة البصري
يعيش السودان على وقع معارك مشتعلة على عدة جبهات من الخرطوم وأم درمان إلى دارفور وكردفان. عقب معركة طاحنة في ولاية شمال كردفان، وسط البلاد، سقط خلالها مئات من مقاتلي الجيش وقوات الدعم السريع في السادس من مايو/ أيار الجاري، قال قائد الجيش السوداني، الفريق عبد الفتاح البرهان، إنه “لا مفاوضات ولا سلام ولا وقف إطلاق نار إلا بعد دحر قوات الدعم السريع والخلاص منها”.
تتّضح في إقليم دارفور صورة تعقيدات هذه الحرب. وفي مدينة الفاشر تحديدا، عاصمة شمال دارفور، يحبس اليوم أزيد من 1.5 مليون مدني أنفاسهم أمام الحصار الذي يفرضه عليهم تحالف يضم آلافاً من مقاتلي الدعم السريع وقبائل عربية مدجّجة بالسلاح تتأهب لاجتياح المدينة لاستكمال السيطرة على آخر ولايات دارفور الخمس، وأكبرها. يجد المدنّيون أنفسهم محاصرين مرّة أخرى بين مطرقة تحالف الدعم السريع وسندان تحالف الجيش مع حركات مسلحة ومليشيا “مجلس الصحوة الثوري” وقبائل غير عربية تستعد بدورها داخل المدينة لمنع سقوطها الذي قد يسقط معه الجيش وحلفاؤه.
يجد المدنّيون أنفسهم محاصرين مرّة أخرى بين مطرقة تحالف الدعم السريع وسندان تحالف الجيش مع حركات مسلحة ومليشيا “مجلس الصحوة الثوري” وقبائل غير عربية
في تقرير صدر عن فريق الخبراء المعني بالسودان في 15 يناير/ كانون الثاني 2024 (S/2024/65)، عملاً بقرار مجلس الأمن 1591 لعام 2005، القاضي بمراقبة حظر الأسلحة في دارفور، رصد الخبراء ما سمّوها “ملشنة” القبائل عبر تسليح أبنائها وتجنيدهم على أساس “عرقي” من القوات المسلحة والدعم السريع في دارفور. ولكن تسليح المجتمع السوداني ليس أمراً جديداً، بل يقترن بعقود من تفويض قادة الدولة ممارسة العنف الشرعي إلى مواطنين ومليشيات أنشأوها على أساس إثني أو أيديولوجي، ورعوها حتى تغوّلت (أقواها الدعم السريع)، على الدولة ذاتها، فإذا كان وجود الدولة، بحسب عالم الاجتماع الألماني ماكس فيبر، يقترن، في جوهره، باحتكار أجهزتها استخدام القوة الشرعية في منطقة ما، فقد بدأت الدولة السودانية في التآكل في مطلع الثمانينيات، حين زرعت حكومة جعفر النميري بذور تسليح القبائل العربية بتسليحها قبيلة المسيرية (المراحيل)، بدعوى حماية ماشيتهم خلال ترحالهم شمالاً وجنوباً، وتواصل تسليح المواطنين للدفاع عن أنفسهم ضد هجمات الحركة الشعبية مع حكومة الصادق المهدي، إلا أن تسليح القبائل العربية تحوّل في عهد عمر البشير إلى استراتيجية تقوم على تجنيد المليشيات على أساس انتمائها القبلي والعرقي والأيديولوجي لخوض حروب بالوكالة ضد المواطنين (المتردّدين)، على نحو انتهى بإضعاف الجيش النظامي، حتى أصبح جيشاً بلا مشاة، وتغوّلت مليشيا الدعم السريع على القوات المسلحة والدولة بعد أن أصبحت جيشاً موازياً.
لم تتعظ المؤسّسة العسكرية من عواقب ملشنتها المجتمع التي تسبّبت في حروب أهلية لا نهاية لها طوال حكمٍ ما زال يدوم منذ أزيد من نصف قرن، فيما لم يتعدَّ الحكم المدني عشر سنوات. ويؤكّد تقرير الخبراء أنه منذ ظهور توترات بين الجيش والدعم السريع في مطلع 2023، جنّد الجيش آلاف المقاتلين من قبائل الزغاوة والفور والمساليت والبرتي غير العربية لتدافع عن نفسها “ضمنيا ضد العرب والدعم السريع”. وأعلنت حركة تحرير السودان فصيل مني مناوي، وحركة العدل والمساواة بقيادة جبريل إبراهيم، انحيازهما أيضا للجيش في تطوّر اعتبره كثيرون دفاعا عن قبيلة الزغاوة التي تتحدر منها الحركتان اللتان لم تحرّكا ساكنا حين كانت قوات “الدعم السريع” ترتكب أبشع المجازر في مدينتي الجنينة وزالنجي ضد أبناء قبيلة المساليت غير العربية. وفي حشد قبلي آخر، أعلن رئيس “مجلس شورى قبيلة الزغاوة” صالح عبد الله أحمد بحر الانضمام إلى الجيش، داعيا أبناء قبيلته إلى “دحر مرتزقة عرب الشتات” ضد من سماهم “الخونة والمحتلين”. وانتشار مثل هذا الخطاب الذي يصوّر الصراع حرباً بين العربي “الدخيل” والسوداني “الأصيل”، مؤشّر خطير إلى خروج الحرب من دائرة القتال بين الجيش و”الدعم السريع” إلى اقتتال قبلي على أساس إثني.
حاول الجيش إعادة إحياء “حرس الحدود”، وهذا اسم تلطيفي يطلق على مليشيا الجنجويد التي نسب إليها قرار مجلس الأمن رقم 1556 في عام 2004 ارتكاب أبشع الجرائم ضد المدنيين غير العرب
اللافت أيضا أن تحالف الجيش مع قبائل غير عربية لقّبت بـ”الزرقة”، في وصف تمييزي يشير إلى شدّة سواد بشرة أبنائها، يبدو “غير طبيعي” بالنظر إلى تحالف الحكومات التي تعاقبت على السودان منذ الثمانينيات مع قبائل عربية بالأساس في حروب “التمرّد” التي خاضتها في جنوب السودان، وجبال النوبة والنيل الأزرق ودارفور ضد “الزرقة” ذاتهم؛ حروب كانت في الواقع انتفاضات مواطنين سودانيين غير عرب ضد حكم مركزي همّشهم وجعل السلطة وموارد البلاد حكرا على نخب متحدرة من قبائل حوض النيل العربية. اليوم تشهد ولايات دارفور وكردفان تأجيج نعرات إثنية وحفر جروح حروبٍ لم تلتئم بعد، ليتحالف الجيش مع خصوم الأمس ضد حليفه التقليدي، عرب الغرب.
منذ مطلع 2023، يسعى الجيش، بقيادة البرهان، وراء جميع أنواع التحالفات التي بإمكانها هزم خصمه الجديد، مع تركيزه على خصوم “الدعم السريع” من جهة، وشقّ صف تحالف القبائل العربية الداعمة للأخيرة من جهة أخرى. فبحسب تقرير فريق الخبراء ذاته، حاول الجيش إعادة إحياء “حرس الحدود”، وهذا اسم تلطيفي يطلق على مليشيا الجنجويد التي نسب إليها قرار مجلس الأمن رقم 1556 في عام 2004 ارتكاب أبشع الجرائم ضد المدنيين غير العرب، وأمهل الحكومة 30 يوما لنزع سلاح هذه المليشيا ومحاكمة قادتها. ظل القرار حبرا على ورق بينما أعادت الخرطوم تدوير المليشيا واستوعبت عددا من أفرادها لإنشاء “قوات الدعم السريع” بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي)، أحد مقاتلي الجنجويد.
ولإحداث انقسام داخل قبيلة الرزيقات المتحالفة مع “الدعم السريع”، عمل الجيش أيضا على ضمان انضمام موسى هلال، ابن عم حميدتي وألدّ أعدائه، قائد مليشيا الجنجويد ومؤسّسها، وزعيم “مجلس الصحوة الثوري” حاليا، مستغلا رغبة هلال في الانتقام من حميدتي الذي أطاحه عند اقتحام قوات الأخير مقرّ إقامته في شمال دارفور في عام 2017، متسبّبا في مقتل نجله وعدد من أنصاره وترحيله مكبّلا بالسلاسل إلى الخرطوم التي قضى في أحد سجونها حوالي أربع سنوات، قبل الافراج عنه في 2021. وبالإضافة إلى شقّ صفّ “الرزيقات”، نجح الجيش في إحداث انقسام داخل أبناء عمومتهم في قبيلة المسيرية، التي تعتبر ثاني أكبر مكوّن في قوات الدعم السريع، وقبيلة الفلاتة التي أصبح أبناؤها يحاربون بعضهم بعضاً في ما يمكن اعتباره أكبر حرب قبلية يشهدها السودان.
لم يتّعظ الجيش من خطايا نظام البشير، وراح يخاطر مرّة أخرى باستنفار المدنيين وتسليح أفراد وقبائل ومليشيات جديدة تحت مظلّة “المقاومة الشعبية”
أما عن الحشد القبلي الذي قامت به قوات “الدعم السريع”، فلقد تم بمباركة القوات المسلحة ما بعد الثورة، في الفترة التي كان فيها الجيش يراهن على تمكين المليشيا من أجل مساعدته على سحق الثورة المدنية. سهر البرهان شخصيا على تقوية قوات الدعم السريع وتمكينها وتمدّدها وتسليحها بأحدث الأسلحة، وانتداب مئات ضباط الجيش للخدمة في صفوفها، حين كان حميدتي حليفا في الثورة المضادّة، وشريكا في فضّ الاعتصام أمام القيادة العامة في الخرطوم، وفي انقلاب الجيش على الثورة في 25 أكتوبر/ تشرين الأول 2021. سمح الجيش لـ”الدعم السريع” بتجييش القبائل في جل الولايات من دارفور إلى بورتسودان حتى أعلن حميدتي في صيف 2022 أن قواته تضم عناصر تنتمي إلى أكثر من مائة قبيلة. وحضر البرهان حفل تخرج بعض دفعات الدعم السريع الاثني عشر حتى فاق قوام هذه المليشيا المائة ألف مقاتل في إبريل/ نيسان 2023، في حين أنها لم تكن تتجاوز الـ40 ألف مقاتل عند اندلاع الثورة المدنية.
ورغم أن “الدعم السريع” تضم مقاتلين سودانيين من قبائل غير عربية، وأجانب يتحدرون من تشاد والنيجر ومالي وشمال نيجيريا وجمهورية أفريقيا الوسطى، إلا أن القبائل العربية تشكل عماد قواتها في دارفور وكردفان، ورأس حربتها في مواجهة الجيش وحلفائه الجدد. وتتكوّن القبائل العربية في دارفور من قبيلة الرزيقات بكل فروعها، ومعظم أفرادها رعاة إبل (أبالة) في شمال الإقليم، وقبائل ترعى البقر (بقارة) في جنوب دارفور تشمل الرزيقات والتعايشة وبني هلبة والهبانية والمسيرية، بالإضافة إلى قبائل عربية مهاجرة، جلّها بقارة من أصول تشادية.
لعبت التحفيزات المالية التي أغدقتها قوات الدعم السريع على هذه القبائل، وانتصاراتها على الجيش وسيطرتها على أربع ولايات في دارفور، دورا في إعلان معظم القبائل العربية اصطفافها خلف “الدعم السريع” في صيف 2023، لكن العامل الهوياتي أصبح حاضرا بقوة لديها، ما دفع فريق خبراء السودان إلى ملاحظة أن “الحرب قد بلورت شعورا بهوية عربية مشتركة وسط المجتمعات العربية في دارفور و(كردفان)”، جعلها تتّحد في تحالف يعرف باسم “العطاوة”؛ ما دفع الفريق ياسر العطا لاتهام الدعم السريع بالسعي وراء الانفصال وتأسيس “دولة العطاوة” في دارفور. اتهام نفته “الدعم السريع” واستنكرته عدة جهات سودانية تخشى أن تكون بعض الجهات الموالية للجيش تدفع باتجاه انفصال دارفور، مثلما آثر نظام عمر البشير من قبل خيار انفصال جنوب السودان.
انتشرت شرائط فيديو تظهر جنوداً من الجيش يحتفلون بقطع رؤوس القتلى وإخراج أحشائهم في مشهد داعشي ينذر بالأسوأ
لم يتّعظ الجيش من خطايا نظام البشير، وراح يخاطر مرّة أخرى باستنفار المدنيين وتسليح أفراد وقبائل ومليشيات جديدة تحت مظلّة “المقاومة الشعبية”، في محاولة لإيقاف تقدّم الدعم السريع. عمل على ضرب المليشيات بالمليشيات، والجنجويد بالجنجويد، وزج المواطنين في حرب ضد مواطنين، في سلوكٍ يتعارض مع مبادئ الجيوش النظامية. وزادت تعقيدات المشهد السوداني بسماح الجيش لعدة مليشيات جهادية بأن تحارب في صفوفه منذ بداية حربه ضد “الدعم السريع”، أشهرها مليشيا تُدعى “كتيبة البراء بن مالك”، تضم قواتٍ من “الدفاع الشعبي” التي كان عددها قد بلغ عام 2020 نحو مائة ألف مجاهد من شباب الحركة الإسلامية الذين جرى استنفارهم في التسعينيات للقتال ضد الحركة الشعبية في جنوب السودان، بدعوى أن أعضاءها “أعداء العقيدة والوطن”. ولقد كشف تحقيق برنامج “بوليغراف” في التلفزيون العربي عن وجود خيط يربط كتيبة البراء بإدارة الاحتياط بالقوات الخاصة المنبثقة من الدفاع الشعبي الذي جرى حلّه بعد الثورة السودانية، وتحويله إلى قوات احتياط تابعة لوزارة الدفاع.
أحدث دخول مليشيات جهادية على خط الحرب توازنا في وحشية القتل في صفوف “الدعم السريع” والجيش، وانتشرت شرائط فيديو تظهر جنوداً من الجيش يحتفلون بقطع رؤوس القتلى وإخراج أحشائهم في مشهد داعشي ينذر بالأسوأ. وجود هذه الفئة المتطرّفة داخل تحالف الجيش جعل عديدين من متابعي الشأن السوداني يجزمون أن الإسلاميين داخل الجيش وخارجه يقفون اليوم حجر عثرة في طريق وقف حرب ٍهناك من يتهمهم بالوقوف وراء إشعال فتيلها للحيلولة دون أي تحول ديمقراطي يضع حدّاً لحكم إسلامي – عسكري دام أزيد من ثلاثة عقود.
واقع السودان اليوم يجعل اختزال الحرب في مواجهة بين الجيش و”الدعم السريع” يحول دون فهم وضع شديد التعقيد، خصوصاً بعد دخول قوى إقليمية ودولية عديدة على خط الحرب وظهور أسلحة متطوّرة لم يتم استخدامها من قبل، بما يؤشّر إلى أن أطرافاً خارجية تسعى إلى استمرار القتال لخدمة أجنداتها. ما يحتاجه السودان اليوم ليس حلقة من حلقات سياحة الوساطة السّطحية التي لا تعترف بتعقيدات المشهد السوداني، وإنما إلى مصالحة سودانية – سودانية لرتق نسيج اجتماعي ممزّق، وإعادة بناء السودان على أساس المواطنة واحترام الاختلاف الإثني والديني.
نقلا عن صحيفة العربي الجديد
الوسومعائشة البصريالمصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: قوات الدعم السریع القبائل العربیة بین الجیش فی دارفور على أساس
إقرأ أيضاً:
دور المرتزقة الأجانب في دعم مليشيا الدعم السريع المتمردة في الحرب على الدولة السودانية
بقلم: لواء دكتور ركن (م) سعد حسن فضل الله
المقدمة:
الحرب الدائرة الان في السودان بين الجيش والقوات المساندة لها ومليشيا الدعم السريع المتمردة على الدولة السودانية والتي إندلعت في 15 أبريل 2023م تعتبر من أقذر وأفظع أنواع الحروب في القرن الواحد والعشرين لانها إتصفت بأنتهاك حقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني بصورة لا مثيل لها من حيث القتل المباشر و المتعمد للمدنيين العزل و التهجير القسري للمدنيين و إحتلال منازلهم و تعذيب وقتل كل من إنتمى للقوات المسلحة او الاجهزة الامنية الاخرى المساندة للجيش باللإضافة الى إحتلال الأعيان المدنية مثل المستشفيات و الجامعات و المدارس و المساجد و إستخدامها للأغراض العسكرية.
نتيجة للأنتهاكات الجسيمة التي ارتكبتها وما زالت ترتكبها مليشيا الدعم السريع في حق المواطنين الابرياء العزل نتج عنها نقص حاد في الغذاء و المياه الصالحة للشرب وانقطاع الكهرباء و إنعدام الادوية المنقذة للحياة مما ادى الى إراتفاع اسعار السلع الغذائية بصورة جنونية صاحبتها ارتفاع في معدلات التضخم وإنخفاض قيمة الجنيه السوداني مقابل العملات الاجنبية الاخرى. حسب تقارير وكالات الامم المتحدة (منظمة الهجرة الدولية وبرنامج الغذاء العالمي وكذلك المنظمات الدولية ) العاملة في السودان بان عدد المهجرين داخليا بلغ اكثر عشرة مليون نازح بينما نزح اكثر من خمسة مليون الى دول الجوار مثل مصر و ليبيا و تشاد و اثيوبيا و دول الخليج العربي.
من مؤشرات الاستعداد للحرب الدائرة الان في السودان هو الحشود العسكرية التي حشدها من الولايات خاصة ولايات دارفور و كردفان الى داخل العاصمة القومية و كذلك الزيارات المكوكية التي قام بها قائد المليشيا محمد حمدان دقلو (حميدتي) إلى كل من دول الجوار الافريقي مثل ليبيا و تشاد و ارتريا وجنوب السودان ومالي و النيجر واثيوبيا بغرض حشد المرتزقة الاجانب و أغرائهم بالمال والحوافز العينية للقتال في صف الدعم السريع ضد القوات المسلحة السودانية. لعب المرتزقة الأجانب دورا" محوريا" وبارزا" في الحرب السودانية في إطالة أمد الحرب وتخريب الاقتصاد الوطني وتدمير المرافق العامة و الخاصة و نهب البنوك وبيوت وممتلكات المواطنين والدور الحكومية المختلفة.
من أهم الادوار التي قام بها المرتزقة في الحرب السودانية تتمثل في الاتي:
1. الدعم العسكري. يتم جلب المرتزقة بإستمرار من دول الجوار من تشاد و افريقيا الوسطى و اثيوبيا و ليبيا ومن الجوار الاقليمي من النيجر و مالي و الكاميرون واخيرا من كولومبيا بامريكا الجنوبية من خلال تعزيز القدرات و الخبرات القتالية للمليشيا وتقديم الإستشارات في مجال الكتيكات الحديثة في حرب المدن و إستخدام الاسلحة المتطورة مثل الكورنيت والجافلين و الطائرات المسيرة التي تدربوا عليها في احد دول الجوار الشرقي للسودان وتم بث فيديو من قبل مليشيا الدعم السريع تؤكد انهم تلقوا تدريبات على الطائرات المسيرة.
2. تأمين المصالح الأجنبية لبعض الدول التي تدعم الحرب في السودان مثل دولة الامارات التي تطمع في أخذ خيرات السودان وموانيها (ميناء ابوعمامة) و إستخدام الأراضي الزراعية في الفشقة. لذلك ما زالت دولة الامارات تدعم المليشيا المتمردة بالسلاح و المعلومات الإستخباراتية و اللوجستية بالتعاون مع بعض دول الجوار مثل تشاد و يوغندا و ليبيا (حفتر) عبر استخدام المطارات لتسهيل عملية نقل الاسلحة و تدفق المرتزقة الى داخل السودان عبر المعابر البرية خاصة معبر أدري التشادية و الحدود المفتوحة بين السودان و بين جنوب السودان.
3. المشاركة المباشرة في العمليات القتالية مما يجعلهم جزء أساسي من المعارك مما أدى إلى التاثير في توازن القوى حيث عززت المليشيا موقفها الميداني بفضل تدفق المرتزقة و القتال إلى جانبها.
من تبعات وجود المرتزقة في الحرب السودانية:
من أهم تعبات وجود المرتزقة الأجانب في الحرب السودانية هي:
1. إطالة أمد الحرب يسهم تدخل المرتزقة ف يجعل الصراع أكثر تعقيدا" وأطول زمنا" بسبب الدعم الذي يقدمونه.
2. زيادة الخسائر البشرية. يزيد المرتزقة من حدة المعارك و شراشتها مما يؤدي إلى إرتفاع عدد الضحايا من العسكريين و المدنيين.
3. جرائم الحرب و جرائم ضد الإنسانية التي ترتكب ضد المدنيين مثل القتل و السحل و التشريد و الإختطاف وطلب الفدية من المخطوفين و الإغتصاب وبيع النساء كأرقاء في اسواق في غرب دارفور و غرب افريقيا.
4. التأثير على الإستقرار الإقليمي. يؤدي وجود المرتزقة إلى تهديد الإستقرار الإقليمي لدول الجوار السوداني و الاقليمي. لقد تم إستخدم هذه المليشيات في الصراع الليبي –الليبي و الصراع التشادي التشادي و الصراع في افريقيا الوسطي.
5. تفشي الجريمة المنظمة وما قد يصاحبها من الإتجار بالبشر و المخدرات وبيع السلاح.
6. تدفق الأرهابيين من دول الجوار مثل بوكو حرام من نيجيريا و كتيبة سبل السلام من ليبيا وغيرها من إرهابي غرب أفريقيا الأمر الذي يجعل امر تحقيق السلام أمرا" صعبا" ومعقدا.
جنسيات المرتزقة:
تشير التقارير الميدانية للقوات المسلحة السودانية من مسارح العمليات إلى مشاركة المرتزقة من جنسيات عديدة من دول الجوار الأفريقي و كولومبيا وقد ظهر بعض من المرتزقة في فيديوهات تم تسجيلها بأنفسهم بعضهم يتحدث العربية بلهجة غريبة من لسان اهل السودان و البعض الاخر يتحدث اللغة الفرنسية. وتم قد نعي بعض المرتزقة في مواقع التواصل الإجتماعي في تشاد ومالي و النيجر و الكاميرون و جنوب السودان.
بعض الدول التي شارك مرتزقتها في الحرب ضد القوات المسلحة السودانية هي:
1. تشاد. بعض الجماعات التشادية أو الأفراد التشاديين لهم أرتباط عرقي مع مليشيا الدعم السريع والبعض لهم ارتباط جغرافي يسعون إلى توطين عرب الشتات في دارفور بصفة خاصة و السودان بصورة عامة.
2. أفريقيا الوسطى. بعض الجماعات الاثنية تورطت في الحرب مثل قبائل السلامات طمعا" في الإستيلاء على الحواكير لقبائل الفور أصحاب الحواكير و قد تم اعلان إنشاء إمارة اولاد بركة و مبارك في وسط دارفور في 15 اكتوبر 2024م.
3. مالي و النيجر. تعتبر المنطقة موطنا" لمجموعات مسلحة ذات صلة بالنزاعات الإقليمية.
4. ليبيا. نتيجة للإضطرابات السياسية و الأمنية في ليبيا ووجود الجماعات المسلحة مما ساهم في تدفق العديد من المرتزقة ساعدهم في ذلك القرب الجغرافي و الحدود المفتوحة التي يصعب مراقبتها.
5. جنوب السودان. النزاعات الحدودية و التوترات المستمرة بين السودان و جنوب السودان وإرتفاع معدلات معدل البطالة و الفقر المدقع مما جعل الأفراد ينخرطون في القتال بدافع الحصول على الأموال والسلب و النهب.
6. أثيوبيا و الصومال. أظهرت بعض الصور و الفيديوهات وجود لأفراد من هذه الدول يقاتلون إلى جانب المليشيا.
7. فاغنر الروسية. تعرف بتورطها في عدة نزاعات في القارة الافريقية ولها علاقات قوية مع مليشيا الدعم السريع إذ كانت تعمل معها في تهريب الدهب من جبال دارفور الى الأمارات ومن ثم روسيا.
الأسلحة المستخدمة في الحرب السودانية:
إستخدمت مليشيا الدعم السريع اسلحة متنوعة في حربها ضد الدولة السودانية منها:
1. الأسلحة الخفيفة مثل الكلانشكوف و ال 16M, حيث توفر سهولة الإستخدام و الصيانة وهي فعالة في الإشتباكات قصيرة ومتوسطة المدى.
2. الأسلحة الرشاشة الخفيفة و المتوسطة مثل القرنوف و البراون و الدكتريوف التي توفر كثافة نيران عالية و تستخدم في تثبيت العدو وحماية المواقع.
3. قاذفات القنابل ار بي جي 7 تستخدم في تدمير المركبات المدرعة و المباني المحصنة وهي فعالة بشكل خاص في المناطق الحضرية.
4. الأسلحة المضادة للطيران تستخدمها المليشيا بكثافة في ضد المدنيين وهي محرم إستخدامها ضد البشر مثل المدفع الرشاش 7,12,14 و 23 و صواريخ أرض ارض جو المحمولة لإستهداف الطائرات و المروحيات وقد نجحت المليشيا في إسقاط عدد من المروحيات و الطائرات.
5. المدفعية الثقيلة تستخدمها المليشيا بكثافة ضد المدنيين لإرهابهم مثل الهاون بعياراته المختلفة و الكاتوشا والراجمة 40 دليل والدي ثيرتي و الهاوزر.
6. القناصات. تستخدمها المليشيا لوقف تقدم متحركات الجيش والمشاة من مسافات بعيدة حيث تعطي ميزة تكتيكية للتحكم في بعض المناطق الإستراتيجية. إستخدمت المليشيا بعض الاعيان المدنية و مآذن المساجد و بيوت المواطنين من اجل نصب قناصيها.
7. الألغام و المتفجرات . سواء أكانت ألغام أرضية او عبوات ناسفة مثل القرنيت وتستخدم لإقاعة تقدم القوات و إضعاف الروح المعنوية.
8. المسيرات. تمتلك المليشيا أعداد كبيرة من المسيرات بأنواعها المختلفة سواء للإستطلاع او هجومية او إنتحارية.
9. الآليات العسكرية الخفيفة والمدرعة . تمتلك مليشيا الدعم السريع تقريبا حوالي 10 الف عربة دفع رباعي مسلحة بمختلف الاسلحة مثل الثنائي و الرباعي و الدوشكا. كذلك تمتلك المليشيا عربات مدرعة أمارتية الصنع ومدرعات بي تي ار ودبابات من نوع T55 تستخدم في عمليات الهجوم و الفزع و الالتفاف.
10. المدفع الم/ د مثل SPG8 و الكورنيت و الجافلين وال بي 10.
تاتي اسلحة و ذخائر المليشيا من دولة الامارات عبر ليبيا و تشاد و ميناء دوالي في الكاميرون وجنوب السودان ويوغندا.
المهام القتالية للمرتزقة:
• الاماراتيون. يقومون بتدريب افراد المليشيا على استخدم المسيرات ومنظومات التشويش. وتقديم المعلومات الاستخبارية والتدريب على استخدام الكورنيت والجافين ومنظومات الدفاع الجوي و إيصال الاسلحة و الذخائر.
• الليبيون. تقديم الدعم فى مجال استخدام القناصات والاسلحة الم /ط .
• فاغنر.قامت بتدريب قوات المليشيا على حرب المدن ويقومون بالامداد عبر الطائرات والتدريب على استخدام منظومات الدفاع الجوى.
• بقية المقاتلين يقومون بقيادة العربات المصفحة واعمال المشاة والقناصات وحماية بعض القيادات.
حشد أعداد جديدة من المرتزقة:
من المحتمل ان تقوم المليشيا بحشد اعداد جديدة من المرتزقة ولكن يعتمد ذلك على عدة عوامل رئيسية:
أ. التمويل المالى . تمتلك قوات المليشيا تمويلاً جيداً بسبب سيطرتها على بعض مناجم الذهب في جبل عامر بولاية شمال دارفور و سنقو بولاية جنوب دارفور بالإضافة إلى الدعم الأماراتي مما يمنحها القدرة على تجنيد المرتزقة من دول الجوار الاقليمي.
ب. العلاقات مع الجماعات المسلحة فى المنطقة . مثل قوات حفتر وجماعة فاكت التشادية وبعض الجماعات الاخرى في أفريقيا الوسطى و مالي و النيجر وبوركينافاسو و الكاميرون والمعارضة الجنوب سودانية التي تنشط في الحجود, كل هذه الجماعات تنشط في النزاعات الاقليمية مما يسهل عمليات التجنيد و فتح قنوات لتجنيد مقاتلين جدد.
ج الحوافز والمكافآت. توفر قوات المليشيا حوافز مغرية للمجندين مثل الرواتب العالية مقارنة بالجندي السوداني ومستوى المعيشة في دول معينة بالمنطقة مما يجذب الافراد من الدول الفقيرة و المضطربة امنيا.
د. الوضع الامنى والسياسى الاقليمى. البيئة السياسية غير المستقرة في بعض دول الجوار الافريقي مثل ليبيا وتشاد و افريقيا الوسطى تتيح للمليشيا فرصة تجنيد الافراد بسهولة حيث يبحث كثيرون عن فرص اقتصادية و يستغل آخرون الفوضى للإنضمام إلى النزاعات بغرض السلب و النهب.
هذه الاستراتيجية لها تحديات ومخاطر منها الصعوبة فى تامين الولاء الحقيقى لهؤلاء المقاتلين اللذين قد ينقلبون على الجهة التى يعملون معها اذا قدمت لهم عروض افضل بالاضافة الى التدخلات الدولية التى قد تزيد من الضغوط والعقوبات.
أعداد القتلى و الأسرى:
لاتوجد احصائيات دقيقة وموثوقة حول اعدادا لقتلى او الاسرى من المرتزقة فى حرب السودان وذلك للاسباب الآتية:
• صعوبة التوثيق فى ظل النزاع الدائر وتدهور الوضع الامنى خاصة ان اعداد الفتلى لا يتم تسجيلهم رسمياً.
• التكتم من المليشيا على عدد القتلى او الاسرى تجنبا للاضرار بسمعتها وذلك لإعتبارات سياسية.
• التنوع الكبير فى المرتزقة نظرا لتعدد الجنسيات والخلفيات.
فى ظل هذه العوامل لاتتوفر ارقام دقيقة ويظل تقدير اعداد القتلى او الاسرى فى اطار التكهنات وغالبا ما تعتمد المعلومات على تقارير غير رسمية.
• التوصيات:
• محاكمة من يتم القبض علية بقانون مكافحة الارهاب لعام 0221م.
• اعداد قوائم بالمرتزقة وملاحقتهم عبر الانتربول والمحكمة الجنائية الدولية باعتبارهم مجرمي حرب.
• التعاون الاقليمى والدولى خاصة مع دول الجوار(تشاد، اثيوبيا، ليبيا، جنوب السودان) للسيطرة على الحدود ووقف تدفق المقاتلين و الاسلحة.
• التواصل مع المنظمات الدولية والاتحاد الافريقى ومنظمات مكافحة الاتجار بالبشر لتعزيز الرقابة وفرض عقوبات على جهات التي تسهل دخول المرتزقة.
• تفعيل العمل الدبلوماسي بشرح قضية المرتزقة بالإستعانة بالتسجيلات المتوفرة.
• تكثيف الحملات التي توضح خطورة وجود المرتزقة في القتال إلى جانب المليشيا.
• ممارسة ضغط التي أعلامي وتاليب الرأي العام العالمي ضد الجهات تدعم المقاتلين الاجانب.
• تفعيل الأتفاقيات مع روسيا و الصين لضمان إتخاذ موقف إيجابي في المحافل الدولية. إستخدام الفيتو الروسي في مجلس الامن الدولي بتاريخ 18 نوفمبر 2024م برفض قرار إيقاف الحرب في السودان.
الخاتمة:
• معالجة قضية المرتزقة الاجانب تتطلب نهج متعدد الابعاد يشمل التعاون الاقليمى والدولى ودور أكبر للحكومة السودانية و الشركاء المحليين.
• وضع استراتيجية شاملة تجمع بين الامن والسياسة وتحتاج الى التزام مستمر.
• نسأل الله النصر لقواتنا المسلحة والقوات النظامية الاخرى وتقبل الله الشهداء وعاجل الشفاء للجرحى وعودا" حميدا" للأسرى و المفقودين.
hseisi2009@gmail.com