لدكتور محمد سيف الإسلام بـوفلاقـة هو المناضل والمفكر الإسلامي (أحمد بن محمد بن مسعود محمد حماني)، ولد يوم الاثنين: (26شوّال1333هـ)، الموافق ل: (6سبتمبر1915م)، بمنطقة (تمنجرت)ببلدية العنصر، القريبة من دائرة (الميلية) ،والتابعة لولاية( جيجل)؛  تلقى بها المبادئ الأولى في اللغة العربية  ؛وهو ينتمي إلى عائلة معروفة في منطقة(الشمال القسنطيني)؛ فقد كان جده من رجال إدارة آل(ابن عز الدين) ؛الذين كانوا يحكمون جهة(الشمال القسنطيني) في أواخر الوجود العثماني بالجزائر ،وبعد أن درس(أحمد حماني) على يد والده انتقل مع شقيقه الشيخ(محمود حماني)إلى مدينة(قسنطينة)؛ وقد تكفل شقيقه بتعليمه في كتّاب(سيدي محمد النجار)، ثم تتلمذ عليه في زاوية(مولى الطيب)في حي(سيدي بوعنابة) ؛حيث حفظ القرآن الكريم خلال هذه المرحلة،وخلالها كان يحضر بشغف دروس الشيخ(أحمد مرزوق بن سعيد الحبيباتني)،وهو أحد أصدقاء والده الشيخ(محمد حماني) ؛وأحد أهم الأئمة والفقهاء الذين عرفتهم مدينة( قسنطينة) في تلك السنوات،وهو من مواليد منطقة(بني حبيبي)في جيجل،   كما حضر خلال هذه الفترة بعض دروس العلاّمة(ابن باديس)،مع والده ؛عندما كان يزوره،وهو في مدينة(قسنطينة) ،وفي مطلع السنة الدراسية: (1350هـ/1931م) ؛ التحق بسلك طلبة العلاّمة (ابن باديس)  في (الجامع الأخضر) و(سيدي قموش) بقسنطينة، وانضم إلى جمعية العلماء المسلمين الجزائريين ،عام: (1353هـ/1934م)،حيث يقول في حوار أجري معه سنة: (1415هـ/1995م): «أما عضويتي في جمعية العلماء المسلمين الجزائريين ،فقد كانت منذ سنة:1934م،في تلك السنة أخذت بطاقة العضوية من يد الشيخ عبد الحميد بن باديس،ثم عملت بقُربه، ولما انتخب الشيخ البشير الإبراهيمي رئيساً كنت أيضاً بقربه وبجانبه إلى أن ارتحل إلى المشرق.

ثم كنت دائماً قريباً من جمعية العلماء،وفي وسط العاملين بها.ولا أفتخر بهذا  وإنما أقرر الواقع ،وإن كنت أعتز بهذا الواقع». وبعد ثلاث سنوات من تتلمذه على يد الشيخ(ابن باديس) ،وفي سنة:(1353هـ/1934م)  سافر إلى  تونس مع الشيخين( محمد ميهوبي) و(محمد ملياني) ،ودرس بالجامع الأعظم ؛ كما  نهل من المدارس التونسية  كالمدرسة الخلدونية،وجامع الزيتونة،ودرس شتى العلوم في البلاد التونسية كالرياضيات، والتاريخ،والعلوم العصرية؛ فحصل على عدة شهادات؛ ففي سنة: (1355هـ/1936م) نال الشهادة الأهلية؛وكان من بين الطلبة الأوائل،ثم نال شهادة التحصيل عام: (1359هـ/1940م)، وختم تفوقه وتميزه في البلاد التونسية،بنيّل الشهادة(العالمية)من قسم الشريعة وأصول الدين، في سنة: (1362هـ/1943م)،وبعدها بعام دخل إلى الجزائر، وتمت محاكمته سنة: (1364هـ/1945م)   بتهمة التعامل مع الألمان في تونس،وبعد ذلك اشتغل بالتعليم، وعمل بمجلة( الشهاب) وجريدة( البصائر)، واعتُقل سنة: (1376هـ/1957م) ؛ وزج به الاستعمار في غياهب السجون ،وعقب الاستقلال عمل مفتشاً عاماً للغة العربية ،ودرّس بكلية الآداب بجامعة الجزائر ،وتولّى رئاسة المجلس الإسلامي الأعلى،وقد رحل عن هذه الفانية يوم: (5ربيع الأول1419هـ)  الموافق:(29جوان1998م).و ترك الشيخ مجموعة من الآثار منها المطبوعة، ومنها التي ما تزال  مخطوطة،ومن أهم مؤلفاته:«صراع بين البدعة والسنة أو القصة الكاملة للسطو بالإمام عبد الحميد بن  باديس »،ويقع هذا الكتاب في جزأين، شرح الشيخ (أحمد حماني)في مقدمته الأسباب التي دعته إلى تأليفه،ونبه إلى ما يبتغيه من وراء هذا الإنجاز،فنلفيه يقول: «فهذا كتاب: (صراع بين السنة والبدعة أو القصة الكاملة للسطو بالإمام الرئيس عبد الحميد بن باديس) أردنا منه أولاً أن يكون باباً من كتاب يتحدث عن الحركة الإصلاحية الحديثة في الجزائر،فأبي إلا أن يكون كتاباً كاملاً في حجم محترم،وكاد يكون مستقلاً عن أصله بموضوعاته المتشعبة، وجوانبه المتفرعة،وفصوله المتعددة،وأحداثه المتنوعة،وصفحاته الكثيرة. في هذا الكتاب سيجد القارئ فصلاً طويلاً عن السنة والبدعة وعن الصراع بينهما منذ فجر الإسلام،وحتى الآن وموقف أئمة الإسلام الأعلام من السنة يلتزمونها قولاً وفعلاً،ويعضون عليها بالنواجذ،ومن البدعة يمقتونها ويحذرون منها ويهينونها ويبذلون كل ما وسعهم لطمس معالمها و إخفات صوت أهلها.  وسيجد القارئ كيف نشأت الحركة الإصلاحية الحديثة وكيف امتدت إلى بلادنا،وماذا أثرته في نهضتنا،وفي نجاح أمتنا في استرجاع شخصيتها،والقضاء على عوامل فنائها،وستبرز أمامه شخصية زعيم الإصلاح ببلادنا الشيخ عبد الحميد بن باديس،وماذا عمل لإحياء السنة وإماتة البدعة،وما بذل في ذلك من مساع  حميدة،وماذا لقي من أذى شديد في نفسه وماله ومن الذي قام في وجهه واعترض سبيله،وما هي الدواعي العلنية والبواعث السرية؟ سيجد القارئ القصة الكاملة لحادثة مريعة هي حادثة السطو بالشيخ عبد الحميد بن باديس ذات مساء من شتاء(1345هـ/1926م)،وكانت حادثة مدبرة بإحكام وقعت من المعتدين عن عمد وتربص وسبق إصرار،وكانت تودي بحياته…  ».  كما يجد القارئ لكتاب : (صراع بين السنة والبدعة أو القصة الكاملة للسطو بالإمام الرئيس عبد الحميد بن باديس)،مجموعة من التراجم الثمينة،وثلة من الشهادات القيّمة التي تفيد القارئ أيما إفادة من شتى الجوانب ،وقد نبه الشيخ(أحمد حماني) في مقدمته إلى هذا الأمر،حيث يقول: «وقد تعرضنا لبعض التراجم أثناء العرض حاولنا فيها أن نُعرّف بها تعريفاً صحيحاً برجال عظماء منا لعبوا أدواراً أساسية في نهضتنا،وكان لهم أثر عظيم على أمتنا،فمنهم من اجتهد فأصاب، ومنهم من اجتهد فأخطأ… »   ومن بين الآثار التي تركها الشيخ(أحمد حماني)،كتاب: «الإحرام لقاصدي بيت الله الحرام»،و«فتاوى الشيخ أحمد حماني:استشارات شرعية ومباحث فقهية »،و«من الشهداء الأبرار:شهداء علماء معهد عبد الحميد بن باديس»،و«رسالة الدلائل البادية على ضلال البابية وكفر البهائية».  يقول عنه الدكتور( محمد الشريف قاهر): «إن الشيخ أحمد حماني مدرسة دعت دائماً إلى تبني القضايا الهامة،والاهتمام والاجتهاد بوجود الإسلام كمبدأ ودين،مدرسة رفضت الاشتغال بالجزئيات والخلافات الفقهية،وقد كان من ثمار هذه المدرسة أنه اختفت عوامل التفرقة بين الناس.فقد كان الشيخ رحمه الله يتميز بالفهم الواعي للإسلام،وكان يرى أن أهل الفقه أعرف بالإسلام وأكثر خدمة له. إن شخصية أحمد حماني جمعت بين مواصفات العالم والخطيب والداعية ومنهاج المفكر في تميز واقتدار،حيث إن طروحاته كانت تتسم بالنظرة العميقة الشاملة،فيما كان فكره مشحوناً بمشاعر العالم الذي يتخذ مسار منتهج الوسطية ونبذ الغلو والتطرف». ويذكر الأستاذ الباحث( عبد القادر حمداوي): أن الشيخ( أحمد حماني)  : «منارة علمية عظيمة شامخة كشموخ الجزائر…،وهو عبقرية علمية بارزة،كان تأثيره واضحاً وكبيراً في المجتمع،حيث اعتمد منهجية النظر في الفتاوى والتدقيق فيها،وهو غزير العلم وعالي الهمم،لقد نفع الناس بعلمه وتربيته وسلوكه،وهو من أبرز العلماء المصلحين الأجلاء الذين عرفهم الوطن الجزائري في أيام المحنة والفتن». ويصفه تلميذه الأستاذ( محمد الصغير بلعلام)،بالقول: «كان الشيخ حماني لا يخاف في الحق لومة لائم حينما يتعلق الأمر بقول كلمة الحق،لقد كان عالماً فقهياً ومالكياً متفتحاً». ويذهب الشيخ العلاّمة والمؤرخ( عبد الرحمن الجيلالي)إلى التأكيد على أن الشيخ( أحمد حماني) هو«علم من أعلام الدعوة الإسلامية،فقد كان من العلماء المستنيرين والفاهمين لكتاب الله سبحانه وتعالى على الوجه الصحيح،كان إمام الأئمة في بلدنا…وتتميز خطاباته وكتاباته العديدة بوضوح الفكرة وبيان القيمة بطريقة متميزة.   إن العالم أحمد حماني كان مدرسة ،ويجب على الأئمة والأساتذة أن يترسموا خطاه ويسيروا على نهجه،فوفاته في الحقيقة تعتبر خسارة كبيرة جداً لحقل الدعوة الإسلامية بالجزائر والعالم الإسلامي بصفة عامة». ويُحدد الباحث الدكتور( أحمد عيساوي) عوامل نبوغه في عدة عناصر،من أبرزها: 1-انتسابه وولادته ونشأته في أسرة ريفية جزائرية أصيلة ومحافظة على قيمها ودينها،وهويتها وأصالتها العربية والإسلامية. 2-طول فترة تعلمه في بلدته: ( 1920-1929م)،وفي قسنطينة( 1930-1934م)،وفي تونس( 1934-1944م). 3-تنوع بيئات ومدارس ثقافته وعلمه وأخذه. 4-كثرة شيوخه الذين أخذ عنهم في بلدته،وفي قسنطينة، وفي تونس حاضرتي العلم في بلاد المغرب العربي الإسلامي. 5-تتلمذه على يد شيوخ فحول رساليين،أصحاب مبادئ خالدة في الحياة. 6-انتسابه في سن الطلب لحلقات الشيخ عبد الحميد بن باديس وعمره قد بلغ السادسة عشرة،حيث الفاعلية والنشاط،وتأثره العميق بخط ومبادئ وعمل جمعية العلماء المسلمين الجزائريين. 7-تشبعه بمبادئ حركة الإصلاح الحديثة التي سعت جاهدة لتحرير العالم الإسلامي من ربقة الاستعمار والتخلف والجهل، ولاسيما مدرسة المنار. 8-شهوده الأحداث الجسام في الجزائر وتونس،ولاسيما صراع الجمعية مع الاستعمار وأعوانه من الرسميين والطرقيين. 9-تأثره بالحركة الدينية والأدبية والصحفية والفكرية والعلمية والسياسية التي شهدتها تونس في مطلع القرن العشرين. 10-مشاركته في العمل التربوي والتعليمي بعد عودته من تونس وتعرضه لملاحقات الاستعمار.    أهمّ المراجع: 1-أحمد حماني: صراع بين السنة والبدعة أو القصة الكاملة للسطو بالإمام عبد الحميد بن باديس،الجزء الأول والثاني،منشورات دار البعث للطباعة والنشر والتوزيع، قسنطينة،الجزائر ،ط:01،1405هـ/1984م. 2-الشيخ أحمد حماني: أصالة ومعاصرة(تأليف مشترك)، بمناسبة تخرج الدفعة الخامسة عشرة من الطلاب بجامعة الأمير عبد القادر للعلوم الإسلامية بقسنطينة، ربيع الثاني1423هـ/جوان2002م،ط:02،منشورات دار الهدى للطباعة والنشر والتوزيع ،عين مليلة،الجزائر،أفريل2008م. كلية الآداب واللُّغات، جامعة عنابة، الجزائر

المصدر: رأي اليوم

كلمات دلالية: صراع بین فقد کان

إقرأ أيضاً:

حفل تأبين الدكتور محمد شفيق البيطار في مجمع اللغة العربية بدمشق

دمشق- سانا

برعاية الدكتور عبد المنعم عبد الحافظ وزير التعليم العالي والبحث العلمي في حكومة تسيير الأعمال، أقام مجمع اللغة العربية بدمشق اليوم حفلاً تأبينياً، بالتعاون مع كلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة دمشق لعضو مجمع اللغة العربية العلامة الراحل الدكتور محمد شفيق البيطار الذي وافته المنية في 3 كانون الأول الفائت.

وقدم المشاركون من دكاترة ومختصين بعلوم العربية خلال حفل التأبين الذي استضافته قاعة المحاضرات بالمجمع مرثياتهم للراحل، تناولوا خلالها علمه الغزير وأخلاقه العالية وما تركه من إرث فكري وأدبي.

مقالات مشابهة

  • الصالون الثقافي يحتفي بمئوية الدكتور حسين نصار في أولى فعالياته.. صور
  • الصالون الثقافي يحتفي بمئوية الدكتور حسين نصار في أولى فعالياته
  • حاجز يحول بين الانسان وحرمات الله .. مفتي الجمهورية يتحدث عن أهمية الصلاة (فيديو)
  • تاركًا أمه وحيدة.. رحيل الدكتور أحمد ماهر بعد توقف قلبه أثناء العمل
  • وزير الأوقاف ينعى الكاتب الصحفي أحمد عطية صالح رئيس تحرير اللواء الإسلامي
  • وزير الأوقاف ينعى الكاتب الصحفي أحمد عطية صالح
  • ولي العهد الأمير محمد بن سلمان في مدينة العلا
  • حفل تأبين الدكتور محمد شفيق البيطار في مجمع اللغة العربية بدمشق
  • عبدالسلام عامر.. الرحيل الصامت والمُفجع للاعب منتخبنا الوطني
  • وكيل وزارة المالية الدكتور أحمد حجر: استمرارُ صرف نصف الراتب سيحسن مستويات الدخل