أعادت معركة طوفان الأقصى القضية الفلسطينية على الساحة الدولية من جديد بعد سنوات من الصمت الدولي، وكأن شيئا لم يكن، منذ الاعتراف بدولة الاحتلال الإسرائيلي على الأراضي الفلسطينية عام 1948.

ومنذ السابع من تشرين الأول / أكتوبر 2023 وتشن حكومة الاحتلال الإسرائيلي حربا مدمرة على قطاع غزة راح ضحيتها أكثر من 35 ألف شهيد، معظمهم من الأطفال والنساء والشيوخ، غير آلاف المصابين والمفقودين، فيما تدمرت البنية التحتية للقطاع بشكل كامل، في حين يمارس الاحتلال حرب تجويع لسكان القطاع بالكامل.



وبات الاعتراف بعض الدول بدولة فلسطين خبر يتصدر المشهد في حدث غاب عن الأجيال الحالية حتى بما فيهم أبناء وأحفاد المستوطنين الذين هجروا من بلادهم الأصلية للاستيطان بالأراضي الفلسطينية، وربما تشهد الأيام القادمة اعتراف عدد من الدول الأوروبية بالدولة الفلسطينية على رأسها إسبانيا، التي أعلنت وصرحت مرارا وتكرارا باستعدادها الاعتراف بدولة فلسطين إلا أنها لم تحدد موعد الاعتراف.



البداية من إسبانيا
 ورغم دعم دول الاتحاد الأوروبي للاحتلال الإسرائيلي، إلا أن إسبانيا كانت من الدول الأولى التي أعلنت استعدادها الاعتراف بدولة فلسطين أملا في إيجاد حل لأقدم احتلال في العالم وانتهاء الأزمة بإعلان حل الدولتين، حين صرح رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز في نيسان / إبريل الماضي جاهزية بلاده للاعتراف بالدولة الفلسطينية، في إحاطة للبرلمان حول جولته في الشرق الأوسط والموقف الإسباني المتعلق بنية مدريد الاعتراف بفلسطين كدولة مشيرا إلى أن الاعتراف بالدولة الفلسطينية مصلحة جيوسياسية لأوروبا.

ووافقت إسبانيا على اتخاذ الخطوات الأولى نحو الاعتراف بدولة فلسطينية، بالتعاون مع زعماء آخرين من أيرلندا ومالطا وسلوفينيا، وفق ما أعلن سانشيز، في الوقت الذي تشهد فيه المدن الإسبانية تظاهرات مستمرة داعمة لفلسطين ومطالبة بإنهاء حرب الإبادة على غزة ووقف إطلاق النار الفوري، كما تطالب الحكومة الإسبانية والمجتمع الدولي بـ "اتخاذ إجراءات عاجلة وملموسة وفعالة ضد إسرائيل، ووقف تجارة السلاح معها، ومقاطعة الشركات المشاركة في المجزرة".

إسبانيا التي لم تحدد موعد الاعتراف إلا أن بعض التسريبات الصحفية التي أعلن خلالها أن الاعتراف قد يكون في حزيران / يونيو المقبل، لم تدخر جهدا في إقناع دول أخرى بوجهة نظرها في طريق اعترافها بدولة فلسطين، حيث أن وافقت دول عربية والاتحاد الأوروبي خلال اجتماع في إسبانيا في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي على أن حل الدولتين هو السبيل لحل القضية الفلسطينية.

ويواصل رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز جهوده لحشد الدعم من أجل الاعتراف بدولة فلسطينية، وقال إن هناك "مؤشرات واضحة" في أوروبا إلى أن دول القارة مستعدة لاتخاذ هذه الخطوة.



مسؤول أوروبي يعلن موعد اعتراف إسبانيا
كشف الممثل الأعلى للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل، الموعد المنتظر لاعتراف إسبانيا بدولة فلسطين مؤكد أن الحكومة الإسبانية ستأخذ قرارها في 21 أيار / مايو الجاري، نقلا عن وزير خارجية إسبانيا خوسيه مانويل ألباريس.

وأكد المسؤول الأوروبي أنّ دولا أوروبية مثل مالطا وأيرلندا وسلوفينيا والنرويج في طريقها للاعتراف بدولة فلسطين، دعما للمبادرة، التي تقودها إسبانيا، علما بأنها ليست التجربة الأولى للاعتراف بدولة فلسطين، حيث يعترف بها حاليًا 8 أعضاء في الاتحاد الأوروبي، وهي بلغاريا وبولندا والتشيك ورومانيا وسلوفاكيا والمجر وإدارة جنوب قبرص الرومية والسويد.



الأمم المتحدة تعترف
محاولات دول أوروبا على رأسها إسبانيا لم تكن الوحيدة، في تلك الآونة، ففي العاشر من أيار/ مايو الجاري، صوتت الجمعية العامة للأمم المتحدة، الجمعة، بغالبية كبرى تأييداً لطلب عضوية فلسطين بعضوية كاملة، الأمر الذي عطلة "الفيتو" الولايات المتحدة بمجلس الأمن، حيث حصد القرار تأييد 143 عضواً مقابل اعتراض 9 أعضاء وامتناع 25 عن التصويت، مع توصية لمجلس الأمن بإعادة النظر في الأمر بصورة إيجابية.

القرار رغم عدم جدواه واقعيا إذ اعتبره البعض أنه تصويت "رمزي" يعلن من خلال أن فلسطين أصبحت مؤهلة للانضمام للأمم المتحدة، القرار الذي يعطله "فيتو" أمريكا في مجلس الأمن إلا أنه يعد انتصارا كبيرا للقضية الفلسطينية وتسبب فيه معركة طوفان الأقصى، خطوة تشير إلى حضور القضية الفلسطينية من جديد وبشكل قوي في المحافل والمؤسسات الدولية بعد فترة طويلة من التغييب والتجاهل في ظل محاولات التصفية لحقوق الشعب الفلسطيني.



 — صاحب السعادة (@16_Gouda) May 11, 2024

 "أسلو" وخدعة أمريكا
وتحظى دولة فلسطين بصفة دولة مراقبة غير عضو في الأمم المتحدة منذ تشرين الثاني/ نوفمبر 2012 بعد طلب قدمته السلطة الفلسطينية إلى الأمم المتحدة في أيلول/ سبتمبر 2011، إلا أن التصويت الأخير أعاد الكرة من جديد لملعب مجلس الأمن الذي رفض الموافقة على الاعتراف بدولة فلسطين رغم موافقة 12 عضواً بسبب "الفيتو" الأمريكي، الذي فضح مزاعم أمريكا في تنفيذ خطتها منذ اتفاقية أسلو 1993 بالتمهيد للاعتراف بدولة فلسطين خلال 5 سنوات وقد عبَّرت الولايات المتحدة عن استعدادها لتكرار رفع بطاقة "الفيتو" في مجلس الأمن ضد أي اقتراح جديد.

ولا يمكن لأي دولة أن تنضم إلى الأمم المتحدة إلا بموافقة مجلس الأمن والجمعية العامة، ولذلك يصطدم القرار بالبنية غير العادلة لمجلس الأمن التي تجعل 5 دول تقرر عن بقية دول العالم، فالولايات المتحدة تعارض الاعتراف بدولة فلسطين في إطار الأمم المتحدة لأنها تعدّه خارج إطار التفاوض بين الفلسطينيين ودولة الاحتلال الإسرائيلي.

وفي يوم 13 أيلول/ سبتمبر 1993 ذهب الفلسطينيون والمستوطنون لاتفاق أوسلو، بما يضمن حقوقهم المشروعة، وبحسب قرارات مجلس الأمن رقمي (242 و338) أفضى الاتفاق لحل مرحلي انتقالي مدته 5 سنوات تقوم على أساسه سلطة حكم ذاتي تنتهي لدولة فلسطينية على حدود1967.






ماذا يعني الاعتراف الدولي بفلسطين؟
الاعتراف بالدولة هو التسليم من جانب الدول القائمة بوجود هذه الدولة وقبولها كعضو في الجماعة الدولية، وهو إجراء مستقل عن نشأة الدولة، وتكمن أهمية في أن الدولة لا تتمكن من ممارسة سيادتها في مواجهة الدول الأخرى ومباشرة حقوقها داخل الجماعة الدولية إلا إذا اعترفت هذه الجماعة بوجودها.

الاعتراف يخلق الشخصية الدولية للدولة الجديدة ودون الاعتراف لا تكون لإعمالها أي صحة أو نفاذ قانوني، والاعتراف الدولي بفلسطين يعني أن فلسطين من حقها بموجب القانون الدولي أن تصبح طرفاً في اتفاقية فيينا، وتتبادل التمثيل الدبلوماسي والقنصلي مع الآخرين بحرية تامة، الأمر الذي يعطي حصانة وامتيازات لبعثاتها ودبلوماسيتها في كافة دول العالم .

كما أن الاعتراف بفلسطين له أهمية كبيرة على صعيد القضاء الدولي، سواء قضاء محكمة العدل الدولية أو المحاكم الجنائية الدولية، بمعنى أن فلسطين تستطيع أن تقيم دعاوى أمام محكمة العدل الدولية فيما يتعلق ببعض القضايا مثل الاستيطان والجدار الفاصل والمياه والحدود وقضايا اللاجئين.

والاعتراف الدولي بفلسطين يبين وجود تحول كبير مع مواقف بعض الدول مثل دول الاتحاد الأوروبي وتأثير مواقف بعض الدول مثل الدول الإسلامية والعربية ودول الإتحاد الإفريقي ودول أمريكا اللاتينية، وهذا يشكل رسالة واضحة وذات دلالات كبيرة للدول العربية مفادها أن تجاهل إفريقيا وأمريكيا من قبل العالم العربي كان ولا يزال خطأ كبير يصل لحد الخطيئة.

ويسهل الاعتراف الدولي بفلسطين الطريق أمام بعض الخطوات من أجل استكمال الإجراءات الخاصة بالاستقلال التام مثل إصدار الجنسية أو العملة الفلسطينية وإصدار جواز السفر الخاص برعاياها المعترف به دولياً بدلاً من الوثيقة المعمول بها حالياً.

خبراء ومختصون أكدوا في حديثهم لـ" عربي 21" أن الاعتراف بدولة فلسطين رغم أنه رمزي ولكن خطوة مهمة في مسار القضية الفلسطينية.


حق العودة
من جانبه قال مدير مركز دراسات الإسلام والشؤون العالمية بجامعة صباح الدين زعيم بإسطنبول، سامي العريان، أن الاعتراف بدولة فلسطين سواء من قبل بعض الدول الأوروبية كإسبانيا ومالطا وأيرلندا وسلوفينيا أو خلال الجلسة العامة للأمم المتحدة، مهم من الناحية المعنوية والرمزية، ولكن على المستوى الفعلي والعملي لن تكون هناك دولة فلسطين، حيث ستمارس الولايات المتحدة الأمريكية حق الفيتو لمنع قيام الدولة.

وأضاف العريان في تصريحات خاصة لـ "عربي21" أن التصور ليس في إقامة دولة من عدمه لكن أمريكا تنظر للأمر بصفته ضد المصلحة الصهيونية في الاستعمار واحتلال أرض فلسطين كاملة، وأن المطلوب فعليا هو تفكيك النظام العنصري الصهيوني والاعتراف بحق العودة الذي لا يُذكر في قرار الاعتراف ولا يتم التصويت عليه.

وأشار مدير مركز دراسات الإسلام والشؤون العالمية بجامعة صباح الدين زعيم بإسطنبول، إلى أن حق العودة هو مطلب شرعي وتاريخي وقانوني ويعيد العدل وأنه نقطة مفصلية في قرار الاعتراف بدولة فلسطين، وأن قرار الاعتراف او زيادة عدد الدول المعترفة بدولة فلسطين هي مسألة رمزية ومعنوية مهمة ولكنها ليست حل جذري للقضية الفلسطينية.



اعتراف منقوص
الأمر لن يذهب بعيد مع الخبير بالشؤون الأوروبية والدولية حسام شاكر، الذي أكد أن الاعتراف بدولة فلسطين سواء من بعض الدول الأوروبية أو خلال جلسة التصويت في الأمم المتحدة هو اعتراف مهم من الناحية المعنوية والرمزية، ولكن الأهم في الموضوع هو نوعية الاعتراف، ولكن هناك مكاسب قانونية ورمزية نسبية وليست مطلقة.

وأضاف شاكر في تصريحات خاصة لـ "عربي21" أن الاعتراف بدولة فلسطين من بعض الدول موجود منذ سنوات، لكن مع هذا الاعتراف نجد انحياز تلك الدول في علاقتها الخارجية لدولة الاحتلال الإسرائيلي ولا يهتم بحقوق الشعب الفلسطيني ومساعدته في إنهاء حالة الاستعمار والاحتلال.

وأشار الخبير بالشؤون الأوروبية والدولية أن الإشكالية في هذا الاعتراف أنه خطوة منقوصة لتحرر فلسطين من الاحتلال، فلابد أن يكون الاعتراف ضد الاحتلال ويؤيد حق الشعب الفلسطيني عمليا، ويمحي الفجوة بين اعتراف تلك الدول بدولة فلسطين وبين انحيازهم وعلاقتهم الخارجية مع دولة الاحتلال الإسرائيلي، وأن مشروع الدولتين في واقع الحال يقيد الدولة الفلسطينية في الحصول على حقوقيها وحقوق شعبها.



يضغط على الاحتلال
ومن ناحية أخرى يرى رئيس الهيئة الدولية لدعم حقوق الشعب الفلسطيني (حشد) صلاح عبد العاطي أن قرار الاعتراف بدولة فلسطين خلال تصويت الأمم المتحدة أو من خلال الاعتراف الدولي من بعض الدول هو خطوة قانونية مميزة تزيد من حماية الشعب الفلسطيني وتؤثر على انضمام بعض الدول الأخرى للاعتراف بدولة فلسطين.

وأضاف عبد العاطي في تصريحات خاصة لـ" عربي21" أن الاعتراف حتى وإن كان رمزيا إلا أنه خطوة مهمة في سبيل حماية لحل الدولتين ويضغط على الاحتلال الإسرائيلي بحل بإنهاء احتلال الأراضي الفلسطينية، مشيرا إلى أن القرار فردي وينفذ بمجرد أن تتخذه الدولة ويدعم حقوق الشعب الفلسطيني قانونيا على أرضه.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة مقابلات سياسة دولية الفلسطينية الاحتلال الاعتراف بدولة فلسطين امريكا فلسطين الاحتلال الاعتراف بدولة فلسطين المزيد في سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة دولة الاحتلال الإسرائیلی الاعتراف الدولی بفلسطین للاعتراف بدولة فلسطین الدولة الفلسطینیة القضیة الفلسطینیة الاتحاد الأوروبی الشعب الفلسطینی الأمم المتحدة قرار الاعتراف دولة فلسطین مجلس الأمن بعض الدول إلا أن إلى أن

إقرأ أيضاً:

فلسطين إذ تحرج الحياد السويسري من جديد

في خطوة مثيرة للجدل، أعلنت سويسرا إلغاء المؤتمر الدولي الذي كان مقررًا عقده في 7 مارس/ آذار 2025 لمناقشة تطبيق اتفاقية جنيف الرابعة على الأراضي الفلسطينية المحتلة.

جاء الإلغاء تحت ذريعة "غياب الدعم الكافي من الدول"، وعدم وجود توافق دولي، إلا أن مصادر دبلوماسية كشفت أن القرار جاء نتيجة ضغوط سياسية من بعض الدول، ما يثير تساؤلات حول حياد سويسرا والتزامها بمبادئ القانون الدولي، خاصة في ظل استمرار الانتهاكات بحق الفلسطينيين.

كان من المفترض أن يركز المؤتمر على تطبيق اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949، وهي المعاهدة الأساسية التي تحمي المدنيين في أوقات الحرب والاحتلال. وتكمن أهميته في كونه فرصة حقيقية لـ:

تسليط الضوء على الانتهاكات الإسرائيلية المستمرة بحق الفلسطينيين. بحث سبل تفعيل العقوبات الدولية على إسرائيل؛ بسبب سياساتها غير القانونية. تقديم توصيات للدول الموقعة لاتخاذ إجراءات عملية، مثل مقاطعة المستوطنات، أو تقييد التعاون العسكري مع إسرائيل. دعم التحقيقات الدولية في جرائم الحرب والإبادة الجماعية التي أُثيرت أمام محكمة العدل الدولية.

إلغاء المؤتمر لا يعكس مجرد تعثّر دبلوماسي، بل يمثل إضعافًا خطيرًا لآليات حماية المدنيين الفلسطينيين، ويمنح الاحتلال الإسرائيلي مساحة إضافية لمواصلة انتهاكاته دون محاسبة.

في ظل هذا القرار، تتزايد التساؤلات حول قدرة المجتمع الدولي على فرض احترام القانون الدولي الإنساني، وحول مدى استعداد الدول للالتزام بمسؤولياتها القانونية تجاه ما يجري في الأراضي الفلسطينية المحتلة.

إعلان لماذا اختيرت سويسرا لعقد اتفاقيات جنيف؟

عُقدت اتفاقيات جنيف استجابةً للفظائع الإنسانية التي شهدتها الحروب، خاصة الحربين العالميتين، بهدف وضع قواعد قانونية لحماية المدنيين وأسرى الحرب والجرحى في النزاعات المسلحة.

اختيرت سويسرا لاستضافتها؛ لأنها دولة محايدة تاريخيًا لم تشارك في أي صراع دولي، مما جعلها وسيطًا موثوقًا يحظى بقبول واسع. كما أنها مهد اللجنة الدولية للصليب الأحمر (ICRC)، التي قادت الجهود لتأسيس هذه الاتفاقيات؛ لضمان الحد الأدنى من الإنسانية أثناء الحروب.

إضافةً إلى ذلك، تحتضن جنيف العديد من المنظمات الدولية، مثل الأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية، مما عزز دورها كمرجع للقانون الإنساني الدولي، وجعلها الضامن الرئيسي لتنفيذ هذه الاتفاقيات.

لماذا أُلغي المؤتمر المقرر بشأن الأراضي الفلسطينية؟

أثار قرار إلغاء مؤتمر اتفاقية جنيف الرابعة، الذي كان مقررًا في 7 مارس/آذار 2025، جدلًا واسعًا حول الأسباب الحقيقية وراء هذا التراجع المفاجئ. بينما بررت سويسرا الإلغاء بغياب التوافق الدولي ونقص المشاركة، إلا أن الواقع يشير إلى وجود شبكة معقدة من العوامل السياسية والدبلوماسية والقانونية التي لعبت دورًا رئيسيًا في عرقلة انعقاد المؤتمر.

هذه العوامل تراوحت بين الضغوط الغربية، والاعتراضات على صياغة البيان الختامي، والخلافات حول تحميل إسرائيل المسؤولية القانونية، إضافة إلى تراجع بعض الدول عن الحضور، ما أدَّى إلى فقدان المؤتمر ثقله السياسي.

لم يكن الموقف الإسرائيلي بعيدًا عن هذه التطورات، إذ عارضت إسرائيل المؤتمر منذ البداية، واعتبرته جزءًا من "الحرب القانونية" التي تستهدف سياساتها في الأراضي المحتلة.

مارست تل أبيب ضغوطًا كبيرة على حلفائها الغربيين لضمان عدم انعقاده، كما عملت على تقويض أية محاولة لجعله منصة قانونية قد تؤدي إلى فرض عقوبات أو تدابير قانونية ضدها بموجب اتفاقية جنيف الرابعة.

إعلان

وفي المقابل، ورغم عدم إعلانها موقفًا رسميًا، فإن الولايات المتحدة قدمت دعمًا دبلوماسيًا غير مباشر لإسرائيل، وساهمت في خلق بيئة سياسية غير مواتية لانعقاد المؤتمر، مما أدى إلى تراجع الدول الأوروبية عن دعم الحدث بشكل واضح.

وإلى جانب ذلك، كانت مسوّدة البيان الختامي التي أعدتها سويسرا مثار جدل واسع، إذ واجهت اعتراضات من فلسطين ومنظمة التعاون الإسلامي، كونها لم تتضمن إجراءات ملزمة أو آليات واضحة لضمان امتثال إسرائيل لاتفاقية جنيف الرابعة.

كما كانت هناك محاولة لمساواة الاحتلال الإسرائيلي بالفلسطينيين عبر الإشارة إلى "الانتهاكات من جميع الأطراف"، وهو ما أثار انتقادات حادة من الدول العربية والإسلامية.

علاوة على ذلك، لم تأخذ المسوّدة بعين الاعتبار الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية بشأن عدم قانونية الاحتلال الإسرائيلي، ما جعلها تبدو وكأنها مجرد بيان سياسي غير مُلزم، بدلًا من أن تكون وثيقة قانونية تدعم اتخاذ إجراءات ملموسة.

وفي السياق الأوروبي، ظهرت تحفظات بريطانية وأوروبية أخرى على المسوّدة، حيث اعتبرت بعض الدول أن صياغتها غير متوازنة، مما أدى إلى تعطيل إمكانية الوصول إلى إجماع دولي يدعم انعقاد المؤتمر.

لم تكن هناك إرادة سياسية كافية داخل الاتحاد الأوروبي لاتخاذ موقف صارم ضد إسرائيل، خاصة في ظل مخاوف من تداعيات اقتصادية ودبلوماسية محتملة.

أدى هذا التردد إلى تقليل عدد الدول الداعمة للمؤتمر، ما أدى بدوره إلى ضعف الحضور الدولي، حيث فضلت بعض الحكومات الامتناع عن المشاركة بدلًا من مواجهة الضغوط الأميركية والإسرائيلية.

وبالرغم من توجيه الدعوات إلى 196 دولة، فإن الاستجابة جاءت أقل من المتوقع، ما أعطى سويسرا مبررًا إضافيًا لإلغاء المؤتمر.

هناك تساؤلات حول ما إذا كان التقليل المتعمد للحضور جزءًا من خطة لإضعاف الحدث سياسيًا، خصوصًا في ظل الشكوك حول امتناع بعض الدول الغربية عن الحضور؛ لتجنب أي تصعيد قانوني ضد إسرائيل.

إعلان

غياب الدعم الواسع جعل المؤتمر يفقد ثقله القانوني والدبلوماسي، مما دفع سويسرا إلى إلغائه بدلًا من عقده دون تأثير فعلي.

من جهة أخرى، كان لقرار سويسرا بُعد سياسي داخلي ودولي، حيث وجدت نفسها في موقف حسّاس بين "حيادها التقليدي" والتزاماتها القانونية بصفتها الدولة الوديعة لاتفاقيات جنيف.

لم ترغب جنيف في الدخول في مواجهة دبلوماسية قد تؤثر على علاقاتها مع القوى الكبرى، خاصةً بعد أن واجهت انتقادات من بعض الأطراف الغربية والإسرائيلية؛ بسبب استعدادها لاستضافة المؤتمر في المقام الأول.

في النهاية، فضلت سويسرا إلغاء المؤتمر بدلًا من تنظيم اجتماع يعاني من غياب التوافق الدولي، وهو ما يعكس الحسابات السياسية التي طغت على الاعتبارات القانونية والإنسانية.

إلغاء المؤتمر لا يعني نهاية المطالبات بتطبيق اتفاقية جنيف الرابعة على فلسطين، لكنه يعكس حجم التحديات السياسية التي تعترض تنفيذ القانون الدولي الإنساني في القضايا المتعلقة بإسرائيل.

هل سبق لسويسرا إلغاء أنشطة مماثلة؟

لطالما عُرفت سويسرا بحيادها الدبلوماسي واستضافتها المؤتمرات الدولية، خاصة تلك المتعلقة بالقانون الدولي الإنساني. ومع ذلك، هناك سوابق تاريخية تشير إلى ترددها أو إلغائها لأنشطة مشابهة تتعلق بالقضية الفلسطينية، وذلك تحت تأثير ضغوط سياسية وتباينات دولية.

في 5 ديسمبر/ كانون الأول 2001، دعت سويسرا إلى مؤتمر للأطراف السامية المتعاقدة في اتفاقية جنيف الرابعة لمناقشة الأوضاع في الأراضي الفلسطينية المحتلة، في أعقاب الانتفاضة الثانية والانتهاكات الإسرائيلية الجسيمة.

ورغم انعقاد المؤتمر، لم يستمر سوى 15 دقيقة فقط، حيث أُصدِر بيانٌ مقتضبٌ أكد على انطباق الاتفاقية على الأراضي الفلسطينية المحتلة، مع ترك الباب مفتوحًا لإمكانية عقد مؤتمر آخر "في ضوء تطورات الوضع الإنساني في المنطقة". هذا الحدث يعكس كيف أن الضغوط السياسية آنذاك حالت دون اتخاذ قرارات حاسمة، مما أدى إلى مؤتمر شكلي دون أي أثر قانوني ملموس.

إعلان

في ذلك الوقت، أعربت كل من الولايات المتحدة وإسرائيل عن معارضتهما عقد المؤتمر؛ بحجة أن انعقاده قد يعيق جهود السلام الجارية في الشرق الأوسط.

أدى هذا الموقف إلى تقليص فاعلية المؤتمر، حيث لم يصدر عنه أي قرارات ملزمة، مما جعله إجراءً شكليًا أكثر منه خطوة عملية لمحاسبة إسرائيل على انتهاكاتها في الأراضي المحتلة.

أما في عام 2009، وبعد صدور تقرير غولدستون الذي وثّق انتهاكات إسرائيل خلال الحرب على غزة فتم تأجيل مناقشته المقررة في جنيف. صحيح أنه لم يكن لسويسرا دور مباشر في ذلك التأجيل، إذ إنه تم بطلب من السلطة الفلسطينية نتيجة ضغوط أميركية وإسرائيلية؛ بحجة أن طرح التقرير قد يؤثر سلبًا على عملية السلام.

لكنها، بصفتها الدولة الوديعة لاتفاقيات جنيف، لم تتخذ أيضًا أي خطوات فاعلة لدفعه نحو المساءلة الدولية، مما يعكس طبيعة سياساتها الحذرة وتوازناتها الدبلوماسية.

تكشف هذه السوابق التاريخية أن سويسرا، رغم دورها كدولة محايدة وراعية لاتفاقيات جنيف، قد تجد نفسها في مواقف معقدة تتطلب توازنًا دقيقًا بين التزاماتها القانونية والضغوط السياسية الدولية.

وفي العديد من الحالات، يبدو أن هذه الضغوط أدت إلى إضعاف دورها في تعزيز المساءلة الدولية، خصوصًا عندما يتعلق الأمر بالقضية الفلسطينية.

وعمومًا، فإن إلغاء المؤتمر الذي كان مقررًا هذا الشهر لتطبيق اتفاقية جنيف على الأراضي الفلسطينية ليس نهاية المطاف. بل إنه قد يكون حافزًا للدول الملتزمة بتطبيق القانون الدولي والمنظمات الحقوقية الدولية للبحث عن بدائل تعزز العدالة الدولية، سواء عبر عقد المؤتمر في دولة أخرى، أو من خلال الأمم المتحدة، أو حتى عبر المسارات القانونية في محكمة العدل الدولية، أو المحاكم الوطنية ذات الاختصاص العالمي.

ويبقى السؤال الأهم: هل ستتمكن تلك الجهات بدورها من تجاوز الضغوط السياسية وإيجاد طريق جديد لإعلاء صوت القانون الدولي ومساءلة الاحتلال الإسرائيلي؟

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

إعلان

aj-logo

aj-logo

aj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2025 شبكة الجزيرة الاعلامية

مقالات مشابهة

  • «إعلام»: إدارة ترامب تدرس الاعتراف بأن القرم روسية في أي اتفاق مستقبلي بشأن أوكرانيا
  • زلزال طوفان الأقصى يواصل الإطاحة بكبار قادة الاحتلال
  • فلسطين صوت الضمير الحيي
  • فلسطين إذ تحرج الحياد السويسري من جديد
  • رئيس الشاباك يكشف أسباب إقالته وعلاقة طوفان الأقصى بالقرار
  • أندر الأمراض الوراثية.. متلازمة تحول الجسم إلى تمثال حجري| ماذا يحدث؟
  • هاليفي: حماس نجحت في خداع إسرائيل قبل عملية طوفان الأقصى
  • برتقالية وحمراء.. قائمتان امريكيتان لمنع السفر من وإلى الولايات المتحدة تشمل مواطني عدد من الدول بينها اليمن
  • الخارجية الفلسطينية تناشد المجتمع الدولي وقف جرائم الاحتلال الإسرائيلي شمال الضفة الغربية
  • علماء فلسطين تدعو لنصرة الأقصى تدين تصاعد انتهاكات الاحتلال الإسرائيلي بحقه