الرأي العام في العراق ومقومات وجوده
تاريخ النشر: 16th, May 2024 GMT
مايو 16, 2024آخر تحديث: مايو 16, 2024
ابراهيم الخليفة
هل يوجد في العراق رأي عام مستقل غير مؤدلج ،عقائديا ،دينيا وسياسيا حيث يكون مؤثر في صنع الأحداث وتحريكها ، ناجحا في إنتاج حكومة وطنية تخدم في توجهات الجمهور وطموحاته السياسية،التنموية والحضارية، وفي تكافؤ الفرصن، إذ يعد الرأي العام بمثابة البارومتر الذي تستند عليه الحكومة في رسم برامجها وسياساتها التنفيذية، وفي وضع وصياغة خططها المستقبلية، ولهذا فأن الحكومات واقصد هنا في النظم الديمقراطية والليبرالية وليس الديمقراطية الهجينه، تأخذ بنظر الاعتبار قوته وفاعليتة وتأثيره في رسم وتنفيذ السياسات العامة ، مع اننا ليس لدينا قادة للرأي العام فاعلين ومؤثرين إذا ما استثنينا من ذلك البعض من رجال الدين المؤدلجين ولو بشكل محدد، .
تعريف الرأي العام:
معلوم ، ان الحقيقة التي لا يمكن التغاضي عنها، أن مفهوم الرأي العام Public Opinion ،أصبح الآن ظاهرة كونية تم الإقرار بوجودها وتأثيرها في صناعة الأحداث في كل الكيانات السياسية ،وبناءًا على ذلك نتناول هنا وبأيجاز بعض التعريف الشمولية المعتمدة، منها تعرف الموسوعة السياسية التي عرفت الرأي العام ” أنه اتجاه غالبية الناس في مجتمع ما, اتجاها موحدا إزاء القضايا التي تؤثر في المجتمع أو تهمه أو تعرض عليه، وجاء في تعريف قاموس Collins،الرأي العام هو رأي أو موقف الجمهور فيما يتعلق بمسألة معينة . أما معجم وبسترMerriam Webster ، فقد عرفه بأنه الإرادة الجماعية للشعب. بينما عرفه المؤلف الإنجليزي( ويليام أ. ماكينون) على أنها “تلك المشاعر حول أي موضوع معين يستمتع بها أفضل الأشخاص المطلعين والأكثر ذكاءً الرأي العام . عالم السياسة الأمريكي V.O.Key. عرّف الرأي العام في عام 1961 بأنه “الآراء التي يحملها الأشخاص العاديون والتي تجد الحكومات أنه من الحكمة الاهتمام بها”. وجاء في تعريف ويكيبيديا” الرأي العام هو تكوين فكرة أو حكم على موضوع أو شخص ما، أو مجموعة من المعتقدات القابلة للنقاش وبذلك تكون صحيحة أو خاطئة، وتخص أعضاء في جماعة أو أمة تشترك في الرأي رغم تباينهم الطبقي، الثقافي، أو الاجتماعي، يتعارض ذلك مع الرأي الخاص الذي يشير إلى أمور ومسائل شخصية تتعلق بفرد واحد. إذن هو حلقة من الترابط المصلحي بين المواطنين أنفسهم من جهة ومن جهة اخرى بينهم وبين الحكومة…. يعرّف علماء مختلفون الرأي العام بشكل مختلف. وهناك من يناقش بانه رأي جميع الناس بينما يصفه الآخرون بأنه رأي الأغلبية.
لكن المفارقة، رغم عالمية هذا المفهوم لا يوجد اتفاق عام بين الباحثين على تعريفه، أي إعطاء تعريف أكاديمي دقيق له يكون شاملا ومعبرا وملائما لكل ظروف البيئة السياسية السائدة ، لسبب بسيط لان كل واحدة منها تتحكم بها عوامل موضوعية وذاتية تختلف عن غيرها،ولهذا هو وعاء متحرك، من هنا توجد اختلافات في وجهة النظر حول تعريفه بسبب اختلاف المرجعية التي ينتمون اليها، مما يعكس إلى حد كبير وجهات النظر المختلفة التي تناولها الباحثين الأكاديميين والسياسيين للموضوع ،سيما وأن مفهوم الرأي العام خليط بين مفاهيم العلوم الاجتماعية والسياسية، بل حتى الإعلامية ، إلا أن هنالك مشتركات بين التعاريف التي اعتمدت ظاهرة الرأي العام، مثل جماهيريتها وفاعليتها والأهداف النفعية التي تسعى لتحقيقها للمجتمع والنظم السياسية الداعمة لها، يضاف إلى ذلك كونيتها ، متخطية للحدود الاقليمة ،وهذا المفهوم ارتبط بادىء الأمر في النشاط التجاري والإجتماعي والديني قبل ان يتم توظيفه سياسيا وإعلاميا. ، ومع مرور الوقت وبتطور المفهوم الإدراكي للإنسان أخذ حيزا كبيرا في حياتنا السياسية المعاصرة. إذ يعد الآن ميزة من مميزات النظم الديمقراطية الحية وحرية التعبير عن الرأي والمعتقد.:
يقر الباحثون في مضمار الرأي العام ان هنالك مشتركات متكررة بين هذه التعريفات ، رغم اختلاف مرجعياتها . ولكي يتم احتساب الظاهرة كرأي عام ، يجب استيفاء أربعة شروط على الأقل: (1) يجب أن تكون هناك مشكلة تمس حياة الاغلبية ورغباتهم، (2) وجود عدد كبير من الأفراد يعبرون عن آرائهم حول قضية ما ، (3) يجب أن يكون هنالك نوع من الإجماع ، اي تحظى بإجماع اغلبية المجتمع، و (4) يجب أن يكون لهذا الإجماع ، تأثير مباشر أو غير مباشر على حياة الجمهور ،هذا التباين في المهام والمساحة التي يمثلها نابع من تباين الاراء المرجعية حول هذا المفهوم، وكما لاحظنا وجود مشتركات ، لكن ايضا وجود اختلاف في تعريف هذا المفهوم.
لمحة تأريخية:
يُعد مفهوم الرأي العامPublic Opinion، بأنه من المفاهيم السياسية والاجتماعية القديمه بقدم حضارة الإنسان، مشتق من الكلمة الفرنسيةOpinion Publique، نمى وتطور مع التطور الحضاري والفكري للإنسان على مر العصور ، على الرغم، من أن مصطلح الرأي العام لم يستخدم حتى القرن الثامن عشر بالشكل المؤثر والمحسوبه نتائجه ، مع أن الظواهر التي تشبه الرأي العام بشكل كبير، يبدو أنها حدثت في العديد من الحقب التاريخية. ، وتشير الادبيات التي تهتم بمفهوم الرأي العام، أن هذا المفهوم كان موجودا في الحضارة الاشورية والبابلية وتجسد ذلك، بشكل مبسط فيما بعد ، في أسطورة الخليفة الذي يتنكر ويختلط بالناس لسماع ما يقوله العامة عن حكمه، وفي العصور الوسطى، تبلورت ونمت فكرة الرأي العام بين النخب الدينية والسياسية في المجتمعات الأوروبية ، ثم تطور بعد اختراع الطباعة 1440. وكانت الحادثتين الإصلاح البروتستانتي في القرن السادس عشر ، ثم الثورة الفرنسية ( 1789–1799 ) مصدر إلهام للطبقة الوسطى الاحتفاظ وارائهم وافكارهم والتعبير عنها بشكل حر، أو قادرًا على التخلص من واحدة من أكثر المؤسسات رسوخًا في ذلك الوقت – النظام الملكي. تم تطوير نظريات مختلفة للرأي العام منذ أوائل القرن العشرين،لكن لم تسد اي من هذه النظريات ، أظهرت السنوات الأخيرة من القرن الثامن عشر مدى نمو قوة الرأي العام بشكل هائل. لقد حول الرأي العام الثوري (13) مستعمرة بريطانية في أمريكا الشمالية إلى الولايات المتحدة الأمريكية. ، وفي العام 1935 تم تأسيس مؤسسة كالوب Gallup- Inc. ، والتي اهتمت باستطلاعات الرأي العام التي تجريها في معظم أنحاء العالم. أصبح الرأي العام في الزمن المعاصر قوة مؤثرة في تشكيل وتقرير مصير أي حكومة، وفي إنجاحها وافشالها،ورغم أهميته فإنه غير موجود في الانظمة الشمولية Autocratic regimes .و وفقًا للباحث الأمريكي (إيرفينغ كريسبي) ، هو أن يكون تفاعليًا ومتعدد الأبعاد ومتغيرًا باستمرار، وفي السنوات الاخيرة من القرن العشرين، والتزاوج الذي حصل بين تكنولوجيا المعلومات وثورة الأتصالات، ساهم في إنضاج فكرة الرأي العام واتساعها بحيث بدأ السياسيون الاخذ بنظر الاعتبار أهمية ورسم خططهم وبرامجهم السياسية بشكل يتناغم واهتمامات الرأي العام.
البيئة المساعدة لإنضاج فكرة الرأي العام:
قبل الخوض في هذا العنوان، لابد من الاشارة إلى وجود عدة انواع او اشكال من الرأي العام الثابت والدائم الذي يرتبط بقاعدة جماهيرية واسعة ومؤثرة في المجتمع،والذي يزداد حجمه وتأثيره مع الوقت عندما لم يستجب لمطالبه، والرأي العام المؤقت الذي ينشأ نتيجة وجود ظاهرة أو حدث معين ووقتي، ينتهي حالما يتم معالجة الحالة، والرأي العام العفوي الذي لا يرتبط باي خطط مسبقة وانما يتشكل طبيعيا بسبب وجود مصالح مشتركة بين أفراده وتكون آنية.
تلعب عوامل عدة في إنضاج فكرة الرأي العام وتحولها من مجرد آراء بين الأشخاص منفردين متبعثرين إلى قوة جارفة يحسب لها السياسيين المتمثلين بالحكومة او المعارضة الكثير من الأهتمام والتروي. يلعب التركيب النفسي والظروف الشخصية والتأثيرات الخارجية جميعها دورًا في تكوين آراء كل شخص ، فمن الصعب التنبؤ بكيفية تشكل الرأي العام بشأن قضية ما. وينطبق الشيء نفسه فيما يتعلق بالتغيرات في هذا المفهوم. يمكن تفسير بعض الآراء العامة بأحداث وظروف معينة ، ومن المؤكد ان للنخب الفكرية والسياسية ورجال الدين والمشاهير والانتماء الطبقي والمذهبي دورا محوريا في تشكيله او تفتيته، وهم:
قادة الرأي:
يؤدي قادة الرأي، والمقصود بهم كل شخص لديه قدر معين من التأثير في مجال معين ما، دورًا أساسيا في تحديد القضايا الشعبية والتأثير على الآراء الفردية بشأنها. والتي تمس حياة مجموعة من الافراد فمثلا يمكن للقادة السياسيين، الدينيين، والمشاهير، على وجه الخصوص تحويل مشكلة غير معروفة نسبيًا إلى قضية وطنية إذا قرروا لفت الانتباه إليها عبر توظيف وسائل الإعلام ومواقع التواصل الأجتماعي لهذه القضية، ومن خلال الشعارات والإعلانات التي يتم توظيفها ..
مجموعات المصالح:
نعني هنا بمجموعة المصالح ، المنظمات غير الحكومية N. G.O، والجماعات الدينية ، والنقابات العمالية والمهنية وقدرتها على تشكيل ونشر الرأي العام حول القضايا التي تهم جمهورها. قد تكون هذه المجموعات معنية بالقضايا السياسية ، الاقتصادية ، الأيديولوجية أو الدينية، ويعمل معظمها من خلال وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي وكذلك عن طريق المواجهة المباشرة مع الجمهور.فهي تحث جمهورها لدعم أو التصويت لقضية او موضوع معين يتعلق باهتماماتهم ومصالحهم.
تشكيل المواقف:
عندما يتم إبراز قضية معينة عبر وسائل الإعلام بصورة عامة، سيبدأ بعض الناس في تكوين مواقف حولها. إذا تم التعبير عن موقف ما للآخرين من قبل عدد كاف من الناس ، يبدأ الرأي العام حول هذا الموضوع في التشكيل بالظهور. صحيح لن يطور كل الناس موقفًا معينًا تجاه قضية عامة ؛ وقد لا يكون كل الناس مهتمين بها .. و يكون للبيئة الاجتماعية الدينية ، الإعلام ( الإعلان والدعاية) و الاحداث والمشكلات، النظام السياسي،دور مهم في تشكيل الرأي العام ،
العوامل البيئية:
تلعب العوامل البيئية دورًا مهمًا في تنمية الآراء والمواقف. والأكثر انتشارًا هو تأثير البيئة الاجتماعية: الأسرة أو الأصدقاء أو الحي أو مكان العمل أو المجتمع الديني أو المدرسة، والتكوين السيكولوجي للفرد. عادة ما يعدل الناس مواقفهم لتتوافق مع تلك السائدة بين الفئات الاجتماعية التي ينتمون إليها، كما يكون لوسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي، الصحف والأخبار والمواقع الإلكترونية ، والراديو ، والتلفزيون ، والبريد الإلكتروني ، والمدونات دورا مهما تشكيل الرأي العام، كعامل بيئي، و في تأكيد المواقف والآراء الراسخة بالفعل حول قضية ما تحظى باهتمام الجمهور. هذه الروافد غير كافية لتشكيل الرأي العام لابد وأن هناك نظام ديمقراطي مكفول بالدستور وحرية التعبير عن الرأي، حرية وسائل الإعلام.
العلاقة بين الرأي العام والإعلام:
يُعد الإعلام بفرعيه القديم والحديث، ونعني بالقديم الصحافة المطبوعة والاذاعة والتلفزيون ، ثم الإعلام الحديث المتمثل بالشبكة الدولية للمعلومات ومواقع التواصل الاجتماعي تحت مختلف عناوينها ومسمياتها، أحد الروافد الرئيسة المساهمة في تشكيل الرأي العام، منذ الخمسينيات من القرن الماضي ، كان التلفزيون هو الوسيلة الرئيسية لتشكيل الرأي العام. متخطيا الإعلام المكتوب وفي أواخر العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، أصبح الإنترنت منصة لتشكيل الرأي العام. وقد أظهرت الدراسات الاستقصائية أن المزيد من الأشخاص يحصلون على أخبارهم من وسائل التواصل الاجتماعي والمواقع الإخبارية ، والراديو ، والتلفزيون ، والبريد الإلكتروني ، والمدونات مقارنة بالصحف المطبوعة.
يبدأ تشكيل الرأي العام بوضع جدول أعمال من قبل وسائل الإعلام الرئيسية في جميع أنحاء العالم، ومن خلال هذا يتم أقرار ما هو جدير بالنشر من عدمه، وكيف ومتى سيتم نشره عبر مجموعة متنوعة من العوامل البيئية والإخبارية المختلفة التي تحدد القصص التي ستكون ذات أهمية إخبارية ، فالجمهور لم يعد متابع سلبي لِما تمليه عليه الصحافة التقليدية، انما اصبح متابعي ايجابي بضوء مميزات الإعلام الحديث، بل أكثرمن ذلك يمكن أن يكونوا استباقيين إلى حد أن وسائل الإعلام الرئيسية في كثير من الأحيان تحصل على المعلومات مباشرة من عامة الناس. حيث وصل الامر أن تتنافس وسائط البث الرئيسية على الجمهور وبالتالي تتفاعل معه من خلال تعديلها ، تنسيق محتوياتها لجمع أكبر عدد من المتابعين ..
فالرأي العام هنا، يؤثر فيه الإعلام باتجاهين اولًا من خلال السياسيين الذين يأخذون معلوماتهم عن الاحداث عبر الإعلام، ووفق للباحث” لازارسفيلد” يعتبر مصدر المعلومات لدى قادة الرأي، وكذلك من خلال توكيد المواقف الكامنة وتفعيلها ، مما يدفع الناس إلى أتخاذ القرار اللازمة بشأنها ، كذلك تساهم في اتاحة الفرص للجمهور للاطلاع على رأي الآخرين ، وتوفير معلومات لقادة الرأي، وفي تغطية مساحة واسعة من الرقعة الجغرافية للاقليم، كما يشارك كتاب الرأي في مقالاتهم أو مدوناتهم في تكوين الرأي العام عبر التأكيد على القضايا التي تهم الجمهور، مثل البطاله، التوظيف، العدالة في تكافؤ الفرض ،الامن، الخدمات وغيرها، وتساهم وسائل الإعلام أيضا في إغناء الجمهور بمعلومات ومعارف عن الأحداث الدولية ،الاقليمة، المحلية، مثلما حدث في ثورة الربيع العربي، فهي يمكن أن تعزز قناعة الجمهور بموضوع ما أو تضليله وتخدعه، تدفع الناس نحو قضية معنية أو النفور منها.المعتقدات السياسية هي الاخرى، تساهم في تشكل الرأي او الافكار لدى الجمهور.ومن الآليات التي توظفها وسائل الإعلام لتشكيل الرأي العام نظرية (ترتيب الأولويات) الأجندة أو جدول الاعمال The Agenda-Setting Theory، وهي العملية التي تقرر من خلالها وسائل الإعلام الموضوعات والقضايا التي يجب تغطيتها وتسليط الضوء عليها وكيفية تقديمها للجمهور او عرضها امام المتابعين، ولديها القدرة ايضا على تأطير الاحداث وفق نظرية التاطيرNews Frame Theory ، ومن خلال تأ طير المعلومة أو الحدث بحيث تؤثر على كيفية تفسير الجمهور لحدث ما، فإذا ما قدمت هذه الوسائل ورسمت صورة إيجابية عن حدث معين او عرضت انطباع سلبي عن حدث ما، فان الجمهور ينفر منه حتى وأن كان الواقع مغاير ،فهي قادرة ولديها إمكانية تغيير عقلية الناس وافكارهم وتوجهاتهم وفق الاتجاه الذي ترغبه.إذا تمت تغطية حدث ما او ظاهرة معينة بشكل متكرر، خاصة في الأخبار الوطنية، يعتبر الجمهور هذه القضية أكثر أهمية.ومن الآليات التي تؤثر فيها ، نظرية دوامة الصمت The Silence Theory ، تُعرف نظرية دوامة الصمت أيضًا باسم نظرية الرأي العام، هي إحدى نظريات العلوم السياسية والاتصال الجماهيري ،وتفيد أن الأفراد سيكونون أكثر ثقة وصراحة في آرائهم عندما يلاحظون أن رأيهم الشخصي مشترك بين جميع أنحاء المجموعة. ولكن إذا لاحظ الفرد أن رأيه لا يحظى بشعبية لدى المجموعة فإنه سيكون أكثر ميلاً إلى التحفظ والتزام الصمت..كما توظف وسائل الإعلام نظرية الغرس الثقافي في تشكل الرأي العام Cultivation Theory The وفقًا لهذه النظرية، فإن الأفراد الذين يتعرضون باستمرار لمحتوى الوسائط على مدى فترة طويلة يميلون إلى تفسير الحقائق الاجتماعية بناءً على كيفية تصورها.
نظرًا لأن كل شيء أصبح الان متصلاً بالإنترنت، وبروز دور المواطن الصحفي ، فمن الصعب جدًا إخفاء المعلومات والمواقف ،فالجمهور يمكنهم البحث عن أي شيء عبر هذه الوسيلة ، ومن هنا يكون للإعلام تأثير كبير على كيفية رؤية الناس وإدراكهم للأشياء، التي على تماس مباشر معهم، وطالما أن القارئ يستخدم مصادر إعلامية وعلمية، فإنه سيكون قادرًا على تكوين رأي عقلاني حول موضوع معين من خلال وسائل الإعلام. التي تلعب دوراً ميسراً – في تسهيل الإجراءات السياسية عبر تكرار وتعزيز الرسائل الإعلامية، وغياب البدائل المقترحة – في النظرية التقليدية للتواصل السياسي، يتم تحديد التأثير السياسي عبر وسائل الإعلام إلى حد كبير من خلال التفاعل بين النخب السياسية (بتعددها) والصحفيين المحترفين. تعمل وسائل الإعلام كحارس لتدفقات المعلومات
اذن لم يعد الجمهور المتعرض لوسائل الإعلام جمهورا سلبيا، ولا يمكن ان يكون هناك رأي عام إذا لم يتم التواصل بين أفراده عبر وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، غالبا ما ينظر إلى وسائل الإعلام في في الدراسات الاتصالية والعلوم السياسية على انها قوة مؤثر في تشكل الرأي العام، فهي تستخدم مجموعة معينة من تقنيات الاتصال والإعلام لايصال رسائلها للجمهور وفي تغيير او تثبيت المواقف تجاه قضية تحظى بأهتمام مشترك. فإذا كان صانع الرأي التقليدي، أو صانع القرار يؤثران في الرأي العام، والمواطنين العاديين، فإن تأثير مواقع التواصل الاجتماعي ارتقى إلى صناعة رأي صانع، الرأي.لذلك فإن تأثيره في الرأي العام الوطني، وصناعة هذا الرأي أصبح تأثيرا مضاعفا.هذا التأثير لم يقتصر على صانعي القرار، أو صانعي الرأي العام أفرادا، بل انتقل إلى المؤسسات أيضا.
حراك تشرين كظاهرة رأي عام:
والآن نعود للتساؤل الأول الذي طرحناه آنفا.. هل يوجد رأي عام فعال ومستقل في البلد ، اسوة بما موجود في الأنظمة الديمقراطية الحضارية يكون تأثيره معتبر ومهيمن في رسم سياسة الحكومة داخليا وخارجيا يضمن ويحقق المصالح الوطنية للشعب، وتنمية الانتماء في بناء الهوية الوطنية وتغلبها على المصالح الفئوية والطائفية ، وهنا لابد من الأشارة، ومن الناحية المبدئية، إلى وجود عدة ثوابت تتحكم بهذا التساؤل، وهي وجود أرضية مهيأة لتشكيل أو تكوين رأي عام، وهو ما ورد في المادة(38) الدستور الصادر 2005،وبالتحديد الفصل الثاني:الحريات وفي اولا: جاء حرية التعبير عن الرأي بكل الوسائل وفي ثانيا من ذات المادة: حرية الصحافة والطباعة والإعلان والإعلام والنشر. تشكل هذه المادة خطوة مهمة في تعزيز بيئة حرية التعبير وتكوين رأي عام، إلا أنها خطوة غير كافية ، اذ يشكل غياب التشريعات القانونية والواقع الأمني القلق، وقانون مكافحة الارهاب، ومحاولات التدخل من قبل المتنفذين أضعف المادة الدستورية وحولها إلى مجرد نص يفقد قوته على ارض الواقع او في الميدان، وبدون تفعيل هذه المادة ، لا يمكن ضمان وجود رأي عام حيادي ومستقل لأن حرية الرأي والتعبير هما أحد الركائز الأساسية لنمو وتطور مفهوم الرأي العام. والعامل الآخر الذي يمكن ان يسهم في تشكيل رأي عام هو حرية الوصول لشبكة الانترنيت، فقد أشار مركز الاعلام الرقمي ان (69%) من سكان العراق يستخدمون مواقع التواصل في 2024. ولا يمكن أن يكون هناك رأي عام حول موضوع ما لم يتواصل أفراد الجمهور مع بعضهم البعض. حتى إذا كانت آرائهم الفردية متشابهة تمامًا في البداية ، فإن معتقداتهم لن تشكل رأيًا عامًا حتى يتم نقلها إلى الآخرين بشكل ما ، اذن هذه صفة ايجابيه ، لكن أن التشكيلة السياسية المبنية على التوافقية الطائفية والعرقية المناطقية اجهض الفكرة وقلل من فرص تكوين رأي عام بناء وحيادي في أتجاه ما يعانيه المواطن من من نقص الخدمات البطالة، التهميش وقيم المواطنة وتكافؤ الفرصة وسيادة ثقافة الولاء للمذهب أو العشيرة و الانتماء العرقي ، بل حتى الولاء للخارج، بل ساعد على تكوين مفهوم راي عام هزيل ومتفكك لاتأثير له بشكل فعال ،بعد ان سادت المصلحة الحزبية والعشائرية والطائفية الدينية على قيم المواطنة كل ذلك أضعف من تشكيل رأي عام شامل وموحد ويقلل من تأثيره ويضعف من قوته أمام السلطة.
يعد حراك تشرين الأول 2019، اول صورة نقية وتلقائية من صور الرأي العام في البلد، وهي حالة فردية ولن تتكرر مطلقا ، بعد ان تبلورت العديد من الاسباب لتشكيل هذا الحراك والذي اعتبر بمثابة حراك راي موحد وشامل، من خلال الشعارات التي رفعت ، والتي تحمل في مضامينها حلول بديلة لما يعانية البلد من مشاكل ومطبات منها سوء الوضع الاقتصادي وانتشار البطالة والفساد الاداري والمالي والمحاصصة الطائفية والقومية التي بني عليها النظام السياسي من العام 2003، ، رغم حجمها الكبير نسبيا، مع اقتصارها على رقع جغرافية محددة
، فيلم تشمل بها الجغرافية السنية وكذلك الكردية، لاعتبارات عديدة، ظهور مجموعات ضغط مختلفة، تهدف إلى توجيه المظالم العامة والدعوة إلى التغيير. وسعت العديد من هذه الجماعات بصدق لمعالجة القضايا وتبديد ومخاوف الناس. لكن لكل ظاهرة عوارض جانبية. ،اذن هذه المشاكل كانت تشكل نواة مشتركة لتشكيل رأي عام ، حيث كان لوسائل التواصل الاجتماعي دورا كبيرا في تشكيل هذا الإجماع ، لكن اجهض حراك تشرين كقوة رأي عام ضاغطة لإحداث التغيير لأسباب عدة منها عدم وجود قادة رأي مؤثرين يحضون بالإجماع للسيطرة والتوجيه ، واختراقها من قبل الشعوبيين والمبتزين وأصحاب المصالح الآنية والضيقه، حيث استغلوا دعمهم الجماهيري وشعبيتهم، لإجبار المسؤولين على تقديم تنازلات ومزايا شخصية لهم على حساب الصالح العام،حالة العنف الشديد التي جوبه بها، وتمخض عنه الالوف بين شهيد ، جريح ومفقود ، ونسب ذلك في حينها على ما كان يعرف بالطرف الثالث، وشراء البعض من الجهات السياسية ممن تسيدوا الحراك بالمال او المناصب.عدم وجود رؤية مستقبلية واضحه لهذا الحراك الذي كان يهدف إلى تحقيق تغير وفق الاسس الديمقراطية. وهنا يجب ان نفرق بين مفردة الرأي العام والصخب الجماهيري والذي وصفه الباحث ( ماكينون) بأنه هذا النوع من الشعور الناشئ عن أهواء الجماهير التي تتصرف دون اعتبار ؛ أو إثارة بين غير المتعلمين ؛ أو بين أولئك الذين لا يفكرون أو لا يمارسون حكمهم على النقطة المعنية.
ان تشكيل رأي العام في العراق والذي يعد اهم عامل مشترك لتشكيله هو الوطنية اي الانتماء الوطني، وهذه الحقيقة تعد الآن شبه مشلولة لاسباب عدة منها تنامي وازدهار ثقافة الخطاب الطائفي والنعرات القومية والمناطقية، وسيادة المصالح النفعية والعشائرية والحزبية، وتسيس الدين ذات النهج الطائفي والانتماءات الخارجية، تنامي مصطلح الدولة العميقة والطرف الثالث ، والسلاح المنفلت ، كل هذه العوامل كفيلة بأن تجهض اي حراك بأتجاه تشكيل رأي عام ضاغط ، التي وجدت من اجل ضمان البقاء في تصدر المشهد السياسي حيث شملت اقوى اهم مؤسستين في البلد هي المؤسسة الدينية او رجال الدين او العشيرة ، وتغلبه على الخطاب الوطني وسيادة القانون واستغلال القضاء والمؤسسة العسكرية والدينية، فاذا ما استثنينا التيار الديني المؤدلج طائفيا من امكانية تشكيل رأي عام فئوي لما يملكه من مقومات، رأي عام مرجعي لعوامل تاريخيه ودينية وارتبطات روحية مبنية على العقيده الدينية،وطبيعة البناء المجتمعي في البلد ،وحتى ضاهرة الانتخابات كصيغة من صيغ الرأي العام فقدت جوهرها، وكما يلتمسه المراقبون من نسب متدنيه في المشاركة فيها ، لكن العمل معقود على القوى السياسية الليبرالية، والمستقلة وقدرتها لتحشيد ، لكنها في ظل الظروف السائده غير قادرة وحدها لتشكيل رأي عام شعبي لاسباب عدة منها محدودية خطابها الإعلامي وافتقارها للمؤسسات الإعلامية الكبيره لايصال رسالتها، ضعف امكانياتها المادية التي تستطيع من خلالها كسب جماهيرتها وتاكيد حضورها في الشارع.. ان العملية السياسية القائمة على التوافقات والمحاصصة بعيدة عن الاستحقاقات الانتخابية تفتقر رأي عام فاعل وثابت، مما يستوجب ان تعيد النظر في هذا النهج والتاكيد على مبدأ الوطنية معيار بين مكونات المجتمع، إن العملية الديمقراطية ، بحكم طبيعتها ، تحفز المواطنين على تكوين آراء حول القضايا المشتركة.وأن ذلك كفيل بأن يجد ارضية مشتركة لتكوين رأي عام وطني.
مرتبطالمصدر: وكالة الصحافة المستقلة
كلمات دلالية: وسائل التواصل الاجتماعی تشکیل الرأی العام الرأی العام فی وسائل الإعلام حریة التعبیر القضایا التی رأی العام فی هذا المفهوم التعبیر عن قادة الرأی فی تشکیل فی البلد من القرن لا یمکن أن یکون من خلال فی هذا من قبل عام فی
إقرأ أيضاً:
السوداني يعلن استلام الأرصفة الخمسة التي تمثل العمود الفقري لميناء الفاو
بغداد اليوم -
مراسم رعاية رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني تسلّم الأرصفة الخمسة لميناء الفاو الكبير من الشركة الكورية المنفذة للعمل
رئيس الوزراء: اليوم نقطف ثمرة الجهد والمتابعة على المضي في مشروع العراق والشعب ميناء الفاو الكبير
رئيس الوزراء: نعلن عن استلام الأرصفة الخمسة التي تمثل العمود الفقري لميناء الفاو
رئيس الوزراء: التنمية والتحول الاقتصادي هما منهج متكامل
رئيس الوزراء: اليوم نحن أمام عراق جديد يبدأ من ميناء الفاو الكبير
رئيس الوزراء: العراق كان ولا يزال ركيزة أساسية في الاقتصاد العالمي