قبل الحكم على موقف سياسي لشخص أو مجموعة بأنه موقف غبي، يرجى التحقق من عدم وجود مصالح ضيقة للشخص أو المجموعة تستتر خلف فقدان الذكاء المكتسب- وأعني بمصالح ضيقة أنها تجافي المصلحة الوطنية والمصالح العامة.
وما قد يبدو كغباءً قد يكون في الحقيقة نتيجة مصالح ضيقة لا يمكن التوفيق بينها وبين الذكاء أو مظهره.
ومن المعروف أن سكرة السلطة تجعل صاحبها يميل ناحية الغباء.
وفي العموم، فإن ضرر الأذكياء الخبثاء أشد من ضرر الجهلاء علي الأوطان. ولكن شاءت عناية السماء أن يجتمع في كثير من ساستنا جهل وخبث مع وجود أذكياء انتهازيين في أوساطهم.
وفي ذلك ينسب للسادة المتصوفة القول بأن حب الرئاسة هو آخر ما ينزع الرب من قلب عبد أحبه.
في نوتة واقعية، البلد تحتاج لقيادة لذا فان البحث عن السلطة في حد ذاته ليس مسبة، وسندعم كل من تقدم للقيادة ما دام ملتزما بالحدود الدنيا من الأمانة والوطنية والإتساق.
ونعرف أن الطهارة الكاملة مستحيلة في عالم السياسة المعقد وان درجة من التلوث والمساومات لا بد منها. ولكننا أيضا ندرك حدود التنازلات الممكنة ودرجة الاتساخ التي لا مفر منها.
معتصم اقرع
المصدر: موقع النيلين
إقرأ أيضاً:
عفة القائد وفساد الزبانية ..!
بقلم : حسين الذكر ..
إن ( التقوى أصل الفضيلة وأساس الايديولوجيا للمجتمع الصيني قديما وحديثا ).. لم تقم النهضة والحضارة الصينية الا على هذا الوجدان من خلال احترام القيم الاسرية … فلا تقوى للمجتمع الذي لا احترام للوالدين فيه .. هكذا قال المعلم كونفوشيوس الذي علم طلابه ورسله الى جميع المدن الصينية يعلمون التقوى كفلسفة لا بد منها .. والوالدان هما المثل والقيمة العليا التي بمجملها تمثل الفضيلة .. ومن طريف ما يذكر هنا : ( حتى الان ينظر في المحاكم الصينية الى انزال عقوبة الطلاق بالمرأة لاسباب عدة منها عدم طاعة والدي الزوج او ان تكون الزوجة ثرثارة ) .
خلال فترة حكم المامون حدثت مشكلة مع انها لونية او رمزية لكن دلالاتها وصنع ما يحاك من خلالها له أهمية تذكر وما زال فعلها مؤثراً حتى اليوم .. اذ شكا الخليفة المامون لدى وزيره بان محبي الامام الرضا اخذوا يلبسون اللون الأخضر المخالف للون الدولة العباسية المعروف بالاسود .. فما كان من الوزير فضل بن سهل الا ان اقترح ان يكون لون القصر واللباس الرسمي اخضرا .. فوافق الخليفة وانتشر الخبر وطغى اللون على جميع المؤسسات ورجال الدولة في واقعة لا يمكن ان تمر وتعبر دون تدقيق فيما يعني اللون العاكس للسلطة والقوة .. اذ ان الكثير من الألوان يستخدمها البعض بصورة غير شرعية مما يعكس مدى تسلط اللون الطاغي اكثر من جميع شعارات السلطات الأخرى .
(إذا صلح القائد فمن يجرؤ على الفساد ؟ ) هكذا قال كونفوشيوس قبل الاف السنين .. كذا قال فيلسوف الاسلام ترجمانه النظري والعملي علي بن ابي طالب (عفة الجنود من عفة قائدهم ) ..
ان المؤسسات لا تفسد الا عبر مسؤول افسد .. لذا فان كثيراً من مفاصل الدولة في زمن بعض الدكتاتوريات الدخيلة على الأمم تبقى سالمة برغم فساد راس السلطة … السبب يكمن في ان على راس ادارتها موظفين عرفوا بالنزاهة بعيدا عن التلوث بالوان السلطة وشعاراتها الزائفة واستغلالها للرمزية بشكل مُخز ..
في الدساتير الخاصة بالدولة الحضارية التي تاسست بعد ثورات كبرى وما زالت دولاً عظمى او تدور بهذا الفلك .. سيما في سياساتها الداخلية .. نجد ان الضرائب هي اول واهم بنود الدستور واخطرها مهمة اذ تعتمد أسس الدولة والشعب على إدارة ملف الضرائب الذي يبحثون له في كل المؤسسات ومفاصل الدولة عن موظفين على مستوى عالٍ من النزاهة والمعرفة والوطنية والولاء … كي يحافظوا على أموال الدولة وشرف السلطة الحاكمة وحقوق الشعب وهذا هو الأهم ..
في التاريخ الصيني يقال ان هناك اغنية انتشرت في حقبة زمنية ما على لسان الفقراء و الفلاحين مطلعها : ( فار ضخم … فار ضخم … ) اريد بها أولئك الموظفون الذين يرسلهم الملك لجباية الضرائب من الفلاحين وفقراء الشعب .. ممن اخذوا يستغلون ويستخدمون السلطة لانتزاع الأموال لمصالحهم الشخصية وبطونهم المتكرشة ونزواتهم العاهرة .. ولا يذهب لميزانية الدولة الا رسوم شحيحة زادت من بؤس الشعب واضعفت أجهزة الحكومة وضاعفت من نقمة الشعب وادت الى ثورة كبرى اقتلعت السلطان وزبانيته .