الأسد مستمع في القمة العربية.. ماذا وراء ذلك؟
تاريخ النشر: 16th, May 2024 GMT
بحضوره قمة البحرين يكون رئيس النظام السوري، بشار الأسد جلس للمرة الثانية على "كرسيه العربي" منذ إعادة العضوية لدمشق في الجامعة العربية، وبينما يقتصر حضوره على "الاستماع" كما ذكرت صحيفة شبه رسمية تثار تساؤلات عما قدمه خلال الأشهر الماضية، على سكّة التطبيع العربي.
وكان الأسد قد حضر القمة العربية التي نظمت بشكل استثنائي في الرياض في نوفمبر الماضي، وألقى كلمة حينها أمام الزعماء العرب، أكد فيها أن الانتقال "من حضن لآخر" لا يعني تغيير "انتماء" الإنسان.
وبعدما شكك بفعالية جامعة الدول العربية، آنذاك، شدد على ضرورة تطوير آلية علمها ومراجعة ميثاقها ونظامها الداخلي، وتطوير آلياتها "تماشيا مع العصر"، على حد تعبيره، قبل ستة أشهر.
ورغم حضوره مجددا في المنامة لم يخصص له وقت لإلقاء الكلمة أمام الزعماء العرب، وأوضحت صحيفة "الوطن" السورية الأربعاء أن مشاركته ستركز على البحث والنقاش مع القادة المشاركين في الملفات المطروحة ضمن جدول الأعمال، سيما العلاقات العربية-العربية وتطورات الوضع في فلسطين.
ومن المقرر أن يصدر بيان ختامي في الساعات المقبلة لقمة البحرين، على أن يعطي أولوية كبرى لما يجري في قطاع غزة، والحرب التي تشنها إسرائيل هناك بعد هجوم حماس في السابع من أكتوبر.
وفيما يتعلق ببقية القضايا سيتطرق البيان إلى سوريا بعناوين عريضة، لا تخرج عن التأكيد على ضرورة إنهاء الأزمة بموجب قرار مجلس الأمن 2254، وضرورة "الحفاظ على هوية البلاد العربية وتوفير البيئة الآمنة للعودة الطوعية للاجئين".
"بين قمتين"مشاركة الأسد الآن في قمة البحرين وقبلها في الرياض كانت بمثابة خطوة متقدمة على مسار التطبيع الذي بدأته الدول العربية معه، انطلاقا من محددات وضعت ضمن إطار ما يعرف بمقاربة "خطوة مقابل خطوة".
تقوم المقاربة على ضرورة مضي الأسد قدما بكبح عمليات "تهريب المخدرات" من أراضيه، والسير بطريق الحل السياسي بموجب القرار 2254، مع تأمين الأرضية اللازمة لعودة اللاجئين.
وعلى أساس ذلك شكّلت الجامعة العربية "لجنة اتصال" لمتابعة التقدم في هذه القضايا، وكان آخر اجتماع لها في أغسطس 2023 ولم يتبعه آخر لأسباب تضاربت تارة وتباينت في أخرى، دون الإعلان عنها بصورة رسمية.
ويورد تقرير تحليلي للباحث الأميركي في "معهد واشنطن"، أندرو تابلر أنه كان من المقرر أن تعقد اللجنة مرة ثانية في السابع من مارس 2024، لكن الاجتماع ألغي بعد فشل دمشق في الرد على الأسئلة المتعلقة بتهريب حبوب "الكبتاغون" وقضايا أخرى.
وبدلا من ذلك، أرسل النظام وزير خارجيته، فيصل مقداد إلى الرياض لمعالجة هذه الأمور شخصيا عبر محادثات مع نظيره السعودي، فيصل بن فرحان والسفير السوري الذي تم تعيينه مؤخرا، أيمن سوسان.
وتم بعد ذلك إعادة جدولة اجتماع اللجنة الوزارية إلى 8 مايو في بغداد، لكن النظام فشل مرة أخرى في تقديم رد مكتوب على الأسئلة، مما دفع المسؤولين إلى إلغاء الحدث بناء على طلب عمان، حسبما يوضح تابلر في تقريره التحليلي.
ورغم اجتماع المقداد مع نظيره الأردني، أيمن الصفدي في 13 من مايو الحالي، إلا أن بيانا أردنيا لاحقا أشار ضمنا إلى عدم إحراز أي تقدم بشأن أي من طلبات اللجنة، وفق الباحث الأميركي.
هل قدم الأسد شيئا؟وما تزال عمليات تهريب "الكبتاغون" مستمرة من سوريا باتجاه الأردن، وأسفرت قبل انعقاد قمة المنامة بيوم واحد عن مقتل جندي أردني، بعدما خاض اشتباكات مع مهربين.
وعلى صعيد اللاجئين لم يحرز النظام السوري تقدما واضحا لتأمين عودتهم وبصورة كبيرة مع توفير الأرضية المناسبة لتحقيق ذلك.
ورفض النظام السوري أيضا خلال الأشهر الماضية الخوض مجددا بمسار "اللجنة الدستورية"، لاعتبارت روسية، ومن منطلق أن "جنيف ليست محايدة".
ويرى الباحث السياسي الأردني، عامر السبايلة أن "التطور على مسار العلاقة العربية مع دمشق يكاد لا يذكر" بين القمتين.
ويستند بحديثه لموقع "الحرة"، قائلا: "ما زالنا نعاني من مسألة وجود المخدرات، مع تطور المشكلة إلى السلاح وتصديره، وبروز دور تلعبه ميليشيات في استعداء محيط لسوريا".
من جهته يضيف الكاتب المصري، أشرف العشري أن "المسار العربي مع دمشق ما يزال مفتوحا ولم يصل إلى طريق مسدود".
وتواصل لجنة الاتصال العربية معالجة بعض القضايا الخلافية، بحسب الكاتب.
ويعتقد في حديثه لموقع "الحرة" أنه سيتم تناول تلك القضايا في مرحلة مقبلة "على أن تعالج على نار هادئة، وبعيدا عن أي نوع من السخط".
أما المحلل السياسي السعودي، مبارك آل عاتي فيعتقد أن "قمة البحرين تبني على ما تحقق من عمل ملموس حيال كل الملفات، وتحديدا الملف السوري".
ووصل الملف عربيا إلى "مراحل متقدمة من تقريب وجهات النظر"، وفق المحلل السعودي.
ويتوقع في حديث لموقع "الحرة" أن "تستثمر البحرين بدبلوماسيتها الهادئة نجاح النشاطات السعودية في خلق تقارب خليجي بل وعربي سوري".
ويعتبر أيضا أن "الملف السوري يسير بالاتجاه الصحيح عربيا، لكنه يحتاج مزيدا من الوقت، مع طول النفس والتنسيق العربي".
"لا مسار عربيا واحدا"وبعد قمة الرياض عيّن النظام السوري سفيرا له في الرياض وأعاد فتح سفارته هناك، وتبادل الزيارات على مستوى وزراء الخارجية لأكثر من مرة.
من جانب مصر لم يستجد أي تطور جذري، رغم أن الأسد تلقى اتصالات في عدة مناسبات من نظيره المصري، عبد الفتاح السيسي.
ورغم أن الأردن كان أول من فتح أبواب العلاقة مع دمشق لم يسير على ذات الزخم مع النظام السوري، لأسباب صبّت في مجملها في مشكلة "تهريب الأسلحة وحبوب الكبتاغون".
أما الإمارات فقد واصلت التواصل مع النظام السوري، سياسيا بدرجة ثابتة وإنسانيا، من خلال إعلانها عدة مرات عن إرسال مساعدات للمتضريين من كارثة الزلزال.
ويوضح الباحث السوري في مركز "عمران للدراسات الاستراتيجية"، أيمن الدسوقي أنه ومنذ البداية، لم يكن هنالك مسار عربي واحد متكامل تجاه النظام، بما فيهم أطراف لجنة المبادرة العربية، وإن اتفقوا على إطار عام لمقاربة مسألة التعاطي معه.
وكان لكل دولة اشتراطاتها ومصالحها الخاصة، وهو ما يعيه النظام ويحاول استغلاله جيدا، وفق حديث الدسوقي لموقع "الحرة".
ومع اتباع الأسد "تكتيك الإغراق في التفاصيل والمراهنة على الصبر الاستراتيجي والمفاضلة بالمصالح وأولوياتها في التعامل مع الدول العربية" تكون النتيجة سعيه إلى تهميش المسار الجماعي المشترك أي المبادرة العربية، لدفع الدول لتفضيل العلاقة الثنائية المباشرة معه، حسب ذات الباحث.
ويتابع: "وهنا تكون قدرته على التفاوض ونيل مكاسب أكبر مقارنة بتقديم تنازلات أقل وغير جوهرية".
"الضغوط ستكون أكبر"وقد يكون ما سبق مفسرا لحالة التعثر التي تواجه المبادرة العربية، لكن ليس لدى أحد مصلحة في إعلان فشلها راهنا، حسب اعتقاد الباحث السوري الدسوقي.
ويشير إلى أن أطراف المبادرة لديهم علاقات ثنائية مع النظام، ولا اتفاق فيما بينهم على الخطوة التالية في حال الإقرار بفشل المبادرة العربية.
وإن كان النظام غير مسرور بها ويسعى إلى تهميشها (المبادرة)، يريد الاستثمار ما أمكنه "لأخذ مكتسبات"، وفق ذات المتحدث.
ويوضح الكاتب العشري أن "هناك تواصلا ثنائيا عربيا مع سوريا"، ويقول إن "الإجماع العربي سيخضع للكثير من الجهود التي تصب في خانة أن هناك درجة كبيرة من الاهتمام بالأهم ومن ثم الأهم".
العشري يقصد بحديثه أن ما يجري في غزة يتصدر أولوية ما يناقشه ويبحثه الزعماء العرب.
ويعتبر أنه في مرحلة لاحقة ستتجه الأنظار إلى الأزمة السورية "التي تم قطع شوط كبير على صعيدها، سواء في قمة الرياض أو بمشاركة الأسد بقمة المنامة".
"مطبات على طريق عمّان - دمشق"وبإلقاء نظرة سريعة على أعمال لجنة الاتصال الوزارية العربية بشأن سوريا إلى جانب الارتفاع الأخير في الضربات العسكرية الأردنية ضد شبكات تهريب "الكبتاغون" عبر الحدود يتضح أن "التعامل العربي مع الأسد قد فشل في إعادة تأهيل النظام"، كما يرى الباحث الأميركي، أندرو تابلر.
وتشعر السلطات الأردنية بقلق أكبر إزاء تزايد مصادرة الأسلحة المهربة من سوريا، حسب تابلر.
ويضيف أن "أي أسلحة تتسلل عبر الحدود يمكن استخدامها محليا أو نقلها إلى الضفة الغربية لزيادة تأجيج التوترات الإسرائيلية الفلسطينية وسط الحرب مع حماس".
وكشفت مصادر أردنية هذا الأسبوع عن "دور إيراني واضح" في تسهيل مثل هذه التحويلات.
وفي تقريرها عن المخبأ الذي تم الاستيلاء عليه في شهر مارس، كشفت وكالة رويترز نقلا مصادر أن الميليشيات المدعومة من إيران في سوريا أرسلت أسلحة إلى خلية تابعة لجماعة الإخوان المسلمين مرتبطة بحماس في الأردن.
ويعتقد الباحث الأردني السبايلة أن المسار العربي مع دمشق قد يصل في مرحلة مقبلة إلى حد فرض ضغوطات أكبر على النظام السوري.
وذلك لأن الأسد "لم يقدم أي شيء حقيقي وملموس يمكن الركون إليه باعتبار أن هذا ما تحقق بعد إعادة سوريا للجامعة العربية".
ويتوقع السبايلة أن "يكون للعرب متطلبات أكبر، وبالتالي قد يكون الجانب السوري مضطرا لأن يأخذ خطوات أكثر وضوحا على الصعيد العملي".
ورغم أن وجهات النظر تختلف بين دولة عربية وأخرى بشأن الحالة السورية، يرى الباحث الأردني أن "الجميع يؤمن بضرورة إنهاء الأزمة، عن طريق فتح الباب ولو بشكل موارب".
ماذا عن النظام في دمشق؟من جانب النظام السوري يقول المحلل السياسي المقيم في دمشق، غسان يوسف إن "غالبية الدول العربية تسير بعلاقات جيدة مع سوريا الآن، باستثناء الكويت وقطر والمغرب".
ويعتبر في حديثه لموقع "الحرة" أنه "تم تحقيق خطوات كثيرة في الأشهر الماضية، بينها تعيين السفراء وإجراء الزيارات على مستوى الخارجيات، والتنسيق في عدة قضايا".
لكن ما حدث في غزة أدى إلى تصاعد الخلاف بين سوريا والأردن، "باعتبار أن الأخير يريد حرف الأنظار عن غزة لصالح اتهام الدولة السورية بتسليح الضفة الغربية والاستمرار بتهريب المخدرات"، كما يضيف يوسف.
وفيما يتعلق بـ"عودة اللاجئين" يرى أنها "قضية مسيسة من جانب الولايات المتحدة الأميركية وبعض أعضاء مجلس الأمن، كبريطانيا وفرنسا".
ووفق تحليل الباحث الأميركي أندرو تابلر في "معهد واشنطن" فإنه وبغض النظر عن الكيفية التي ستنتهي إليها قمة المنامة "فقد أثبت نظام الأسد أن الحوافز الإيجابية لن تغير سلوكه بشأن تهريب الكبتاغون، وتهريب الأسلحة، وغيرها من التهديدات".
ويوضح تابلر أنه "يجب على إدارة بايدن استخدام الأدلة الوافرة التي تدعم هذا الاستنتاج لإثناء شركائها العرب عن الاستمرار في طريق التطبيع مع الأسد، ومساعدتهم بدلا من ذلك على تطوير استراتيجية مشتركة فعالة لمكافحة إنتاج الكبتاغون والاتجار به، من بين قضايا أخرى".
ولا يعتقد الباحث الأردني السبايلة أن "من يدعم سوريا اليوم يملك القدرة على أن يغالي في هذا الدعم، وكذلك لم تعد فكرة معاداتها ذات قيمة منطقة".
وبالتالي أصبحت العلاقة "تمر في حالة من الفترة"، وهو ما يضع مسؤوليات أكبر على النظام السوري، ليتخذ خطوات أكثر في حال أن تتطور العلاقات.
ومن بين تلك الخطوات "تطمين الجوار بخطوات عملية يلمسها الجميع ومن ثم البحث عن مشتركات لإيجاد الحلول المعقدة، والتي تبدأ بفكرة وجود الميليشيات وتنظيف الجغرافيا السورية، ومن ثم عودة اللاجئين وإعادة إعمار سوريا".
المصدر: الحرة
كلمات دلالية: المبادرة العربیة الدول العربیة النظام السوری قمة البحرین مع دمشق
إقرأ أيضاً:
رحلة البحث عن 150 ألف سوري في “أرخبيل التعذيب”
يمن مونيتور/ بلومبيرغ
جلست فاتن رمضان على سرير في شقتها تشاهد فيديوهات على هاتفها المحمول واحدًا تلو الآخر لرجال منهكين ومُبللين بالدموع يتم تحريرهم من السجون في حماة بعد سيطرة الثوار على المدينة السورية.
اظهر أحد المقاطع لفترة وجيزة رجلًا يرتدي نظارة، بثوب بني تقليدي وسترة رمادية ثم أعادت تشغيله مرات عدة للتأكد قبل ان تصيح “أبي، أبي، أبي ما زال حيًا!”.
بينما يحاول السوريون استيعاب نهاية نظام استمر لأكثر من 50 عامًا، يسعون لفهم كل شيء، بدءًا من من سيحكم البلاد وصولًا إلى مكان ثروة عائلة الأسد، لكن لا قضية أكثر حساسية من مصير عشرات الآلاف من الأشخاص الذين اختفوا على يد أجهزة الأمن التابعة لبشار الأسد وأبيه حافظ من قبله.
بالنسبة لرمضان، البالغة من العمر 39 عامًا والتي تم اعتقالها وتعذيبها في عام 2013، فإن هدفها هو معرفة ما حدث لوالدها، محمد، فقد تم اعتقاله قبل عقد من الزمن وأُعلن لاحقًا وفاته، رغم أن جثمانه لم يُسلَّم أبدًا.
تحطمت فرحة ابنة محمد رمضان عندما اتصل بها الرجل الذي ظهر في الفيديو من سوريا ليخبرها أنه ليس الشخص الذي ظنت هي ووالدتها وشقيقاتها أنه قد يكون، ومع ذلك، عاد بصيص الأمل مرة أخرى بعد أن سيطر الثوار على دمشق، واندفع الناس نحو سجن صيدنايا سيئ السمعة شمال العاصمة للبحث عن أحبائهم.
اظهر أحد مئات الفيديوهات التي وثّقت اقتحام صيدنايا أسماء مدينتها ووالدها وشقيقها أنور — الذي اعتقل أيضًا وأُعلن وفاته على الورق فقط من قبل النظام — محفورة على جدران زنزانة في السجن.
قالت رمضان، وهي طبيبة حصلت على حق اللجوء في فرنسا عام 2020، عبر الهاتف من مدينة روان: “سأواصل البحث عن أبي وكل مفقود”، وأضافت وهي التي فقدت زوجها وابنتها في الحرب الأهلية السورية : “أريد أن أجمع كل الأدلة لمحاسبة المجرم بشار وضباطه وشبيحته”.
وصفت منظمة هيومن رايتس ووتش الشبكة المعقدة لأجهزة الأمن التابعة لعائلة الأسد بأنها “أرخبيل التعذيب”، حيث كانت هذه الأجهزة تدير أو تسيطر على أكثر من 100 مركز اعتقال في جميع أنحاء سوريا، تعتقل وتعذب بشكل تعسفي معارضي النظام ومنتقديه.
كما تورطت تلك الأجهزة في نظام حكومي “لمعالجة وإخفاء الأعداد المتزايدة من المحتجزين الذين قتلوا أثناء الاعتقال”، وفقًا لتقرير صدر في 6 ديسمبر عن الآلية الدولية المحايدة والمستقلة، وهي جهة أنشأتها الأمم المتحدة لجمع الأدلة على جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية في سوريا.
ستحدد مسالة محاسبة النظام ما إذا كانت الفصائل المتحاربة والطوائف والعرقيات المختلفة في سوريا ستتصالح مع الماضي أو تغرق في دورة جديدة من الانتقام.
وتمتلك الدول الأوروبية ودول الشرق الأوسط، التي واجهت موجات من اللاجئين وهجمات إرهابية سابقة مرتبطة بسوريا، مصلحة مباشرة في استقرار هذه الدولة ذات الموقع الاستراتيجي في شرق البحر الأبيض المتوسط.
يقول فضل عبد الغني، مؤسس ورئيس الشبكة السورية لحقوق الإنسان، التي حققت في الفظائع وجمعت بيانات تتعلق بالحرب الأهلية السورية المستمرة منذ 13 عامًا ونصف: “ملف المفقودين هو قضية هائلة معقدة تضم العديد من العوامل والمتغيرات”.
من الصعب معرفة عدد الأشخاص الذين اختفوا، لكن تقديرًا حديثًا للجنة الدولية للمفقودين وضع العدد عند حوالي 150,000 شخص.
قدرت الشبكة السورية لحقوق الإنسان أن هناك ما لا يقل عن 160,000 شخص تعرضوا للاعتقال التعسفي والاختفاء القسري منذ مارس 2011، عندما قمع الأسد الاحتجاجات السلمية ضده، مما أشعل حربًا متعددة الطبقات شارك فيها أطراف داخلية وخارجية، وحتى أغسطس الماضي.
لكن ليس جميعهم عانوا على يد نظام الأسد، فمن بين هؤلاء، حوالي 87% اعتقلهم النظام، بينما البقية احتجزتهم أطراف أخرى منخرطة في النزاع، بما في ذلك هيئة تحرير الشام، الفرع السابق لتنظيم القاعدة، التي قادت الإطاحة بالأسد وسيطرت على دمشق.
ويقدّر فضل عبد الغني أن حوالي 31,000 شخص أُطلق سراحهم منذ أن بدأ الثوار هجومهم الخاطف الشهر الماضي.
ومع اكتشاف المزيد من السجون المؤقتة والمقابر الجماعية، سيكون العدد الإجمالي للمعتقلين والمفقودين أعلى في النهاية.
في بداية الصراع، كان يُعتقد أن النظام يتبع منهجية لدفن جثث من أُعدموا شنقًا في السجون، أو عُذبوا حتى الموت، أو أُعدموا خلال مداهمات مناطق المعارضة، إضافة إلى الجنود الذين عصوا الأوامر، في مقبرة واقعة على طريق مطار دمشق الدولي.
لكن رابطة معتقلي ومفقودي سجن صيدنايا وغيرها من الجهات استخدمت صور الأقمار الصناعية لتوثيق التوسع السريع في موقعين آخرين شمال العاصمة.
يقول دياب سريّة، المؤسس المشارك للرابطة وسجين سابق في صيدنايا: “ريف دمشق عمليًا أصبح مقبرة جماعية كبيرة”.
ويخشى سريّة، المقيم في تركيا ولديه فريق يعمل على الأرض في سوريا، أن تضيع بعض الأدلة وسط الفوضى أثناء بحث الناس عن أقاربهم وأصدقائهم.
في شقتها في برلين، شاهدت فدوى محمود المشاهد من صيدنايا بصدمة، فهي تبحث عن ابنها ماهر وزوجها عبد العزيز الخير.
كان الخير معارضًا قديمًا لعائلة الأسد، وقد سُجن على يد حافظ الأسد في التسعينيات، ثم أُطلق سراحه من قبل بشار في عام 2005، ليعاد اعتقاله مرة أخرى في عام 2012.
اعتُقل الخير مع شخصين آخرين فور وصولهم إلى مطار دمشق بعد زيارة إلى بكين، ولم يُسمع عنهم شيء منذ ذلك الحين.
تقول فدوى “هذه القضية تهم كل سوري”، ثم اضافت “إنها في صميم الحقيقة والعدالة التي نتوق جميعًا إليها”.
بعد اقتحام سجن صيدنايا، توجهت أُمية خنشو، الناشطة المعارضة ومنظمة الاحتجاجات من مدينة دوما قرب دمشق، إلى المساجد التي نُقل إليها المعتقلون المحررون وإلى مشارح المستشفيات التي أودعت فيها جثث الموتى، بحثًا عن “أصدقاء الثورة”.
تم اعتقالهم جميعًا في السنوات الأولى للانتفاضة وأُفرج عنها لاحقًا، لكنهم اختفوا.
وقالت خنشو، البالغة من العمر 51 عامًا: “هم بالتأكيد ماتوا لأن النظام كان انتقاميًا بشكل خاص تجاه دوما، لكن الناس ما زالوا يريدون إغلاق هذا الملف”.
يقول مالك سليم، الموظف المدني، إنه يشعر بنشوة لرؤية النظام يسقط بعد معارضته سرًا لعقود.
ولكنه يخشى كسوري علوي مثل عائلة الأسد، من العقاب لأن أجهزة الأمن كانت تتألف إلى حد كبير من أفراد من الطائفة ذاتها.
فقد سليم شقيقه وابن أخيه عندما شن مسلحون إسلاميون، بما في ذلك جبهة النصرة، السلف لهيئة تحرير الشام، هجوما عنيفا على قريته وبلدات أخرى قريبة في أغسطس/آب 2013، ولا يزال العديد من القتلى الذين بلغ عددهم نحو 200 شخص والمختطفين الذين تجاوز عددهم 100 شخص في عداد المفقودين حتى يومنا هذا.
وقال سليم: “نحن أيضا نتألم”.