استهلال:
«إن انحيازي للمرأة المصرية هو عن قناعة تامة وإيمان حقيقي بأن احترام المرأة وتقدير دورها، وتمكينها وحمايتها، هو واجب وطني والتزام سياسي وليس هبه أو منحة بل هو حق أساسي لها وعلينا جميعًا أن نتخذه كمنهج حياة، فبدونه لن يتحقق أي نجاح منشود ».. من كلمة الرئيس عبد الفتاح السيسي، في احتفالية المرأة المصرية والأم المثالية 23 يناير 2022 م.
- «الإمبراطورية التي لا تغرب عنها الشمس وأعرق ديمقراطيات العالم، بريطانيا العظمى»، إليزابيث كاثلين كولبورن، المولودة في مقاطعة تشيشير (تشيستر) شمال غرب إنجلترا في 9 أغسطس عام 1905م، كانت أول قاضية في بريطانيا العظمى، عُينت في عام 1962م أول قاضية في محاكمة المقاطعة، ثم أصبحت بعد ذلك أول قاضية في المحكمة العليا.
- «الولايات المتحدة الأمريكية النموذج العالمي للديمقراطية الحديثة، -كما يقال-».. روث بادر جينسبورج، المولودة في 15 مارس 1933م ببروكلين نيويورك، عُينت أول قاضية في الولايات المتحدة الأمريكية من قبل الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر في عام 1980م، كقاضٍ في محكمة الاستئناف بمقاطعة كولومبيا، وصوت لصالحها مجلس الشيوخ الأمريكي في وقت سابق من العام نفسه حتى تلتحق بالمنصب رسميًا.
- «مصر التي هي بحق أم الدنيا».. إنصاف البرعي، المولودة في 1933م.. الحاصلى على ليسانس الحقوق جامعة القاهرة عام 1955م، التي عملت في المحاماة ثلاث سنوات أو أقل أشهرًا.
فكرة غيرت التاريخفي صبيحة يوم شتوي عام 1958م، وقبل التوجه لمكتبها التي تمارس منه مهنة المحاماة، ابتاعت لنفسها عدد من الجرائد المصرية، نقدت البائع ثمنها الزهيد، وتطلعت إلى الصحف المرصوصة خلف بعضها، لتطالع على الصفحة الأولى للجريدة الأعلى في مصفوفة الصحف المصرية لإعلان صغير لا يتجاوز مائة كلمة والأسطر الستة كلمة نشره مجلس القضاء المصري الأعلى فحواه «مطلوب قضاة».
خطرت في بالها فكرة، لم تغير مجرى حياتها، بل غيرت مجرى التاريخ العربي والبشري كله فكرة نابعة من وجدانها ودعمها عقلها، فغيرت طريقها من مكتبها إلى مقر مجلس القضاء الأعلى.
وعلى ورقة بيضاء كتبت إنصاف البرعي، كلمات لم تزد عن الخمسين كلمة، مائتان حرف على الأكثر كتبتها بخط يدها الواضح القوي الجميل، كتبت طلبًا خلاصته «أريد أن أصبح قاضية». هل خطر ببالها أنها تُغير تاريخ العالم؟ هل جال في خاطرها أنها تصنع الريادة المصرية والعربية على العالم كله؟ لا ندري.. لكن ما ندريه أنها فعلت، غيرت تاريخ العالم وصنعت الريادة لبلدها. نظر المجلس إلى طلبها فوجد الشروط تنطبق عليها فوافقوا بالإجماع على طلبها، ليشاركوها صناعة التاريخ.. هي بتقدمها لمنصب القضاء وهم بموافقتهم.. لتصبح ابنة الأربعة وعشرين عامًا أول قاضية في العالم الحديث الذي نعرفه بتشكيل دوله.. وأصغر قاضية في العالم حتى الآن.. لتصبح إنصاف البرعي، القاضية المصرية، هي إنصاف لتاريخ العالم ما بعدها غير ما قبلها.
ريادة وأرقامسبقت سيادة المستشارة القاضية إنصاف البرعي، إليزابيث كاثلين كولبورن، أول قاضية في بريطانيا العظمى، توليها منصب القضاء بأربعة أعوام، وكانت أقل منها عمرًا بـ 27 عامًا كاملة، وكان تقدمها بطلب من شخصها. توافرت فيها الشروط فوافق مجلس القضاء الأعلى العظيم على طلبها، فقط لأنها مطابقة للشروط، دون نظر إلى جنسها أو سنها، لم يكن الموافقة على طلبها تكريمًا لمسيرة مهنية في المحاماة أو إرضاءًا لخاطر زوجها، كحال البريطانية إليزابيث كاثلين كولبورن، صاحبة السبعة والخمسين عامًا.
اثنان وعشرون عامًا.. الفارق الزمني بين قطع إنصاف البرعي، شريط نهاية السباق بينها وبين أول قاضية في الولايات المتحدة الأمريكية، روث بادر جينسبورج، لتحصد المركز الأول على قاضيات العالم بفارق كبير بين أقرب منافستها، وفارق أكبر مع أول قاضية أمريكية بدأت مسيرتها في القضاء بعد اثنين وعشرين عامًا من مسيرة إنصاف البرعي.
تغلبت المصرية ابنة الأربعة والعشرين عامًا، على الأمريكية ابنة السبعة والأربعين عامًا في ريادة الزمن وريادة العُمر، وريادة أنها فكرت فقررت فاستجابت مصر لها، بينما الأمريكية عينها رئيس الولايات المتحدة الأمريكية، جيمي كارتر، ولم يوافق على طلبه إلا بعد عرضه والتصويت عليه على مجلس الشيوخ الأمريكي.
تحقيقوقف التاريخ بجسده النحيل المرهق ووجهه غائر الخطوط بفعل الزمن يجر ملابسه المتهدلة على الأرض في خشوع أمام قاضية مصري في تحقيق رسمي.
بعظمة وقوة سألته القاضية المصرية:
س- من أول قاضية في العصر الحالي منذ أن بدأت حدود الدول في الظهور الحالي؟!
بابتسامتة سعيدة غجزت خطوت وجهه الغائرة عن محوها أجاب بصوت رخيم قادم من آلاف السنين:
ج- سيادة المستشارة المصرية القاضية إنصاف البرعي ابنة الأربعة والعشرين عامًا هي أول قاضية في العالم كما تعرفونه.
لم تظهر القاضية المصرية أي تعبيرات على وجهها المحايد وسألت:
س- وماذا عن البريطانية إليزابيت كاثلين كولبورن والأمريكية روث بادر جينسبورج؟!
أخاديد وجهه الغائرة عجزت عن إخفاء نظرة سخريته من السؤال أو لعلها سعادته من الإجابة.. فقال بلهجة أظهرت سعادتها نبرات صوته الرخيم:
- ماذا عنهن؟! أنهن لا شيء.. فالقاضية الثانية في العالم بعد إنصاف البرعي المصرية القاضية العراقية زكية إسماعيل حقي.. البريطانية هي الثالثة لم تكن حتى الوصيفة.. أما الأمريكية روث بادر جينسبورج فلم تكن الثالثة ولا الرابعة ولا الخامسة، الثالثة كانت قاضية المغرب أمينة عبد الرازق في عام 1961م، وبعدها جويدة جيجة بنت تونس في عام 1972، وبعدهن بنت اليمن السعيد حميدة زكريا 1973م، وعقبها القاضية الليبية نعيمة جبريل في عام 1975م، تلتها السورية غادة مراد في عام 1979م.
وجهت القاضية المصرية سؤالًا للتاريخ:
س- ومن هي أول قاضية في التاريخ بشكل عام؟
شخصت عينا التاريخ كأنه ينظر إلى اللامكان.. تذكر حينما كان يحبو منذ آلاف السنين.. استعاد صوته حيويته كشاب قوي أعادت ذكريات السنين إليه قوته وقال في صوت زاد رخامته جهوريته:
- كنت طفلًا أحبو.. أسير على أربع.. حينما لم يكن هناك عالم وكانت مصر.. سبعة آلاف عام أتذكر الأميرة نبت صاحبة ريشة ماعت.. المنتمية إلى ما تسمونه الأسرة السادسة التي حملت لقب ساب الفرعوني الذي يعني قاضي ولقب الوزيرة ثاتي.. من روعتها تزوج ملككم الشهير تيتي صاحب هرم سقارة الشهير ابنتها ملكة مصر.. أول قاضية في العالم وأول وزيرة عدل.. في الوقت الذي لم يكن هناك عالم كان هناك مصر.. مصر التي أراها كما هي لم تتغير.. تستعين أمجاد الماضي وتبني أمجاد الحاضر وتجهز للمستقبل.. أعظم منظومة عدلية ترأستها أعظم قاضية "نبت".
صمت التاريخ قليلًا وأخذ شهيقًا كاد أن يخلي غرفة التحقيق من الهواء واستطرد:
استحضرتها في تاريخكم مرات ثلاث.. رأيتها في وجه إنصاف البرعي.. ورأيتها في عزم تهاني الجبالي.. نائبة محكمة "جبت" الدستورية.. وفي نضالها الذي جمع القانون بالسياسة.. فكانت وتدًا في تعديل مصير تاريخكم الحالي.. كما بكيت على قاضية مصر والعالم الأولى نبت.. وكما دمعت عيني على إنصاف البرعي عند رحيلهما.. إنهمرت عبراتي على رحيل نبت العصر الحديث تهاني الجبالي.
امتزجت كلماته بعبراته وتابع:
حافظوا على تاريخكم.. اكتبوا تاريخ نبت وتاريخ إنصاف البرعي وتهاني الجبالي وآلاف نبت في محاكمكم.. درسوه في تربيتكم القومية.
أجبره بكاؤه الذي تحول إلى نشيجٍ امتلك جسده.. طلبت منه القاضية المصرية أن يجلس ليستريح.. رفض الجلوس.. تعلل بأن العظيمات لا يجب الحديث عهن إلا وقوفًا.. ثم غرق في البكاء.
تمهلت القاضية حتى هدأ نحيبه.. وسألته:
س- هل لديك أقوال أخرى؟!
نظر إليها التاريخ نظرة جمعت بين النظر إليها وبين النظر إلى كل مكان.. وأجاب ضاغطًا على مخارج حروفه:
ج- أنا في كل مكان أرى وأسجل.. أمس كنت في زيارة "نبت" أخرى.. تمارس القضاء.. أعطاني وجهها المضيء المرسوم كحدود مصر قوة لأتجول بين أرواق محاكم فأشاهد في النيابات وعلى المنصات القضائية آلأف "نبت" مثلها من القاضيات المصريات.. أرى ما لا ترون.. رأيت على وجهوهن ما سطرته أنا على مدار السنين وسجلته في بردياتكم وجدران معابدكم رأيت على وجوههن:
"أنا هي القاضية نبت.. أنا التي أحكم بالحق.. استمد عزمي منه.. إرتويت بماء النيل.. وطعمت من أرضه فامتزجت القوة في جسدي والحق في روحي.. لأحكم لكم بالعدل".
طالبته القاضية بالتوقيع فزيل التحقيق بعبارته:
"أنا هو التاريخ.. أقول لكم الحق.. حَيت مصر.. وستحيا.. وتحيا مصر".
اقرأ أيضاًصبرة القاسمي لـ"الشاهد": الإخوان سجدوا بعد علمهم باغتيال فرج فودة ورفعت المحجوب
صبرة القاسمي لـ"الشاهد": لم يكن هناك مشروع يحمي الشباب من براثن الإرهاب في التسعينات
المصدر: الأسبوع
كلمات دلالية: الرئيس عبدالفتاح السيسي الأم المثالية احتفالية المرأة المصرية صبرة القاسمي الولایات المتحدة الأمریکیة القاضیة المصریة فی عام لم یکن
إقرأ أيضاً:
عبد النباوي في دورية إلى رؤساء المحاكم : تأخير القضايا وحجز الملفات يؤدي إلى هدر الزمن القضائي بدون مبرر
زنقة 20 | الرباط
وجه الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية، دورية الى الرؤساء الأولون لمختلف محاكم الإستئناف و رؤساء محاكم أول درجة ، بشأن حدود الآثار القانونية للدورية المتعلقة بالآجال الاسترشادية للبث في القضايا.
محمد عبد النباوي، الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية، أشار في مذكرته إلى أن المجلس الأعلى للسلطة القضائية أصدر قراراً بتاريخ 21 دجنبر 2023 تحت عدد 7/1244 يتعلق بتحديد الآجال الاسترشادية للبت في القضايا، وهو قرار استهدف المجلس من خلاله بحسب المسؤول القضائي، تنزيل مبدأ الأجل المعقول المنصوص عليه في الفصل 120 من الدستور، وكذا مقتضيات المادة 45 من القانون التنظيمي رقم 106.13 المتعلق بالنظام الأساسي للقضاة كما وقع تغييره وتتميمه.
و أكد ، أن “قرار المجلس بتحديد الآجال الاسترشادية، وكما وضحت ذلك الدورية يستهدف بالأساس التصدي للأسباب غير الموضوعية التي تعرقل السير العادي للقضايا بالمحاكم، مثل تكرار تأخير القضية لعدة مرات بسبب عدم التوصل بالاستدعاء، والذي يتطلب من الإدارة القضائية للمحاكم العمل على تفعيل تبليغ الاستدعاءات، كما يتطلب من الهيئة القضائية في بعض الحالات الأمر بالإجراءات القانونية المناسبة. وكذا تأخير الملف عدة مرات لإيداع تقرير الخبرة، دون أن تبادر المحكمة إلى اتخاذ الإجراءات القانونية المناسبة أو تأخير الملفات الجاهزة بدون مبرر معقول. أو منح مهل متكررة رغم انعدام الأسباب القانونية أو الموضوعية المبررة لذلك. أو حجز الملفات للمداولة دون دراسة قبلية لها، ثم إخراجها من المداولة وإعادة تكرار الأمر، وغيرها من الحالات المماثلة التي تؤدي إلى هدر الزمن القضائي بدون مبرر. والتي إذا تم التصدي لها بحزم وفعالية سيتم تلافي الأسباب التي تؤثر في احترام الأجل المعقول الذي هو حق لأطراف الدعوى وفقاً لما ينص عليه الفصل 120 للدستور.”
عبد النباوي، شدد على أن ” الأجل المعقول لا يمكن تحقيقه على حساب شروط المحاكمة العادلة أو حقوق الدفاع، أو عن طريق خرق الإجراءات المسطرية، كما أنه لا يمكن أن يتم عن طريق التسرع في دراسة الملفات مما يؤدي إلى بعض الأخطاء غير المقبولة.”
الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية، طلب من الرؤساء الأولون لمختلف محاكم الإستئناف و رؤساء محاكم أول درجة، بموافاته قبل متم شهر أبريل 2025 بتقارير تضعها كل محكمة استئناف تتعلق بها وبالمحاكم الابتدائية التابعة لها، تتضمن الملاحظات والاقتراحات التي طلبت منهم بمقتضى الدورية رقم 37.