كان واحدا ممن ساهموا فى تشكيل وجدان أجيال، وكنت أنا واحدة من هؤلاء من خلال أعماله الرائعة فى الإذاعة المصرية والتى كبرنا معها، فقد عودتنا أسرنا على سماعها منذ الصغر وكنا عندما يأتى رمضان ننتظر موعد إذاعة المسلسل الخيالى الراقى «ألف ليلة وليلة» والذى كان علامة من علامات شهر رمضان ومازلنا ننتظره ونتابعه بشغف أكثر من الأول لأنه الآن يذكرنا بطفولتنا ومن عشنا معهم وقتها وذكرياتنا معهم ومع هذا المسلسل، حيث كان يحتوى على أصوات رائعة تنقلنا لعالم خيال رائع عشناه ونحن فى طفولتنا وكنا ننظر إلى أسرتنا والكبار من حولنا لنرى أن نفس أحساسنا يظهر عليهم من شغف وحب وإنصات لتلك الأصوات القادمة إلينا من المذياع، وأصوات الممثلين الرائعة وعلى رأسهم الصوت الرخيم للفنانة الكبيرة زوزو نبيل، أما عن كلمات تتر المسلسل وموسيقاه فهذا شأن آخر تسرح فيه الشعور والوجدان لدرجة أن أخر كلمة فيه تود أن تعاد مرة أخرى، وعندما كبرنا علمنا أن وراء هذا العمل الذى ننتظره جميعا كل رمضان بشغف الكاتب والشاعر والإذاعى القدير طاهر أبوفاشا، وهو من الجيل الأول بالإذاعة كذلك ألف من روائع المسلسلات ألف يوم ويوم فى 600 حلقة، فقد كتب القصيدة بالعامية وبالفصحى وكان له سحر خاص فى تصوير المواطن الجمالية المختلفة، أنه الدرعامى خريج دار العلوم والذى تخرج منها عام 1939، وقد صدر له أول ديوان شعرى بعنوان «صديق الشباب» وهو فى مقتبل حياته أثناء دراسته بالمعهد الدينى بدمياط، وكتب التمثيليات الشعبية والأوبريت، طاهر أبو فاشا الذى قدم أغانى العشق الإلهى التى غنتها أم كلثوم فى فيلم رابعة العدوية، وله مؤلفات عديدة فى أدب الرحلات منها كتابه «وراء تمثال الحرية»، الذى كتبه أثناء رحلته لأمريكا لزيارة ابنته عزة، وكذلك كتابه «20 يوما فى روما» وله العديد من الكتب والمؤلفات المختلفة منها السياسى أيام وأحداث الجمهورية العربية المتحدة، فى معركة المصير العربى، قصة السد العالى، الجلاء من الألف إلى الياء، قصة ميناء دمياط،وقد حظى بالكثير من أوجه التقدير، وحصل فاشا على جائزة الدولة التقديرية فى الآداب عام 1988، وكرمته مصر عام 1976 باعتباره أحد رواد كتب فوازير رمضان، ولد طاهر أبو فاشا فى ديسمبر عام 1908 بمدينة دمياط، حيث تلقى تعليمه الأولى، ونشأ فى أسرة متوسطة، كان والده تاجر حبوب، وكان من المفترض أن يكتسب مهنة والده حيث تجرى عادات وتقاليد دمياط، ولكن نظرا لأن تجارة الحبوب كانت راكدة فى وقتها، فقرر والده أن يعلمه صناعة الأحذية، وبالفعل تمكن من تلك الصنعة، لكنَه تركها فقررت والدته أن تُبعده عنها نهائيًّا، ثم التحق بالمعهد الدينى فحفظ القرآن كاملا فى شهور قليلة مع تجويده، ثم تخرج من كلية دار العلوم عام 1939، وبعد وفاة زوجته عام 1979 عانى حزنًا شديدًا، وحاول التغلب عليه باستكمال آخر دواوينه «دموع لا تجف» عام 1987، والذى أهداه إلى روح زوجته، وعبر فيه عن مدى الحزن والألم الذى ظل مسيطرًا عليه، وبعد فترة قصيرة من رحيلها رحل الأبن الأكبر فيصل ورثاه فى العديد من القصائد، ليقع فريسة المرض وتوفى طاهر أبو فاشا عام 1989 عن عمر 81 عامًا بعد معاناة الأسى والوحشة لرحيل زوجته وابنه الأكبر.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: بين السطور نجوى عبدالعزيز الإذاعة المصرية طاهر أبو
إقرأ أيضاً:
إفطارهم فى الجنة.. محمد جبر شهيد الواجب الذى لم يرحل
في قلب كرداسة، هناك شوارع لا تزال تحمل صدى ذكريات الشهيد محمد جبر، مأمور القسم الذي دفع حياته ثمناً لأداء واجبه، لم يكن مجرد ضابط شرطة، بل كان رجلاً من لحم ودم، حمل على كاهله أمانة الوطن وراحته، هكذا يصفه كل من عايشه، هكذا تتذكره أسرته، وكأن روحه لا تزال تُرفرف في كل زاوية من هذا المكان الذي شهد آخر لحظاته.
محمد جبر، ذلك الرجل الذي رسم صورة للمثابرة، كان دائمًا ما يردد بين زملائه: "كلنا في خدمة الوطن، وإذا كان هناك من يتوقع أنني سأخاف، فهو لا يعرفني". كان شامخًا، رغم كل التحديات، يتحمل مسؤولياته بكل شجاعة وهدوء، لم يكن يهاب الصعاب، بل كان يقف دائمًا في الصف الأول ليحمي وطنه وأهله، تمامًا كما تعلم في كلية الشرطة، أن أسمى رسالة هي حماية المجتمع بكل ما يملك.
كان يومًا عاديًا، لم تتوقع أسرة الشهيد محمد جبر أنه سيكون آخر يوم في حياة ابنهم، لكن عندما جاء الصباح، جاء معه خبر الفاجعة، استشهد محمد جبر أثناء دفاعه عن مركز شرطة كرداسة، تلك المنطقة التي شهدت تطورات أمنية خطيرة. وعندما انتقل إلى جوار ربه، كانت الدموع في عيون الجميع، ولكن بقيت هناك ابتسامة حزينة على وجهه، ابتسامة تطمئنهم أنه كان قد أتم مهمته على أكمل وجه. "لم يكن يُخشى عليه، فقد كان البطل الذي يعرف كيف يحمي وطنه بروح عالية".
قالت أسرته في تصريحات سابقة لليوم السابع، بصوت يكاد يخبئه الحزن: "كان محمد هو الحلم الذي لم يكتمل، كان أبًا يُحيي الأمل في قلوب أولاده، وكان زوجًا يعكس أسمى معاني الوفاء. والآن، كلما نظرت إلى أبنائنا، أرى فيهما ملامحه وابتسامته التي لا تموت". لا تستطيع أن تمسك دموعها، لكن في قلبها تنبض مشاعر الفخر بما قدمه زوجها من تضحيات.
لا تكاد الذاكرة البصرية تخلو من صورة محمد جبر، التي تملأ غرفته في منزله ،صورة تعكس شجاعة وقوة رجل لا يعرف الخوف، فقد كانت الخدمة في شرطة كرداسة، في تلك الأيام العصيبة، رحلة محفوفة بالمخاطر. "هو في قلوبنا لا يموت"، هكذا يقول محبيه وهم يعانقون صوره، كانت الكلمات تتردد في حديثهم "محمد لم يكن مجرد اسم، بل كان عنوانًا للشجاعة والصدق، ومع كل فجر جديد، نقول له: أنت في القلب دائمًا".
وبينما يمر الوقت وتظل حكايات الأبطال تتوارث من جيل إلى جيل، يبقى الشهيد محمد جبر رمزًا للصمود والشجاعة. لم يكن مجرد ضابط شرطة، بل كان رمزًا للمسؤولية وحب الوطن. يبقى اسمه في قلب كل من يعرفه، وسيظل ضوءًا يضيء سماء كرداسة وكل مصر، يذكرنا بأن العطاء لا يُقاس بمدة، بل بنبل الهدف والشرف الذي خلفه.
في كل زقاق، وفي كل شارع، تحيا ذكرى محمد جبر، وتبقى قصته شاهدة على أن الشهداء لا يموتون، بل يتجددون في قلوبنا، ويتسابقون مع الزمن ليجعلونا نرفع رؤوسنا بكل فخر.
في قلب هذا الوطن الذي لا ينسى أبنائه، يظل شهداء الشرطة رمزًا للتضحية والفداء، ويختصرون في أرواحهم أسمى معاني البذل والإيثار، رغم غيابهم عن أحضان أسرهم في شهر رمضان، يبقى عطاؤهم حاضرًا في قلوب المصريين، فالوطن لا ينسى من بذل روحه في سبيل أمنه واستقراره.
هم الذين أفنوا حياتهم في حماية الشعب، وسطروا بدمائهم صفحات من الشجاعة والإصرار على مواجهة الإرهاب، هم الذين لم يترددوا لحظة في الوقوف أمام كل من يهدد وطنهم، وواجهوا الموت بابتسامة، مع العلم أن حياتهم ليست سوى جزء صغير من معركة أكبر ضد الظلام.
في رمضان، حين يلتف الجميع حول موائد الإفطار في دفء الأسرة، كان شهداء الشرطة يجلسون في مكان أسمى، مكان لا تدركه أعيننا، ولكنه مكان لا يعادل في قيمته كل الدنيا؛ فإفطارهم اليوم سيكون مع النبين والصديقين والشهداء وحسن أولئك رفيقًا.
مع غيابهم عن المائدة الرمضانية في بيوتهم، يظل الشعب المصري يذكرهم في صلواته ودعواته، تظل أسماؤهم محفورة في ذاكرة الوطن، وتظل أرواحهم تسكن بيننا، تعطينا الأمل والقوة لنستمر في مواجهة التحديات.
إن الشهداء هم الذين حفظوا لنا الأمان في عز الشدائد، وهم الذين سيظلون نجومًا مضيئة في سماء وطننا، فلهم منا الدعاء في كل لحظة، وأن يظل الوطن في حفظ الله وأمانه.
مشاركة