رد الاعتبار لمحاكم العدالة الناجزة في عهد نميري: ليس ينجح كل من أراد استغلال الدين
تاريخ النشر: 16th, May 2024 GMT
عبد الله علي إبراهيم
أردت بمبحثي في رد الاعتبار بحثياً لمحاكم نميري للعدالة الناجزة (1983-1985) نقض ما يعرف ب"الأداتية" (instrumentalism) في دراسات الدين والسياسة. والأداتية هي بالتحديد قولنا ب"استغلال الدين" أي جعله أداة لغايته أو مخلباً. وكانت هذه الأداتية هي كل نصيبنا من معرفة ديناميكية تلك المحاكم.
وسنرى بمنهجنا الموصوف أن لتخليب الدين نفسه ديناميكية سياسية اجتماعية لا يقع بدون مواتتاها لمن أراد توظيفه لغايته السياسة. فلا يوفق كل ساع لتخليب الدين ما لم تتهيأ تقوى مثل الغضبة للعدالة التي اشتدت وتائرها في نهاية عهد نميري، موضوع بحثنا، لتديين الدولة. وواتت تلك الأشراط النميري في ثنائية القضائية السودانية ونزاعات قسمها المدني الغالب على القسم الشرعي المستضعف، وسياسات الرئاسة السودانية التي استثمرت هذا الشرخ فيها.
وسننظر إلى نزاعات هذا الشرخ القانوني وفق مفهوم "الثنائية المانوية" الذي أذاعه فرانز فانون، المارتنيكي الثوري، نسبة إلى "ماني" اللاهوتي الفارسي القديم، الذي اعتقد أن العالم يَطَّرد نتيجة دراما صراع أزلي بين الخير والشر. وهذه الثنائية عند فانون هي ما وصم جغرافيا البلد المستعمَر فأنقسم إلى فضاء استعماري أوربي، له المعيارية، وآخر أهلي مباءة للانحراف عن المعيار (فانون 1968). فتواجه الفضاءان خلال الاستعمار وما بعده بصورة إقصائية استحال معها توحيد القضائية التي كان بوسعها التعاطي المهني مع غضبة العامة للعدالة.
ستعرض الورقة لخصومة القسمين بالقضائية كحالة من الثنائية المانوية الاستعمارية أغرت بالقضائية المستقلة فتعاورتها السياسات الوطنية. فقد أراد قضاة الشريعة بالاستقلال المساواة بالقضاة المدنيين ورد الاعتبار لقانونهم، الذي هو شريعة غالبية السودانيين، ولهم كقضاة مستحقرين. فأحكام المانوية الاستعمارية صورتهم ك "الآخر المتخلف " بالنسبة للقسم المدني طوال عهد الإنجليز (1898-1956) (سلمان 1977، فلوهر لوبان 1987). فأُخضعوا للقضاء المدني، وجردوهم من أدوات الشوكة كلها حتى مُنع أفراد القوات النظامية من تحيتهم كما يفعلون للقضاة المدنيين. وسنرى هوانهم على الناس لما أبعدوا عن الاختصاصات القانونية التي تحكم مسالك السياسات العليا وإدارة الاعمال واختصوا بالأحوال الشخصية للمسلمين. فصاروا في نظر الذكور "قضاة عوين-نساء" أو "أنكحة وميراث" في قول المحدثين (خالد 1974).
وسنفحص كيف أن سياسات الرئاسة بعد الاستقلال في عام 1956 سعت للاستفادة من خصومة القضائية المانوية ومواردها التاريخية والسياسة والثقافية. سنرى كيف سبق إسماعيل الأزهري خلال رئاسته لمجلس السيادة (1965-1969) النميري إلى تبني الشريعة قانوناً للبلاد في تحالف مع قضاة الشرع. فنزع عنهم سلطان القسم المدني في 1967 وساواهم برصفائهم فيه لأول مرة. وأقدم الأزهري على ذلك في سياق غضبة شعبية على القضائية وقانونها الإنجليزي الذي لم تجد في مواده ما يحاكم انحرافات خلقية استفزت جمهرة المسلمين. بل كان شرّع لبعضها مثل البغاء. وكان الأزهري بحاجة لذلك الحلف بما لا يقل عن حاجة القسم الشرعي له. فقد ساءه وقوف القسم المدني، حارس القانون " الاستعماري " والدستور "العلماني" ضده في وجه كل خطوة كان يقوم بها نحو تركيز سلطته كرئيس بزعمه لمجلس السيادة. وكَبُر عنده زجر القسم المدني له لحله الحزب الشيوعي منافسه في المدن. وكان تلك باكورة مسعى سياسات الرئاسة لاستغلال شرخ القضائية للكسب.
وسنرى كيف عاد قانون القضائية الاستعماري وأداؤها إلى طاولة النقاش في آواخر عهد النميري في سياق اقتصاد الباطل المار ذكره. فترافق تفاقم الجريمة في ذلك الاقتصاد مع عجز بين للدولة عن الصرف المناسب لاستتباب العدل. وحفلت "سوداناو"، المجلة الشهرية الحكومية الناطقة بالإنجليزية، (1979) بتحقيقات غاية في النضج عن بؤس أداء القضائية في وقت إفلاس كبير للحكومة. فبقي مثلاً في القضائية 538 قاضياً في 1980 مثلوا 69% من حاجتها (728 قاضياً). وترتب على انكماش القضائية الموصوف تثاقل في النظر في القضايا والبت فيها. ففي 1979 نظرت المحاكم في 42 ألف قضية من جملة 89 ألف. وأقلق ذلك التلكؤ الناس وأضجرهم فاشتبهوا أنهم ربما لم يلقوا العدل لعطب في أمانة القضاة أنفسهم. وروجت تلك الشبهة للمحاماة لا من جهة مهنيتها بل لأن المحامين يعرفون التعاطي الماكر مع زملائهم القضاة ممن جمعتهم الجامعات طلاباً وأمسيات الأنس التي اشتهرت بها طبقة الأفندية.
واصطدم النميري والقضاة المدنيون في تلك الملابسات صداماً تمثل كما رأينا في مفهومين. كان النميري يصطحب في تعجيله بالعدالة مفهوماً إسلامياً للعقوبة هو السن بالسن الذي لقي صدى بين جمهرة المسلمين المكتوية بالجريمة. وعليه كانت الجمهرة أصيلة في الصراع من أجل قضائية أخرى على حد الشريعة كما سنرى من خلال رسائلها للصحف وتأليبها للدولة لإغلاق البارات أو دور البغاء. ولن تجد صدى لهذا الهاجس العدلي للمسلمين في الكتابات عن تجربة النميري في العدالة الناجزة (منصور 1986). خلافاً لذلك تجد الصفوة استأثرت بدراماها التي تمثلت في صراع الأفيال: النميري والقضائية. وبدا في كتابات الصفوة العلمانية أن القضاة على حق الحداثة والنميري على باطل التقليد برغم أن الحقيقة أعقد وأغور.
ومتى استتبت لنا صورة غضبة العامة للعدالة وجذورها في المجتمع شرعنا في وصف أدوار الصراع بين النميري والقضائية من جهة دواعيه ومساره وخواتمه. وسنركز بوجه خاص على مكر النميري الذي استصحب غضبة الناس للعدل بأفضل مما فعل القضاة وسوَّقها لصالح نظامه الذي كان يلفظ أنفاسه بعد استنفاده للحلفاء من جهات السياسة كلها. واستفحلت من الجهة الأخرى مطالب المهنيين بتحسين الأجور ورم بيئة الخدمات العدلية التي تليهم للجمهور. وكان القضاة على رأس من خرجوا في عمل نقابي للضغط على النظام بتلك المطالب.
وسنفحص في الورقة الطرق العديدة التي لجأ إليها النميري لملامسة غضبة الناس للعدالة في سياق إفحام خصومه في القضائية والمجتمع. فاستعان ب "القضائية الثانية" وهي المحاكم العسكرية لتعجيل البت في القضايا. ثم عدَّل الدستور في 1975 ليعطي تلك المحاكم صلاحية النظر في قضايا الأسعار المؤرقة للناس. وأصدر في 1982 قانون الطمأنينة الذي خلق شبه "جماعات الأمر بالمعروف". ثم أعلن حكم الشريعة ومحاكمها الناجزة.
ولم يكن بوسع القضاة ملاقاة تلك الغضبة إلا عن طريق إصلاح القضائية القائمة بما اقتضاه ذلك من كفالة استقلالها والصرف على ديوانها وتحسين شروط خدمة قضاتها. ومن وجوه تسييس القضائية البغيض للقضاة كان دمجها في حزب الحكومة بتمثيل لائحي لها في مكاتبه القيادية المختلفة. واشتم الناس رائحة "النقابية" في مطالب القضائية فلم تحرك فيهم ساكناً مثل ما فعل النميري الذي مناهم الأماني في العدل الذي اشرأبوا له. وسنصف دراما صراع النميري والقضائية في إضرابات القضاة التي جرت في 1980 و1981 التي ختلهم بعدها النميري بإعلان الشريعة قانوناً للبلاد وأحل محاكمه الناجزة محل القضائية "الاستعمارية" القديمة. وعرض على الجمهور في بيانه في المناسبة وتائر وقوع جرائم "اقتصاد الباطل" في المال والجسد وفشوها بالدقيقة والساعة واليوم. وأوحى لمحاكمه أن تنشر على الجمهور إنجازها يوماً بيوم في محو القضايا المتراكمة عن القضائية القديمة. وكانت أحكامها بالجلد والقطع والقطع من خلاف والتغريب تذاع يومياً عند الثامنة مساء على جمهور عطش للعدل بغض النظر.
أهمية البحث في ظرفنا
يأذن لنا تنزيلنا عدالة النميري الناجزة إلى محاضنها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية بنظر يتجاوز فنطازيا الصفوة لها: نطاح التقليد والحداثة. فغفلة تلك الصفوة، المحصنة في ثنائياتها المستوهمة، عن تلك المحاضن صور لها أن الأمر إما أمر دين أو تقدم. ولم يطرأ لها أن الواقع أخضر من ذلك بكثير. فبالوسع النظر إلى فرار العامة لدينها، العمدة في علم سياستها، كتقوى التي هي حساسية للدين كحاكم وليس كحكومة. ولم يكن عسيراً إنفاذ العدل بإصلاح القضائية القائمة إصلاحاً حالت دونه ثنائيتها المتباغضة. فبقي الشرخ وتراخى العدل. وكانت تلك سانحة اهتبلها ديكتاتور شعبوي ماكر. وربما انتفعنا في حروب الربيع العربي الثقافية بهدنة فكرية ترد نجوى مطلب العدل الحقوقي والاجتماعي وتقواه إلى محاضنه الاقتصادية الاجتماعية قبل الخندقة والإسراف.
IbrahimA@missouri.edu
المصدر: سودانايل
إقرأ أيضاً:
هل ينجح المغرب في تطوير صناعة السفن؟
في خطوة تعكس طموحات المملكة المغربية لتعزيز موقعها البحري الإستراتيجي، أطلقت الحكومة المغربية مناقصة دولية تهدف إلى استقطاب شركات عالمية متخصصة لتشغيل أكبر حوض لبناء السفن في القارة الأفريقية، يقع في مدينة الدار البيضاء على المحيط الأطلسي. وتأتي هذه الخطوة ضمن إستراتيجية وطنية متكاملة تستهدف توطين صناعة بحرية قوية وتقليل الاعتماد على الخارج في صيانة وتوفير السفن.
التحركات المغربية لم تكن محلية الطابع فقط، بل امتدت إلى محاور التعاون الدولي، حيث برزت زيارة وزير الصناعة والتجارة المغربي رياض مزور، إلى كوريا الجنوبية ولقاؤه بقيادات من شركة "هيونداي للصناعات الثقيلة"، كإشارة واضحة على الانفتاح نحو شراكات آسيوية تملك خبرة راسخة في صناعة السفن. هذه الزيارة، وفق مراقبين، تعكس التوجه الجاد للمغرب في بناء صناعة بحرية متطورة، قادرة على التفاعل مع الأسواق الإقليمية والدولية.
جذور بحرية ضاربة في التاريخيؤكد الباحث في الجغرافيا الإستراتيجية، بدر الدين محمد الرواص، في حديثه لـ"الجزيرة نت"، أن اهتمام المغرب بصناعة السفن ليس جديدًا، بل يعود إلى ما قبل الميلاد بحوالي 200 سنة، وازدهر بشكل ملحوظ خلال عهود المرابطين والموحدين والمرينيين.
إعلانكما شهد العصر العلوي، خاصة في عهد السلطان محمد بن عبد الله في القرن الـ18، طفرة في الصناعة البحرية، إذ أنشأ دورًا لصناعة السفن في سلا والعرائش، وبنى سفينة ضخمة استنزفت ميزانية الدولة آنذاك، وأثارت إعجاب القوى الأوروبية الكبرى مثل فرنسا وإسبانيا والبرتغال.
الرواص يربط بين ذلك الإرث البحري العريق والطموح المعاصر، حيث يرى أن المغرب اليوم يدرك أهمية موقعه الإستراتيجي على المحيط الأطلسي والمتوسط، ويسعى لامتلاك عرض مينائي متكامل وأسطول وطني قادر على مواكبة التطورات الحديثة في قطاع النقل البحري العالمي.
وتشير تقارير المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي المغربي إلى أن المملكة أنفقت أكثر من 14 مليار درهم (1.4 مليار دولار) على واردات السفن بين عامي 2002 و2022، في وقت لم تتجاوز فيه مداخيل قطاع بناء وإصلاح السفن 500 مليون درهم (50 مليون دولار) سنويًا خلال الفترة ما بين 2012 و2023. كما لا تتجاوز مساهمة هذا القطاع 0.17% من القيمة المضافة و0.01% من الناتج الداخلي الإجمالي، وهو ما يعكس الهوة الكبيرة بين الطموح والواقع.
ووفق التقرير، فإن عدد الشركات العاملة في هذا القطاع تراجع بشكل مقلق من 40 شركة سنة 2000 إلى 10 شركات فقط في عام 2023، بينما لا يتعدى عدد فرص العمل المحدّثة سنويًا في هذا القطاع 700 فرصة.
ضرورة وطنية قبل أن تكون خيارا اقتصادياويرى الخبير الإستراتيجي هشام معتضد أن مشروع توطين صناعة السفن لم يعد رفاهية صناعية أو خيارًا اقتصاديًا لتحسين الميزان التجاري، بل أصبح ضرورة سيادية ترتبط بالأمن الاقتصادي واللوجستي للمغرب. ويقول في حديثه للجزيرة نت: "الرهان لا يتعلق فقط بتقليص الاستيراد أو خفض النفقات، بل بإرساء استقلالية تقنية وتحكم إستراتيجي في مفاصل أساسية تؤثر في استقرار البلاد خلال الأزمات".
إعلانويضيف معتضد أن المغرب يطمح إلى بناء ما يُعرف بـ"الاستقلال اللوجستي"، وهو ما يتطلب منظومة متكاملة تشمل التصنيع، الصيانة، التكوين المهني، والخدمات المالية المصاحبة. ويؤكد أن امتلاك أسطول وطني قوي يجب أن يُفهم كاختبار لقدرة الدولة على بناء سلسلة قيمة بحرية مغربية كاملة، قادرة على الاستجابة للطلب المحلي والتعامل مع الطوارئ، كما حدث خلال جائحة كوفيد-19 واضطرابات سلاسل الإمداد.
الأسطول المغربي بين الواقع والطموحوبحسب الخبير الإستراتيجي محمد الطيار، فإن المغرب يُجري تحركات لبناء أسطول بحري تجاري مكون من 100 سفينة بحلول 2030، كاستجابة مباشرة للنواقص التي أشار إليها تقرير المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي. ويُذكر أن 97% من المبادلات التجارية المغربية تتم عبر النقل البحري، بينما لا تمتلك البلاد سوى 9 شركات بحرية تشغل 16 سفينة فقط، وهو ما يطرح تحديًا لوجستيًا كبيرًا في ظل موقع المغرب كمحور عبور إقليمي.
ويمتلك المغرب ثروة بحرية ضخمة، تشمل 3500 كلم من السواحل، و75 ألف كلم مربع من المياه البحرية الإقليمية، و1.2 مليون كلم مربع من المنطقة الاقتصادية الخالصة. كما يضم 14 ميناء للتجارة الخارجية، أربعة منها مجهزة لاستقبال سفن الركاب، ما يجعل البلاد مؤهلة لتكون منصة بحرية قارّيّة.
تحول إستراتيجي نحو الاقتصاد الأزرقويشير معتضد إلى أن مشروع بناء صناعة بحرية لا ينبغي أن يُقرأ فقط من منظور تصنيع السفن، بل باعتباره بوابة نحو اقتصاد بحري متكامل يشمل الطاقات البحرية المتجددة، والتقنيات الصديقة للبيئة، والصناعات الدفاعية المرتبطة بالمجال البحري.
ويضيف أن الرهان الحقيقي يكمن في تحويل ميناء طنجة المتوسط إلى منصة إنتاجية وليس مجرد مركز لوجستي، مستفيدًا من تراكماته في مجال التوزيع العالمي. كما توفر السواحل الأطلسية إمكانيات هائلة لإنشاء أحواض بناء وصيانة مخصصة للأسواق الأفريقية وأميركا اللاتينية.
وتُعد الشراكة مع كوريا الجنوبية، وتحديدًا مع شركة "هيونداي"، خطوة محورية ضمن هذا التوجه. ويؤكد معتضد أن هذا التعاون ليس فقط ذا طابع صناعي، بل يحمل بعدًا دبلوماسيًا إستراتيجيًا، حيث يسعى المغرب لتوجيه شراكاته نحو نقل التكنولوجيا وتوطينها، وبناء نموذج إنتاجي يأخذ بعين الاعتبار الخصوصيات الاقتصادية والجغرافية المغربية.
إعلانويضيف أن تجربة الشراكة مع قوى صناعية صاعدة يمكن أن تساعد المغرب في تطوير سياسة بحرية هجينة تجمع بين الاستفادة من التجربة الآسيوية والملاءمة مع التحديات الإقليمية.
بين قوانين التمويل والتكوينورغم الفرص الواعدة، لا تخلو الطريق من تحديات معقدة. فصناعة السفن قطاع يتطلب استثمارات ضخمة، وأطرًا قانونية دقيقة، وموارد بشرية عالية التأهيل. ويشير الأكاديمي محمد الطيار إلى أن المغرب يعمل على تطوير ترسانة قانونية متماشية مع الاتفاقيات الدولية الخاصة بالأمن والسلامة البحرية وحماية البيئة.
كما يعمل على تحسين جودة التكوين البحري ومواءمته مع احتياجات السوق، لكن يبقى التحدي قائمًا في إعداد رأس مال بشري مؤهل في مجالات تقنية متقدمة مثل التصميم والهندسة البحرية.
في السياق ذاته، يؤكد معتضد ضرورة بناء نظام مالي محفز يشجع الاستثمار في قطاع عالي المخاطر مثل صناعة السفن، مشيرًا إلى أن نجاح المشروع يتوقف على قدرة الدولة في توفير بيئة اقتصادية مشجعة وخطط تمويل مرنة ومستقرة.
وفي ضوء هذه المعطيات، يتضح أن المغرب لا يسعى فقط إلى تأسيس صناعة بحرية، بل إلى إعادة تعريف موقعه في الاقتصاد البحري العالمي. فالسؤال لم يعد: هل يمكن للمغرب بناء سفن؟ بل: هل يستطيع بناء منظومة بحرية مستدامة تُمكنه من قيادة تحول إستراتيجي نحو اقتصاد أزرق يضمن الأمن، التنمية، والسيادة؟