تجاوز العقلية الجنجويدية: رحلة وعي نحو آفاق المستقبل
تاريخ النشر: 16th, May 2024 GMT
د. الهادي عبدالله أبوضفائر
واحدة من العادات والتقاليد الاجتماعية، حينما تحمل المرأة (سفاحا) خارج الاطر المؤسسية أثناء غياب الزوج، يعتبر المولود “ود الفراش”. دون أن يُنسب للزوج. رغم فداحة الفعل يحق للزوج الاستفادة من خدماته، ان تجاوز حدود الإطار المؤسسي عقلية جنجودية بامتياز.. فهذه العقلية تعني (العمل خارج الأطر المؤسسية)، وغالبا ما يتعرض صاحبها للانتقاد والتنمر استنكاراً للسلوك المدان وللفعل المنكر، حيث لا صلاح لأي مجتمع بدون الالتزام بالمؤسسية والأنظمة التي تضمن العدالة والاستقرار.
أن العمل خارج الإطار المؤسسي لا يضمن تحقيق الانتقال السلس نحو نظام ديمقراطي وسلام مستدام. الوسائل الخاطئة لا يشفع لها نبل الأهداف.. في سعى الأفراد اليها، قد تُحدث تحولات جذرية في السياسة والمجتمع، إلا أن نتائجها لا تختلف بشكل كبير عن سابقاتها رغم اختلاف الظروف والعوامل المحيطة بها.
ان الديمقراطية وتعزيز حقوق الإنسان، تتحقق يوم يلتزم المجتمع بالاطر الدستورية والقانونية قولاً وفعلا.. فالثورة الفرنسية نفسها كادت أن تخفق في مهامها، ولكنها انتصرت عندما رجعت لمسار الإصلاح التدريجي، حيث امكنها تجاوز التحديات الهائلة والتهديدات المحتملة معبدة طريقها نحو مستقبل تسود فيه العدالة والحرية.
أن التغيير الثوري مهما كانت نبيلة اهدافه وكبيرة تضحياته
يمكن أن يقود إلى الفوضى والانقسامات الاجتماعية في حال مارست المجتمعات ( الجنجودية) كأداة للحل ورافعة ثورية، والأمثلة كثيرة (محاسبة كل من اشتغل في نظام ١٧نوفمير (عبود) ومحاسبة سدنة مايو، و من شارك الإنقاذ). فحتى متى نستفيد من قانون السبب والنتيجة والحكمة ونعمل عبر المؤسسات. ومن أبرز تجليات نماذج العقلية الجنجويدية، (ود الفراش) استعانة الدولة بعرب الشتات (خارج مؤسسة الجيش) ، وأنشاء لجنة( أزالة التمكين) خارج المؤسسة القضائية، ومشاركة الأحزاب في السلطة الانتقالية بدون تفويض شعبي حر عبر صناديق الاقتراع.. كل ذلك تجاوز للأطر الدستورية وهكذا قس.
لتحقيق تغيير ديمقراطي، يحتاج العمل السياسي والاجتماعي إلى إصلاحات مؤسسية وتعزيز ثقافة المشاركة وحكم القانون. إذا كانت الثورة تعمل ضمن هذا السياق، فقد تفلح بشكل فعال في تحقيق التغيير الديمقراطي، ولكن دون هذه الجهود الإضافية، لا تكون ضمانات لتحقيق الديمقراطية. لا ريب ان عمليات التغيير بالأطر المؤسسية تستغرق وقتاً طويلاً وجهوداً مضنية، لكنها تضمن التغيير باقل تكلفة وتشكّل عبقرية في الرؤية وحسن الإدارة. فهي ليست مجرد وسيلة تقنية لتطوير الهياكل الإدارية، بل هي رؤية استراتيجية متقنة لتحقيق تحول جذري ومستدام في المؤسسات والمجتمعات. على سبيل المثال، بوتسوانا: تمتلك سجلًا حافلًا بالنمو الاقتصادي والاستقرار السياسي دون تغييرات ثورية كبيرة، وهي تعتبر واحدة من الديمقراطيات النموذجية في إفريقيا. كذلك ماليزيا، التي شهدت تحولات اقتصادية واجتماعية كبيرة منذ الاستقلال في عام 1957، حيث أصبحت واحدة من أكبر الاقتصادات في جنوب شرق آسيا دون الحاجة إلى تغييرات ثورية كبيرة. وكذلك بوتان، التي تحولت ببطء نحو الديمقراطية والتنمية الاقتصادية دون تغييرات جذرية في النظام السياسي، وهي اليوم واحدة من البلدان الأكثر استقراراً في آسيا. فالتغيير عبر الأطر المؤسسية يهدف لتعزيز مبادئ العدالة والمساواة، وتحقيق التنمية المستدامة، فبالجهود الجادة والصبر على التحول الديمقراطي عبر المؤسسات، يصبح بمقدور المجتمع تحقيق نجاحات ملموسة على صعيد تعزيز الاستقرار الاقتصادي وتقوية المشاركة في الحياة السياسية والاجتماعية."
إن للتغيير السلمي التدريجي ( بُعدٌا عميقا) يتجاوز السياق السياسي ليمتد إلى شغاف قلب المجتمع وروحه الحية. بالرغم من أن التغيير الثوري قد يرسم صورة جديدة للسياسة والمجتمع، إلا أنها قد تخطئ أهدافها في النهايه وقد تخفق في تحقيق الاستقرار واستدامة الديمقراطية. مثال لذلك ثورة أكتوبر، ثورة أبريل وثورة ديسمبر.. والسبب يكمن في تكرار نفس الأدوات ونفس الأسلوب.. فكيف - والحالة هذه- السبيل إلى التغيير. بينما يسعى الحكماء إلى تحقيق السلام والاستقرار بطرق تتناسب مع أعلى قيم الإنسانية وأروع مظاهر الحكمة. يدركون أن العنف لا يولد سوى المزيد من الدمار والخراب، كما علمتنا العديد من التجارب التاريخية، عندما اعتمد زعماء الدول المتقدمة الحوار والتفاهم كمنهج لحل النزاعات بينهم، نجحوا في تجنب الحروب وإنقاذ ملايين الأرواح.
تجلى الروعة في استخدام الحكمة والتسامح كأدوات أساسية لتحقيق السلام والتنمية المستدامة. عبر وسائل اقل كلفة من أراقة الدماء. تختلف مسارات الثورات بحسب تنوع الظروف والعوامل المحيطة، حيث تتلاقى الآمال بالتغيير مع واقعية التحديات. فبينما تمثل بعض الثورات محطات هامة في تاريخ الديمقراطية، إلا أن أخرى تخلف وراءها ضحايا وشهداء ينتظرون حقهم في القصص والانصاف من القرشي مروراً ببشة وعبدالعظيم وإلى اليوم شهيد تلو شهيد فهل من طريق آخر أقل كلفة من الأرواح و الدماء. إذن لابد من تغيير (العقلية الجنجودية) وينبغي لنا أن ندرك أن أي عمل يتجاوز حدود الإطر المؤسسية لا يخلو من الصراعات، وعلى الرغم من أنه قد يبدو مغرياً في بعض الأحيان، إلا أنه يجب أن نتذكر أن جني ثماره يأتي بتكاليف باهظة. لابد من تدابير لتجنب الانحراف عن الأنظمة واللوائح التي تنظم سلوكنا وتوجه أعمالنا.
بالإضافة إلى ذلك، يجب أن ندرك أن تجاوز المؤسسات لا يؤثر على الفرد فقط، بل بتعداه الى المجتمع برمته، مما قد يؤدي إلى تفكك القيم والأخلاق التي تشكل أساس النظام الاجتماعي. فالواجب ا أن نسعى جاهدين للحفاظ على النظام والانضباط، والعمل بروح المسؤولية والالتزام بالدساتير، من أجل بناء مجتمع يزدهر على أسس العدل والنزاهة والاحترام.
أن إصلاح المؤسسات المدنية بلا شك خطوة أولى وأساسية قبل الشروع في إصلاح المؤسسات العسكرية. لان الاستقرار السياسي والتنمية المستدامة تتطلب بنية مدنية قوية وفعّالة، تعكس إرادة الشعب وتحافظ على حقوقه وحرياته. فعقليتنا المدينة بحاجة إلى إصلاح، لإنها المنوط بها ترسيخ ثقافة الديمقراطية واحترام سلطة القانون في المجتمع. عليه، يجب أن تلتزم الأحزاب بالدستور كمرجع أساسي وتلتزم ببرامجها الانتخابية، مما يعزز الشرعية والثقة في العمل السياسي. أن مراجعة مجموعة الشعارات التاريخية (التحرير ولا التعمير) (تسقط بس) و(الدم قصاد الدم) يشي بدورها من نفس العقلية، مع فارق الزمن وتكرار فشل التجارب السابقة. ان نجاح التغيير يعتمد على توافق الظروف والتضامن في الجهود لتحقيق الأهداف المشتركة. ومن خلال الاتحاد والتعاون، يمكننا بناء مستقبل يتسم بالسلام والاستقرار والعدالة، يعكس اشواق الشعوب في تحقيق الرخاء والتنمية المستدامة . عليه ان كل عمل خارج الإطار المؤسسي والعلمي يعتبر (ود الفراش)
abudafair@hotmail.com
المصدر: سودانايل
إقرأ أيضاً:
معارك عنيفة وطاحنة بين قوات سوريا الديمقراطية والقوات المدعومة من تركيا
بغداد اليوم - سوريا
أفاد مصدر أمني سوري، اليوم السبت (21 كانون الأول 2024) بنشوب معارك عنيفة بين قوات سوريا الديمقراطية والقوات المدعومة من تركيا بالقرب من سد تشرين في سوريا.
يتبع ...