د. الهادي عبدالله أبوضفائر

واحدة من العادات والتقاليد الاجتماعية، حينما تحمل المرأة (سفاحا) خارج الاطر المؤسسية أثناء غياب الزوج، يعتبر المولود “ود الفراش”. دون أن يُنسب للزوج. رغم فداحة الفعل يحق للزوج الاستفادة من خدماته، ان تجاوز حدود الإطار المؤسسي عقلية جنجودية بامتياز.. فهذه العقلية تعني (العمل خارج الأطر المؤسسية)، وغالبا ما يتعرض صاحبها للانتقاد والتنمر استنكاراً للسلوك المدان وللفعل المنكر، حيث لا صلاح لأي مجتمع بدون الالتزام بالمؤسسية والأنظمة التي تضمن العدالة والاستقرار.

ان اي زيادة في حدة الرفض للأفعال غير المؤسسية، تعني ازدياد ثقافة الحوكمة للقوانين والالتزام الصارم بالقيم الاجتماعية. أنها رحلة شاقة، تختبر قوة الإرادة وصلابة النفس، وتستنهض فينا تقدير العواقب والشجاعة لمواجهة التحديات. ونقد الذات، وفي هذا السياق، فإن الانحراف عن مبادئ المؤسسية يعكس ضعف الإرادة وغياب الرؤية، حيث لا يمكن بناء مجتمع معافى دون الالتزام بمبادئ القانون والأخلاق، الذي يجسد السلام والعدالة والاحترام والتضامن بين أفراد المجتمع.

أن العمل خارج الإطار المؤسسي لا يضمن تحقيق الانتقال السلس نحو نظام ديمقراطي وسلام مستدام. الوسائل الخاطئة لا يشفع لها نبل الأهداف.. في سعى الأفراد اليها، قد تُحدث تحولات جذرية في السياسة والمجتمع، إلا أن نتائجها لا تختلف بشكل كبير عن سابقاتها رغم اختلاف الظروف والعوامل المحيطة بها.
ان الديمقراطية وتعزيز حقوق الإنسان، تتحقق يوم يلتزم المجتمع بالاطر الدستورية والقانونية قولاً وفعلا.. فالثورة الفرنسية نفسها كادت أن تخفق في مهامها، ولكنها انتصرت عندما رجعت لمسار الإصلاح التدريجي، حيث امكنها تجاوز التحديات الهائلة والتهديدات المحتملة معبدة طريقها نحو مستقبل تسود فيه العدالة والحرية.
أن التغيير الثوري مهما كانت نبيلة اهدافه وكبيرة تضحياته
يمكن أن يقود إلى الفوضى والانقسامات الاجتماعية في حال مارست المجتمعات ( الجنجودية) كأداة للحل ورافعة ثورية، والأمثلة كثيرة (محاسبة كل من اشتغل في نظام ١٧نوفمير (عبود) ومحاسبة سدنة مايو، و من شارك الإنقاذ). فحتى متى نستفيد من قانون السبب والنتيجة والحكمة ونعمل عبر المؤسسات. ومن أبرز تجليات نماذج العقلية الجنجويدية، (ود الفراش) استعانة الدولة بعرب الشتات (خارج مؤسسة الجيش) ، وأنشاء لجنة( أزالة التمكين) خارج المؤسسة القضائية، ومشاركة الأحزاب في السلطة الانتقالية بدون تفويض شعبي حر عبر صناديق الاقتراع.. كل ذلك تجاوز للأطر الدستورية وهكذا قس.

لتحقيق تغيير ديمقراطي، يحتاج العمل السياسي والاجتماعي إلى إصلاحات مؤسسية وتعزيز ثقافة المشاركة وحكم القانون. إذا كانت الثورة تعمل ضمن هذا السياق، فقد تفلح بشكل فعال في تحقيق التغيير الديمقراطي، ولكن دون هذه الجهود الإضافية، لا تكون ضمانات لتحقيق الديمقراطية. لا ريب ان عمليات التغيير بالأطر المؤسسية تستغرق وقتاً طويلاً وجهوداً مضنية، لكنها تضمن التغيير باقل تكلفة وتشكّل عبقرية في الرؤية وحسن الإدارة. فهي ليست مجرد وسيلة تقنية لتطوير الهياكل الإدارية، بل هي رؤية استراتيجية متقنة لتحقيق تحول جذري ومستدام في المؤسسات والمجتمعات. على سبيل المثال، بوتسوانا: تمتلك سجلًا حافلًا بالنمو الاقتصادي والاستقرار السياسي دون تغييرات ثورية كبيرة، وهي تعتبر واحدة من الديمقراطيات النموذجية في إفريقيا. كذلك ماليزيا، التي شهدت تحولات اقتصادية واجتماعية كبيرة منذ الاستقلال في عام 1957، حيث أصبحت واحدة من أكبر الاقتصادات في جنوب شرق آسيا دون الحاجة إلى تغييرات ثورية كبيرة. وكذلك بوتان، التي تحولت ببطء نحو الديمقراطية والتنمية الاقتصادية دون تغييرات جذرية في النظام السياسي، وهي اليوم واحدة من البلدان الأكثر استقراراً في آسيا. فالتغيير عبر الأطر المؤسسية يهدف لتعزيز مبادئ العدالة والمساواة، وتحقيق التنمية المستدامة، فبالجهود الجادة والصبر على التحول الديمقراطي عبر المؤسسات، يصبح بمقدور المجتمع تحقيق نجاحات ملموسة على صعيد تعزيز الاستقرار الاقتصادي وتقوية المشاركة في الحياة السياسية والاجتماعية."

إن للتغيير السلمي التدريجي ( بُعدٌا عميقا) يتجاوز السياق السياسي ليمتد إلى شغاف قلب المجتمع وروحه الحية. بالرغم من أن التغيير الثوري قد يرسم صورة جديدة للسياسة والمجتمع، إلا أنها قد تخطئ أهدافها في النهايه وقد تخفق في تحقيق الاستقرار واستدامة الديمقراطية. مثال لذلك ثورة أكتوبر، ثورة أبريل وثورة ديسمبر.. والسبب يكمن في تكرار نفس الأدوات ونفس الأسلوب.. فكيف - والحالة هذه- السبيل إلى التغيير. بينما يسعى الحكماء إلى تحقيق السلام والاستقرار بطرق تتناسب مع أعلى قيم الإنسانية وأروع مظاهر الحكمة. يدركون أن العنف لا يولد سوى المزيد من الدمار والخراب، كما علمتنا العديد من التجارب التاريخية، عندما اعتمد زعماء الدول المتقدمة الحوار والتفاهم كمنهج لحل النزاعات بينهم، نجحوا في تجنب الحروب وإنقاذ ملايين الأرواح.

تجلى الروعة في استخدام الحكمة والتسامح كأدوات أساسية لتحقيق السلام والتنمية المستدامة. عبر وسائل اقل كلفة من أراقة الدماء. تختلف مسارات الثورات بحسب تنوع الظروف والعوامل المحيطة، حيث تتلاقى الآمال بالتغيير مع واقعية التحديات. فبينما تمثل بعض الثورات محطات هامة في تاريخ الديمقراطية، إلا أن أخرى تخلف وراءها ضحايا وشهداء ينتظرون حقهم في القصص والانصاف من القرشي مروراً ببشة وعبدالعظيم وإلى اليوم شهيد تلو شهيد فهل من طريق آخر أقل كلفة من الأرواح و الدماء. إذن لابد من تغيير (العقلية الجنجودية) وينبغي لنا أن ندرك أن أي عمل يتجاوز حدود الإطر المؤسسية لا يخلو من الصراعات، وعلى الرغم من أنه قد يبدو مغرياً في بعض الأحيان، إلا أنه يجب أن نتذكر أن جني ثماره يأتي بتكاليف باهظة. لابد من تدابير لتجنب الانحراف عن الأنظمة واللوائح التي تنظم سلوكنا وتوجه أعمالنا.
بالإضافة إلى ذلك، يجب أن ندرك أن تجاوز المؤسسات لا يؤثر على الفرد فقط، بل بتعداه الى المجتمع برمته، مما قد يؤدي إلى تفكك القيم والأخلاق التي تشكل أساس النظام الاجتماعي. فالواجب ا أن نسعى جاهدين للحفاظ على النظام والانضباط، والعمل بروح المسؤولية والالتزام بالدساتير، من أجل بناء مجتمع يزدهر على أسس العدل والنزاهة والاحترام.

أن إصلاح المؤسسات المدنية بلا شك خطوة أولى وأساسية قبل الشروع في إصلاح المؤسسات العسكرية. لان الاستقرار السياسي والتنمية المستدامة تتطلب بنية مدنية قوية وفعّالة، تعكس إرادة الشعب وتحافظ على حقوقه وحرياته. فعقليتنا المدينة بحاجة إلى إصلاح، لإنها المنوط بها ترسيخ ثقافة الديمقراطية واحترام سلطة القانون في المجتمع. عليه، يجب أن تلتزم الأحزاب بالدستور كمرجع أساسي وتلتزم ببرامجها الانتخابية، مما يعزز الشرعية والثقة في العمل السياسي. أن مراجعة مجموعة الشعارات التاريخية (التحرير ولا التعمير) (تسقط بس) و(الدم قصاد الدم) يشي بدورها من نفس العقلية، مع فارق الزمن وتكرار فشل التجارب السابقة. ان نجاح التغيير يعتمد على توافق الظروف والتضامن في الجهود لتحقيق الأهداف المشتركة. ومن خلال الاتحاد والتعاون، يمكننا بناء مستقبل يتسم بالسلام والاستقرار والعدالة، يعكس اشواق الشعوب في تحقيق الرخاء والتنمية المستدامة . عليه ان كل عمل خارج الإطار المؤسسي والعلمي يعتبر (ود الفراش)

abudafair@hotmail.com  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: واحدة من إلا أن

إقرأ أيضاً:

"العقلية الامبريالية" تقود ترامب نحو نظام عالمي جديد

قال يائير روزنبرغ، كاتب صحافي مختص بالشؤون السياسية، إن نهج الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في السياسة الخارجية غيّر المشهد العالمي بشكل كبير، وحوّل الدبلوماسية التقليدية إلى نموذج يركز على النفوذ الشخصي وقوة الصفقات.

السياسة الخارجية لترامب تمثل تحولاً جوهرياً وليس اضطراباً مؤقتاً



ورأى الكاتب في مقال بموقع مجلة "ذا أتلانتيك" الأمريكية أن عودة ترامب إلى منصبه لا تمثل استمراراً لسياساته السابقة فحسب، بل ترسيخاً لنظام عالمي جديد على صورته الشخصية. من الدبلوماسية التقليدية إلى النزعة الشخصية واستهل روزنبرغ مقاله بمقارنة لحظتين رئيسيتين توضحان تحول السياسة الخارجية الأمريكية.
في عام 2016، خلال مناظرة في الانتخابات التمهيدية للحزب الجمهوري، انتقد السيناتور ماركو روبيو وجهة نظر ترامب التبسيطية للصراع الإسرائيلي الفلسطيني، محذراً من أن المفاوضات في المنطقة ليست مجرد "صفقة عقارية".
ومع ذلك، رفض ترامب مخاوف روبيو. وبعد عقد من الزمان، جلس ترامب، الذي عاد إلى الرئاسة مرة أخرى، إلى جانب الملك عبدالله الثاني عاهل الأردن، وكرر رؤيته للولايات المتحدة للسيطرة على غزة، واقترح إعادة بنائها كمركز اقتصادي مزدهر. ومن عجيب المفارقات أن روبيو، وزير خارجية ترامب حالياً، مكلف بتنفيذ سياسة سخر منها ذات يوم.
يؤكد هذا التحول على اتجاه أوسع: الانتقال من عصر السياسة الخارجية التي يقودها الخبراء والمبنية على الإجماع إلى نموذج تشكل فيه الشخصيات الفردية والغرائز الشعبوية القرارات الدولية، فلم تعد السياسة الخارجية لترامب تظهر كحالة شاذة، بل سمة مميزة لنظام عالمي جديد. أسطورة ترامب كرئيس مناهض للحرب ويتحدى روزنبرغ الرواية المتداولة على نطاق واسع بأن ترامب مناهض للحرب، وانعزالي يضع أمريكا في المقام الأول. وتشير هذه الرواية، التي روج لها شخصيات مثل تاكر كارلسون وغلين غرينوالد، إلى أن ترامب كان مخرباً لما يسمى "الإمبراطورية الأمريكية"، حيث تراجع عن التدخلات العسكرية في الخارج. ويرى الكاتب أن هذا التصوير مضلل.
في حين عارض ترامب بعض المشاركات الأجنبية، فقد دعم أيضاً حرب العراق قبل أن يندد بها لاحقاً، وزاد من مبيعات الأسلحة إلى الشرق الأوسط، ووسع استخدام الضربات بطائرات دون طيار. ولم تظهر إدارته ضبط النفس بل نوعاً مختلفاً من التدخل - وهو النوع الذي يعطي الأولوية لقوة الصفقات والنفوذ الاقتصادي على التحالفات التقليدية.
إن طموحات ترامب بضم غرينلاند، واقتراحه بجعل كندا الولاية رقم 51، واقتراحه للسيطرة على غزة، كلها تتوافق مع ما يصفه الكاتب بأنه عقلية إمبريالية جديدة بدلاً من الانعزالية.
ورغم وعده بإنهاء الحرب في أفغانستان خلال فترة ولايته الأولى، فشل ترامب في القيام بذلك، تاركاً عملية الانسحاب لخليفته. ومع ذلك، لدى عودته إلى السلطة، أشارت إدارته إلى التحول نحو تقليص التدخل الأمريكي في أوكرانيا، بما يتماشى مع مشاعر الناخبين الجمهوريين، لكنها حافظت بخلاف ذلك على موقف عدواني في السياسة الخارجية.  مثير للجدل 

في أعقاب هجوم حماس على إسرائيل في 7 أكتوبر (تشرين الأول) والصراع اللاحق في غزة، أصبحت القضية الفلسطينية أمراً لا مفر منه. وكان رد فعل ترامب هو دمج الفلسطينيين في سياسته الأوسع في الشرق الأوسط، لكن ليس بطريقة تدعم تطلعاتهم الوطنية، وإنما قللت إدارته من أهمية حل الدولتين واقترحت نقل سكان غزة إلى دول أخرى، لخلق "فرص أفضل" بعيداً عن العنف.
ورغم أن ترامب محق في الاعتراف بالوضع الإنساني المزري في غزة، فإن نهجه يتجاهل الهوية التاريخية والوطنية للفلسطينيين. 
وأضاف الكاتب أن خطة ترامب قد تربك الخبراء مرة أخرى بسبب عدم القدرة على التنبؤ بها، لكنها تخاطر أيضاً بتفاقم التوترات بدلاً من حلها.


صعود نظام عالمي جديد


ورأى الكاتب أن السياسة الخارجية لترامب تمثل تحولاً جوهرياً، وليس اضطراباً مؤقتاً. فقد تخلى عن كتاب اللعب الدبلوماسي التقليدي لصالح عالم، حيث تملي فيه القوة، وليس المعايير القانونية، النتائج. إن ما يسمى "نظام ترامب العالمي" هو نظام تحل فيه الصفقات المعاملاتية محل الاتفاقيات المتعددة الأطراف، وحيث تبرر تصرفات أمريكا بالسلطة الغاشمة بدلاً من الإجماع الدولي.
واتضح هذا عندما سُئل ترامب أثناء اجتماعه مع الملك عبدالله الثاني عن الأساس القانوني للاستيلاء على غزة، وكان رده واضحاً: "السلطة الأمريكية". وفي هذا النظام العالمي الجديد، لا حاجة إلى مزيد من التبرير.


مهندس نموذج دولي جديد


وخلص الكاتب إلى أن ترامب يبدو كمهندس لنموذج دولي جديد؛ نموذج محدد بالرؤية الأحادية والنفوذ الاقتصادي، وعدم القدرة على التنبؤ الاستراتيجي.
وفي حين قد يرى البعض أن نهج ترامب تصحيح ضروري لنظام عفا عليه الزمن، يحذر روزنبرغ من أنه يأتي مع مخاطر كبيرة. وقد يؤدي تراجع النظام القائم على القواعد إلى تمكين الدول القوية على حساب الدول الأضعف، مما يؤدي إلى عالم أكثر فوضوية لا يمكن التنبؤ به.
ويظل من غير المؤكد ما إذا كانت رؤية ترامب ستستمر بعد رئاسته أم لا، لكن في الوقت الحالي، يتم إعادة تشكيل العالم على شاكلته.

مقالات مشابهة

  • حبس تشكيل عصابي بتهمة الاتجار بالمواد المخدرة والمؤثرات العقلية
  • خبير عسكري: الدولة تدرك المشهد السياسي منذ اليوم الأول للحرب على غزة
  • "العقلية الامبريالية" تقود ترامب نحو نظام عالمي جديد
  • مختبرات مسابقة شاركنا التغيير تفتح آفاق الإبداع وتدعم الابتكار المجتمعي
  • صحيفة: كسر الجمود السياسي وتوحيد المؤسسات السيادية على رأس أولويات تيتيه
  • الحريري رجع... وهؤلاء أبرز المتأثرين بعودته السياسيّة
  • الحريري يُعلن عودة “المستقبل” إلى العمل السياسي
  • سعد الحريري يعلن عودته للعمل السياسي في لبنان
  • لبنان .. سعد الحريري يعلن عودة تيار المستقبل للعمل السياسي
  • أنا باقٍ معكم.. الحريري يعلن عودة المستقبل للعمل السياسي