اعتقالات واغتيالات واعتداءات جنسية.. صحفيو السودان بين “الجيش” و”الدعم السريع”
تاريخ النشر: 16th, May 2024 GMT
تواجه الصحفيات والصحفيون في السودان ظروفا تُوصف بالقاسية، خلال الحرب الدائرة بين الجيش وقوات الدعم السريع، في وقت دعت فيه منظمات محلية ودولية طرفي القتال لتمكين العاملين في مجال الصحافة من القيام بواجبهم المهني، وعدم تعريضهم للمخاطر.
وتعرّض عدد من الصحفيات والصحفيين إلى تعديات وانتهاكات على أيدي عناصر تابعة للجيش السوداني، وأخرى تابعة لقوات الدعم السريع، في عدد من المدن السودانية، بينها مدن لا تشهد أي مواجهات عسكرية، وفق منظمات حقوقية.
وانضم الصحفي صديق دلاي إلى قائمة الصحفيين الذين تعرضوا إلى الاعتقال خلال الحرب الحالية. إذ كشفت نقابة الصحفيين، الثلاثاء، عن اعتقال دلاي، بواسطة قوة من استخبارات الجيش، بمدينة الدمازين عاصمة إقليم النيل الأزرق الحدودي مع دولتي جنوب السودان وإثيوبيا.
وفرّ دلاي من الخرطوم إلى الدمازين البعيدة عن دائرة المعارك، ضمن عشرات الصحفيين الذين شردتهم الحرب، التي دخلت عامها الثاني.
وأشار نقيب الصحفيين السودانيين، عبد المنعم أبو إدريس، إلى أن "اعتقال دلاي جرى على خلفية مقال ندد فيه بحادثة مقتل أحد أقربائه في ولاية الجزيرة بوسط السودان".
وكان حزب المؤتمر السوداني أعلن الأسبوع الماضي، عن مقتل رئيس فرعيته بمنطقة القرشي بولاية الجزيرة، صلاح الطيب، داخل معتقلات استخبارات الجيش، بينما لم يصدر تعليق من الجيش على الاتهام.
وقال أبو إدريس لموقع "الحرة"، إن "الصحفيين السودانيين كانوا من أوائل الفئات التي تضررت من الحرب، إذ أنها دارت في منطقة وسط الخرطوم التي تضم غالبية المؤسسات الصحفية".
ولفت إلى أن المعارك أفقدت أكثر من 90 في المئة من الصحفيين وظائفهم، بسبب تعرُّض مؤسساتهم إلى التخريب والنهب والتدمير، كما أجبرت مئات منهم على النزوح الداخلي، بينما لجأ عشرات إلى عدد من الدول.
ولم يصدر تعليق من الجيش على بيان النقابة، كما لم يستجب الناطق باسمه لطلبات موقع "الحرة" للتعليق، حتى نشر هذا التقرير.
وتشير بيانات صادرة من نقابة الصحفيين إلى تعرُّض أكثر من 390 صحفيا إلى انتهاكات مباشرة، بجانب تعرض 5 صحفيين وثلاث صحفيات إلى إصابات واعتداء جسدي، بينها حالة اعتداء جنسي.
وتشير البيانات إلى 39 حالة اختطاف وتوقيف واحتجاز، تعرض لها صحفيون سودانيون، بينهم 5 صحفيات، بجانب 28 حالة إطلاق نار، طالت صحفيين، بينهم 10 صحفيات.
"تخوين وتهديد"
وفي أحدث التعديات ضد الصحفيات والصحفيين، تلقت الصحفية سمر سليمان، تهديدات من مجهولين، "مما عرّض حياتها إلى الخطر".
وقالت سليمان لموقع "الحرة" إن "الحرب أجبرتها على مغادرة الخرطوم، والعودة إلى موطن أسرتها الكبيرة في ولاية كسلا بشرق السودان، بعد أن فقدت ممتلكاتها ووظيفتها".
وأضافت قائلة "بعد وصولي إلى كسلا، انخرطت في نشاط طوعي لتقديم العون إلى النازحين في مراكز الإيواء بالمدنية، الأمر الذي لم يعجب البعض، إذ تعرضت لتهديدات بالثأر والانتقام، عبر رسائل نصية في تطبيق واتساب، ومن خلال مكالمات هاتفية".
وأشار سليمان إلى أن مجهولين قاموا بنشر صورتها في منصات التواصل الاجتماعي، مع تعليقات تزعم أنها ضمن الخلايا النائمة المساندة لقوات الدعم السريع، بينما ادعى آخرون أنها تنتمي إلى حزب المؤتمر السوداني، وإلى تحالف الحرية والتغيير الذي ناهض نظام الرئيس السابق عمر البشير.
وأوضحت أن "التهديدات حملت طابع الانتقام والوعيد، بينما ألمح بعضهم إلى التصفية الجسدية، لذلك قامت بفتح 7 بلاغات ضد الذين توعدوها، بينهم وزير سابق في نظام البشير".
وشددت على أنها لا تنتمي إلى أي جهة سياسية، وأنها تلتزم جانب المهنية، وتعمل على تقديم العون للمتضررين من القتال، كما أنها تدعم إيقاف الحرب التي تأذى منها السودانيون.
كانت محاكم سودانية، بينها محكمة القضارف بشرق السودان، أصدرت أحكاما بالسجن والإعدام في حق عدد من السودانيين بتهم معاونة قوات الدعم السريع وإثارة الحرب وتقويض النظام الدستوري.
وفي أبريل الماضي، تعرضت الصحفية عزة إيرا، لاعتداء بواسطة 3 مسلحين يتبعون لحركة العدل والمساواة في مدينة بورتسودان الساحلية، وفق نقابة الصحفيين السودانيين.
"قتل وترويع"
الانتهاكات التي طالت الصحفيات والصحفيين في السودان لم تتوقف عند التهديد، ووصلت إلى القتل، إذ لقي 6 من الصحفيين السودانيين مصرعهم خلال الحرب، وفق ما تقول نقابة الصحفيين السودانيين، ومنظمات صحفية أخرى.
وأكدت النقابة مقتل الصحفية سماهر عبد الشافع والصحفية حليمة إدريس والصحفي عصام حسن مرجان والصحفي عصام الحاج والصحفي أحمد يوسف عربي والصحفي خالد بلل، خلال الحرب الحالية.
ويشير أبو إدريس إلى "أن بعض الصحفيين قُتل بنيران الدعم السريع، بينما سقطت قذائق على منازل صحفيين آخرين، مما أدى لمقتلهم".
وأضاف أن "الصحفيين السودانيين يواجهوان معاناة وتضييقا من طرفي القتال، وكثيرا ما وجد صحفيون أنفسهم في موضع الشك والتخوين، حينما أبرزوا هوياتهم الصحفية لعسكريين في بعض نقاط التفتيش العسكرية، إذ يتهمهم كل طرف بأنهم يساندون الطرف الآخر".
كانت شبكة الصحفيين السودانيين دانت في مارس الماضي مقتل الصحفي خالد بلل، وقالت إن "الحادثة تفتح ملف استهداف واغتيال الصحفيين، إذ راح عدد منهم غدرًا، وعلى أيدي أفراد ينتمون لطرفي الصراع، الجيش السوداني وقوات الدعم السريع".
وفي يناير الماضي اعتقلت قوة من الدعم السريع عضو مجلس نقابة الصحفيين السودانيين، عقيل أحمد ناعم من منزله بضاحية الجيلي بشمال الخرطوم، بينما تعرض الصحفي ياسر جبارة، للاعتقال بواسطة قوة من استخبارات الجيش بمدينة الدمازين، لمدة أربعة أيام.
وبحسب بيانات النقابة، فقد توقفت 26 صحيفة ورقية عن النشر، بينما توقف البث في 18 محطة إذاعية وستة محطات تلفزيونية، بينما تعرض أكثر من 29 مؤسسة إعلامية ومكتب صحفي للتدمير والإغلاق.
حرية الصحافة تتراجع في معظم الدول العربية
في يومها العالمي.. السياسة والحروب تقلص حرية الصحافة حول العالم
يعتبر اليوم العالمي لحرية الصحافة، المحدد من قبل الأمم المتحدة في اليوم الثالث من شهر مايو كل عام، مناسبة لتسليط الضوء على واقع هذه الحرية والتحديات التي تواجهها وتقوضها، وفرصة لتقديم جردة حساب سنوية للانتهاكات التي تعرض لها الجسم الإعلامي والصحفيين حول العالم، ما من شأنه أن يقدم صورة عن المخاطر والاستحقاقات التي تهدد واحدة من أبرز مقومات الديمقراطية حول العالم.
بدوره يرى الخبير الأمني، اللواء عبد الهادي عبد الباسط أن "كثيرا من الصحفيين الذين ينتمون إلى قوى الحرية والتغيير، أو يساندونها، كانت مواقفهم سالبة خلال الحرب الدائرة في السودان".
وقال عبد الباسط لموقع الحرة، إن "كثيرا من الصحفيين يساوون بين الجيش الرسمي للبلاد وبين قوات الدعم السريع التي تمردت عليه، وهذا لا يستقيم مع الأعراف الصحفية المهنية".
وقلل الخبير الأمني من الاتهامات الموجهة إلى الاستخبارات التابعة للجيش، بالتضيق على الصحفيين واعتقالهم، على أساس الهوية الصحفية.
وأضاف "أن الجيش يعمل على تسهيل مهمة الصحفيين في الحصول على المعلومة، ولا توجد خطة أو توجيهات لاعتقال الصحفيين أو التضييق عليهم، وإذا حدث احتجاز لأحدهم فإنه يكون لظروف وتقديرات ميدانية، وليست لخطة ممنهجة، أو تعليمات مستديمة".
كانت النيابة العامة في السودان، وضعت في أبريل الماضي، الصحفية صباح محمد الحسن والصحفي ماهر أبو الجوخ والصحفي شوقي عبد العزيز، ضمن لائحة اتهام صدرت ضد قادة سياسيين يتقدمهم رئيس الوزراء السباق عبد الله حمدوك، بتهم تصل عقوبتها إلى الإعدام.
ويلفت أبو إدريس إلى أن "أوضاع الصحفيين السودانيين الحالية، تعد الأسوأ منذ سنوات طويلة، إذ إن الخطر سيلاحقهم حتى مع توقف الحرب، لأنهم لن يجدوا مؤسسات تستوعب كثيرين منهم، بسبب النهب والدمار الذي لحق بها".
ويواجه الصحفي عماد عبد الهادي بلاغات جنائية تتعلق بالجرائم ضد الدولة، وإثارة الحرب، ومعاونة العدو وتقويض النظام الدستوري، وذلك ضمن لائحة اتهام شملت 49 شخصاً من القيادات المدنية في مدينة النهود بولاية غرب كردفان.
ويشير منتدى الإعلام السوداني، إلى أن "العنف الممنهج والقتل والتدمير والمطاردة طال مئات الصحفيين والمؤسسات الصحفية والإعلامية خلال الحرب".
وقال المنتدى في بيان، الأسبوع الماضي، إن "طرفي النزاع لم يتوقفا عند قمع أجهزة الإعلام الحر، وإسكات صوتها بقوّة السلاح، وواصلا حربا موازية عبر غرف إعلامية، هدفها تلويث الفضاء الإعلامي، ببث الدعاية الحربية، وخطاب الكراهية، مما ساهم في تفاقم النزاع".
بدوره، يشير عضو المكتب الاستشاري الخارجي لقائد قوات الدعم السريع، عمار صديق إسماعيل، إلى أن قوات الدعم السريع أعلنت مرارا وتكرارا عدم ممانعتها في التعاون مع الصحفيين لنقل الحقائق من مناطق سيطرتها، لدخض الأكاذيب التي يروج لها الجيش وفلول النظام السابق".
وقال صديق لموقع "الحرة"، إن حالات الاحتجاز التي تطال بعض الصحفيين من عناصر من الدعم السريع، لا تتم على أساس المهنة، وغالبا تحدث نتيجة لخطأ، وسرعان ما يتم تدارك الخطأ وإطلاق سراح الصحفي بمجرد إبراز هويته".
وشدد عضو المكتب الاستشاري على أن "قوات الدعم السريع حريصة على إبراز الحقائق، وقدمت الدعوة لصحفيين محليين وأجانب لزيارة مناطق سيطرتها لعكس الواقع، وأنها لا تزال على ذات الموقف، لإيمانها بحق الحصول على المعلومة".
ووفق بيانات نقابة الصحفيين، فإن قوة تابعة للدعم السريع، بمدينة زالنجى بولاية وسط دارفور، اعتقلت المصور بتلفزيون السودان، عبد العزيز محمود، بينما تعرض الصحفي لؤي عبد الرحمن إلى حملات تخوين وتهديد من قبل منصات إعلامية تابعة للدعم السريع، في ديسمبر الماضي.
وبدورها تشير سليمان إلى أنها ماضية في مشروعها للتوعية بقيمة السلام من خلال عملها كصحفية، وكذلك تقديم العون للنازحين في مراكز الإيواء، وتؤكد أنها وزملاءها، الذين يؤمنون بحق الإنسان في المعلومة والكرامة الإنسانية، سيتغلبون على عمليات الترهيب والابتزاز والتهديد التي تطالهم.
كانت السلطات السودانية أغلقت في أبريل الماضي، مكاتب قنوات العربية والحدث وسكاي نيوز، قبل أن تتراجع عن قرارها بخصوص قناتي العربية والحدث، بينما لا يزال مكتب قناة سكاي نيوز مغلقا.
ومع اندلاع الحرب في 15 أبريل 2023 سيطرت قوات الدعم السريع على مقر الإذاعة والتلفزيون في مدينة أم درمان، قبل أن يتمكن الجيش من طردها من المقر، في مارس الماضي، بينما قّدر وزير الإعلام السوداني الخسائر التي لحقت بالمقر باكثر من 30 مليون دولار.
الحرة / خاص - واشنطن
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: الصحفیین السودانیین قوات الدعم السریع نقابة الصحفیین من الصحفیین فی السودان خلال الحرب أبو إدریس عدد من إلى أن
إقرأ أيضاً:
تحليل الوضع الراهن في السودان وتحديات مستقبل الدعم السريع
يوسف عزت مستشار حميدتي السابق..
????
*تحليل الوضع الراهن في السودان وتحديات مستقبل الدعم السريع*
*إعداد: يوسف عزت*
⸻
*مقدمة:*
يواجه السودان مرحلة دقيقة من تاريخه الحديث، حيث تعكس المواجهة المسلحة بين قوات الدعم السريع والجيش السوداني صراعًا أكثر تعقيدًا من كونه نزاعًا عسكريًا. فعلى الرغم من النجاحات الميدانية التي حققتها قوات الدعم السريع في بداية النزاع، إلا أنها تعاني حاليًا من تراجع ملحوظ على الأصعدة السياسية والاجتماعية والعسكرية.
يهدف هذا التحليل إلى دراسة الأسباب الجوهرية لهذا التراجع، مع التركيز على العوامل البنيوية، والسياسية، والقيادية. كما يسعى للإجابة على السؤال المركزي:
هل تمتلك قيادة الدعم السريع استراتيجية واضحة لحماية المجتمعات وضمان بقائها وسط هذا التصعيد؟
*أولاً: غياب الانضباط والانفلات الأمني*
تعدّ السيطرة على الأمن والنظام أحد العناصر الأساسية للحفاظ على الشرعية والقبول الشعبي. غير أن الواقع في مناطق نفوذ قوات الدعم السريع يُظهر اختلالًا أمنيًا خطيرًا انعكس في انتشار أعمال النهب، وانتهاكات حقوق المدنيين. ويمكن تحليل آثار هذا الانفلات من خلال بعدين أساسيين:
1. فقدان التأييد الشعبي:
• أسهمت الانتهاكات الميدانية في تقويض الثقة الشعبية بقوات الدعم السريع، خاصةً في المناطق الحضرية التي كانت أكثر تضررًا من عمليات النهب والاعتداءات.
• انعكست هذه الانتهاكات على صورة القيادة باعتبارها غير قادرة على السيطرة على عناصرها، مما أدى إلى عزلة متزايدة في الأوساط المجتمعية.
2. تعزيز الفوضى وانعدام السيطرة:
• أدى غياب المحاسبة الداخلية إلى بروز مجموعات منفلتة تعمل خارج السيطرة المباشرة للقيادة، مما كرّس بيئة من الفوضى وصعوبة استعادة النظام.
*الخلاصة:*
أضعف الانفلات الأمني قدرة الدعم السريع على تقديم نفسه كفاعل منظم ومشروع، وخلق حالة من الاستقطاب السلبي ضده داخل المجتمعات المحلية.
⸻
*ثانياً: تراجع الرؤية السياسية وانعدام المصداقية*
بدأت قوات الدعم السريع مسارها السياسي بعد اندلاع الحرب عبر طرح رؤية الحل الشامل دات النقاط العشر، والتي لاقت قبولًا داخليًا وخارجيًا باعتبارها محاولة لصياغة مشروع سياسي مدني. إلا أن هذا الزخم تلاشى بسبب تضارب الخطاب السياسي مع الواقع الميداني.
1. التناقض في الخطاب السياسي:
• اعتمدت القيادة خطابًا يركز على مواجهة الإسلاميين (“الكيزان”)، مما أكسبها دعمًا مؤقتًا من القوى المدنية المناهضة للنظام السابق.
• غير أن وجود عناصر محسوبة على الإسلاميين داخل صفوف الدعم السريع قوّض مصداقية هذا الخطاب، وكشف عن تناقض جوهري بين الشعارات والممارسات.
2. تأثير الحرب على الأولويات السياسية:
• فرضت الحرب أولويات جديدة على قيادة الدعم السريع، حيث أصبح الحشد القبلي والاجتماعي أولوية تفوق الالتزام بالمشروع المدني، مما أدى إلى تراجع الرؤية السياسية إلى مجرد أداة تكتيكية.
*الخلاصة:*
غياب خطاب سياسي متماسك يعكس رؤية مستقبلية واضحة أدى إلى فقدان الدعم الشعبي والانكشاف أمام المجتمع الدولي كفاعل غير قادر على الالتزام بمبادئ التحول المدني.
⸻
*ثالثاً: ضعف القيادة وتعدد مراكز القرار*
تعاني قوات الدعم السريع من أزمة قيادية بنيوية تتجلى في غياب مركز موحد لاتخاذ القرارات الاستراتيجية. وتظهر هذه الإشكالية في النقاط التالية:
1. تعدد دوائر صنع القرار:
• يشكل التداخل بين القائد الأول (محمد حمدان دقلو – حميدتي) ونائبه (عبد الرحيم دقلو) مصدرًا لتضارب القرارات وتباطؤ الاستجابة للأحداث.
• تسهم تأثيرات المحيطين بالقيادة من أفراد الأسرة والمقربين في خلق ديناميكيات معقدة تُعيق اتخاذ قرارات حاسمة.
2. غياب التخطيط طويل الأمد:
• تفتقر القيادة إلى رؤية استراتيجية بعيدة المدى، حيث يعتمد اتخاذ القرارات على ردود الفعل الآنية دون تحليل معمق للعواقب المستقبلية.
*الخلاصة:*
انعكس غياب القيادة المركزية الموحدة على كفاءة إدارة الحرب، وتسبب في قرارات متضاربة، مما أضعف الموقف السياسي والعسكري للدعم السريع.
⸻
*رابعاً: أزمة التحالفات السياسية والعسكرية*
تورطت قيادة الدعم السريع في تحالفات متباينة مع قوى سياسية وعسكرية، خلال السنوات الماضية آخرها تبني مشروع “السودان الجديد”. لكن هذه التحالفات تعاني من تناقضات بنيوية واضحة:
1. التناقض مع التركيبة الاسرية والاجتماعية للدعم السريع:
• يتطلب مشروع السودان الجديد إعادة هيكلة الدعم السريع كمؤسسة قومية ديمقراطية، في حين أن بنيته القائمة تعتمد على قيادة الأسرة والولاءات القبلية.
2. الطابع التكتيكي للتحالفات:
• تتعامل قيادة الدعم السريع مع التحالفات كأدوات مرحلية فرضتها ظروف الحرب، دون التزام فكري أو سياسي حقيقي بالمبادئ التي تقوم عليها هذه التحالفات.
*الخلاصة:*
غياب رؤية استراتيجية للتحالفات والثبات عليها جعل الدعم السريع يبدو كفاعل انتهازي، مما يهدد استمرارية هذه التحالفات ويؤدي إلى عزلة سياسية متزايدة.
*خامساً: الصدام مع الدولة المركزية وتأثيره على الاصطفاف القبلي*
أدى الصدام المباشر بين قوات الدعم السريع والدولة المركزية إلى إعادة تشكيل الاصطفافات القبلية في السودان بصورة غير مسبوقة فللمرة الأولى في تاريخ السودان الحديث، أصبحت المجتمعات العربية منقسمة بين دعم الجيش أو الدعم السريع، مما أدى إلى حالة استقطاب حاد والدخول في حرب اهلية مباشرة.
• دفع هذا الاستقطاب المجتمعات إلى تسليح نفسها بشكل مستقل، مما حول الحرب لحرب أهلية واسعة النطاق ذات قوى متعددة.
*الخلاصة:*
ساهم الصدام مع الدولة المركزية في تفكيك التحالفات القبلية التقليدية وأدى إلى تعميق الانقسامات المجتمعية واعاد المكونات العربية في غرب السودان إلى محيطها التقليدي والتحالف مع قوى الهامش التي كانت تستخدم هذه المجتمعات لقمعها ،كأداة لسلطة المركز .
يمكن تطوير هذا التحول لحل صراع المركز والهامش بتبني مشروع دولة خدمية بدلا من التعريف التقليدي للصراع بأن المركز هو عروبي إسلامي والهامش إفريقي زنجي وهو تعريف غير صحيح كرست له سلطة الحركة الإسلامية وعمقتها وتبنتها كسياسات حتى الان ، وكنتيجة لذلك انفجر الصراع بهذه الصورة التي نشهدها الان ، ولكن يمكن وفق المعادلات الراهنة الوصول لحلول لصالح جميع السودانيين من خلال التفكير الواقعي والاعتراف بالأزمة وحلها حلا جذريا وذلك يحتاج لعقول تنظر إلى ابعد من مصالحها.
*الإجابة على السؤال الجوهري:*
هل تمتلك قيادة الدعم السريع استراتيجية واضحة لحماية المجتمعات التي تقع في مناطق سيطرتها وضمان بقائها؟
بناءً على التحليل السابق، لا تمتلك قيادة الدعم السريع استراتيجية متكاملة لتحقيق هذا الهدف، وذلك للأسباب التالية:
1. الارتجالية بدل التخطيط الاستراتيجي.
2. التناقض في الخطاب السياسي والممارسات.
3. غياب قيادة موحدة لاتخاذ القرارات.
4. الاعتماد على تحالفات ظرفية غير مستدامة.
5-عدم القدرة هلى التخلص من ارث الماضي والتكيف مع التحولات التي تستدعي اعادة تشكيل القيادة وصياغة مشروع وطني يمثل مصالح قطاعات واسعة تتبناه وتشارك في تنفيذه.
*توصيات*
1. إعادة هيكلة القيادة: إنشاء مركز موحد لاتخاذ القرارات الاستراتيجية.
2. ضبط الأمن: فرض انضباط صارم على القوات ومحاسبة المتجاوزين.
3. صياغة رؤية سياسية متماسكة: تطوير مشروع وطني يعكس المصالح الحقيقية لجميع الفئات.
4. تعزيز المشاركة المجتمعية: إشراك الكفاءات المحلية في صنع القرار.
5. تبني استراتيجية طويلة الأمد: التركيز على حلول مستدامة تربط بين الأمن والسياسة والتنمية.
*خاتمة*
يتضح أن قيادة الدعم السريع تواجه تحديات بنيوية تهدد بقاءها كفاعل سياسي وعسكري مؤثر. إن غياب التفكير الاستراتيجي والارتباك في الخطاب والممارسة يجعل مستقبلها مرهوناً بقدرتها على إصلاح هذه الاختلالات واعتماد رؤية متماسكة ومستدامة.