آخر تحديث: 16 ماي 2024 - 11:27 صصفاء ذياب

 منذ تأسيس شارع المتنبي المتفرّع من شارع الرشيد في بغداد أواخر العصر العبّاسي، كان له ميزة خاصة، لاسيّمت أنّه كان امتداداً لسوق الوراقين، وكان يطلق عليه آنذاك “درب زاخا”، وهي تسمية آرامية، لأنّه كان مزدهراً بالمؤسسات الثقافية والمدارس الدينية والعلمية، ومن أشهر هذه المدارس مدرسة الأمير سعادة الرسائلي.

غير أنَّ سقوط بغداد على يد هولاكو في العام 656م-1258هـ ومرورها بما سُمّي بعدها بالفترة المظلمة أو مرحلة الانتكاسة الحضارية خبا نجم هذا الشارع وخفّ بريقه الثقافي إلى أواسط العهد العثماني حيث تمَّ بناء “القشلة” من قبل الإدارة العثمانية لتكون سرايا للحكومة. واستكمالاً لهذا الإنشاء كان لا بدّ من منفذ لخروج العربات الداخلة إليها من جهة ساحة الميدان. ليطلق عليه فيما بعد بشارع “الأكمك خانة” أي المخبز العسكري باللغة التركية، وبعد ذلك وفي عهد الدولة العراقية الحديثة وتحديداً العام 1932 إبان فترة حكم الملك فيصل الأول تمّ إطلاق اسم المتنبي على هذا الشارع تخليداً للشاعر الكبير أبي الطيب المتنبي.ربّما لم يعنَ شارع المتنبي بالكتب منذ تأسيسه، لكنه كان جزءاً من مباني الحكومة والمطابع الحكومية حينها، غير أن ثمانينيات القرن الماضي كان لها رأي آخر، إذ بدأت المكتبات تنتشر في هذا الشارع، على الرغم من وجود مكتبات قبل ذلك الوقت، لكنها لم تكن كثيرة إلى الحد الذي يمكن إطلاق شارع ثقافي عليه.وفي التسعينيات، وهي فترة الحصار الاقتصادي على العراق، نشط شارع المتنبي ببيع الكتب بشكل واضح، إلى الدرجة التي شجّعت الكثير من المثقفين والأدباء على افتراش الأرضيات والأرصفة لبيع مكتباتهم الشخصية، ومنذ تلك اللحظة تشكّلت هوية مختلفة لهذا الشارع، حتى عُدّت بسطات الكتب هي السمة الرئيسة له، وليس المكتبات كمحال تجارية لبيع الكتب.
غير أنَّ تعرّض هذا الشارع للهجوم الإرهابي العام 2007  وراح ضحيته العشرات من الضحايا من باعة الكتب والمتبضعين وتعرضت خلاله مقهى الشابندر وعدد من المكتبات للدمار، جعلت الأنظار الدولية تتجه إليه بشكل لافت، فقررت الحكومة العراقية إعادة إعماره عام 2008 برغم الظروف الأمنية الصعبة في بغداد آنذاك وتمَّ خلال إعمار الشارع إضافة تمثال الشاعر المتنبي من تصميم الفنان والنحات العراقي سعد الربيعي.وفي العام 2021 أعيد تأهيل الشارع ليكون متنفّساً جديداً للثقافة العراقية، وتم افتتاحه في 25 كانون الأول 2021. غير أن هذا الإعمار كان سبب نقمة على هذا الشارع الثقافي حسب ما يرى المثقفون، فقد تحوّل إلى شارع مليء بالطعام والعصائر بمختلف أنواعها، حتى أن الأماكن التي كان مخصّصة لبسطات الكتب تحوّلت لطعام لبيع الدولمة والأكل العراقي الشهير. الأمر الذي جعل أن الحصول على أي متر في شارع المتنبي لعرض الكتب مستحيلاً، فقد تضاعفت أسعار الإيجارات إلى مبالغ خيالية، فضلاً عن سطوح المباني التي تحوّلت هي الأخرى إلى كافيهات، بدل أن كانت مخازن للكتب.الأمر لا يختلف مع الشوارع الثقافية التي افتتحت في المدن العراقية الأخرى تقليداً لشارع المتنبي، كما في شارع الفراهيدي في البصرة، وشارع دجلة الثقافي في الكوت والشارع في الناصرية، وغيرها الكثير من المدن العراقية.فكيف يمكننا قراءة الأسباب التي حوّلت الشوارع الثقافية في العراق؛ إلى مطاعم متجولة، بدلاً من تخصّصها الثقافي البحت؟
 مومياءات ثقافية
يكشف القاص والروائي عزيز الشعباني أنَّ ما حدث كان جرحاً ثقافياً كبيراً، بدأ الشارع يفقد هويته الثقافية، يفقد بصمته ووظيفته الأساس، تتحمّل أمانة بغداد ما آل إليه الشارع، من انحسار بيع الكتب وتجارتها، لصالح محال الأطعمة والمحابس والسبح، إذ قامت أمانة بغداد بتأجير كثير من المحال إلى مستثمرين خارج نطاق الكتب، في عملية لا تخلو من فساد إداري.مضيفاً: أتمنى أن يتخصّص شارع المتنبي بالكتب فقط، تجارتها وطباعتها وتبادلها ونشرها، كي نمنح فضاءً لأصحاب الدور، يخصّبون به تجارتهم اللامربحة، أنا ضدَّ أن ينافسهم حتَّى أصحاب المهن المجاورة، كتجليد الكتب وعمل الأختام وصناعة الحقائب، أنا ضدَّ حتَّى تجمعات الكتّاب والفنانين والموهومين في فضاءات الشارع، لأنَّه إيّاك أن تتصوّر أنَّهم يناقشون أحوال الرواية والشعر والفلسفة، لا أبداً، إنَّهم فقط يلتقون ليغذّوا نار حقدهم.
أيّ مغارة تمرّ بها ينعقد داخلها مهرجان شعري أو سردي، أو موسيقي، لماذا يجتمع هؤلاء باستمرار؟حتَّى حينما أجلس على حافة النهر كي أنزوي مع نفسي، أجدهم يتحاورون بمؤتمر حول لا شيء.من جانب آخر صار الشارع مرفأ سياحياً لعوائل لا علاقة لها بالقراءة والكتب، لكنّهم يجدون المتعة حين يتجوّلون وسط الكتب والكتّاب، مثل سائح يستمتع قرب مومياءات أثرية، أعتقد أنَّ وجود الكتّاب قربهم يبعث في نفوس السائحين راحة نفسية، مثلما يفعل تمثال الرصافي أو حجر المتنبي.أخاف أن الشارع سيتحول إلى ملهى ليلي بمرور الوقت.
 هويّة متخيّلة
يشير الناقد أمجد نجم الزيدي إلى أنَّ الكثير من الشوارع الثقافية نشأت في المحافظات العراقية؛ تقليداً لشارع المتنبي العريق في بغداد، ولكنَّها، على الرغم من حسن نيّة منشئيها، لم تؤسّس لفعل ثقافي حقيقي، بل كانت نوعاً من البحث عن ذات جمعية متخيّلة، صودرت لأزمان طويلة، وعاشت في المخيلة الجمعية للشعب العراقي، أي أنَّها لم تكن ظاهرة فاعلة ومؤثّرة في جانبها الثقافي، إلَّا كمظهر لذات نوستولوجية ربَّما، أو باحثة عن تصوّر لهويّة حضارية متخيّلة، تعويضاً عن تلك الذات المفقودة، أو المقهورة، ممَّا جعل من هذه الشوارع حاضنات مفرّغة من محتواها الثقافي، وأصبحت نوادي اجتماعية، أو مقاهي وقتية، هروباً من واقع متشظٍّ وخيبة أمل كبيرة بحلم التغيير المتخيّل بما بعد سقوط الديكتاتورية، صورة نرجسية للعراق المثقف، إذ إنَّ إقبال الناس، غير المعنيين بالثقافة أصلاً، على هذه الشوارع ما هو إلَّا محاولة لعيش ذلك الحلم، والاكتفاء بالنشوة التي توفّرها تلك الأجواء الثقافية، كزيارة متحف يضم أحلامهم المسلوبة، ممَّا أدّى بالتدريج إلى أن تغزوها أمور أخرى بعيدة عن غرضها الرئيس، كبيع الأطعمة والمشروبات وغيرها، حتَّى في شارع المتنبي الذي يمثّل واجهة ثقافية لمدينة بغداد والعراق، لأنَّ ما يحرّك وجدان أغلب المتجمهرين في هذه الأمكنة هو دلالة المكان، أكثر من وظيفته الفعلية، كنافذة تمثّل حراكاً ثقافياً فاعلاً ومنتجاً.
 نقمة الترميم
وبحسب الروائي أحمد الدهر، فقد استبشر أصحاب دور النشر والمكتبات في شارع المتنبي بالخصوص، والشوارع الثقافية المنتشرة في بعض المحافظات العراقية بالعموم، كشارع الفراهيدي في البصرة، بالترميم والتأهيل الذي أجرته إحدى المنظّمات الدولية. فقد كانت هذه الشوارع تفتقر إلى أبسط أشكال الخدمات، حيث كانت ذات أرضية وجدران متهالكة وأسلاك كهربائية عشوائية وغيرها من الأمور التي كانت تشوّه شكل شارع المتنبي.وقد تمَّ الترميم، وأصبح لشارع المتنبي روّاد ليليون بعد أن كان يُغلق ظهراً. فقد انتشرت الإنارة، وصُبغت الجدران، وعلّقت الجماليات الخشبية وغيرها. لكنَّ الذي حدث، إذا أخذنا شارع المتنبي مثالاً لحديثنا، نلاحظ في الآونة الأخيرة بدأ الشارع يفقد هويّته. فبعدما كان قبلة للباحثين والأدباء والقرّاء، أصبح يملؤه الطعام والمطاعم المتنقّلة وأصوات نشاز تملأ المكان. فقد تراجعت بسطات الكتب لتحلَّ محلّها بسطات الدولمة والأكلات الأخرى.
من عادة رواد المتنبي أن يقصدوا الشارع هروباً من صخب الحياة بحثاً عن الهدوء، والجلوس في المقاهي، والأصوات الهادئة، والجلوس مع من على شاكلتهم في الهوايات، ومن يبادلهم الأفكار. لكنَّ نقمة الترميم جلبت معها من لم يضع يده على كتاب يوماً، ومن يظنُّ أنَّ المتنبي قائداً عسكرياً قديماً، وأصبح مادة للفاشينيستات والبلوغرز اللواتي بضاعتهن أجسادهن.الصخب بدأ يملأ المكان؛ بائع العصير يصيح، أصحاب المأكولات يصيحون، رافقه تغيير من الموسيقى الهادئة إلى أغانٍ رائجة هابطة تعجُّ بالمكان. هو أشبه بفتح محل لبيع اليشماغ في الشانزليزيه في باريس. فلكلِّ شيء مكانه، فلا يصحُّ فتح محل لبيع الآلات الموسيقية في شارع صناعية السيارات. مثلما لا يصح بيع أقلام لأناس لا يعرفون الكتابة؛ فهذا سيحرجهم أولاً لعدم معرفتهم استخدامها، وثانياً سيحوّلهم من أداة كتابة إلى أداة قتال يضرّون بها المارّة.الترميم الذي كان يراه رواد المتنبي وأصحاب المكتبات ودور النشر نعمة، غدا نقمة. أخشى ما أخشاه أنَّه حين تُسأل في قادم الأيام عن بائع أثاث أو سيراميك، تكون الإجابة في شارع المتنبي.

تنوّع منفلت
ويرى الكاتب والصحافي جبار بجاي أنّه في واحدة من بوادر الحراك الثقافي البلاد ظهرت مؤخراً العديد من الأماكن الثقافية في فضاءات عامة مفتوحة سيّما ما يعرف بشارع الثقافة الفلاني، كشارع الفراهيدي في البصرة والثقافة في الناصرية وشارع دجلة الثقافي في الكوت، فضلاً عن شارع المتنبي، وغيرها من المسميات الأخرى التي شهدت حراكاً ثقافياً منوّعاً عند البداية، بل سجّل بعض تلك الشوارع حالة مميّزة في التنوع الثقافي الجامع، ولأنَّها في فضاءات مفتوحة لم يختصر الحضور فيها على النخب الثقافية المختصّة أو المهتمين بالثقافة فحسب، بل عامة الناس ومن فئات وشرائح اجتماعي مختلفة.
وأضاف أنَّ اللافت في الموضوع أنَّ تلك الشوارع سرعات ما تحوّلت إلى مطاعم وبعضها حتَّى إلى كافيهات فأخذت العناوين الثقافية تتراجع يوماً بعد آخر، والسبب يعود لكثر غير المهتمين بالثقافية الذين يبحثون عن إشباع بطونهم أكثر من إشباع أفكارهم بالقراءة، وساعد في ذلك بشكل مباشر غياب المنع والمحاسبة على اعتبار أنَّ تلك الشوارع وغيرها أماكن عامة، وبالتالي لا يحقُّ لفئة كالمثقفين أو المهتمين بالثقافة منع وجود المطاعم وغيرها.ودعا بجاي الجهات المعنية إلى مراجعة تلك الظاهرة ومنعها بالمطلق، أي منع تواجد المطاعم وغيرها من الأشياء التي ظهرت، وهي بعيدة عن النشاط الثقافي، كي نحافظ على هوية تلك الشوارع وأبرزها شارع المتنبي العلامة الثقافية الدالّة في بغداد والذي نخشى عليه من التراجع الثقافي المهم وتحوّله إلى مكان آخر.
 حماية قانونية
ويؤكّد الشاعر عصام كاظم جري أنَّ المنظومة الثقافية وبمجمل القول تشهدُ أزمات ومتاعب انفلات عِنان التمسّك بالفعل الثقافيّ الحصيف، وغياب التخصّص المُحكم والسّديد الصائب، الذي ينقلُ البوصلةَ على وجه الدّقة والحكمةِ والمعرفةِ.والاستفاضةُ بعض الشيءِ في هذا السؤال قد تحرجُ الكاتبَ مستقبلاً! بعض أدباء الصدفة يحاولون التعافي من هذا الأمر الطارئ في نظرهم، ولكن في الحقيقة هم المسؤولون عن تَشْويه معظم الحراك الثقافي، هؤلاء الأدباء مسؤولون عن الحطّ من هيبة ومنزلة كلّ ما هو رمز ثقافيّ ومعرفيّ وقيمة جمالية عليا.فالدعوات الخاصة إلى المهرجانات الأدبيّة أصبحت ظاهرة اجتماعيّة “لابن عمتي ولابن عشيرتي… إلخ”، فضلاً عن المحتوى الهابط لأنشطة فروع الاتحادات التي صادرت مفهوم تجديد التحوّلات الثقافية واكتشاف المواهب وغيرها، ولهاث بعض أمناء الفروع وراء شيوخ الأحزاب والعشائر والمليشيات بغية المنافع المالية والوظيفية باسم الثقافة والأدب، ولا ننسى المجاملات في زجّ أصدقائهم من خارج الوسط الأدبيّ لطباعة كتبهم الفقيرة معرفياً، والتسويق لتجارة دور النشر الهابطة في كل شيء، إن هذا الخراب وغيره جرَّ الشوارع الثقافية في العراق لتكون مطاعم متجوّلة، بدلاً من تخصّصها الثقافي الدقيق.ويضيف: شيء رائع أن تحظى الثقافة بمختلف أنساقها باهتمام عالٍ من المجتمع عامة، ولكن متى يرى الأديب؛ الفاعل والعضوي، هذه الإشراقة؟ في كلِّ مرّة نقول: لقد آن الأوان للاهتمام بالثقافة العراقية بوصفها إنتاجاً ومنجزاً وصناعة وموقفاً. ولكن أين الفعل من القول؟المثقف ليس بحاجة إلى تشريع قانون لحماية الآداب والثقافة والفنون من التدخّلات الاجتماعية والوعود، وإنَّما بحاجة إلى آلية قانونيّة لحمايته من المتطفّلين على الصفة.

المصدر: شبكة اخبار العراق

كلمات دلالية: تلک الشوارع هذا الشارع فی بغداد غیر أن

إقرأ أيضاً:

الروائي الفائز بكتارا يوسف حسين: الكتابة تصف ما لا تكشفه الصورة

أعلنت المؤسسة العامة للحي الثقافي "كتارا" الفائزين بجائزة كتارا للرواية العربية في دورتها العاشرة 2024 منتصف أكتوبر/تشرين الأول الماضي، ومن الفائزين بفئة الروايات العربية المنشورة الروائي المصري يوسف حسين عن روايته "بيادق ونياشين" الذي شكلت الجائزة مفاجأة له وهو ما يرويه في حواره مع الجزيرة نت.

حدثنا عن كواليس استقبال خبر فوزك بجائزة كتارا للرواية العربية؟

قبل أن أخبرك عن استقبال الخبر، سأخبرك بما هو أعظم، إن حصولي على الجائزة تجسيد للآية الكريمة: "إنَّ اللَّهَ يَرزقُ مَن يشَاءُ بغير حساب"، لم أكن أنوي الترشح للجائزة هذا العام بعمل يخصني ككاتب، رغم حرصي الشديد على المشاركة فيها كناشر، وهذا ما تم بالفعل؛ لقد اخترت الأعمال التي رأيتها من وجهة نظري كقارئ تستحق المشاركة، وقمت بالتواصل مع مؤلفيها للتنسيق، وأرسلت الأعمال بالفعل إلى أمانة الجائزة، وقبل انتهاء المشاركة بيوم واحد فاجأني أحد أفراد العمل بالدار أنه قدم "بيادق ونيشان" للجائزة، معللا أنها من وجهة نظره كقارئ تستحق. وعند ظهور القائمة الطويلة بحثت عن أسماء الأعمال التي رشحتها بنفسي، وعندما لم أجد في القائمة ما يثلج صدري، أغلقت القائمة من دون أن أنتبه لوجود اسمي بين المتأهلين.

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2الشاعر قاسم حداد: الشعر رحلة لا تنتهيlist 2 of 2رحيل محمد إبراهيم أبو سنة.. آخر شعراء الواقعية الرومانسية في مصرend of list

لم أعرف أن "بيادق ونيشان" ضمن القائمة إلا باتصال هاتفي من الشخص الذي رشحها.

رواية "بيادق ونيشان" الحائزة على جائزة كتارا للرواية العربية 2024 (الجزيرة)

كان الأمر مفاجأة بالنسبة إليّ، وتوالت المفاجآت بظهور القائمة القصيرة، ومن ثم انتظار النتائج النهائية، إلى أن استيقظت على رسالة واتساب من أحد منسقي الجائزة، يخبرني فيها بفوزي، وأنه يحاول الاتصال قبلها بـ3 أيام لكن هاتفي يجيبه برسالة أنه غير متاح.

تعجبت كثيرا، لأنني كدت أفقد الأمل في فوزي، لاقتراب موعد إعلان نتيجة المسابقة من دون إعلامي بشيء، وفي الوقت ذاته منسقو الجائزة أنفسهم يحاولون الوصول إليَّ وأنا مَن كنت غير متاح! سبحان الله على تدبيره وكرمه، الحمد لله.

الجائزة تفرض على المبدع قيودا مثلما تفتح له أبوابا.. ما تقديرك الشخصي لهذا التحدي؟

هذا صحيح جدا، بل إني أرى قيودها أكثر من أبوابها، لأنها تحتم عليك ألا يخط قلمك حرفا بغير حسبان أو عجلة، فالأمر أصبح الآن مختلفا تماما عما قبلها، فلا يمكنني بدء الكتابة في أي فكرة تطرأ على خاطري من دون التمعن فيها جيدا، ودراسة جوانب بنائها كافة، فبالطبع القارئ الآن ينتظر مني ما هو أقوى من ذي قبل.

في ظل غياب النقد.. هل تسهم الجوائز في تعويض المبدع عن إيجابيات النقد الأدبي؟

طبعا، تمنحه الثقة والتقدير لسعيه واجتهاده والتحفيز على المتابعة، فما أسعد الكاتب حين يُقدِّر جهده مَن لا يعرفه، ولا تربطه به صلة قرابة أو مصلحة.

 ثنائية الواقع والتخييل كيف جسّدتها في الرواية؟ وما طبيعة العلاقة التي تربط آدم محمود الصواف بشباب اليوم؟

هو تجسيد الصراع بين الخير والشر، متمثلا في شخصية "آدم"، الذي اقترف كل ما سولت له نفسه من أعمال الظلم والسوء، وانتهى به الأمر إلى زجه في مكان أشبه بمقبرة، وكأنه يُعَد للحساب الأخروي، إلا أنه ما زال في الدنيا يقتص منه مَن ظلمهم، في مشهد درامي جمع بين الخيال والواقع بطريقة غير مباشرة، وكذلك أيضا جمعت بين الواقع والفنتازيا في تخيلات آدم وأمه للمرأة الحدباء والأشباح التي كانت تلاحقهما، والتي مثلت خيط ربط قوي بين تفاصيل الحبكة وتوصيل فكرتها المرادة.

فآدم يمثل كثيرا من شباب اليوم في ذلك؛ الكل متخبط بين الموضة والترندات واتباعها وتقليدها من دون ذرة فكر في صحتها من عدمها، فمن لم يكن لنفسه بالمرصاد وحاسبها دوما وقع في براثن الضلال وهوة التشتت.

ماذا يمثّل لك شغف الكتابة في عصر الصورة؟

الكاتب إذا حلَّق بخياله يستطيع أن يصف ما لا يمكن للصورة أن تكشف عنه، يمكنه أن يجسد ويصور المحسوس كأنه صورة حية تُلمس وتُحس وتعُايَش كأنها واقعية، ويمكنه أيضا أن يجعل من الشيء المعنوي صورة محسوسة يستطيع القارئ أن يجسدها في عقله ويشكل معالمها وفقا لإحساسه وأفق تخيُّله لها، فمهما كثرت المرئيات، يظل للكتابة رونق لا يُضاهى، يتلمسه كل قارئ ينبض قلبه بحسٍّ مرهف وأفق نيِّر.

رواية "إمام العهد الحديث" ليوسف حسين (الجزيرة)  ماذا الذي أردت قوله في "بيادق ونيشان"؟

أردت أن أقول إن "النفس البشرية" قنبلة موقوتة، إذا كبحت جماحها يمكنها أن تجعل العالم جنة حقيقية يشع منها الخير والسلام، وإذا أطلقت العنان لها فعلت كل ما هو مباح وغير مباح، ستُسلَب عين البصيرة، وتضرب بكل القيم والمبادئ عرض الحائط، وتبقى بوصلتها الأولى هواها، ومن أظلم ممن اتخذ إلهه هواه!

بعض أصدقائك هنّأك بالفوز قبل إعلان الجائزة.. كيف تفاعلت مع هذه التهنئة؟

كل تهنئة صادقة تثلج صدري، خصوصا من يهنئك من دون معرفته الجازمة بفوزك، فهو يرفع معنوياتك، ويمنحك ثقة وتقديرا لعملك، واستحقاقا لذلك التكريم.

ماذا أضاف لك عملك في مجال النشر على المستوى الإبداعي؟

جعلني في نافذة مطلة على ما يرمي إليه القارئ وتمتد إليه يداه شغفا وتطلعا، ومن ثم منحني هذا رؤية لكيفية مواكبة ذلك ومراعاته في إنتاجي الأدبي، فحاولت -وما زلت أحاول- أن أطور من فكري ونظرتي إلى الواقع، لأقدم له وجبة دسمة فيها كل ما يفيده على المستويات كافة؛ أسلوبيا، ولغويا، وفكريا، وما يمكن أن يضيف إليه ويؤثر فيه، فعقلية القارئ الواعي لا يُستهان بها أبدا، فمن خلالها تستطيع أن تطلع على ما تستلزمه قريحتك الأدبية من ابتكار وتطوير.

التكوين الفكري والمعرفي للأديب يسهم في إثراء تجربته.. ما أبرز العناصر التي صقلت موهبتك وعززت وجودك بين أبناء جيلك؟

بالتأكيد، أهم العناصر وأولها وآخرها: القراءة؛ قراءة كل ما تنجذب إليه عيناي ويشد إليه فكري، فهي ما تشكل عقلية الكاتب وتهذب قلمه وتصقله، فاليوم أصبح الكُتاب أكثر من القراء! لذا صار مستوى الإنتاج الأدبي متدنيا بشكل ملحوظ، فكل مَن هب ودب واستطاع أن يمسك بالقلم خطَّ ترهات وتفاهات لا تغني ولا تسمن من جوع، بينما هناك مَن يستحق لقب "كاتب" بحق لا حياة له ولا صرير لقلمه!

 ما جديدك على الساحة الأدبية؟

في الحقيقة لم أكتب جديدا بعد، أُهدي ذهني فترة راحة، لأعود بجديد يستحقه القارئ ويليق به، بإذن الرحمن.

 ما مؤلفاتك السابقة؟

– رواية "كيد الرجال"، وقد حصلت على جائزة مهرجان همسة للفنون والآداب في مصر (2018).
– رواية "أديرا"، وقد حازت جائزةَ مهرجان همسة للفنون والآداب في مصر (2019).
– رواية "لعبة الموت"، التي حصدت جائزة منف للرواية العربية عام (2019).
– رواية "إرم العهد الحديث"، في طبعتها الخامسة (2020).
– رواية "الأربعون الثانية"، في طبعتها الثانية (2021).
– رواية "الورقة الخضراء" (2022).
– رواية "بيادق ونيشان" (2023).

مقالات مشابهة

  • محافظ الجيزة يستجيب لشكاوى المواطنين الخاصة بنظافة الشوارع وتجمعات المياه
  • «الملتقى الأدبي» يناقش رواية «عشاق وكتب»
  • الروائي الفائز بكتارا يوسف حسين: الكتابة تصف ما لا تكشفه الصورة
  • أمانة العاصمة.. فتح مظاريف مناقصات 11 مشروع صيانة وترميم لعدد من الشوارع بتكلفة 905 ملايين ريال
  • تجمع 100 عازف.. السعودية تستضيف الأوركسترا اليمنية في عرض فني مذهل يبرز عمق الروابط الثقافية بين الشعبين
  • دور المكتبات في تنويع الصناعات الثقافية
  • روائيون في «الشارقة للكتاب» يؤكدون أهمية الافتتاحيات المؤثرة لجذب القارئ
  • كتّاب يروون تجاربهم الشخصية مع القراءة ودور الكتب في حياتهم
  • روايات الخيال.. جمهور جديد في معرض الكتاب
  • روائيون يؤكدون أهمية الافتتاحيات المؤثرة للروايات في جذب القارئ من السطور الأولى