واشنطن- "دُفعة 2024" كان عنوان المقال الرئيسي لمجلة "نيويوركر" الأميركية هذا الأسبوع، مرفوقا بصورة تعبيرية تُظهر 3 جامعيين مكبلي الأيادي يتقدمون إلى منصة إحدى الجامعات ليستلموا شهادات تخرّجهم من رئيسها، بينما يحيط بهم رجال الشرطة من كل جانب.

وعكست هذه الصورة ما تعرفه مئات الجامعات الأميركية من حراك طلابي نادر رفضا للعدوان الإسرائيلي المدعوم أميركيا على قطاع غزة، ولأي علاقات تجمع كلياتهم بإسرائيل.

وشهدت الأشهر الماضية، منذ عملية "طوفان الأقصى" ولا سيما الأسابيع الأخيرة، أجواءً ساخنة في الجامعات الأميركية. ويواجه ملايين الطلاب الأميركيين، خاصة اليهود والمسلمين والعرب، حالة متوترة ومختلفة عما كان عليه الوضع قبل السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023.

وأثار الحراك طلابي في مختلف أرجاء الولايات المتحدة جدلا لم ينتهِ، حول معضلة التوازن بين حق حرية التعبير والتجمع السلمي من ناحية، وبين قواعد وسياسات الجامعات حول الاعتصامات وتعطيل الدراسة وسلامة الطلاب من ناحية أخرى.

غلاف مجلة "نيويوركر" (مواقع التواصل) زيادة الوعي

ومع تحول الجامعات إلى مراكز للنشاط السياسي، وبسبب استمرار العدوان على غزة، أقام الطلاب مخيمات مؤيدة لفلسطين للتعبير عن التضامن وزيادة الوعي بين زملائهم.

وبدلا من الانخراط في هذه الاحتجاجات السلمية من خلال الحوار، اختارت العديد من إدارات الجامعات تدخل الشرطة، وبدأت رئيسة جامعة كولومبيا نعمت شفيق هذا النهج، مما أدى إلى فض اعتصامات الطلاب بالقوة واعتقال قرابة 2600 طالب من مختلف الكليات.

وهذا النهج لا يهدد قدسية الحرية الأكاديمية فحسب، بل يقوض أيضا دور الجامعات كمراكز علمية وملتقى للنقاشات السياسية والاختلافات الفكرية.

وبرأي مرهف الأشقر، الأستاذ المشارك في جامعة "واين" الحكومية بولاية ميشيغان، فإن استدعاء الشرطة في الجامعات يعد نهجا غير لائق، وأن ما جرى يضر بالصورة العامة للجامعة والثقة بين طلابها وأساتذتها، كما يتعارض بشكل أساسي مع دور المؤسسات التعليمية في تعزيز الحوار المفتوح والتعلم.

وينتظر الطلاب وعائلاتهم بحماس نهاية 4 سنوات من التعليم الجامعي للحصول على شهادة تخرّجهم في احتفال ضخم تقيمه كل جامعة. وتتم دعوة شخصية عامة من العيار الثقيل مثل رئيس سابق، أو سيناتور شهير، أو رمز مجتمعي، أو رجل أعمال من الوزن الثقيل، لإلقاء كلمة للخريجين يحفزهم فيها على اقتحام سوق العمل ونصائح مع بدء الحياة العملية.

وفي ضوء الأحداث الأخيرة والتطورات التي استدعت لجوء قوات الشرطة لفض اعتصامات بعض الجامعات بالقوة، ألغت العديد من الكليات، وعلى رأسها جامعتا كولومبيا وجنوب كاليفورنيا، حفلات التخرج الضخمة، واستبدلتها بمراسم تخرج بسيطة وصغيرة.

فصل جديد

وفي الوقت الذي عبر فيه أولياء أمور كُثر عن غضبهم بسبب إلغاء حفلات التخرج، اعتبر بعض المراقبين أن هؤلاء الطلاب يسطّرون فصلا جديدا وهاما من التاريخ الأميركي. وتعتبر النخبة السياسية -في أغلبها- أن موجة احتجاجات الطلاب الجارية هي أهم حركة طلابية منذ التحركات المناهضة لحرب فيتنام أواخر ستينيات القرن الـ20.

ويتم مقارنة الاحتجاجات، خاصة في جامعة كولومبيا، باحتجاجات عام 1968 بسبب حجمها وتكتيكاتها، وعلى أنها صدى لحركة الستينيات التاريخية.

وكسبت شدة التحركات في هذه الجامعة تركيزا كبيرا مقارنة بغيرها من الجامعات الأميركية، لأنها في قلب مدينة نيويورك مركز المال والأعمال الأهم في العالم ووسائل الإعلام الإخبارية الكبرى، إضافة لوجود نسبة كبيرة فيها من الطلاب اليهود أو المسلمين.

كيف تتأثر مكانة الجامعات الأميركية؟

لعقود طويلة كانت، ولا تزال، الجامعات الأميركية -خاصة جامعات النخبة التي شهدت حراكا طلابيا مؤيدا لفلسطين أكثر من غيرها من الكليات- تلعب دورا محوريا في النهضة الأميركية خاصة في شقيها العلمي والتكنولوجي مثلما الحال في جامعات كولومبيا وهارفارد ومعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا.

وحصل الكثير من أساتذة هذه الجامعات على العشرات من جوائز نوبل في الطب والكيمياء والفيزياء، ويترأس خريجوها أهم الشركات في العالم، ناهيك عن دراسة العديد من الرؤساء الأميركيين بها، ويبرر ذلك انخفاض نسبة القبول بين المتقدمين لها بحيث لا تتخطى نسبة 4% في بعض الحالات.

وفي الوقت الذي قد يكون من المبكر التطرق فيه لتأثير الحراك الطلابي المؤيد لفلسطين على الجامعات الأميركية، تعكس بعض التقارير قلقا متزايدا تعبر عنه عائلات مسلمة وأخرى يهودية، من استهداف أبنائهم في هذه الجامعات سواء بالتنمر أو التضييق على قبولهم فيها.

مضايقات

وعبّر العديد من الطلبة المسلمين واليهود الأميركيين عن تعرضهم لمضايقات واسعة منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي.

وفي حديث للجزيرة نت، أفادت الطالبة صوفيا جيوفاني، من الجامعة الأميركية في واشنطن، بأن زملاءها من اليهود والمسلمين تعرضوا لمضايقات مختلفة، وتنمر في حالات عديدة من طلاب آخرين داخل الحرم الجامعي. وأشارت إلى وجود ارتفاع في حوادث الكراهية سواء "المعادية للسامية" أو "الإسلاموفوبيا" خلال الأشهر الأخيرة.

من جانبه، أبدى والد طالب ياباني، وصله خطاب القبول قبل أسابيع من جامعة كولومبيا، قلقه من فكرة إرسال ابنه للدراسة في الجامعة التي كان يحلم بها منذ صغره.

وقال للجزيرة نت "منذ زيارتي الأولى لجامعة كولومبيا أثناء عملي كصحفي في نيويورك قبل أكثر من 20 عاما، تعهدت بعمل كل ما بوسعي لإدخال ابني هذه الجامعة العريقة. إلا أن الأحداث الأخيرة، تدفعني إلى إعادة التفكير في ذلك. فابني يهتم بالشأن السياسي، ولذلك أخشى على سلامته في هذه الكلية".

وعلى النقيض، ذكر رجل أعمال أميركي، من أصول مصرية يعيش ويعمل في ولاية نيويورك -للجزيرة نت- أنه وضع حسابا بنكيا خاصا يوفر آلاف الدولارات منذ سنوات لتوفير كل الموارد اللازمة لتهيئة ابنته -الطالبة حاليا بالمرحلة الثانوية- للالتحاق بجامعة كولومبيا. وأوضح أنه على استعداد لتحمل أي أعباء مالية من أجل هذا الهدف "صعب المنال".

وأشار استطلاع حديث أجراه موقع "يوغوف" (YouGov) الأسبوع الماضي مع أكثر من 9 آلاف مواطن أميركي، إلى معارضة 47% من الأميركيين احتجاجات الحرم الجامعي، في حين أيدها 28% منهم.

وتباينت النسبة بين مسلمي ويهود أميركا، وفي حين أيد المسلمون الأميركيون الاحتجاجات بنسبة 75%، رفضها 14% منهم، بينما عارض 72% من اليهود الأميركيين الاحتجاجات، وقبلها 18% منهم.

ولا تُعد هذه النسب ضخمة أو مفاجئة خاصة في ظل الانقسام والاستقطاب المجتمعي الذي تعرفه الولايات المتحدة تجاه كل القضايا الاجتماعية والسياسية.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: ترجمات حريات الجامعات الأمیرکیة جامعة کولومبیا العدید من فی هذه

إقرأ أيضاً:

نيويورك تايمز: حملة مدمرة تطال التعليم الجامعي في أميركا

استضاف صحيفة نيويورك تايمز حوارا عبر الإنترنت مع كتاب أعمدة الرأي، ماشا جيسين وتريسي ماكميلان كوتوم وبريت ستيفنز، حول ما أسموه "الحملة المُدمِّرة" التي يشنّها الرئيس الأميركي دونالد ترامب وحلفاؤه على التعليم العالي، مستعرضين كيف أضعفت الجامعات نفسها عبر سلوكيات داخلية وتغيرات ثقافية، جعلتها أهدافا سهلة للهجمات السياسية الشرسة.

وافتتح باتريك هيلي نائب رئيس تحرير قسم الرأي بالصحيفة الحوار بحديث دار بينه مع رئيس جامعة أخبره بأنه نُصح بتعيين حارس شخصي، وقال إنه لم ير هذا القدر من الخوف في عالم التعليم العالي من قبل، وأوضح أن العديد من رؤساء الجامعات "يخافون بشدة" من خفض إدارة ترامب لتمويلهم.

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2ليبراسيون: استخدام فرنسا الأسلحة الكيميائية بالجزائر قررته أعلى مستويات الدولةlist 2 of 2جدعون ليفي: أنى لرئيس الشاباك أن يقدم دروسا في الأخلاق حتى لنتنياهو؟end of list

وأشار رئيس الجامعة إلى ما يطلقه إيلون ماسك، مستشار الرئيس المقرَّب، من هجمات عبر منصته (إكس)، وإلى دخول عملاء دائرة الهجرة والجمارك الأميركية الحرم الجامعي، وإلى رسائل البريد الإلكتروني الغاضبة التي تغمر صناديق بريدهم، وإلى احتجاجات الطلاب على غزة وإسرائيل، والقلق من التعرض للاستهداف بالعنف.

وأضاف رئيس الجامعة أن الرؤساء والأساتذة قد استهانوا بأمور كثيرة، وظنّوا أنه سيُنظر إليهم دائما على أنهم "منفعة عامة" تُفيد المجتمع، لكنهم أصبحوا يُعتبرون نخبويين ومتعالين على الأميركيين العاديين، مذكرا بأن الأميركيين يكرهون بشدة النخب التي تتعالى عليهم، والآن نشهد محاسبة كبيرة للتعليم العالي أيديولوجيا وثقافيا وماليا، يقودها ترامب واليمين.

إعلان

ووجه باتريك هيلي، الذي قال إنه كان مراسلا للتعليم العالي عندما كانت الجامعات قبل عقدين تحظى بإعجاب واسع في أميركا، إلى الكتاب نفس السؤال الذي وجهه إلى رئيس الجامعة، قائلا "ما الخطأ الذي ارتكبه التعليم العالي؟ وكيف أصبحت الكليات فريسة سهلة؟"

انعدام الثقة بالجامعات

اتفق المشاركون في الحوار على أن الجامعات الأميركية، التي كانت تُعتبر يوما ما مصدر فخر للبلاد، تواجه الآن أزمة وجودية، وأرجعوا السبب في ذلك إلى أن صورة المؤسسات الأكاديمية تغيرت من كونها ذات "منفعة عامة" إلى كونها كيانات تُوصف بالانعزال والنخبوية والاستعلاء.

وقد أدى هذا التغير إلى انعدام الثقة بالجامعات من قِبل قطاعات واسعة من المجتمع الأميركي، وقد استفادت إدارة ترامب من هذه الفجوة المتزايدة بين النخب الأكاديمية والعامة للتحريض عليها تحت شعارات مثل "مكافحة النخب" و"العدل في تمويل الجامعات".

ويرى ستيفنز أن المشاكل بدأت من داخل الجامعات نفسها، حيث أدى الاهتمام المفرط بالتنوّع والهويات إلى تقييد حرية التعبير والتفكير، وضرب مثلا على ذلك بحادثة جامعة ييل عام 2015، التي أظهرت كيف بات الطلاب أكثر حساسية تجاه المواضيع الثقافية، مما يعكس نزعة تعزيز الهوية على حساب الحوار المفتوح.

وقال ستيفنز إنه أدرك في تلك اللحظة أن ثمة خطأ فادحا، واتضح له أن قيمتين من قيم الجامعة الحديثة تتعارضان بشدة، التنوع وحرية التعبير، إذ أصبحت بعض الآراء تمنع لأنها تُسيء إلى جماعة أو تُخالف المعتقدات السياسية التقليدية، أو لأنها تقال من قِبل شخص ينتمي إلى هوية عرقية أو إثنية مختلفة.

ومع ذلك انتقد ستيفنز ترامب، مشيرا إلى أن استغلال الإدارة لهذه القضايا لتحقيق أهدافها السياسية يهدد الأسس الفكرية للجامعات.

وأشارت تريسي إلى أن النقد المحافظ للجامعات غالبا ما يضخم الأحداث الفردية لتبدو وكأنها انعكاس لحالة شاملة، وجادلت بأن العديد من مؤسسات التعليم العالي ليست جزءًا من هذه النخبوية المستهدَفة، بل هي جهات تقدم خدمات تعليمية للمجتمع دون الموارد الكافية.

إعلان الأزمة تتجاوز الجامعات

وخلصت الكاتبة إلى أن المشاكل تتجاوز ترامب، مؤكدة أن هناك أزمة اقتصادية وثقافية أوسع تعاني منها الجامعات، تتمثل في تراجع وعد التعليم العالي بتحقيق الحراك الاجتماعي كما كان في الماضي.

أما ماشا جيسين فوصفت الهجمات على الجامعات بأنها جزء من حملة أوسع ضد كل ما هو فكري وعلمي في المجتمع الأميركي، وهي ترى أن المشكلة لا تنحصر فقط في سياسات ترامب والمحافظين، بل تمتد إلى أزمة اجتماعية أعمق تتعلق بالتفاوت الطبقي والانقسام الثقافي، مؤكدة أن الجامعات شاركت على مدى عقود، في خلق هذه الفجوات الاجتماعية من خلال النخبويّة والانعزال عن عامة الشعب.

ووصل النقاش إلى أن الجامعات أصبحت رمزا "للعدو النخبوي" في الخطاب السياسي، إذ يرى المحافظون أن النقاشات الثقافية داخل الجامعات، مثل قضايا العرق والجندر، تتعارض مع القيم التقليدية، وبالفعل أصبحت سياسات الجامعات المفتوحة على الطلاب الدوليين وموضوعات مثل العدالة الاجتماعية أدوات يستغلها ترامب والمتحالفون معه لتأجيج الانقسام.

وفي هذا السياق، ركز المشاركون في النقاش على قضية اعتقال الطالب الفلسطيني محمود خليل، منظم المظاهرات المؤيدة لفلسطين في جامعة كولومبيا، ورأوا أن اعتقاله الذي تم تبريره باعتباره إجراءً قانونيا، كان جزءا من محاولة أوسع لتعزيز الخوف وإخماد المعارضة داخل الجامعات، واعتبرت تريسي وماشا أن القضية لا تتعلق بخليل كشخص، بل هي "اختبار لضبط حدود الخطاب السياسي".

وخلص الحوار إلى أن الهجمات على الجامعات ليست مجرد نزاعات سياسية سطحية، بل هي جزء من معركة أعمق حول الهوية الثقافية والاجتماعية للولايات المتحدة، وهي ليست محصورة في التعليم العالي وحده، بل تمتد إلى أزمة ثقة أوسع في المؤسسات العامة، ولذلك يتطلب الأمر قيادة جريئة من رؤساء الجامعات، وتحركا جماعيا، لمواجهة هذا التهديد الذي قد يعيد تشكيل المجتمع الأميركي لسنوات قادمة.

إعلان

مقالات مشابهة

  • نيويورك تايمز: حملة مدمرة تطال التعليم الجامعي في أميركا
  • مظاهرة حاشدة في لوس أنجلوس للتضامن مع طلبة جامعة كولومبيا (شاهد)
  • جامعة سوهاج تشارك فى ملتقي إدراك لطلاب الجامعات والمعاهد المصرية بمعهد إعداد القادة
  • جامعة سوهاج تشارك في ملتقى إدراك لطلاب الجامعات والمعاهد المصرية
  • جامعة كولومبيا تطرد طلابا وتعلق دراستهم بعد تهديدات حكومية
  • إدارة ترامب تشترط على جامعة كولومبيا وإلا خسرت الدعم.. وحملة تفتيش في السكن الطلابي
  • NT: جامعة كولومبيا أخبرت طلابها الدوليين أنها لا تستطيع حمايتهم
  • جامعة كولومبيا تعاقب طلبة مؤيدين لفلسطين بالطرد وإلغاء شهادات التخرج
  • جامعة كولومبيا الأمريكية تعاقب مؤيدين للفلسطينيين
  • جامعة كولومبيا تعاقب طلبة متضامنين مع فلسطين بعد أيام من تحريض ترامب