القيادة بالمنطقة الرمادية فوق أنقاض السودانيين
تاريخ النشر: 16th, May 2024 GMT
يفتقر النظام الحاكم في السودان لأي خطة سياسية واضحة وطويلة الأمد بخصوص الحرب وما بعدها، هذا ما تثبته مواقف الدولة تجاه علاقاتها الخارجية، فمازالت القيادة السودانية تتمسك بخيار مهادنة الغرب، والسعي لإقامة علاقة تحالفية معه، بينما المشروع الغربي في السودان يسعى لتفتيت سلطة الدولة الحالية، وتفكيك المنظومة العسكرية، عبر سعيه لإطالة أمد النزاع، من دون نهاية حاسمة، لا يملك الغرب ما يقدمه للسودانيين، ولا يسعى لعلاقة استراتيجية مع السودان كشريك إقليمي رئيس.
لا جدال في أن حرب السودان المدمرة هي نتيجة مباشرة لمقاومة الجيش الوطني وعموم الوطنيين لمشروع الاتفاق الإطاري، والذي يعتبر الصفحة قبل الأخيرة في كتاب الطريق إلى الهيمنة على السودان عبر تشكيل حكومة موالية للغرب ومطيعة، كل تلك المواقف موثقة وبائنة كالشمس.
رغم كل تلك المواقف الغربية الواضحة، عناد مرعب تعبر عنه القيادة السودانية في استمرارها محاولة التماهي مع المشروع الغربي عسى ولعل أن يرضى الغرب على حكومة الرئيس “البرهان”، بلا أي اعتبار لمعاناة السودانيين، بينما يمد الشرق يده بيضاء تحمل كل الإمكانات التي تساعد الجيش الوطني في حسم معركته مع المليشيات المدعومة غربياً.
التوهان الذي يظهر في اختيار القيادة السودانية المنطقة الرمادية بخصوص تحالفاتها الدولية، هو قبل كل شيء نتيجة تراكمية لأداء مديد للقيادة الحالية تميز على الدوام بوضع السياسة في الهامش وتقديم التذاكي السياسي كعنوان للعلاقة مع العالم. ومن عناوين هذا التذاكي، تمكين المليشيات في توقيت ما، والمساهمة غير المقصودة في تعميق الانقسام السوداني بهدف إنهاء مشروع النظام البائد، وهذا أيضا يصب في نهر الانحناء للعاصفة الغربية.
حتى بعد توتر العلاقة بين الشرق والسودان إبان السنوات الأخيرة لنظام البشير، وطرد السفير الإيراني من السودان دون انتظاره جلب ثيابه من المغسلة، إرضاء للعائلة الحاكمة في الإمارات بعد الصلح، لم يرفض الحلف الشرقي مساعدة السودان في حسم قضيته المركزية، بل وأكد الوفد الروسي الذي زار السودان قبل أسبوعين على استعداد بلاده تقديم كل العون للنظام السوداني لحسم المعركة وإعادة إعمار السودان، وكذلك فعلوا (إيران- الصين- تركيا).
حتى الآن لم تتخذ القيادة قراراً حاسماً بشأن تحالفاتها الدولية، بل تحاول التذاكي، بأن تجعل من احتمالية التحالف مع الشرق قضية لابتزاز الغرب، الذي يسعى للحصول على مطامعه في السودان عبر تركيع الدولة.
إن قررت القيادة العليا البقاء في المنطقة الرمادية بشأن تحالفاتها الدولية، سيشيح العالم أجمع (شرقاً وغرباً) بوجهه عنها، وسيعمل الجميع على الإطاحة بها وصعود قيادة جديدة، قادرة على لملمة شظايا ما كسرته قيادة الرئيس “البرهان”، من دون أن تكون مشاركة الأطراف مقرونة بتوافق هذه المهمة مع الأهداف السياسية الأوسع للسعودية والإمارات، هذا تماماً ما يهرب منه الخليج، الذي يعمل إلى توظيف الأدوار العربية في انحيازات خطيرة خلف الكواليس، بهدف إدامة الصراع وتعميق دينامياته، من دون أدنى التفات حقيقي لمصاير السودانيين العزل… وللحديث بقية.
محبتي واحترامي
رشان أوشي
المصدر: موقع النيلين
إقرأ أيضاً:
هل يتجاهل الغرب احتجاجات تركيا ضد أردوغان؟
عندما سجنت السلطات التركية عمدة إسطنبول، أكرم إمام أوغلو، أكبر منافسي الرئيس رجب طيب أردوغان، خرج آلاف المتظاهرين إلى الشوارع احتجاجاً، بينما بدا أن حلفاء أنقرة الغربيين أقل صخباً في ردودهم.
يُرجّح أن أردوغان قدّر أن الأهمية الاستراتيجية المتزايدة لتركيا تفوق عيوبها الديمقراطية
وتقول وكالة "بلومبرغ" إن أردوغان، يراهن على أن الأهمية الاستراتيجية المتزايدة لتركيا تفوق المخاوف الغربية بشأن التراجع الديمقراطي في البلاد، فباعتباره قائداً لثاني أكبر جيش في حلف شمال الأطلسي (الناتو)، يعتمد الرئيس التركي على حاجة العالم إليه.
ومع انشغال الولايات المتحدة وأوروبا بالتحديات الأمنية، يواصل أردوغان تعزيز مكانته كوسيط إقليمي رئيسي، سواء في النزاع الأوكراني أو الأزمات الممتدة في الشرق الأوسط وأفريقيا.
وباستثناء بعض الاعتراضات من العواصم الأوروبية، كان غياب الاحتجاج الدولي على اعتقال إمام أوغلو، يوم الأحد الماضي، ملحوظاً، فالمستشار الألماني أولاف شولتز وصف الاعتقال بأنه "محبط"، بينما اكتفت وزارة الخارجية الأمريكية بوصفه بأنه "شأن داخلي".
ورغم انسحاب المستثمرين الأجانب من تركيا، إلا أن الاعتماد الأوروبي المتزايد على أنقرة في مجالات الدفاع والطاقة قد يدعم موقف أردوغان.
Erdogan Bets World Will Turn a Blind Eye to Turmoil in Turkey https://t.co/mrudMCVnI0
— Bloomberg Markets (@markets) March 24, 2025وأدت الحرب في أوكرانيا إلى زيادة أهمية تركيا كحليف أوروبي، إذ تعتمد بروكسل على قدرات أنقرة العسكرية ودورها في المنطقة. ومع تزايد الغموض بشأن التزامات الولايات المتحدة الأمنية في أوروبا، تتجه الأنظار إلى تركيا كشريك رئيسي.
وقال سونر كاغابتاي، مدير برنامج الأبحاث التركية في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى: "البيئة العالمية متساهلة مع أردوغان، وهو قارئ بارع للواقع السياسي. لا أتوقع أي رد فعل قوي من أوروبا أو الولايات المتحدة".
إمام أوغلو.. الخصم الأقوىتم اعتقال إمام أوغلو لأول مرة يوم الأربعاء الماضي، بعد يوم من إلغاء السلطات شهادته الجامعية، وهي شرط أساسي للترشح للرئاسة. وُجهت إليه لاحقاً تهم فساد.
ويُعد إمام أوغلو، البالغ من العمر 54 عاماً، شخصية صاعدة في السياسة التركية منذ عام 2019، حين هزم مرشح أردوغان في الانتخابات المحلية، وكرر الإنجاز في 2023. ويمثل تهديداً انتخابياً حقيقياً لأردوغان.
استراتيجيات أردوغان المستقبليةتُجرى الانتخابات الرئاسية التركية المقبلة في 2028، ورغم أن أردوغان، البالغ من العمر 71 عاماً، غير مؤهل للترشح دستورياً، إلا أن محللين يرون أن حملات القمع ضد المعارضين ومحاولات التقارب مع الأكراد تهدف إلى تعزيز فرصه في تعديل الدستور لصالحه.
ويأتي التصعيد السياسي في تركيا في وقت تواجه فيه المؤسسة الدفاعية عبر الأطلسي تحديات غير مسبوقة. فبينما يسعى ترامب إلى التفاوض على وقف إطلاق النار بين روسيا وأوكرانيا، عرض أردوغان إرسال قوات حفظ سلام إلى أوكرانيا، وهو اقتراح لم تعارضه موسكو بشكل صريح، رغم تصريحات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بعدم رغبته في وجود قوات الناتو هناك.
كما قدمت تركيا مقترحات لتولي مسؤولية الحرب ضد تنظيم "داعش" في سوريا، مما قد يسمح لواشنطن بإعادة ترتيب أولوياتها الأمنية.
وخلال مكالمة هاتفية مع الرئيس الأمريكي، طلب أردوغان رفع العقوبات عن شركات الدفاع التركية وإعادة بلاده إلى مشروع الطائرة المقاتلة "إف-35"، الذي استُبعدت منه بعد شرائها أنظمة دفاع روسية.
وقال ستيف ويتكوف، المبعوث الخاص لترامب، يوم الجمعة: "أعتقد أن الرئيس أجرى محادثة رائعة مع أردوغان قبل يومين - محادثة ثورية حقاً"، نافياً المخاوف بشأن الاحتجاجات الأخيرة.
هل يتجاهل الغرب احتجاجات تركيا؟رغم أن اعتقال إمام أوغلو أثار احتجاجات واسعة في تركيا، فإن رد الفعل الدولي ظل محدوداً، ما يعكس براغماتية غربية في التعامل مع أردوغان، فبينما يستنكر القادة الغربيون قمع الحريات، تبقى المصالح الاستراتيجية العامل الحاسم في علاقتهم بأنقرة.
وفي ظل هذا التوازن، يبدو أن أردوغان مستمر في تعزيز سلطته، دون أن يواجه تداعيات دولية تُذكر.