التداعيات الاقتصادية لقرار تركيا بالمقاطعة التجارية لإسرائيل
تاريخ النشر: 16th, May 2024 GMT
في تحول مفاجئ للأحداث، وجّه الاقتصاد التركي ضربة قوية لنظيره الإسرائيلي، مما أدى إلى إرسال موجات صادمة عبر المنطقة والأسواق العالمية. إن التوترات المتصاعدة بين الجانبين التي تغذيها النزاعات السياسية والدبلوماسية قد تجلت الآن في المجال الاقتصادي مع عواقب بعيدة المدى.
الانتقام الاقتصادي
ردا على التوترات المستمرة، اتخذت تركيا سلسلة من التدابير الاقتصادية التي تهدف إلى معاقبة إسرائيل.
تعكس هذه الأرقام الصعوبة التي واجهتها تركيا في اتخاذ هذا القرار، حيث ستتضرر العديد من الشركات التركية التي كانت لديها عقود تصدير وأنتجت تلك الطلبيات. وقد عبر المسؤولون الأتراك عن ذلك بالتأكيد على أن بعض الخسائر الاقتصادية هي ثمن ضئيل للمكاسب الإنسانية
وفقا لأرقام الميزان التجاري بين البلدين، صدرت تركيا منتجات إلى إسرائيل بقيمة تزيد على 5.4 مليار دولار، حيث احتلت إسرائيل المرتبة 13 في قائمة الدول الأكثر استيرادا للمنتجات التركية في عام 2023، وشكلت 2.1 في المائة من إجمالي الصادرات التركية. وكانت أهم صادرات أنقرة إلى إسرائيل هي الصلب والسيارات والبلاستيك والأجهزة الكهربائية والآلات، بينما هيمن الوقود على الواردات بتكلفة بلغت 634 مليون دولار العام الماضي.
وتعكس هذه الأرقام الصعوبة التي واجهتها تركيا في اتخاذ هذا القرار، حيث ستتضرر العديد من الشركات التركية التي كانت لديها عقود تصدير وأنتجت تلك الطلبيات. وقد عبر المسؤولون الأتراك عن ذلك بالتأكيد على أن بعض الخسائر الاقتصادية هي ثمن ضئيل للمكاسب الإنسانية، كما أكد أردوغان أن تركيا مستعدة لدفع ثمن هذا القرار على المستوى العالمي.
لكن من المؤكد أن الحالة الحرجة للاقتصاد التركي هي أحد الأسباب الرئيسية التي أخّرت اتخاذ هذا القرار في وقت سابق، خاصة في ظل تفاقم أزمة التضخم التي وصلت تقريبا إلى 70 في المائة في نهاية نيسان/ أبريل الماضي، واستمرار تراجع سعر صرف الليرة، التي يتوقع البنك المركزي التركي أن تنخفض إلى 40 ليرة للدولار بنهاية العام الجاري، مقارنة بـ32.5 ليرة حاليا.
وكانت الإدارة التركية تعول بشكل كبير على زيادة الصادرات لسداد جزء من الالتزامات الخارجية التي تسببت في تراجع الليرة خلال السنوات الثلاث الماضية، ولكن مع قرار تعليق التجارة مع إسرائيل، ووفقا لجمعية المصدرين الأتراك، سيتعين على الحكومة خفض أهداف التصدير لنهاية العام إلى 260 مليار دولار بدلا من 267 مليار دولار، ما لم يتم استئناف التجارة مع إسرائيل في غضون شهرين.
وعلى الرغم من أن خسائر الاقتصاد التركي قد تمتد أيضا إلى تعويضات قانونية تضطر الشركات إلى دفعها إذا لجأت الشركات الإسرائيلية إلى المحاكم الدولية، إلا أنه من المؤكد أن خسائر إسرائيل ستكون كبيرة نتيجة القرار التركي، خاصة وأن قطاعات إسرائيلية مهمة تعتمد على الواردات التجارية بنسب كبيرة جدا. في المقدمة يأتي قطاع البناء، الذي يستورد ما يقرب من 70 في المئة من احتياجاته من الصلب والأسمنت من تركيا، وهو القطاع الذي يعاني أكثر من غيره بعد الحرب غير المشروعة على قطاع غزة.
من المؤكد أن خسائر إسرائيل ستكون كبيرة نتيجة القرار التركي، خاصة وأن قطاعات إسرائيلية مهمة تعتمد على الواردات التجارية بنسب كبيرة جدا. في المقدمة يأتي قطاع البناء،
كما ستسبب القرارات التركية مزيدا من المعاناة للاقتصاد الإسرائيلي برمته، نظرا لصعوبة تعويض هذه الواردات على المدى القصير. وفي حال تم الاتفاق مع شركات جديدة من دول أخرى، فإن تكاليف الاستيراد سترتفع بالتأكيد مقارنة بالمنتج التركي الذي يتمتع بتكلفة شحن أقل نتيجة قربه الجغرافي، بالإضافة إلى مزاياه التنافسية العالمية.
أيضا، من بين الخسائر الإسرائيلية، وفقا لصحيفة نيويورك تايمز، حقيقة أن تعليق تركيا المعلن لجميع أشكال التجارة مع إسرائيل قد يكون الأحدث في سلسلة تجعل عزلة إسرائيل أكبر مما كانت عليه خلال الأشهر القليلة الماضية، كما أشارت إلى أن هذا القرار قد يشجع الدول الأخرى على اتخاذ خطوات مماثلة. وهذا ما أكده أردوغان بقوله إنه يعتقد أن هذا سيكون مثالا للدول الأخرى غير الراضية عن الوضع الحالي.
ضغوط دبلوماسية
بالإضافة إلى التدابير الاقتصادية، تمارس تركيا أيضا ضغوطا دبلوماسية على إسرائيل. وكانت الحكومة التركية تضغط بنشاط على دول أخرى للانضمام إلى مقاطعتها لإسرائيل، ونجحت في إقناع العديد من الدول، بما في ذلك ماليزيا وإندونيسيا، بفرض عقوباتها الخاصة على البضائع الإسرائيلية. كما امتد الضغط الدبلوماسي إلى الساحة الدولية، حيث استخدمت تركيا نفوذها في منظمات مثل منظمة التعاون الإسلامي والأمم المتحدة لإدانة الأعمال الإسرائيلية وحشد الدعم للقضية الفلسطينية.
التأثير على الاقتصاد الإسرائيلي
كان التأثير المشترك للتعريفات الجمركية وسحب الاستثمارات والضغط الدبلوماسي مدمرا للاقتصاد الإسرائيلي، وتباطأ معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي للبلاد بشكل ملحوظ مع توقع العديد من الاقتصاديين حدوث ركود في الأشهر المقبلة.
كما ارتفع معدل البطالة بشكل حاد، حيث فقد العديد من الإسرائيليين وظائفهم في قطاعات الزراعة والسياحة والتصنيع. وقد اضطرت الحكومة إلى تخصيص موارد كبيرة لدعم الشركات والعمال المتضررين مما يزيد من الضغط على ميزانية البلاد.
إن القرار التركي بتعليق التجارة مع إسرائيل، على الرغم من الخسائر الاقتصادية المحتملة لاقتصادها، يدل على الأهمية التي توليها تركيا للقضية الفلسطينية. ومن خلال الاستفادة من نفوذها الاقتصادي، بعثت تركيا برسالة قوية إلى إسرائيل والمجتمع الدولي مفادها أنها لن تتسامح مع استمرار الاحتلال والقمع للشعب الفلسطيني.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه الاقتصاد الإسرائيلي تركيا غزة التجارة اقتصاد إسرائيل تركيا تجارة غزة مقالات مقالات مقالات سياسة مقالات صحافة صحافة سياسة سياسة سياسة اقتصاد سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة التجارة مع إسرائیل إلى إسرائیل هذا القرار العدید من
إقرأ أيضاً:
انتقادات إسرائيلية لقرار وقف الاعتقالات الإدارية ضد المستوطنين
ما زالت أصداء قرار وزير حرب الاحتلال يسرائيل كاتس بوقف سياسة الاعتقالات الادارية ضد المستوطنين اليهود بالضفة الغربية تتردد في الأوساط الإسرائيلية، باعتبار ان القرار من شأنه المسّ بأمن الاحتلال ذاته، ما يجعل منه خطوة خاطئة، لأنه سيؤدي حتماً لسفك الدماء بين اليهود أنفسهم، وليس بين الفلسطينيين فقط.
دفير كاريب، المسئول الميداني السابق في جهاز الأمن العام- الشاباك، والمكلف بملف "فتيان التلال"، وهم عصابة المستوطنين في الضفة الغربية، أكد أن "قرار كاتس المفاجئ هو إثبات جديد لمن اتهمه بأنه لا يفهم الأمن، وكان من الخطورة استبداله بالوزير المقال يوآف غالانت، ذو الخبرة الأمنية الطويلة، لأنه لم يمر أسبوع واحد على تعيينه، حتى أثبت كاتس فعلا أن المخاوف من تعيينه كانت مبررة، لاسيما عقب إعلانه عن انتهاء الاعتقالات الإدارية للمستوطنين اليهود في الضفة الغربية".
وأضاف في مقال نشره موقع ويللا، وترجمته "عربي21" أن "ترجمة قرار كاتس العملية تعني أن يقول لا للشاباك الذي اعتمد سياسة الاعتقال الإداري ضد المستوطنين العنيفين باعتبارها أداة ردع، وليس عقابا، بل أداة لمنع الإرهاب اليهودي، مع العلم ان الشاباك كثيراً ما يستخدم هذه الأداة ضد الفلسطينيين، حيث يتم اعتقال الآلاف منهم إدارياً كل عام، رغم أنه يجب تجنب استخدام هذه الأداة القاسية قدر الإمكان ضدهم، لأنها تنتهك حقوق الإنسان، وتمنع الإجراءات القانونية الواجبة".
وأوضح أنه "يتم استخدام الاعتقال الاداري ضد المستوطنين العنيفين بأعداد صغيرة للغاية، فبين عامي 2016-2022، وقعت حالة اعتقال إداري واحدة كل عام فقط، وبين أعوام 2022-2024 زادت الأعداد الى 5 و13 و16 على التوالي، وفي بعض الأحيان يتم استخدامه في ظل شرطين: الأول فحص البدائل المحتملة الأخرى، والثاني مدى عدم غموض المواد الاستخباراتية، وبعبارة أخرى، ما إذا كان المستوطن المحتجز يستأنف، والمحكمة العليا تدرس بعمق بناءً على المواد الاستخباراتية، فهل ستوافق على الاعتقال أم تأمر بالإفراج عنه".
وأكد أن "سياسة الاعتقال الاداري ضد المستوطنين تتعلق بفئة متطرفة منهم لا تنام أبداً، مما يستدعي من الشاباك تنفيذ هذه الاعتقالات بحقهم بغرض الردع، مع احتمال كبير أن تكون منعت تنفيذ سلسلة من عمليات الإرهاب اليهودي، لأن التجربة تظهر أن مثل هذه العمليات تؤدي في النهاية لسفك الدم اليهودي، وهي معلومات يحوزها الشاباك، والوقائع تثبت ذلك".
وأشار إلى أن "سبب الزيادة في عدد الاعتقالات الإدارية ضد المستوطنين اليهود يعود للتحسن في نوعية استخبارات الشاباك، مما يؤدي لمعلومات أكثر جودة، وتؤدي لإجراءات مضادة، وتدعم الأساس الاستخباراتي لإعداد المواد الخاصة بملفات الاعتقال الإداري، مع العلم أن الحرب الدائرة في غزة دفعت "فتيان التلال" لزيادة معدل إرهابهم الذي يخططون له ضد الفلسطينيين، ورغم ذلك فإن حقيقة أن الحكومة الحالية يمينية صرفة فإنها ستعمل على عدم التعرض لهم".
وحذر أن "قرار كاتس بإلغاء الاعتقالات الادارية بحق المستوطنين العنيفين يعني تشجيع المزيد منهم، وإعطائهم حافزاً للتصرف بعنف، اعتقاداً منهم بأنهم لن يعاملوا بقسوة، مما يجعل من هذا الإعلان غير مسؤول وخطير على أمن الاحتلال ذاته، لاسيما وأنه اتخذ بدون طلب من الشاباك لفهم المعطيات والبدائل بشكل معمق، ومن غير المرجح أنه في مثل هذا الوقت القصير منذ تعيينه قد تمكن من النظر في البيانات بجدية".
وجزم بالقول إنه "من المؤكد أن دوافع كاتس لم تكن أمنية، وقد تكون نتيجة هذه الخطوة المتسرعة بعيدة المدى، حيث لا يشعر "فتيان التلال" بالاستياء من قادة معسكرهم الذين لا يدينون أعمالهم الإرهابية، بل إنهم يعرفون الآن أنه إذا تم القبض عليهم للاستجواب، وظلوا صامتين في التحقيق، فسيتم إطلاق سراحهم، ولن يتم احتجازهم، وبالتالي فسيبقى حراً لإلحاق الأذى بالدولة ذاتها، أي أننا سندفع بالدماء اليهودية ثمن الخطأ الذي ارتكبه كاتس، وليس بالدماء الفلسطينية فقط".