لقد كانت مصر منذ الًاف السنين هى سله غذاء الأمبراطورية الرومانية ،وكانت مصر على رأس الدول التى تنتج من أرضها ذهبًا أبيض (القطن المصرى طويل التيله) ،ولعل هذا المنتج المصرى الفريد المتميز عالمياَ، كان من أحد أسباب أطماع الدول الإستعمارية القديمة ،وكان أيضًا أحد أهم أسباب غزو مصر عام 1882 ولعل المتحف الزراعى فى "الدقى" هو خير دليل على كنوز مصر من أرضها ومن بيئتها الطيبه ،وحينما تدهورت الأحوال وخاصه بعد هزيمه يونيو 1967  ، وتوقف كل مؤشرات النمو الاقتصادى بكل عناصره، وإهتممنا بإعادة بناء القوات المسلحه المصرية حتى قرار "مصر" بإعادة الكرامه والعزه وإسترداد الأرض فى أكتوبر1973ولم نستطع ونحن نرفع شعار(يد تبنى ويد تحمل السلاح) أن نعيد لمصر شبابها.


إلا أننا فى يونيو 2013 ومنذ أن إستطاعت "مصر" شعبًا وجيشًا أن يستردوا الهوية المصرية وبإرادة حديدية يتُخَذْ القرار السياسى الحاسم، والقرار الحاسم بأن "مصر" 
(أم الدنيا) ويجب ان تكون.
وهنا يجب أن نرنوا ببصرنا كقيادة سياسية وحكومة، وشعب (مثقفيه ومهنييه وعماله) بأن نستفيد بما لدينا من رصيد من التجارب التراكمية ولا يجب إهمالها، ونسعى لإجراء تجارب جديدة فى مجالات سبقتنا إليه كثير من دول العالم التى تقدمت علينا سواء فى مجال العلم أو التعليم أو الإدارة أو حتى فى مجال الرياضة والألعاب وفى ساحات المدارس والجامعات

 


إن تراكم التجارب هو رصيد للأمة لا يجب أبدًا تجاهله ولا يمكن أبدًا أن تتعامل معه على أنه (رجس من عمل الشيطان ) لأن التجربة غير مقيدة بأسمائنا وأسماء والدينا رحمهما الله!

وإذا جاز هذا التصرف بين أفراد الأسرة أو أولاد الأشقاء وأولاد العم فلا يجوز أبدًا إجرائها فى الوطن وفيما يخص الشعب صاحب الحق الوحيد فى التراكم العلمى والإقتصادى والإجتماعى !! إن تراكم التجارب هى أصل من أصول هذا الوطن يجب التمسك به وتنقيته من الشوائب وإعلاء القيمة المضافة فيه !!
إن تجاربنا فى الزراعة والصناعة يجب أن تكون نبراس لحياتنا المعاصرة وأن نتعلم من أخطائنا ولعلنا ونحن نواجه أزمة عالمية فى توفير الغذاء والطاقة وتجربتنا بأن نزرع محاصيل ذات قيمة سعرية عالية مثل الكنتالوب والفواكه والخضراوات لكى نشترى بناتج بيعها محاصيل أقل سعرًا فى العالم مثل القمح والذرة والشعير والعدس والفول هذه النظرية قد "إضمحلت"، وقد إنتهت جدواها الإقتصادية حيث تحول العالم الأول من مستورد للطاقة النمطية 
( بترول وغاز) إلى منتج "للطاقة الحيوية" بإستخدام المحاصيل الزراعية فى إستخراجها ورغم عدم إنسانية هذا الإتجاه إلا أن أكبر الدول فى العالم قوة وإقتصاد متمسكين بهذا الإتجاه، ولعل ما ظهر فى مؤتمر (الفاو) فى روما منذ عدة أعوام مضت والذى حضره أكثر من أربعين رئيس دولة، قد أظهرت إجتماعات تلك المنظمة بأن لا سبيل أمامنا كإحدى الدول المستوردة للغذاء إلا طريق واحد وهو الإعتماد على الذات فى إنتاج إحتياجاتنا وهنا لا بد من الرجوع إلى الخبرات التراكمية المصرية فى الزراعة، ولا بد من تحسين سبل الرى والترشيد فى المياه وتحويل أراضينا إلى صوامع غلال الأمة المصرية وليست الأمة الرومانية كما كان فى العصور الوسطى !!
لا بد من إستخدام تجاربنا وتراكمها فى الطاقة وترشيد إستهلاكنا، ولعلنا نتذكر أوربا إبان حرب 73 حينما أوقفوا "سير السيارات" لمدة يومين فى الإسبوع والعودة لركوب الخيل، والبهائم والدراجات الهوائية بغير محركات حتى يوفروا فى إستنفاذ الطاقة (بنزين ومحروقات). ولعل مشروع المليون ونصف فدان أو ما يعرف (بمستقبل مصر) والذى أطلقه الرئيس "عبد الفتاح السيسى) هى مبادرة حقيقية أمام هذا الطوفان القادم إلينا عبر تغيير نمط العالم المتقدم، فى إستخداماته للطاقة النظيفة خاصة بعد تلك التغييرات المناخية الرهيبة التى شاهدناها فى أرجاء الكوكب، من حرائق غابات إلى سيول إلى "تسونامى" وكلها نتيجة العبث فى البيئة فى ارجاء العالم.
أ.د/حماد عبد الله حماد
[email protected]

المصدر: بوابة الفجر

إقرأ أيضاً:

تاريخ الغطرسة

قد تكون الصدفة وحدها هي من قادني إلى قراءة كتاب " تاريخ الغطرسة: هل تعرف مع من تتحدث" لمؤلفه آري تورنين وترجمة سمر منير، وهو يتقاطع مع أفعال الغطرسة الإسرائيلية التي تنتهجها في فلسطين ولبنان من اغتيالات واجتياحات وقتل وتنكيل وتدمير للبنى الأساسية وحرق لكل ما هو أخضر في العالم. من يقرأ الكتاب ويتعمق فيه يفهم حقًا كيف يصنع المتغطرس ومن يصنعه وطرق ممارسته لغطرسته ونهايته المتوقعة بسبب ممارسته لغطرسته على الآخرين من الشعوب والدول.

لست بصدد تلخيص الكتاب فأنا لا أزال في منتصف الطريق، لكن ما شدني فيه تطرق كاتبه منذ البداية إلى سرد الأحداث التاريخية للأمم والشعوب التي مارست غطرستها وجبروتها وأيدلوجياتها ودياناتها وقيمها على الآخرين في محاولة منها لطمس هويات الدول التي احتلتها أو الدول المجاورة لها ويدلل على ذلك بأمثلة من الحضارات القديمة التي انتهجت مسلك الغطرسة في تعاملها مع الممالك والحضارات الأخرى مثل الحضارة المصرية وحضارة بلاد ما بين النهرين والحضارة الرومانية واليونانية مرورا بالتاريخ الحديث الذي شهد ويشهد مرور قادة متغطرسين قادوا دولهم إلى ويلات الحروب والدمار بسبب ما وصلوا إليه من صلف واعتداد بالرأي وعدم استماع إلى آراء الآخرين وهذا ما أدّى في النهاية إلى انهيار لتلك الدول وانهزامها في كثير من المعارك والحروب من أمثال هتلر الذي تجسدت غطرسته في إيمانه بتفوق العرق الآري وسعيه للسيطرة على العالم، وأيضا إمبراطور فرنسا نابليون بونابرت الذي دفعه طموحه إلى شن حروب توسعية جعلته رمزًا للغطرسة والاستبداد، كما يعدد المؤلف بعض القادة المتغطرسين من أمثال موسوليني وستالين.

الكاتب في كتابه الجميل هذا لا يقتصر على سرد الأمثلة عن القادة المتغطرسين ممن قادتهم غطرستهم إلى الهاوية بل يفند أيضا غطرسة الشركات والمؤسسات والرؤساء التنفيذين الذين قادتهم غطرستهم إلى اتخاذ قرارات كارثية مثل قضية شركتي إنرون ونوكيا الفنلديتين حيث أدى الغرور وغطرسة المديرين التنفيذيين فيهما إلى انهيار الشركتين، ومثال آخر يذكره الكتاب هو فضيحة إفلاس بنك ليمان براذرز حين ساهمت غطرسة قادته وعدم استماعهم إلى الكثير من التحذيرات بشأن الأزمة المالية إلى إفلاس البنك في العام 2008م.

قراءة مثل هذه الكتب والتي يمكن أن أسميها شخصيًا بأنها تفتح آفاقًا رحبة لفهم التاريخ والسياسة والجغرافيا وحتى الاقتصاد ويمكن من خلالها فهم الماضي والحاضر والتنبؤ بما يمكن أن يكون عليه المستقبل؛ لأن التاريخ كما يقال كالعجلة الدائرة تتكرر أحداثها بين فينة وأخرى وتتشابه أحداثها في البدايات والنهايات، وكما قلت سابقًا في مطلع هذه الزاوية إن الغطرسة الإسرائيلية التي تمارسها واعتدادها بنفسها وقوتها وآلتها العسكرية وتجاهلها لقرارات الشرعية الدولية واتفاقيات الأمم المتحدة وإصرارها على التوسع وفرض واقع ديموغرافي جديد على المشهد العربي الحالي لهو دليل على غطرستها التي تعتقد بأنها لن يمكن هزيمتها من أي أحد كان، وأن العالم كله بات تحت طوعها وإرادتها، ولكن من يتمعن في الحياة ويقرأ في تاريخ العالم وجغرافيته ليجد أن نهايات الغطرسة متشابهة ونهايات المتغطرسين هي إلى نفس المآل وأن نهاياتهم واحدة هي السقوط سواء أطال الزمن بالمتغطرس أم قصر فمصيره محتوم.

قد لا يعي المتغطرس أو المتغطرسون جمعا كانوا أم فرادى أن أفعالهم التي يمارسونها هي من باب الغرور والغطرسة؛ لأن بطانتهم القريبة منهم هي من يزيّن لهم أعمالهم ويوهمونهم بأن أفعالهم هي أفعال محمودة يجب القيام بها من دون أية حسابات للعواقب، وكما يعلمنا التاريخ وهذا الكتاب من أن قلة قليلة هي من استفادت من هذه الدروس وانتهبت لها، وأن الغطرسة قد تكون هي الطريق الأسرع إلى السقوط.

عبدالله الشعيلي رئيس تحرير جريدة «عُمان أوبزيرفر»

مقالات مشابهة

  • د.حماد عبدالله يكتب: "قدرات" مصر المتنامية!!
  • تاريخ الغطرسة
  • اجتياح لبنان يشتعل.. وصمت العالم يكتب فصولاً من عدم المبالاة
  • بالأرقام.. أبرز الدول الأفريقية المستقبلة للصادرات المصرية خلال 2023
  • د.حماد عبدالله يكتب: وزارة للأقاليم الإقتصادية !!
  • محمد كركوتي يكتب: الديون تتراجع والقلق باق
  • د.حماد عبدالله يكتب: فى سبيلنا للتنمية المستدامة فى مصر !!
  • اليمن والسودان والمغرب أكثر الدول استيرادا للسلع الغذائية المصرية خلال أسبوع
  • اليمن والسودان والمغرب والسعودية أكبر الدول المستقبلة للصادرات المصرية
  • د.حماد عبدالله يكتب: "الإقتصاد الجزئى " هو سبيلنا للتنمية المستدامة !!