16 مايو، 2024
بغداد/المسلة الحدث:
رياض الفرطوسي
الحاشية ام البطانة مفردات متداولة على مستوى الشارع.. القران الكريم اشار للتسمية في اكثر من موضع (ياأيها الذين آمنوا لا تتخذوا بطانة من دونكم لا يألونكم خبالا ودوا ما عنتم قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر قد بينا لكم الآيات إن كنتم تعقلون) الاية 118 من سورة ال عمران.
عادة ما يختار المسؤول عددا من كبار معاونيه ومستشاريه وحوارييه وهم من الاصدقاء والاقرباء والاصهار يحدد اختيارهم على اساس الولاء وليس على اساس الامانة والنزاهة والكفاءة والخبرة وحسن السلوك.. من الصفات المشاعة عن البطانة هي اللباقة المزيفة والنفاق ومحاربة اي ناجح واخفاء الحقائق.
تنتزع البطانة نفوذها لقرابة صاحب القرار والحاكم ولا تستغرب ان تجد بعض الحاشية يقومون بإخفاء الأوامر الادارية والقرارات ويسمحون لانفسهم بعقد الصفقات واستباحة المال العام من دون مبالاة او تنصل.. معظم هؤلاء يتظاهرون بالامانة والائتمان والتدين في حين ان القران يخاطبهم (لا ينال عهدي الظالمين).. قد يصبح الحلاق مديرا عاما ‘وسمسار عقارات وكيل وزارة‘ وحدقجي مسؤولا للحماية ‘ وصاحب بقالية مدير مكتب وزير‘ وبائع اطارات محللا سياسيا ورئيسا لجامعة. في الكثير من الاحيان يضع المسؤول حاشيته وبطانته فوق مصالح الناس والوطن. اي احتجاج او نقد للحاشية يعتبر خطيئة كبرى قد يتعرض صاحبها الى قطع رزقه وربما قطع رقبته ومحاربته بكل الوسائل الناعمة والخشنة.
وبمقدار اهمية الحاشية للمسؤول في تسيير اموره وواجباته ممكن ان تكون بنفس الوقت عبئا ثقيلا على المسؤول خاصة اذا اصبحت ذات سمعة سيئة وقوة فعالة لتحقيق غاياتها من خلال قلب الحقائق وتزييفها في سبيل ان تكون كل قرارات المسؤول لصالحها . الكثير من هؤلاء يحاولون ايقاع المسؤول بالاخطاء للسيطرة على قراراته.
وللحاشية صراعاتها ومشاحناتها وبغضائها ودسائسها وراء الابواب المغلقة وكثيرا ما تنتهي هذه المؤامرات بتصفية حسابات عبر الاقصاء والتهم الجاهزة.. ما اكثر الحالات التي نشاهد فيها تضخم الحاشية بحيث تصبح قوة فاعلة توازي قوة المسؤول نفسه من حيث ادارتها لمفاصل المؤسسات سواء كان ذلك بأمر المسؤول ام بدون اوامره ولا تتوقف الخطورة عند هذا الامر بل الاخطر ان يتستر المسؤول على بطانته وحاشيته ويداري على تجاوزاتهم وفسادهم ويبرره (طواعية ام اضطرارا) لانهم سفينته وسلاحه الذي يواجه به الخصوم والاعداء والطامعين.
نادرا ما تعطى فرصة الى وجود المخلص والكفوء والثقة وسط المحسوبيات والشلليات بين عناصر الحاشية.. لذلك في نهاية الامر نرى ان المسؤول يفشل بسبب ما تصله من صورة كاذبة واوهام غير حقيقية وتعظيم انجازات لا وجود لها.. ولان الكذب يحتاج الى طاقة تجد ان البطانة منهكة من دون وجود عمل شاق لان تبديل الوجوه واساليب التحايل بشكل مستمر تجعلهم عبارة عن انقاض لذلك يحرصون دائما على التظاهر بالاتزان والتماسك والرصانة والاناقة المفرطة لاخفاء الرذائل الداخلية.
ان الحاشية والبطانة هي من اسقطت هتلر والرئيس الروماني تشاوشيسكو والقذافي وزين العابدين بن علي وحسني مبارك وصدام ‘ والاخير رغم كل احترازاته الامنية حول مرافقيه وحراسه وحاشيته الا انه في نهاية المطاف من وشى به للامريكان احد ابناء عمومته حيث ارشدهم الى مكانه الامن وهو جحر ضيق داخل الارض.. حين تتجبر البطانة وتتضخم ذاتها وينعدم ضميرها المنبه وتتكبر ويتعالى شأنها وتستعرض بدهائها المسرحي وتمثيلها امام الجمهور وتتباهى بفسادها بشكل علني ستكون هي السبب في اسقاط الحاكم والمسؤول وتلقي به تحت اقدام الفقراء والغاضبين في نهاية الامر.
المسلة – متابعة – وكالات
النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لايعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.
المصدر: المسلة
إقرأ أيضاً:
كابوس يناير الذي لا ينتهي
رغم مرور 14 عاما على ثورة 25 يناير (كانون الثاني) المصرية إلا أن كابوسها بالنسبة لخصومها لا يزال قائما، يقض مضاجعهم، وينكد معيشتهم، ما يدفعهم لمحاولة محوها من الذاكرة الوطنية، وفي الطريق إلى هذا المحو يتم تشويهها، وإلصاق كل أزمات الشعب المصري بها على غير الحقيقة، وعلى خلاف الدستور الذي لا يزال يتحدث عنها بتقدير وإجلال، واعتبار ذكراها يوم عطلة رسمية.
وحتى هذه العطلة السنوية بمناسبة ذكرى ثورة يناير عادت أذرع النظام الإعلامية لاعتبارها عطلة بمناسبة عيد الشرطة، وليس ثورة يناير (بالمخالفة مجددا للدستور والقانون). وللتذكير هنا فقد كان يوم 25 يناير 1952 معركة بطولية للشرطة المصرية في الإسماعيلية في مواجهة الاحتلال الانجليزي الذي طالبها بتسليم سلاحها، لكنها رفضت وقدمت 50 شهيدا، وصار هذا اليوم هو العيد السنوي للشرطة، وقد انطلقت فيه أولى مظاهرات الثورة المصرية عام 2011 كاحتجاج على تجاوزات الشرطة، ثم صار هذا اليوم بعد ثورة يناير ذكرى لانطلاق الثورة.
تشويه يناير التي يكرمها الدستور يجري من أعلى رأس في السلطة، وهو السيسي الذي كرر اتهاماته للثورة بالتسبب في الأزمات التي يعاني منها المصريون، كما تعهد أكثر من مرة بعدم سماحه بتكرار تلك الثورة مجددا، رغم أنه لولا هذه الثورة لبقي في الخفاء لا يعرفه أحد وفي أقصى تقدير كان يمكن أن يكون محافظا لمحافظة حدودية.
تشويه يناير التي يكرمها الدستور يجري من أعلى رأس في السلطة، وهو السيسي الذي كرر اتهاماته للثورة بالتسبب في الأزمات التي يعاني منها المصريون، كما تعهد أكثر من مرة بعدم سماحه بتكرار تلك الثورة مجددا، رغم أنه لولا هذه الثورة لبقي في الخفاء لا يعرفه أحد وفي أقصى تقدير كان يمكن أن يكون محافظا لمحافظة حدودية
تتزامن ذكرى يناير هذا العام مع عدة أحداث مهمة داخليا وخارجيا، تزيد من درجة مخاوف النظام، فهي تأتي عقب انتصار الثورة السورية بعد مخاض عسير، استمر 13 عاما، لكنها نجحت في نهاية المطاف في الإطاحة بنظام الأسد، وبجيشه وشرطته، وحزبه، ومليشياته، وداعميه الإقليميين، وفتحت أبواب الأمل أمام شقيقاتها المتعثرات من ثورات الربيع العربي التي تعرضت لضربات الثورة المضادة، وعلى رأسها الثورة المصرية. فسقوط نظام بشار وهو أعتى من نظام السيسي يعطي رسالة بأن سقوط النظام المصري أيضا ليس مستحيلا.
أما المتغير الثاني فهو انتهاء حرب غزة، مع فشل جيش الاحتلال الإسرائيلي وكل داعميه في القضاء على المقاومة، وخاصة حركة حماس التي تمثل امتدادا لجماعة الإخوان الخصم الأبرز لنظام السيسي، والتي مثل صمودها في المعركة رغم تكالب الجميع عليها إقليميا ودوليا إلهاما لكل المناضلين من أجل الحرية.
أما الأمر الثالث المهم فهو تصاعد الغضب الشعبي داخل مصر بسبب تزايد الأزمات المعيشية، مع ارتفاع الأسعار، وتراجع قيمة الجنيه، وتصاعد أزمة الديون المحلية والدولية إلخ.
وقبل أيام من حلول ذكرى يناير تصاعدت دعوات التغيير، وهي تتراوح بين 3 أشكال، منها دعوات إصلاح جزئي من أحزاب داخل مصر، ودعوات للتغيير السياسي السلمي تصدر أيضا من قوى داخل وخارج مصر، وأخيرا دعوة للتغيير المسلح أعلنها أحد المصريين من دمشق، الذي كان يضع سلاحه أمامه على الطاولة، وبجواره بعض الملثمين، ورغم أنني شخصيا ضد التغيير المسلح، والذي لا يصلح أساسا مع الوضع في مصر، ورغم أن السلطات السورية اعتقلت صاحب الدعوة (أحمد المنصور) ورفاقه، إلا أن حالة الهلع لا تزال قائمة لدى النظام المصري وأذرعه، وهو يستغل هذه الدعوة في الوقت نفسه لبث الرعب في نفوس المصريين، ولثنيهم عن مطلب التغيير أو حتى الإصلاح الجزئي.
لكن أصواتا أخرى أكثر تشددا وأكثر نفاذا ترى أن أي تنفيس مهما قلت درجته كفيل بفتح الباب للانفجار الشعبي، ويتبنى هذا الرأي تحديدا جهاز الأمن الوطني، الذي يحتفظ بثأر بايت مع ثورة يناير نظرا لما تعرض له بعدها. وهذا الرأي هو الأكثر قبولا لدى السيسي، لأنه يخاطب دوما مخاوفه، لكن هذا الرأي والذي يقود سياسات القمع والتشدد حاليا سيكون هو السبب في الانفجار الشعبي
في مواجهة مطالب التغيير أو حتى الإصلاح الجزئي، حرص النظام على تشديد قبضته القمعية كرسالة أنه لا يخشى هذه الدعوات، وأنه سيواجهها بكل حزم، وشنت الشرطة المصرية حملة اعتقالات جديدة في العديد من الأماكن، شملت أيضا الكثيرين ممن سبق اعتقالهم، كما ألقت الشرطة مؤخرا القبض على زوجة أحد الصحفيين المعتقلين، وعلى إعلامي أجرى معها حوارا صحفيا في موقع الكتروني، ورغم أنها أخلت بكفالة مالية كبيرة سبيل السيدة (ندى مغيث زوجة الصحفي أشرف عمر) إلا أنها أبقت الإعلامي أحمد سراج قيد الحبس الاحتياطي بسبب إجراء ذلك الحوار الصحفي، كما أحالت السلطات الناشر هشام قاسم مجددا للتحقيق في تهم سبق محاكمته وحبسه بسببها.
رغم محاولات القمع إلا أن دعوات التغيير لا تزال متصاعدة من داخل مصر، حيث طالبت عدة أحزاب وقوى سياسية بالتغيير السلمي تجنبا لفوضى متوقعة يدفع ثمنها الوطن كله، وتضمنت مطالب التغيير حتى الآن الدعوة إلى إجراء انتخابات تنافسية حقيقية رئاسية وبرلمانية نزيهة، تحت إشراف قضائي كامل وتحت رقابة حقوقية دولية، وتحرير الإعلام من قبضة الأجهزة الأمنية، والإفراج عن المعتقلين السياسيين.
داخل المنظومة الأمنية للنظام أصوات تدعو لقدر من التنفيس بهدف إطالة عمر النظام، وهي تستند إلى تجربة مبارك الذي سمح بقدر قليل من الإصلاحات مكنته من الحكم لمدة ثلاثين عاما، لكن أصواتا أخرى أكثر تشددا وأكثر نفاذا ترى أن أي تنفيس مهما قلت درجته كفيل بفتح الباب للانفجار الشعبي، ويتبنى هذا الرأي تحديدا جهاز الأمن الوطني، الذي يحتفظ بثأر بايت مع ثورة يناير نظرا لما تعرض له بعدها. وهذا الرأي هو الأكثر قبولا لدى السيسي، لأنه يخاطب دوما مخاوفه، لكن هذا الرأي والذي يقود سياسات القمع والتشدد حاليا سيكون هو السبب في الانفجار الشعبي، وهو ما سبق ثورة يناير أيضا، رغم أن القمع قبل يناير كان أقل كثيرا مما يجري حاليا، وبالتالي فإن الانفجار قادم طال الزمن أو قصر إذا استمرت هذه السياسات.
x.com/kotbelaraby