لطالما عملت إيران منذ انتهاء الحرب مع العراق على استراتيجية درء وصول الحرب إلى الوطن. وفي شهر أبريل/نيسان الماضي قال قائد البحرية الإيرانية إن العمق الاستراتيجي لإيران بدائرة 5000كم، وهو ما يشمل البحر الأحمر وغرب المحيط الهندي وحتى البحر الأبيض المتوسط ومضيق جبل طارق.
تُبنى استراتيجية طهران في البحر الأحمر بهدف التأثير على الممر الحيوي من المصب في خليج العقبة وحتى خليج عدن، وهو جزء من هدفها بتعزيز موقعها كقوة رئيسية في الشرق الأوسط وأفريقيا (المنطقة الاستراتيجية حيث تتقاطع أطماع الموارد الطبيعية والفوائد في السياسة الدولية)، فتعزز نفوذها الإقليمي وتؤثر في السياسات الدولية.
لطالما كانت القضية الفلسطينية أكثر حضوراً في سياسات المرشد الحالي آية الله على خامنئي، لكن هذه السياسة لا تدور حول مستقبل فلسطين؛ بل حول الحد من النفوذ الإسرائيلي والهيمنة في المنطقة العربية على حسابها. صراع مصالح استراتيجية تتفقان فيها على تجفيف نفوذ القوى العربية من الخليج إلى مصر وبلاد الرافدين؛ لذلك منح غزو العراق 2003م النفوذ لطهران وتل أبيب بتحييد بغداد كقوة إقليمية منشغلة بنفسها تحت الهيمنة الإيرانية، وبقاء “إسرائيل” القوة النووية الوحيدة في المنطقة.
***
منحت هجمات البحر الأحمر حركة الحوثيين مقعداً رئيسياً في طاولة محور المقاومة التابع لإيران، بعد أن اعتقدت الجماعة أنها تُدفع بعيداً منذ اتفاق العاشر من مارس 2023 بين السعودية وإيران برعاية صينية. قدم الحوثيون نفسهم كفاعل رئيسي يمكن لحصولهم على القدرات والتكنولوجيا العسكرية من النظام الإيراني أن يكونوا أفضل من حزب الله في لبنان الذي بنته إيران من الصفر، واعتمدت عليه كمركز إقليمي للنفوذ الإيراني وتأثيره في السياسات الإقليمية. وهو ما يؤكده الحوثيون منذ بدء هجماتهم في البحر الأحمر في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.
وعلى الرغم من اعتماد طهران على محور المقاومة لإبقاء خصومها منشغلين والحفاظ على الوطن الإيراني آمناً من أي رد فعل سلبي، إلا أنها منذ نوفمبر/تشرين الثاني الماضي باتت أكثر ثقة في إرسال قواتها وبحريتها إلى خارج الحدود، بما في ذلك حاملة طائرات مسيّرة إلى غرب المحيط الهندي، وسفن حربية إلى البحر الأحمر. وهو انعكاس لتغير حاد في ديناميكية القوة الذي شعرت به منذ الغزو الروسي لأوكرانيا، فلم تعد إيران تجد نفسها معزولة، وأصبحت تروج بشكل واسع إلى عالم متعدد الأقطاب تستعد لحجز مكان فيه؛ مع دخولها فجأة في تحالف من نوع ما مع كل من روسيا والصين اللتين تملكان حق نقض قرارات مجلس الأمن. وساهمت الانقلابات العسكرية في أفريقيا على القوى الاستعمارية الغربية في إيجاد موطئ قدم لإيران في معظم دول الساحل والقرن الأفريقي؛ مستخدمة دعايتها بدعم الحوثيين لمواجهة القوى الاستعمارية في البحر الأحمر، واستعراض أسلحتها في هزيمة -إلى حد ما- الولايات المتحدة وبريطانيا على يد الحوثيين كمصنع سلاح متقدم بإمكانه ردع محاولات العودة الإستعمارية إلى مناطقهم. وبالفعل أبدت مالي والنيجر اهتماماً بالأسلحة الإيرانية وفي مقدمتها طائرات “شاهد” المسيّرة التي تستخدمها روسيا في أوكرانيا.
يمنح الحوثيون في البحر الأحمر الإيرانيين امتيازاً بإبعاد التوتر عن المياه القريبة من بلادهم، فبدلاً من عمليات الحرس الثوري في مضيق هرمز لإرسال الرسائل للخصوم والضغط لتجاوز العقوبات الغرب ما يسبب إثارة غضب المنطقة خاصة بعد اتفاق العاشر من مارس يمكن للإيرانيين نقل الهجمات إلى مضيق باب المندب. ويوفر تبني الحوثيين لهجمات متعددة فرصة لإيران لإنكار ارتباطها باستهداف الملاحة الدولية، وفي الوقت ذاته تتمكن من إرسال رسائلها؛ ففي مارس/آذار بعد أيام من إعلان الحوثيين توسيع عملياتهم إلى السفن في البحر الأحمر والتي تعبر المحيط الهندي أصدرت طهران تحذيراً كرد فعل على الإجراءات الأمريكية لفرض عقوباتها على قطاع الطاقة الإيراني: “إذا تم الاستيلاء على نفطنا وناقلاتنا في أي مكان في العالم، فسنرد بالمثل”.
***
كان الرد الإيراني على “إسرائيل” في أبريل/نيسان الماضي الأول من نوعه الذي وجهه الحرس الثوري بشكل مباشر على “إسرائيل” بعد عقود من حرب الظل. وهو صراع بين استراتجيات تتفق على الحد من هيمنة القوى العربية، تهدف طهران لأن تكون القوة المهيمنة في المنطقة، وتسعى “إسرائيل” لإبقاء نفسها القوة النووية الوحيدة بمنع إيران من الوصول إلى القنبلة. ويتفق الاستراتيجيون في طهران وتل أبيب وواشنطن على منع نشوب حرب مباشرة بينهم، لذلك كان رد الحرس الثوري على مقتل قادته في سوريا مدروساً ومحسوباً بدقة لمنع حدوثها، وكان الرد الاسرائيلي كذلك. لكنه كان في نفس الوقت استعراضاً إيرانياً للقوة مرّ من فوق دول المنطقة وشارك فيه وكلاؤها في “محور المقاومة”؛ في رسالة واضحة لا يُعتقد أن سياسيي دول الخليج ومصر والأردن لم يتنبهوا لها.
طوال سنوات وجوده مرشداً أعلى بنى خامنئي سمعته كصانع سياسات محترف بسبب سياساته القائمة على “الصبر الاستراتيجي”؛ أي تفادي الصراع المباشر مع الولايات المتحدة و”إسرائيل”، والعمل على بناء ميليشيات وكيلة في لبنان والعراق وسوريا واليمن فيما يعرف بـ”محور المقاومة”. مع ذلك فإن الخروج من حرب الظل، يجعل المنطقة على شفا حرب إقليمية، إذا فشلت الطرق في احتوائها، وقد تكون استراتيجية إيران المعتمدة على محور المقاومة لإبعاد خطر الحرب المباشرة عن الوطن سبباً لوصولها.
نجح رهان قاسم سليماني على الحوثيين وتمكين أجندة إيران في البحر الأحمر ووضع المملكة العربية السعودية تحت الضغط، لكن درجة تزايد التوتر الإقليمي يمكن أن يعيد تغيير العلاقة بين طهران والحوثيين إذا ما تصاعد الوضع في البحر الأحمر لتهديد وصول الحرب إلى الأراضي الإيرانية. سيكون النظام في طهران وقتها محاصراً في الزاوية: إما ترك الحوثيين لمصيرهم وفقدان ما حصدوه في المنطقة وفي أفريقيا من دعم “المستضعفين”-حد تعبير السياسة الإيرانية- أو الدخول في حرب مع الغرب؛ وهو مآل لا يرغب الإيرانيون في الوصول إليه.
ودائماً ما يقول الإيرانيون إن الحوثيين خارج سيطرتهم السياسية والعسكرية، ويبدو أيضاً أن الميليشيات العراقية التي قتلت جنوداً أمريكيين تجاوزت الخطوط الحمر الإيرانية أيضاً. وهو ما يعني إخلالاً في التوازن الذي فرضته إيران منذ عقود بوضع الخصوم تحت الضغط دون الإخلال بالخطوط الحمراء المرسومة. وهو ما يجعل الأمن القومي الإيراني مهدداً بأفعال الأدوات أكثر من أخطاء الساسة الإيرانيين.
إن وجود محور إيراني جامح خارج السيطرة، يضرّ استراتيجية خامنئي ويعرض بلاده للخطر، وهو ما سيؤدي إلى ارتفاع الأصوات -داخل النظام- التي تهاجم خيارات خامنئي كما يقول محمد علي سبحاني (السفير السابق في لبنان وسوريا) في وسيلة إعلامية إيرانية، إن “السياسة الخارجية العدوانية” لإيران منعت البلاد من “لعب دور إيجابي في التطورات الإقليمية”.
***
تغيّر عمليات السابع من أكتوبر/تشرين الأول في غزة، دناميكيات المنطقة. ومن المؤكد أن خارطة إقليمية آخذة بالظهور على وقع اليد الأمريكية والغربية المرتعشة الداعمة للإبادة الجماعية التي يرتكبها الاحتلال، وتحقق إيران نقاطاً أكبر في المنطقة لكنه في النفس الوقت يختبر إيران وخيارات خامنئي التي تمنع وصول الحرب إلى الوطن. وإذا كان هناك شيء واحد نشاهده منذ يوم السابع من أكتوبر المجيد فهو أن حدثاً واحداً يمكنه أن يغير الكثير بما فيها اقتراب الحرب الإقليمية.
يمن مونيتور15 مايو، 2024 شاركها فيسبوك تويتر واتساب تيلقرام الرئيس اليمني يصل البحرين مقالات ذات صلة الرئيس اليمني يصل البحرين 15 مايو، 2024 بريطانيا تعد بزيادة 60% لمساعدة اليمن 15 مايو، 2024 آبل تطلق تحديثا جديدا يمنح هواتف آيفون ميزات إضافية 15 مايو، 2024 الأرصاد اليمني يتوقع هطول أمطار على أجزاء من سواحل حضرموت والمهرة وأرخبيل سقطرى 15 مايو، 2024 اترك تعليقاً إلغاء الرد
لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *
التعليق *
الاسم *
البريد الإلكتروني *
الموقع الإلكتروني
احفظ اسمي، بريدي الإلكتروني، والموقع الإلكتروني في هذا المتصفح لاستخدامها المرة المقبلة في تعليقي.
Δ
شاهد أيضاً إغلاق سقطت عدن بسقوط محافظها جعفر 14 مايو، 2024 الأخبار الرئيسية الرئيس اليمني يصل البحرين 15 مايو، 2024 بريطانيا تعد بزيادة 60% لمساعدة اليمن 15 مايو، 2024 الأرصاد اليمني يتوقع هطول أمطار على أجزاء من سواحل حضرموت والمهرة وأرخبيل سقطرى 15 مايو، 2024 دروس البحر الأحمر.. بريطانيا تتجه لإنتاج سفن حربية بالليزر 15 مايو، 2024 السعودية تؤكد السعي لتحقيق السلام في اليمن 14 مايو، 2024 الأكثر مشاهدة واللاتي تخافون نشوزهن 14 مارس، 2018 التحالف يقول إن نهاية الحوثيين في اليمن باتت وشيكة 26 يوليو، 2019 الحكومة اليمنية تبدي استعدادها بتوفير المشتقات النفطية لمناطق سيطرة الحوثيين وبأسعار أقل 12 أكتوبر، 2019 (تحقيق حصري) كيف تحوّلت مؤسسات صنعاء إلى “فقَّاسة صراع” الأجنحة داخل جماعة الحوثي؟ 29 أغسطس، 2021 مجموعة العشرين تتعهّد توفير “الغذاء الكافي” في مواجهة كورونا 22 أبريل، 2020 اخترنا لكم سقطت عدن بسقوط محافظها جعفر 14 مايو، 2024 الوجه القبيح في المؤامرة 27 أبريل، 2024 وقفة هادئة مع منتقدي الشيخ عبدالمجيد الزنداني 25 أبريل، 2024 رجل التوحيد 23 أبريل، 2024 الزمن لم يمنح المسّاح لحظة إضافية 20 أبريل، 2024 الطقس صنعاء غيوم متفرقة 24 ℃ 24º - 23º 36% 3.41 كيلومتر/ساعة 24℃ الأربعاء 27℃ الخميس 27℃ الجمعة 27℃ السبت 26℃ الأحد تصفح إيضاً إيران والبحر الأحمر وفلسطين 15 مايو، 2024 الرئيس اليمني يصل البحرين 15 مايو، 2024 الأقسام أخبار محلية 26٬550 غير مصنف 24٬158 الأخبار الرئيسية 13٬434 اخترنا لكم 6٬764 عربي ودولي 6٬415 رياضة 2٬198 كأس العالم 2022 72 اقتصاد 2٬109 كتابات خاصة 2٬026 منوعات 1٬907 مجتمع 1٬787 تراجم وتحليلات 1٬616 تقارير 1٬525 صحافة 1٬466 آراء ومواقف 1٬442 ميديا 1٬322 حقوق وحريات 1٬260 فكر وثقافة 860 تفاعل 783 فنون 465 الأرصاد 227 أخبار محلية 119 بورتريه 63 كاريكاتير 29 صورة وخبر 26 اخترنا لكم 13 الرئيسية أخبار تقارير تراجم وتحليلات حقوق وحريات آراء ومواقف مجتمع صحافة كتابات خاصة وسائط من نحن تواصل معنا فن منوعات تفاعل من نحن تواصل معنا فن منوعات تفاعل © حقوق النشر 2024، جميع الحقوق محفوظة | يمن مونيتورفيسبوكتويتريوتيوبتيلقرامملخص الموقع RSS فيسبوك تويتر واتساب تيلقرام زر الذهاب إلى الأعلى إغلاق فيسبوكتويتريوتيوبتيلقرامملخص الموقع RSS البحث عن: أكثر المقالات مشاهدة واللاتي تخافون نشوزهن 14 مارس، 2018 التحالف يقول إن نهاية الحوثيين في اليمن باتت وشيكة 26 يوليو، 2019 الحكومة اليمنية تبدي استعدادها بتوفير المشتقات النفطية لمناطق سيطرة الحوثيين وبأسعار أقل 12 أكتوبر، 2019 (تحقيق حصري) كيف تحوّلت مؤسسات صنعاء إلى “فقَّاسة صراع” الأجنحة داخل جماعة الحوثي؟ 29 أغسطس، 2021 مجموعة العشرين تتعهّد توفير “الغذاء الكافي” في مواجهة كورونا 22 أبريل، 2020 أكثر المقالات تعليقاً 30 ديسمبر، 2023 انفراد- مدمرة صواريخ هندية تظهر قبالة مناطق الحوثيين 21 فبراير، 2024 صور الأقمار الصناعية تكشف بقعة كبيرة من الزيت من سفينة استهدفها الحوثيون 4 سبتمبر، 2022 مؤسسة قطرية تطلق مشروعاً في اليمن لدعم أكثر من 41 ألف شاب وفتاه اقتصاديا 26 فبراير، 2024 معهد أمريكي يقدم “حلا مناسباً” لإنهاء هجمات البحر الأحمر مع فشل الولايات المتحدة في وقف الحوثيين 19 يوليو، 2022 تامر حسني يثير جدل المصريين وسخرية اليمنيين.. هل توجد دور سينما في اليمن! 27 سبتمبر، 2023 “الحوثي” يستفرد بالسلطة كليا في صنعاء ويعلن عن تغييرات لا تشمل شركائه من المؤتمر أخر التعليقات yahya SareeaWhat’s crap junk strategy ! Will continue until Palestine is...
Tarek El Noamanyالله يصلح الاحوال store.divaexpertt.com...
Tarek El Noamanyالله يصلح الاحوال...
Fathi Ali Alfaqeehالهند عندها قوة نووية ماهي كبسة ولا برياني ولا سلته...
راي ااخرما بقى على الخم غير ممعوط الذنب ... لاي مكانه وصلنا يا عرب و...
المصدر: يمن مونيتور
كلمات دلالية: فی البحر الأحمر محور المقاومة فی المنطقة فی الیمن إیران من وهو ما
إقرأ أيضاً:
المبعوث الأمريكي: قيادتنا قلقلة بشأن عزم الحوثيين توجيه ضربة للسفن الحربية الأمريكية في البحر الأحمر
قال المبعوث الأميركي الخاص إلى اليمن تيم ليندركينج يبدو أن الحوثيين عازمون على ضرب السفن الحربية الأميركية والأوروبية كجزء من حملتهم المستمرة للهجمات في البحر الأحمر.
وأضاف ليندركينج في مقابلة مع موقع بيزنس إنسايدر ترجمها للعربية "الموقع بوست" إن قيادتنا كلها قلقة للغاية بشأن تصميم الحوثيين على ضربنا على ما يبدو - ضرب أصدقائنا - في البحر الأحمر، ومثابرتهم في القيام بذلك، وتصميمهم على القيام بما كانوا يفعلونه بشكل أفضل".
وتابع "لقد أسقطنا كل شيء تقريبا أطلقوه في طريقنا". لكن هذا تهديد متطور. وقال إن أحد المخاوف الرئيسية هو أن تحاول روسيا مساعدة الحوثيين، وهو تطور محتمل وصفه بأنه "شيطاني".
وقال ليندركينج إن السفن المتجهة إلى اليمن والتي تحمل إمدادات إنسانية أو تجارية أُجبرت على تحويل مسارها، مما أدى إلى ارتفاع التكاليف في البلاد. وقال: "عدد أقل من السفن ترسو في موانئ اليمن نتيجة لما يفعله الحوثيون".