لجريدة عمان:
2024-11-08@12:46:21 GMT

هل الحرية المتوازنة يرفضها الإسلام؟

تاريخ النشر: 15th, May 2024 GMT

في مقالي الأسبوع المنصرم، الذي حمل عنوان (عندما تُضرب الحرية في أخص خصائصها)، تحدثت عن قضية ما يسمى بعصر الأنوار في القرنين الـ18 والـ19 الميلادي في الغرب، وكيف انبهر بـه بعض العرب والمسلمين ممن درسوا هناك، وسمعوا ما يقال لهم إن الغرب متمسك بالحريات العامة، وبالديمقراطية، وحقوق الإنسان، وإن على كل الإنسانية، أن تقتدي بالغرب في أن تكون كذلك في حياتها وفكرها ورؤيتها، وعلى نفس المسار الذي سار عليه الغرب قولًا وفعلًا.

من هنا حصل لبعض من أبناء جلدتنا، من شباب العرب والمسلمين إكبار للغرب لما هو فيه بالفعل، وأن الغرب نهض نهضة ضخمة في كل مجالات العلوم والتكنولوجيا والمدنية الأخرى، وأصاب البعض من شبابنا -كما أشرنا في المقال الأسبوع الماضي- هزيمة فكرية تجاه الغرب، خاصة أولئك الذين مكثوا طويلًا ودرسوا في الغرب في أوائل القرن الماضي، عندما وجدوا الفارق الكبير، دون أن يراجع الظروف التي حصلت للعالم العربي والإسلامي، وساهم فيه الغرب في تخلفه وتراجعه وقضية الصراع الطويل الذي جرى بين الدول الغربية والدولة العثمانية والتي كانت تمسك بالخلافة الإسلامية آنذاك، وهذا ما جعل بعضهم يطالب أن نعيش مثلما يعيش الغربيون في كل مناحي الحياة، بل إن أحد هؤلاء -وهو أحد الباحثين العرب المعروفين، في الساحة الفكرية العربية- طلب القطيعة التامة والكاملة مع فكرنا العربي الإسلامي، والالتحاق بالغرب، وهذه -للأسف- هزيمة فكرية كما أشرنا، ولا تأتي لنا لا بالتقدم ولا بالنهضة، بل علينا ألّا نقلد الآخر، وإنما علينا أن نبدع من ذاتنا كما أبدع وننهض كما نهض. لذلك على الأمة أن تأخذ من الغرب مناهجه العلمية وأسلوب منطلقه في كيفية حصول هذا النهوض والتقدم، لكن الغرب يريد من كل الأمم أن تقلده فقط فيما سار عليه وأن يبقوا مستهلكين، من أجل يكونوا تابعين لا مبدعين. وفي قضايا الحريات وحقوق الإنسان وحريات التعبير، لم يكن الغرب صادقًا وجادًّا لكل الإنسانية، وهذا ما جرى في قضية فلسطين المحتلة، وغزة وقضايا كثيرة حصلت قبل ذلك، كذلك ما جرى لطلاب الجامعات الغربية عندما عبروا عن انتقادهم لدولهم في تعاطيها مع ما يجري في فلسطين من قتل وإبادة جماعية وتهجير وتجويع إلخ..

والإشكال أن بعض الكتاب العرب وبالأخص الذين تأثروا بفكر التغريب، وتتلمذوا على أيدي بعض المستشرقين، وأخذوا عنهم بعض الآراء التي كانت غير منصفة في كثير مما قالوا، عن أمة العرب وحياتها وتاريخها، ولم تكن عادلة، وهم ممن سبقوا الحملات الاستعمارية لاحتلال الكثير من بلدان العرب، ولهم أبحاث ودراسات منها: الحرية وحقوق للإنسان والفكر والفلسفة ليس لها أثر فعلي في حياة العرب، لكنهم -الكتاب العرب المتأثرون بالحضارة الغربية- يسكتون أو يتجاهلون ما فعله الغربيون في إسبانيا بعد سقوط الحكم العربي الإسلامي، حيث إنهم لم يتركوا مسلمًا يعيش بدينه وقيمه وثقافته، بل فُرضوا على المسلمين، إما التنصر أو القتل أو الطرد من الأندلس، وهو ما يسميه الباحثون الغربيون أنفسهم بـ(محاكم التفتيش)، وهي محاكم واضحة الأهداف من حيث القمع والقهر والاستبداد، إذ تسعى هذه المحاكم لتفتيش الناس واكتشاف عقائدهم وتوجهاتهم الفكرية بالقوة القاهرة. لذلك حُورب المسلمون في إسبانيا حربًا شعواء -ليس هنا مقام السرد والكشف لما جرى للمسلمين في إسبانيا بعد سقوط الحكم العربي الإسلامي- إذ لم يتركوا لهم المجال أن يعيشوا بدينهم وهم ربما بمئات الألوف إن لم يكن بالملايين. وهذا يبرز أن الحرية والاختيار الديني للحضارة المسيحية لم تكن تتاح للآخر المختلف، لكن في المقابل، نرى أن الإسلام عندما ساد العراق ومصر والشام وبلاد فارس وتركيا، لم يرفض أصحاب الديانات الأخرى، لا سيما الديانات التوحيدية: (اليهودية والنصرانية)، فقد أعطاهم حقوقهم في العيش الكريم والاستقرار والبقاء على دينهم، وبقيت معابدهم وكنائسهم موجودة حتى الآن في هذه الدول، وهذا دليل حرية الاختيار، دون فرض أو قصر، وهناك حديث للنبي -عليه السلام- يقول:(من آذى ذميًّا فأنا خصيمه يوم القيامة).

وهذا يدل أن هناك حرية وحقوقًا ضمنها الإسلام لأصحاب الديانات الأخرى، وهذه هي إحدى قيم الحرية، التي يجب أن تكون حقا إنسانيا. وعندما بزغ فجر الإسلام كانت دعوته ناصعة وواضحة في مسألة الحق في الحرية الإنسانية ومنطلقاتها، وفي إعطاء الإنسان الحق في الحرية والكرامة بما أرساه الإسلام من مفاهيم أوجبت هذا الحق لكل بني البشر دون تمييز أو إقصاء، ومنحهم حق الاختيار في الاعتقاد، ولم يُكره أحدًا على اعتناق هذا الدين، وهذا ما تحقق في قوله تعالى: وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَن فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (سورة يونس الآية 99). وهذه القيمة العظيمة التي أرساها الإسلام لحرية الدين، أسهمت في تحرر الفرد من الخوف والشعور بامتهان الكرامة الإنسانية، وأصبح الناس سواسية لا فضل لأحد على أحد إلا بالتقوى، والجهد والعلم والدين.. كما جعل الإسلام الاعتقاد والإيمان خاصًّا بالإنسان واختياره بحريته، دون إجبار أو قهر في أن يعتقد ما يشاء ويؤمن عن بيّنة وإدراك وقناعة.

ومن هنا فإن الإسلام أعلى من شأن حرية الرأي والتعبير في الحدود التي لا تتعدى حرية الآخرين أو المساس بهم دون وجه حق، وكما يقول د.منيب محمد ربيع: الإسلام لم يدخر جهدًا في إعطاء هذه الحرية جل عنايته واهتمامه باعتبارها الوسيلة المثلى لنشر الدعوة وإعلانها وإعلاء شأنها عن طريق تفهم جوانبها ومواجهة الناس بها، يقول تعالى: «وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ» (سورة آل عمران،آية 104).

فحرية الرأي تضمن للإنسان عرض أفكاره على الغير وإقناعهم بها ثم يحمل كل وزره ما دام قد كُشِف له الحق القائم على الدليل. وهذه الحرية مكفولة للجميع من مسلمين وأهل كتاب، ما دامت لا تحمل على الفوضى أو تشير إلى الفساد والإفساد». والإشكال فيما برز من البعض ممن يتحدث عن الحرية، وهو يناقضها، ويستخدم الحرية، استخدامًا مضادًا للحرية نفسها، عندما يعتدي على حرية الآخرين، باسم الحرية، ومنطلقاتها الرائعة وهو ما يحصل في الغرب بعد السابع من أكتوبر الماضي، فهنا لا تستقيم مضامين الحرية في أن تكون عدوانًا على حرية الآخرين، إذا ما أردنا أن نحدد ما الحرية؟ وما محدداتها؟ بل إنها تنعدم مع أننا نرفعها شعارًا مضادًا لهذه القيمة العظيمة في الحياة الإنسانية.

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

أمجد توفيق ساحر اللغة والباحث عن شرف الكلمة وعن الحرية

نوفمبر 7, 2024آخر تحديث: نوفمبر 7, 2024

عادل إبراهيم

هل يستطيع الطائر ان يحلق في الهواء دون أن يبسط جناحيه ؟

وهل يمكن أن يكون الأنسان مبدعا ،ويرتقي الى فضاء الجمال ويقدم أعمالا فنية مهمة دون أن يمتلك حريته ؟

ودون أن تكون له رسالة صادقة منتمية للأنسان ومتعاطفة مع همومه  ولتحدياته؟

إذن حرية المبدع ورسالته هما جناحاه ،ولكن هل هذا يمنحه القدرة على الانطلاق في سماء الأبداع والأنتشار ،كضوء نجمة أو ربما كنبع ماء أو حلم جميل متحقق  في زمن أصبحت فيه الشهرة والأنتشار لاتتطلب موهبة ولا كفاءة

ولا ابداع ؟

نحن نتحدث عن كاتب حقيقي وأديب وروائي وسارد منحنا الجمال والقيمة الفنية في أعماله التي استطاعت أن تستجيب للقلق الأنساني وللذاكرة حين تكتوي بنار الحروب والأزمات وتنهش فيهاكل مظاهرالتخلف والسرقات والأفكار السوداء .

نحن نتحدث عن امجد توفيق مبدعاً وانسانا نبيلا.

قبل اكثر من ثلاثين سنة عرفت أمجد توفيق ،وتعمقت علاقتي معه من خلال عملنا في دار الشؤون الثقافيةالعامة..ومايثير الانتباه امتلاكه رصيدا كبيرا من الحب والعشق للحياة ومحبة الناس واصدقائه وقيم الوفاء والرجولة..وكنت أحيانا أستغرب كيف يمكن لرجل مثله مرت عليه ظروف قاسية وصعبة أن لاأراه لحظة منفعلا أو عصبيا في تعامله مع الاخرين حتى وان أختلف معهم موقفا وفكرا ،لكنه لايختلف معهم انسانيا.

صفة الوفاء تنسجم كثيرا مع اخلاق أمجد توفيق وسلوكه وأبداعه ، ولا  أشك ان اصول تربيته في اسرة اهتمت بالأدب والثقافة قد صقلت لديه القيم الأخلاقية الانسانية ،وساهمت في توهج ابداعه .

ولنعود الى أمجد توفيق كاتبا وأديبا وروائيا  فهو يمتلك سفر من الانجاز  الابداعي  بدأه بمجموعته القصصية : الثلج الثلج عام 1974 ، والجبل الابيض 1977 ، وقلعة تارا عام 2000 ، وهي مجموعات قصصية تستوحي من طبيعة المنطقة الجبلية  التي عاش فيها في محافظة دهوك قصصها وشخصياتها .

ليمنحنا  أول رواياته عام 2000 وهي رواية برج المطر ،ثم طفولة جبل ،والطيور الحرة ،والظلال الطويلة ، والساخر العظيم ، والخطأ الذهبي عام 2020، ثم رواية ينال ،والحيوان وأنا ،وكتب نقدية أخرى.

في كل رواياته لم تكن شخصياته مجرد أناس عاديين ، بل أصحاب مشاريع وعشاق وهم صناع حياة.

فالحياة في منظورهم تستحق أن تعاش رغم قسوتها ورغم ادراكهم انه في هذه الحياة يجب دفع ثمن كل شيء بطريقة ما، فلاشيء مجاني.

وللزمن حكاية في اعمال امجد توفيق ، فهو يخبرنا في روايةالساخر العظيم ،بأن الزمن هو الذي يسخر من الجميع .

العمق في الكتابة عند الكبير امجد توفيق  ،يأتي من مخزون التجربة لديه وهو دائما ما يؤكد بأنه يعيش الحياة ليكتب عنها. فوظيفة الأدب عنده ليس في وصف ماحدث كنشرة أخبارية، بل كشف مايحدث وطرح الأسئلة ، لكنه لا يقفز على وصف الواقع للوصول الى تخيل المستقبل.

ليس هذا فقط وانما نجد التأمل الفلسفي والاسلوب الرشيق  في صياغة افكاره ، ولغته المتميزة التي هي من مقومات تحقيق المتعة في رواياته وقصصه ..فهو ساحر اللغة ،اضافة الى مايطرحه من تساؤلات تكون اجاباتها اسئلة جديدة تبحث عن جواب. وكأنه يريد أن يقول : كنت ابحث عن اجابات فوجدت كثيرا من الأسئلة .

ولعل التساؤل الذي طرحه  بطل روايته  دانيال في اخر صفحات الرواية :ما الحل؟ يوضح ماأراد السارد ان يقوله فهو يرى

” ان لا خطأ هناك الا إذا فتشت عنه ، عندها يمكن ان تجد الأخطاء وستصطاد عيناك الخطأ في كل شيء”.

والاستاذ امجد توفيق  يفرق بين نوعين من الخطأ حسب تصنيفه : فهناك أخطاء ترابية صغيرة تنال من قيمة من يرتكبها ،وأخطاء عظيمة ترفع من قيمة الاشخاص ،وهي الاخطاء الذهبية ، كما هي في رواية الخطأ الذهبي.

وتساؤلات امجد توفيق وأخطاءه الذهبية في معظم اعماله هي محاولة لفهم الواقع باتجاه رؤية قادمة .

فهو دائما يردد ان الاجابات على الاسئلة لم تكن مؤهلة لاطفاء شرارة السؤال.

وهو في اعماله يحاول الخروج من قائمة الصيغ الثابتة والكلاسيكية التي تحذر من الممنوعات ،وهو الباحث عن شرف الكلمة وعن الحرية.فهو يؤكد ان الابداع  ” يمنحني ما ينقصني من الحرية التي افتقدها في حياتي اليومية”.

وكأنه يذكرني باحدى شخصيات رواية زوربا عندما يقول :

– انا حر  يازوربا.

فيجيب زوربا :كلا لست حرا ، كل مافي الامر إن الحبل المربوط الى عنقك أطول قليلا من حبال الاخرين .

وترتبط اعمال امجد توفيق الابداعية  بعمق تجربته وموهبته الحقيقية ،اي ان موهبته معمدة بتجربته انتجت لنا ابداعه المبهر .

لكن يبقى السؤال :هل حظي امجد توفيق كروائي وسارد مبدع بما يستحقه من الاهتمام والتسويق والترويج لاعماله؟

بكثير من الاصرار ،استطيع ان اقول ان هناك العديد من الكتاب العالميين نالوا شهرة كبيرة وطبعت اعمالهم وترجمت الى عدة لغات ليسوا أفضل ابداعا من المبدع امجد توفيق.

ان  لم يكن احيانا اكثر عمقا وبراعة وجمالا منهم ..لكن هناك دعم كبير يحظون به ،فيما نحن نترك مبدعينا بلا دعم حقيقي ولا نتذكرهم او نبدي بعض الاهتمام الاعلامي الا بعد رحيلهم .

واعود الى روايته الاخيرة   ” زمن الارجوان ” ، حيث كتب في صفحة غلافها :

الكلمة لاتفعل فعلها الا عندما تسمع او تقرأ ..هي ليست زهرة لتشمها   او تتأمل جمالها ، وليست نهرا لتبحث عن اعمق نقطة فيه ،ولاقشرةجوز قاسية لتكسرها، ولا فاكهة طرية  لتقشرها او تعصرها ،وليست سما لتجربة تأثيره ..انها كل ذلك.

ويبقى السؤال ؛ هل مهمة المثقف ان يغير الواقع ويقلب الكون ام يصرخ ويشير الى الخلل ويدلي بشهادته ويمضي ربما اكثر رعبا او حزنا..

ربما هذا السؤال كثيرا مايرد في وعي امجد توفيق وفي اعماله.

وأختم :هنك مثل صيني يقول إذا أردت سماع صوت الطيور فأزرع الاشجار .

وقيل ان لم يكن الانجاز صعبا ،فلا يسمى انجازا.

مقالات مشابهة

  • صحف عالمية: إقالة غالانت تمنح نتنياهو حرية أكبر بإدارة حروب إسرائيل
  • أمجد توفيق ساحر اللغة والباحث عن شرف الكلمة وعن الحرية
  • صوت الحرية يواجه الاختبار.. تفاصيل مثيرة عن استدعاء ناشط
  • خالد الجندي: حرية الإنسان الحقيقية هي أن يكون منقادًا لما يرضي الله والتحلي بالقيم الأخلاقية
  • روح الجزائر.. ملحمة الحرية
  • وزيرة التنمية المحلية: نركز على التنمية المتوازنة بين الريف والمدن
  • وزيرة التنمية المحلية: استراتيجية التمويل الوطنية تدعم تحقيق التنمية المتوازنة بين المحافظات
  • حرية التعبير في الأردن: بين قانون الجرائم الإلكترونية وضغوط المنظمات الدولية
  • فلسطين ولبنان في قواميس الإنسانية والمادية
  • منال عوض: مصر تتبنى سياسات تدعم التنمية المتوازنة بين الريف والحضر