هل الحرية المتوازنة يرفضها الإسلام؟
تاريخ النشر: 15th, May 2024 GMT
في مقالي الأسبوع المنصرم، الذي حمل عنوان (عندما تُضرب الحرية في أخص خصائصها)، تحدثت عن قضية ما يسمى بعصر الأنوار في القرنين الـ18 والـ19 الميلادي في الغرب، وكيف انبهر بـه بعض العرب والمسلمين ممن درسوا هناك، وسمعوا ما يقال لهم إن الغرب متمسك بالحريات العامة، وبالديمقراطية، وحقوق الإنسان، وإن على كل الإنسانية، أن تقتدي بالغرب في أن تكون كذلك في حياتها وفكرها ورؤيتها، وعلى نفس المسار الذي سار عليه الغرب قولًا وفعلًا.
والإشكال أن بعض الكتاب العرب وبالأخص الذين تأثروا بفكر التغريب، وتتلمذوا على أيدي بعض المستشرقين، وأخذوا عنهم بعض الآراء التي كانت غير منصفة في كثير مما قالوا، عن أمة العرب وحياتها وتاريخها، ولم تكن عادلة، وهم ممن سبقوا الحملات الاستعمارية لاحتلال الكثير من بلدان العرب، ولهم أبحاث ودراسات منها: الحرية وحقوق للإنسان والفكر والفلسفة ليس لها أثر فعلي في حياة العرب، لكنهم -الكتاب العرب المتأثرون بالحضارة الغربية- يسكتون أو يتجاهلون ما فعله الغربيون في إسبانيا بعد سقوط الحكم العربي الإسلامي، حيث إنهم لم يتركوا مسلمًا يعيش بدينه وقيمه وثقافته، بل فُرضوا على المسلمين، إما التنصر أو القتل أو الطرد من الأندلس، وهو ما يسميه الباحثون الغربيون أنفسهم بـ(محاكم التفتيش)، وهي محاكم واضحة الأهداف من حيث القمع والقهر والاستبداد، إذ تسعى هذه المحاكم لتفتيش الناس واكتشاف عقائدهم وتوجهاتهم الفكرية بالقوة القاهرة. لذلك حُورب المسلمون في إسبانيا حربًا شعواء -ليس هنا مقام السرد والكشف لما جرى للمسلمين في إسبانيا بعد سقوط الحكم العربي الإسلامي- إذ لم يتركوا لهم المجال أن يعيشوا بدينهم وهم ربما بمئات الألوف إن لم يكن بالملايين. وهذا يبرز أن الحرية والاختيار الديني للحضارة المسيحية لم تكن تتاح للآخر المختلف، لكن في المقابل، نرى أن الإسلام عندما ساد العراق ومصر والشام وبلاد فارس وتركيا، لم يرفض أصحاب الديانات الأخرى، لا سيما الديانات التوحيدية: (اليهودية والنصرانية)، فقد أعطاهم حقوقهم في العيش الكريم والاستقرار والبقاء على دينهم، وبقيت معابدهم وكنائسهم موجودة حتى الآن في هذه الدول، وهذا دليل حرية الاختيار، دون فرض أو قصر، وهناك حديث للنبي -عليه السلام- يقول:(من آذى ذميًّا فأنا خصيمه يوم القيامة).
وهذا يدل أن هناك حرية وحقوقًا ضمنها الإسلام لأصحاب الديانات الأخرى، وهذه هي إحدى قيم الحرية، التي يجب أن تكون حقا إنسانيا. وعندما بزغ فجر الإسلام كانت دعوته ناصعة وواضحة في مسألة الحق في الحرية الإنسانية ومنطلقاتها، وفي إعطاء الإنسان الحق في الحرية والكرامة بما أرساه الإسلام من مفاهيم أوجبت هذا الحق لكل بني البشر دون تمييز أو إقصاء، ومنحهم حق الاختيار في الاعتقاد، ولم يُكره أحدًا على اعتناق هذا الدين، وهذا ما تحقق في قوله تعالى: وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَن فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (سورة يونس الآية 99). وهذه القيمة العظيمة التي أرساها الإسلام لحرية الدين، أسهمت في تحرر الفرد من الخوف والشعور بامتهان الكرامة الإنسانية، وأصبح الناس سواسية لا فضل لأحد على أحد إلا بالتقوى، والجهد والعلم والدين.. كما جعل الإسلام الاعتقاد والإيمان خاصًّا بالإنسان واختياره بحريته، دون إجبار أو قهر في أن يعتقد ما يشاء ويؤمن عن بيّنة وإدراك وقناعة.
ومن هنا فإن الإسلام أعلى من شأن حرية الرأي والتعبير في الحدود التي لا تتعدى حرية الآخرين أو المساس بهم دون وجه حق، وكما يقول د.منيب محمد ربيع: الإسلام لم يدخر جهدًا في إعطاء هذه الحرية جل عنايته واهتمامه باعتبارها الوسيلة المثلى لنشر الدعوة وإعلانها وإعلاء شأنها عن طريق تفهم جوانبها ومواجهة الناس بها، يقول تعالى: «وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ» (سورة آل عمران،آية 104).
فحرية الرأي تضمن للإنسان عرض أفكاره على الغير وإقناعهم بها ثم يحمل كل وزره ما دام قد كُشِف له الحق القائم على الدليل. وهذه الحرية مكفولة للجميع من مسلمين وأهل كتاب، ما دامت لا تحمل على الفوضى أو تشير إلى الفساد والإفساد». والإشكال فيما برز من البعض ممن يتحدث عن الحرية، وهو يناقضها، ويستخدم الحرية، استخدامًا مضادًا للحرية نفسها، عندما يعتدي على حرية الآخرين، باسم الحرية، ومنطلقاتها الرائعة وهو ما يحصل في الغرب بعد السابع من أكتوبر الماضي، فهنا لا تستقيم مضامين الحرية في أن تكون عدوانًا على حرية الآخرين، إذا ما أردنا أن نحدد ما الحرية؟ وما محدداتها؟ بل إنها تنعدم مع أننا نرفعها شعارًا مضادًا لهذه القيمة العظيمة في الحياة الإنسانية.
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
الحرية المصري: الحكومة تتحرك بخطوات جادة لتعزيز دور القطاع الخاص في النمو الاقتصادي
ثمن حزب الحرية المصري، توجيهات الرئيس عبد الفتاح السيسى، بضرورة استمرار التنسيق بين البنك المركزي ووزارة المالية بخصوص السياسة المالية والسياسة النقدية، بما يسهم في تعزيز الاستقرار الاقتصادي، واحتواء الضغوط التضخمية، مضيفا أن تحركات الدولة نحو توفير بيئة عمل مستقرة وشفافة للقطاع الاقتصادي وتعزيز البنية التحتية الرقمية واللوجستية لدعم الاستثمارات، وتعزيز دور القطاع الخاص والنمو الاقتصادي.
وأضاف النائب أحمد مهني، نائب رئيس حزب الحرية المصري والأمين العام للحزب، وعضو مجلس النواب، أن لتعزيز النمو الاقتصادي، يتطلب الأمر اتخاذ تدابير شاملة ترتكز على السياسات الاقتصادية الفعالة، والأخذ في الاعتبار دور القطاع الخاص ومواجهة التضخم، وذلك من خلال تسهيل الأعمال وإزالة العوائق البيروقراطية وتبسيط الإجراءات القانونية لتمكين الشركات، كذلك الشراكة مع القطاع العام وتشجيع الاستثمار المحلي والأجنبي، ودعم الشركات الصغيرة والمتوسطة، ودعم الابتكار والتكنولوجيا من خلال تشجيع البحث والتطوير، وتحفيز الشركات الناشئة.
وأشار مهني، إلى أن الدولة تتجه نحو تنويع الاقتصاد من خلال تقليل الاعتماد على القطاعات التقليدية مثل النفط، والتركيز على قطاعات جديدة مثل الصناعة والسياحة، واتخاذ خطوات نحو مواجهة التضخم ومنها السيطرة على الأسعار وتشجيع الادخار والاستثمار عبر تقديم أدوات مالية جذاية.
وأوضح أن التحرك نحو تعزيز النمو الاقتصادي ومواجهة التضخم ليس تناقض بل هو تكامل بين المحاور من خلال السياسات للتنسيق بين القطاع العام والخاص، والترويج للفرص الاستثمارية بشكل أفضل يمهد الطريق لجذب مزيد من الاستثمارات الأجنبية.