لجريدة عمان:
2024-11-26@07:46:31 GMT

هل الحرية المتوازنة يرفضها الإسلام؟

تاريخ النشر: 15th, May 2024 GMT

في مقالي الأسبوع المنصرم، الذي حمل عنوان (عندما تُضرب الحرية في أخص خصائصها)، تحدثت عن قضية ما يسمى بعصر الأنوار في القرنين الـ18 والـ19 الميلادي في الغرب، وكيف انبهر بـه بعض العرب والمسلمين ممن درسوا هناك، وسمعوا ما يقال لهم إن الغرب متمسك بالحريات العامة، وبالديمقراطية، وحقوق الإنسان، وإن على كل الإنسانية، أن تقتدي بالغرب في أن تكون كذلك في حياتها وفكرها ورؤيتها، وعلى نفس المسار الذي سار عليه الغرب قولًا وفعلًا.

من هنا حصل لبعض من أبناء جلدتنا، من شباب العرب والمسلمين إكبار للغرب لما هو فيه بالفعل، وأن الغرب نهض نهضة ضخمة في كل مجالات العلوم والتكنولوجيا والمدنية الأخرى، وأصاب البعض من شبابنا -كما أشرنا في المقال الأسبوع الماضي- هزيمة فكرية تجاه الغرب، خاصة أولئك الذين مكثوا طويلًا ودرسوا في الغرب في أوائل القرن الماضي، عندما وجدوا الفارق الكبير، دون أن يراجع الظروف التي حصلت للعالم العربي والإسلامي، وساهم فيه الغرب في تخلفه وتراجعه وقضية الصراع الطويل الذي جرى بين الدول الغربية والدولة العثمانية والتي كانت تمسك بالخلافة الإسلامية آنذاك، وهذا ما جعل بعضهم يطالب أن نعيش مثلما يعيش الغربيون في كل مناحي الحياة، بل إن أحد هؤلاء -وهو أحد الباحثين العرب المعروفين، في الساحة الفكرية العربية- طلب القطيعة التامة والكاملة مع فكرنا العربي الإسلامي، والالتحاق بالغرب، وهذه -للأسف- هزيمة فكرية كما أشرنا، ولا تأتي لنا لا بالتقدم ولا بالنهضة، بل علينا ألّا نقلد الآخر، وإنما علينا أن نبدع من ذاتنا كما أبدع وننهض كما نهض. لذلك على الأمة أن تأخذ من الغرب مناهجه العلمية وأسلوب منطلقه في كيفية حصول هذا النهوض والتقدم، لكن الغرب يريد من كل الأمم أن تقلده فقط فيما سار عليه وأن يبقوا مستهلكين، من أجل يكونوا تابعين لا مبدعين. وفي قضايا الحريات وحقوق الإنسان وحريات التعبير، لم يكن الغرب صادقًا وجادًّا لكل الإنسانية، وهذا ما جرى في قضية فلسطين المحتلة، وغزة وقضايا كثيرة حصلت قبل ذلك، كذلك ما جرى لطلاب الجامعات الغربية عندما عبروا عن انتقادهم لدولهم في تعاطيها مع ما يجري في فلسطين من قتل وإبادة جماعية وتهجير وتجويع إلخ..

والإشكال أن بعض الكتاب العرب وبالأخص الذين تأثروا بفكر التغريب، وتتلمذوا على أيدي بعض المستشرقين، وأخذوا عنهم بعض الآراء التي كانت غير منصفة في كثير مما قالوا، عن أمة العرب وحياتها وتاريخها، ولم تكن عادلة، وهم ممن سبقوا الحملات الاستعمارية لاحتلال الكثير من بلدان العرب، ولهم أبحاث ودراسات منها: الحرية وحقوق للإنسان والفكر والفلسفة ليس لها أثر فعلي في حياة العرب، لكنهم -الكتاب العرب المتأثرون بالحضارة الغربية- يسكتون أو يتجاهلون ما فعله الغربيون في إسبانيا بعد سقوط الحكم العربي الإسلامي، حيث إنهم لم يتركوا مسلمًا يعيش بدينه وقيمه وثقافته، بل فُرضوا على المسلمين، إما التنصر أو القتل أو الطرد من الأندلس، وهو ما يسميه الباحثون الغربيون أنفسهم بـ(محاكم التفتيش)، وهي محاكم واضحة الأهداف من حيث القمع والقهر والاستبداد، إذ تسعى هذه المحاكم لتفتيش الناس واكتشاف عقائدهم وتوجهاتهم الفكرية بالقوة القاهرة. لذلك حُورب المسلمون في إسبانيا حربًا شعواء -ليس هنا مقام السرد والكشف لما جرى للمسلمين في إسبانيا بعد سقوط الحكم العربي الإسلامي- إذ لم يتركوا لهم المجال أن يعيشوا بدينهم وهم ربما بمئات الألوف إن لم يكن بالملايين. وهذا يبرز أن الحرية والاختيار الديني للحضارة المسيحية لم تكن تتاح للآخر المختلف، لكن في المقابل، نرى أن الإسلام عندما ساد العراق ومصر والشام وبلاد فارس وتركيا، لم يرفض أصحاب الديانات الأخرى، لا سيما الديانات التوحيدية: (اليهودية والنصرانية)، فقد أعطاهم حقوقهم في العيش الكريم والاستقرار والبقاء على دينهم، وبقيت معابدهم وكنائسهم موجودة حتى الآن في هذه الدول، وهذا دليل حرية الاختيار، دون فرض أو قصر، وهناك حديث للنبي -عليه السلام- يقول:(من آذى ذميًّا فأنا خصيمه يوم القيامة).

وهذا يدل أن هناك حرية وحقوقًا ضمنها الإسلام لأصحاب الديانات الأخرى، وهذه هي إحدى قيم الحرية، التي يجب أن تكون حقا إنسانيا. وعندما بزغ فجر الإسلام كانت دعوته ناصعة وواضحة في مسألة الحق في الحرية الإنسانية ومنطلقاتها، وفي إعطاء الإنسان الحق في الحرية والكرامة بما أرساه الإسلام من مفاهيم أوجبت هذا الحق لكل بني البشر دون تمييز أو إقصاء، ومنحهم حق الاختيار في الاعتقاد، ولم يُكره أحدًا على اعتناق هذا الدين، وهذا ما تحقق في قوله تعالى: وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَن فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (سورة يونس الآية 99). وهذه القيمة العظيمة التي أرساها الإسلام لحرية الدين، أسهمت في تحرر الفرد من الخوف والشعور بامتهان الكرامة الإنسانية، وأصبح الناس سواسية لا فضل لأحد على أحد إلا بالتقوى، والجهد والعلم والدين.. كما جعل الإسلام الاعتقاد والإيمان خاصًّا بالإنسان واختياره بحريته، دون إجبار أو قهر في أن يعتقد ما يشاء ويؤمن عن بيّنة وإدراك وقناعة.

ومن هنا فإن الإسلام أعلى من شأن حرية الرأي والتعبير في الحدود التي لا تتعدى حرية الآخرين أو المساس بهم دون وجه حق، وكما يقول د.منيب محمد ربيع: الإسلام لم يدخر جهدًا في إعطاء هذه الحرية جل عنايته واهتمامه باعتبارها الوسيلة المثلى لنشر الدعوة وإعلانها وإعلاء شأنها عن طريق تفهم جوانبها ومواجهة الناس بها، يقول تعالى: «وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ» (سورة آل عمران،آية 104).

فحرية الرأي تضمن للإنسان عرض أفكاره على الغير وإقناعهم بها ثم يحمل كل وزره ما دام قد كُشِف له الحق القائم على الدليل. وهذه الحرية مكفولة للجميع من مسلمين وأهل كتاب، ما دامت لا تحمل على الفوضى أو تشير إلى الفساد والإفساد». والإشكال فيما برز من البعض ممن يتحدث عن الحرية، وهو يناقضها، ويستخدم الحرية، استخدامًا مضادًا للحرية نفسها، عندما يعتدي على حرية الآخرين، باسم الحرية، ومنطلقاتها الرائعة وهو ما يحصل في الغرب بعد السابع من أكتوبر الماضي، فهنا لا تستقيم مضامين الحرية في أن تكون عدوانًا على حرية الآخرين، إذا ما أردنا أن نحدد ما الحرية؟ وما محدداتها؟ بل إنها تنعدم مع أننا نرفعها شعارًا مضادًا لهذه القيمة العظيمة في الحياة الإنسانية.

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

صحيفة عبرية تصف الفصائل الفلسطينية بـ«مقاتلي الحرية».. والاحتلال الإسرائيلي يرد

قررت الحكومة الإسرائيلية مقاطعة صحيفة هآرتس، بعد أن وصف ناشرها، عاموس شوكين، الفصائل الفلسطينية بمقاتلي الحرية، في تصريح أثار جدلًا واسعًا في الداخل الإسرائيلي، وعكست توتر العلاقات بين الإعلام والسياسة، وسط اتهامات متبادلة بتشويه الحقائق للحرب ضد سكان قطاع غزة.

الاحتلال الإسرائيلي يوجه عقوبات للصحيفة الإسرائيلية

أعلن مكتب وزير الاتصالات الإسرائيلي، شلومو قرعي، اليوم، أن الحكومة وافقت وبالإجماع على اقتراحه بوقف التعامل بشكل رسمي وقطع العلاقات مع الصحيفة الإسرائيلية هآرتس، ووقف الإعلانات عن المناقصات الحكومية سواء في النسخة المطبوعة أم على الموقع الإلكتروني للصحيفة.

تحذيرات إسرائيلية

وجاء في بيان رسمي، تحذيرات بأن الحكومة «ستقطع أي علاقة إعلانية مع هآرتس، وتدعو جميع وزاراتها وهيئاتها، وكذلك أي مؤسسة حكومية أو هيئة مموّلة من قبلها إلى عدم التواصل مع صحيفة هآرتس بأي شكل من الأشكال، وعدم نشر أي منشورات فيها».

وتابع البيان قائلاً إنه «في حين تدعم الحكومة حرية الصحافة وحرية التعبير، فإنها لن تقبل وضعاً يدعو فيه ناشر صحيفة رسمية إلى فرض عقوبات ضدها وأن يدعم أعداءها في خضم الحرب».

وأشار مكتب وزير الاتصالات قرعي إلى أن الصحيفة نشرت مقالات عدة تدين الحكومة الإسرائيلية، وتثبت تورطها في جرائم حرب علي سكان قطاع غزة، وأضرّت بشرعية دولة إسرائيل في العالم وحقها في الدفاع عن النفس.

إدانات سابقة

وجاء ذلك بعد تصريحات ناشر الصحيفة عاموس شوكن خلال مؤتمر في لندن الشهر الماضي، مما جعل وزير الاتصالات يؤكد أنه يجب ألا تسمح دولة الاحتلال بواقع يدعو فيه ناشر صحيفة رسمية في دولة الاحتلال الإسرائيلي إلى فرض عقوبات عليها، ويدعم أعداء الدولة في خضم الحرب وتقوم إسرائيل بتمويلها».

وجاءت تلك التصريحات في وقت حرج، فالداخل الإسرائيلي علي صفيح ساخن بعد أن أعلنت المحكمة الجنائية الدولية، فرض مذكرة اعتقال علي رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو والوزير المقال يؤاف جالانت، واتهمتهم بارتكاب جرائم حرب ضد سكان القطاع.

مقاتلو الحرية الفلسطينيين

وكان شوكن قال إن «حكومة نتنياهو تقود نظام فصل عنصري قاسي على السكان الفلسطينيين، وتتجاهل التكاليف التي يتحمّلها الجانبان للدفاع عن المستوطنات [في الضفة الغربية] في حين تقاتل مقاتلي الحرية الفلسطينيين».

ورأى شوكن أن «ما يحدث في غزة نكبة ثانية»، ودعا إلى فرض عقوبات على إسرائيل مؤكداً ذلك «هو السبيل الوحيد لإقامة الدولة الفلسطينية».

مقالات مشابهة

  • كايسي كوفمان لـ"البوابة": ناني موريتي شخص عملي والعمل معه منحني الحرية
  • صحيفة عبرية تصف الفصائل الفلسطينية بـ«مقاتلي الحرية».. والاحتلال الإسرائيلي يرد
  • ليته كان انقلابًا على الإسلام..!
  • الحرية أن تعرف حدودك
  • عيدروس الزبيدي يؤكد أهمية حرية الملاحة في البحر الأحمر خلال لقاء مع ممثلي الاتحاد الأوروبي
  • حق المرأة العُمانية محفوظ
  • باحثة علاقات دولية: بند حرية الحركة لإسرائيل يبيح خرق السيادة البرية والجوية للبنان
  • «الإصلاح والنهضة»: استبعاد 716 اسما من قوائم الإرهاب يؤكد حرص الدولة على حرية المواطنين
  • توكل كرمان: ما يجري في السعودية كبلد يجرم حرية التعبير "تسليع للمرأة وانتهاك لكرامتها"
  • دم الشهيد سبب في الحرية الاستقلال