إلى متى يمكن أن تظل اليابان ملاذًا للصينيين؟
تاريخ النشر: 15th, May 2024 GMT
الحرائق مشتعلة في الشرق الأوسط. وهنالك حرب في أوروبا. وأمريكا مضطربة. ولحسن الحظ، أنا الآن في اليابان (تاريخ المقال 3 مايو) حيث يدنو موسم تفتح أزهار الكرز من نهايته بلطف.
من الواضح أن فكرة اليابان كملاذ في الأوقات المضطربة خطرت في بال قلة أخرى من الناس. البليونير جاك ما، مؤسس شركة علي بابا، انتقل إليها بعدما فقد حظوته في بلده الصين.
ليس أصحاب البلايين فقط هم الذين قرروا، بعد وضع كل شيء في الاعتبار، أن اليابان تبدو رهانا جيدا في الوقت الحاضر. فهي تشهد ازدهارا سياحيا مع مجيء السياح الذين اجتذبهم اليَنُّ الرخيص (بلغ مؤخرا أدنى قيمة له خلال 34 عاما) وكذلك الطعام والثقافة والتسوق.
يُلقِي المستثمرون أيضا نظرة جديدة. لقد اعتبرت زيارة المستثمر الأسطوري وارن بافيت إلى اليابان في العام الماضي مباركة لها (كمقصد استثماري). وارتفع مؤشر نيكاي للأسهم بحوالي 30% خلال فترة الـ12 شهرا الماضية متجاوزا أخيرا المستوى الذي بلغه عام 1989 في ذروة سنوات الفقاعة.
أنعشت تلك اللحظة الرمزية الأمل بأن الاقتصاد الياباني بعد 30 عاما من السبات بدأ يتحرك أخيرا.
انكماش الفقاعة اليابانية حدث في حوالي نفس الوقت الذي فتحت فيه الصين أبوابها للاستثمار الأجنبي. ويمكن ربط ركود اليابان اللاحق الذي استمر لثلاثين عاما بازدهار الأعوام العشرة المعاصر له في الصين مع هجرة الحماس غير العقلاني (الذي يدفع إلى ارتفاع الأصول المالية دون مبرر) من طوكيو في سنوات الثمانينات إلى هونج كونج وشنغهاي. لكن الآن مع تصاعد المخاوف حول مستقبل الصين وهونج كونج تعود عوامل الجذب في اليابان مرة أخرى إلى المشهد.
الشركات الأمريكية مثل مايكروسوفت وأوراكل وميكرون وبلاكستون كلها زادت استثماراتها في اليابان مؤخرا. ومسؤولو الشركات الأمريكية الذين يشعرون بالقلق من نقل أسرهم إلى الصين أو حتى سفرها إلى هناك ليست لديهم مثل هذه التحفظات تجاه اليابان.
يظل الحصول على القوة العاملة المطلوبة مشكلة في اليابان لأن سكانها تتقلص أعدادهم ويشيخون والهجرة إليها متواضعة ولا يشجعون عليها هناك. لكن القدرة التقنية لليابان وقاعدتها الصناعية وبنيتها التحتية ومدخراتها الضخمة تظل أصولا متينة.
هذا العام افتتحت شركة تي اس ام سي التايوانية وهي أكبر شركة في العالم لصناعة أشباه الموصلات أول مصنع لها في اليابان. كما أعلنت عن خطط لافتتاح مصنع ثانٍ. ويأمل اليابانيون في انتعاش صناعة أشباه الموصلات في بلدهم مع تحولهم إلى جزء مفتاحي من سلسلة التوريد التي تتجنب الصين.
أيضا القلق من مستقبل الصين يفيد الصناعات الخدمية اليابانية. لقد افتتحت مؤخرا مدرستان بريطانيتان مرموقتان هما مالفيرن ورجبي فروعا لها في اليابان. ومن المرجح أن يأتي العديد من طلابهما الجدد من الصين. كما يتزايد حرص المستثمرين الصينيين على شراء عقارات في طوكيو.
لكن القلق بشأن مستقبل الاقتصاد الصيني وتصاعد التوترات الجيوسياسية بين بكين والغرب ليسا في صالح اليابان. فالصين أيضا سوق ضخمة للشركات اليابانية. وتباطؤ الاقتصاد الصيني سيعني مبيعات أقل. وتعتبر شركات يابانية عديدة الحديث عن «فك الارتباط» بالصين حماقة تجارية وتهديدا لمستقبلها.
الصين أيضا قاعدة إنتاج كبرى للشركات اليابانية. وإذا قررت الولايات المتحدة وأوروبا نصب حواجز حمائية أمام تصدير السيارات الكهربائية التي تصنعها الصين ستتضرر شركة نيسان اليابانية وأيضا الشركات الوطنية الصينية مثل «بي واي دي.»
من الواضح هنالك فرص لليابان في فكرة نقل الإنتاج إلى بلدان الأنظمة الديمقراطية الصديقة. وهي الفكرة التي تروج لها الولايات المتحدة. لكن اليابانيين يعلمون أيضا أن الأمريكيين يمكن أن يكونوا أصحاب أهواء متقلبة، خصوصا عندما تقترب الانتخابات. فمساعي شركة الصلب اليابانية «نيبون ستيل» للاستحواذ على شركة «يو اس ستيل الأمريكية» تعرقلها في الوقت الحاضر إدارة بايدن.
وإذا عاد دونالد ترامب إلى البيت الأبيض في العام القادم من المحتمل أن تصبح الولايات المتحدة أكثر حمائية وتقلبا. ذلك الاحتمال أصبح الآن الشغل الشاغل إلى حد الهوس في طوكيو. بل هنالك كلمة يابانية واحدة هي «موشيتورا» وترجمتها «ماذا إذا فاز ترامب؟» وكلمة «تورا» يمكن أن تعني أيضا «النمر.»
إذا كانت الولايات المتحدة تبدو متقلبة ومثيرة للقلق فالصين تبدو مخيفة عندما ينظر لها من اليابان. فبناء القدرات العسكرية الذي لا هوادة فيه خلال العشرين سنة الماضية يعني أن بكين الآن لديها أكبر قوة بحرية في العالم.
كما لدى اليابان والصين أيضا نزاع قائم حول تبعية بعض الجزر. والسفن الصينية تواصل مضايقة اليابانيين حول هذه الجزر التي تعرف باسم سينكاكوس في اليابان.
تمثل رد اليابان في زيادة إنفاقها الدفاعي واقترابها أكثر من الولايات المتحدة. لكن في أوساط المختصين بشؤون الأمن القومي يوجد إحساس بأن هنالك تهديدا يتشكل.
يقول أحد المسؤولين إن اليابان تواجه بيئة أكثر خطورة من أي بلد آخر في مجموعة السبع لأن الصين وروسيا وكوريا الشمالية جيرانها الأقرب.
يحب اليابانيون القول بأن أزهار الكرز جميلة لأنها سريعة الزوال. لدي نفس الشعور إزاء اللحظة الراهنة في اليابان. علينا أن نستمتع بوضعها الحالي كملاذ من متاعب العالم. فمن غير المرجح، للأسف، أن يدوم إلى الأبد.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الولایات المتحدة فی الیابان
إقرأ أيضاً:
الحرب بين الولايات المتحدة والصين تتجه نحو التوسع
الولايات المتحدة – تمتلك الولايات المتحدة بوضوح أحدث التقنيات المتعلقة بصناعة الرقائق في سياق “الحرب” الدائرة بين واشنطن وبكين، ولكن ربما تكتسب الصين ميزات قد تؤدي إلى توسعة نطاق الصراع.
ففيما أعاقت قيود التصدير الأمريكية تقدم الصين في مجال الرقائق المتقدمة، لجأت بكين بقوة إلى توسيع رقعة إنتاجها الرقائق. وهي ليست متطورة مثل رقائق الذكاء الاصطناعي من إنفيديا (Nvidia)، ولكنها ضرورية للسيارات والأجهزة المنزلية، وفق تقرير نشرته “وول ستريت جورنال”. وقد تسبب انقطاع إمدادات هذه الرقائق في حدوث فوضى في سوق السيارات في أثناء الوباء الكوفيدي.
أنفقت الصين 41 مليار دولار على معدات تصنيع الرقائق في عام 2024، أي بزيادة قدرها 29% على أساس سنوي، وفقا لبنك “مورغان ستانلي”، ويمثل هذا ما يقرب من 40% من الإجمالي العالمي، ويقارن بمبلغ 24 مليار دولار المنفق في عام 2021.
وكان جزء من هذا الضخ محاولة من الشركات الصينية لتخزين الأدوات اللازمة التي لا يزال بإمكانها الحصول عليها قبل تشديد القيود بشكل أكبر. لكن الكثير يأتي أيضاً من شركات صينية مثل شركة Semiconductor Manufacturing International، أو SMIC، وHua Hong Semiconductor لصناعة الرقائق القديمة.
ومن جانبها، أنفقت SMIC، أكبرُ مسبك للرقائق في الصين 7.5 مليار دولار على الاستثمار الرأسمالي في عام 2023، مقارنة بحوالي 2 مليار دولار قبل عام من الوباء.
وتعكس الاستراتيجيةَ الشاملة أصداءُ النجاحات الصينية المماثلة في قطاعات مثل الألواح الشمسية التي تتمتع بالدعم الحكومي الهائل، والتسعير، والرغبة في لعب اللعبة الطويلة التي قد لا يرغب اللاعبون الآخرون في القيام بها.
لكن هذه الصناعة لم تصل إلى مستوى الهيمنة على السوق، على الرغم من أن الشركات الصينية تحقق بالتأكيد تقدما. فقد زادت المسابك الصينية حصتها في السوق العالمية في العُقَد الناضجة من 14% في عام 2017 إلى 18% في عام 2023، وفقا لـ “برنشتاين”.
وقد ساعد العملاء الصينيون في هذا على وجه الخصوص، حيث حصلوا على 53% من إمداداتهم من الرقائق الناضجة من المسابك الصينية في عام 2023، وذلك ارتفاعا من 48% في عام 2017. ومن شأن التوترات الجغراسياسية المتزايدة أن تدفع العملاء الصينيين إلى البحث عن مورّدين في الداخل الصيني.
لم تجتح الرقائق الصينية القديمة الطراز العالم بعد، لكن هناك خطر واضح، خاصة بالنسبة للاعبين الأمريكيين، بما في ذلك شركة Texas Instruments وGlobal Foundries، المنافسة في صناعة هذا النوع من الرقائق. وهذا بدوره يمكن أن يشكل صداعا لواشنطن وهدفها المتمثل في الحفاظ على المرونة في سلسلة توريد الرقائق.
قد لا يكون من العملي تمديد القيود لتشمل الرقائق ذات الجودة المنخفضة، لكن الشركات المنتجة لهذه الرقائق قد تحتاج إلى مساعدة الدولة للتنافس مع الصين.
وقد وصفت الولايات المتحدة استراتيجيتها بشأن الضوابط التقنية بأنها نهج يشبه “ساحة صغيرة ذات سياج عال” مع فرض قيود صارمة على عدد محدود من التقنيات المتقدمة، لكن الحَد من حِدة الصراع بهذه الطريقة قد لا يكون بهذه السهولة.
في حرب الرقائق العالمية، كما هو الحال في أي صراع، تميل محاور النزاعات إلى التوسع، ومحاور الاشتباكات ستكون متعددة بين الولايات المتحدة والصين.
المصدر: CNBC