ا.د. محمد تحريشي لعل من المصادفة الجميلة والمحيرة أن أقرأ خلال هذين الشهرين عملين سرديين من الجزائر حول الحرب الأوكرانية، رواية “رقصة أوديسا، مكابدات أيوب الروسي” للكاتب عز الدين ميهوبي، ورواية “هذا بلاغ… البلاغ الأخير أيها البشر إلى كلمة سواء.. للكاتب الحبيب فزيوي. فما الذي دفع هذين الكاتبين إلى تسريد الحرب الأوكرانية؟ وإلى أي حد تكون هذه الكتابة محفوفة بالمخاطر من حيث قدرتها على التنبؤ والاستشراف وتوقع الأحداث، وما الإضافة الفنية والجمالية التي تقدمها هذه الكتابة إلى التجربة السردية في الجزائر من حيث قدرتها على مواكبة الأحداث والانفتاح على تجارب في الكتابة تتجاوز المواضيع التقليدية في السرد الجزائري؟ إذا كانت رواية “رقصة أوديسا …” تنطلق من مسارات لها ارتباط بالجزائر من مثل مسار الحرقة والهجرة السرية، وعبر مسار العلاقات العلمية والثقافية بين الجزائر ودول الاتحاد السوفياتي، وعبر مسار الفن ودوره في المجتمع ونظرة عامة الناس الدونية إلى الفن الراقي، وعبر مسار العلاقات الإنسانية عبر أيوب وكلاريسا وابنتهما شريفة.
فإن رواية ” هذا بلاغ….” تنهل من المسار السياسي للعلاقات الدولية القائمة على المصلحة، فلا علاقة دائمة وإنما مصالح مشتركة تنتهي العلاقة بانتفاء هذه المصالح. فلم تعد الاتفاقيات السياسية بين الدول العظمى ملزمة، والقائمة على توزيع مراكز النفوذ المرتبطة بالمواد الأولية واليد العاملة الرخيصة وبالاستغلال لثروات الدول الضعيفة، ولا مقبولة فقد انتهت مدة صلاحياتها، ولابد من نظام دولي جديد متعدد الأقطاب بقواعد لعبة جديدة. الحبيب فزيوي كاتب من طراز خاص وقارئ يلتهم الكتب وينطلق من رؤية فنية وهو يترصد الحرف ويبرم قلمه ليصور لنا عوالم عن الفكر والفن من روايات ودراسات في الفكر والتصوف وفي النقد. كاتب لا يحب الشهرة ولا يسعى إليها. أذكر من رواياته؛ من أكواخ القنادسة إلى أبراج نيويورك، ورواية: طاحونة الطلاسم، والرواية موضوع هذا المقال. أختار الحبيب فزيوي هذه المرة الحرب الأوكرانية موضوعا لروايته بكثير من الجرأة والتحدي، ليكشف أن الحرب مهما كانت فهي خبيثة، والمنتصر فيها مهزوم لما تخلفه هذه الحرب من دمار في النفوس والعباد والبلاد.” – إنها حرب الأرض المحروقة التي ستحول البلاد إلى رميم واجتماع الاتحاد الأوروبي والحلف الأطلسي ما مخرجاته؟ سيدتي، ألقى فيه بايدن بصفته ربيس الدولة القائدة خطابا أعلن فيه عن عقوبات اقتصادية أخرى بعد أن باءت الأولى بفشل ذريع. السابقة واللاحقة سيّان، ماذا يجدي النقر بعود أراك على واجهة جبال الهمالايا، بايدن لا يزال يؤمن بالخرافات فيقيس دولة الجبار العاتية التي تطعم العالم وتؤمن له الطاقة والموارد المعدنية بدولة “صدّام”…”(الرواية:72). هكذا تنخرط هذه الرواية في خطاب يعلن موقفا من هذه الحرب واللعبة الجيو-استراتيجية التي تتضارب فيها المصالح وتتصارع فيها كل الأجهزة الأمنية والعسكرية والمخابراتية، حرب سيتحدد فيها مصير البشرية نحو نهاية محتومة قد تشهد نهاية العالم بحرب عالمية ثالثة. تقوم هذه الرواية على التناظر والتماثل بين طرفي النزاع من جهة روسيا ومن الجهة الأخرى قادة الغرب(الناتو)، ولعل هذا ما سمح للمبدع أن يمرر مجموعة من الخطابات التي تدين كل طرف، ويكون هو بمنأى عن أية محاسبة أو ميل لطرف على الآخر. ” كلامك صحيح، ويجب أن يوجه إلى المجرم الجبار وعصابته لعله يحدث في قلبه بصيصا من الرحمة، فيرأف بأولئك الأبرياء الذين سحقهم وسحق حتى ألعابهم، ويوقف نيران أسلحته التي سوّت المباني وسكانها بالأرض، وتركت الجثث متناثرة على الساحات والشوارع… ماذا يريد المجرم؟ ! بلاده تتربع على أكثر مساحة، وتحتوي على خيرات الدنيا كلها….”(الرواية:53) إن هذه الإدانة قد لا تبرر عمل الغرب ولا تعفيه من المسؤولية التاريخية عن هذه الحرب بغض النظر عن حجم الدمار والقتل. إن مدخلات هذا النزاع دولية وعالمية، حتى وإن بدت أنها بين طرفين، وكذا مخرجاتها. أجرى الكاتب حوارا بين بوتين وشولتز ليكشف لنا عن الندية والتماثل في الخطاب. “….- لكن سيدي، هلا أطلعنا ولو على بعض ملامحها حتى تكون مساعينا و جهودنا في الطريق الصحيح؟ مساعيكم وجهودكم تصب حتى الساعة في مجاري صرف المياه القذرة، وهي تزويدكم الصبي المخنث بالمال والعتاد بأمر من الشيخ العاجز بايدن، وهذا ما يزيد عمليتنا العسكرية إلا شدة وضراوة، ولنا من الرجال والعتاد ما نستطيع أن نمحو به دول العالم قاطبة من الوجود بما فيها دولة ذلك المشعوذ.”(الرواية:113 ،114). ولهذا استعمل الكاتب الأسماء من دون تحوير أو تدخل حتى يحافظ على واقعية الأحداث التي اعتمد على الخيال في نقلها أو في تصورها. واستطاع أن يستنطق هذه الشخصيات ويعبّر عن دواخلها وعمّا يختلجها من أفكار ومشاعر وأحاسيس ومواقف.” – يكفي من المدح الفارغ الذي تتصدق به العامة على أسيادها وهو يناقض الواقع، كل خلايا جسدي تعلن بأن موعد السفر الأبدي وشيك، ثم إني لا أخشى الموت فهو قدر كل كائن، ما أخشاه أن ارحل و”أوكرانيا” بين فكي الجبار يمضغها ويمزّقها كل ممزّق في ظل تقاعس وعجز قادة العالم عن وضع حد لهذه المأساة…”(الرواية:52) هكذا ترافق الرواية الملكة اليزابيث الثانية في مرضها، وهي تتابع الأحداث في الحرب الأوكرانية. وبكل حصرة تستذكر بطولاتها في الجرب العالمية الثانية، وتستذكر أيضا القبضة الحديدية للسيدة تاتشر في حرب الفوكلاند مع الأرجنتين. اهتمت هذه الرواية برسم مشاهد للنزاع والتنازع بين طرفي الحرب، وهي بذاك تريد أن تقول قد يكون الرابح في هذه الحرب خاسرا بوصفه إنسانا فَقَدَ أعزّ ما يملك وهي إنسانيته. ماذا لو أن البشر اتفقوا على صون كرامة الإنسان بعيدا عن الحروب والاقتتال. وإذا كان وقت الدخول في الحرب معروفا، فهل يقتضي أن يكون وقت الخروج منها معروفا ومحتما؟ متى يحصل الانفراج وتزول الأحقاد والضغائن من هذا العالم؟ متى يا بني الإنسان يسود السلام؟” الساحة الحمراء في بيونج يانج في كوريا الشمالية تحولت إلى ساحة خضراء واختيرت لعقد مؤتمر الانفراج البشري. الوفود التي تمثل كل الأجناس والأعراق تتوافد على الساحة ترتدي زيّا موحدا كُتب عليه((إنسان)) وتحمل أغصان الشجرة المباركة وحمامات بكل الأوان والأشكال. الكل يحيي ويبتسم: الملوك، الأمراء، الرؤساء، الشيوخ، البابات، الحاخامات، الرهبان، البوذيون، الوثنيون، الهندوس، الملاحدة، المؤمنون، الدَّيْلامات…”(الرواية:138) هكذا تلتمس الرواية مخرجا للصراع في محبة الإنسان لأخيه الإنسان. وهكذا يتعاقب رؤساء الوفود على منصة هذا المؤتمر للدعوة إلى الانفراج انطلاقا من قاعدة ((وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا)). وكان أبرز المتدخلين بوتين طالبا الصفح والمغفرة، ومتعهدا بإعادة بناء الجارة أفضل مما كانت. ثم تلاه الرئيس الأوكراني ليعلن العفو والمساهمة في المجهود البشري من أجل حياة أفضل لبني الإنسان. وكان آخر المتدخلين الرئيس الأمريكي بكلمة وجيزة أطلق عليها ((الكلمة السواء)):” أيها الأخوة بعد أن هدمنا القيود وأزحنا الحدود، تعالوا جميعا دون استثناء إلى كلمة سواء، وهي أن نتعاهد دائما وأبدا على المحبة والخير والتعاون والرحمة فنحن البشر ظل الله على أرضه”(الرواية:140). ثم وقف الرئيس الهندي وتلا مقطعا من الفيدا. وأعقبه أوردغان وتلا الآية:((يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى و جعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا)) ثم تلا بايدن من الكتاب المقدس و من بعده الرئيس الأوكراني تلا من الزابور و تلا الرئيس الروسي من الإنجيل.
المصدر: رأي اليوم
كلمات دلالية:
الحرب الأوکرانیة
هذه الحرب
إقرأ أيضاً:
سيناريوهات انتهاء الحرب الأوكرانية وهدنة عيد الفصح
سلط برنامج "ملف اليوم"، الذي تقدمه الإعلامية آية لطفي، عبر قناة "القاهرة الإخبارية"، الضوء على الهدنة بين روسيا وأوكرانيا بمناسبة عيد الفصح.

غارات أمريكية على مواقع في جزيرة كمران بالحديدة في اليمن

سائق توكتوك يحاول إنهاء حياته بـ قرص الموت في طما بسوهاج
وقالت الإعلامية آية لطفي، إنّ الملف الأوكراني شهد تطورًا مؤقتًا تمثل في إعلان هدنة مدتها 30 ساعة أقرتها موسكو بمناسبة عيد الفصح، قبل أن تنتهي بانقضاء المدة المحددة دون تمديد.
ورغم هشاشة التهدئة، فقد أعادت إشعال بصيص من الأمل لدى كييف التي بادرت بطرح مقترح جديد لوقف القصف بالطائرات المسيّرة والصواريخ بعيدة المدى لمدة 30 يومًا، غير أن الجانب الروسي لم يرد بشكل رسمي على هذا الطرح حتى الآن.
ويشبه مقترح أوكرانيا مقترحا أوكرانيا سابقا لوقف إطلاق النار بشكل أولي لمدة 30 يوما، لكن روسيا والتي أبدت موافقة مبدئية وضعت بعض الشروط التي شكلت عقبة أمام إبرام هذا الاتفاق.
وفي الحقل الدبلوماسي، يبقى الحراك قائما في اتجاهات متشعبة، زيارة مبعوث ترامب إلى روسيا، واجتماع أمريكي أوروبي أوكرانيا لأول مرة عُقد في باريس، وآخر مرتقب في لندن.
وعرض البرنامج "تقريرا بعنوان "حسم روسي أم تصعيد مع الغرب؟.. سيناريوهات انتهاء الحرب الأوكرانية؟"، فبين خيار الحرب الشاملة أو هدنة محفوفة بالمخاطر، يقف مسار الحرب الروسية الأوكرانية على مفترق طرق حاسم، وسط تصاعد التوترات وغياب مؤشرات واضحة على التهدئة.
وبعد هدنة مؤقتة استمرت 30 ساعة بمناسبة عيد الفصح، قدّمها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، سارعت أوكرانيا عبر رئيسها فولوديمير زيلينسكي إلى طلب تمديد الهدنة لتشمل وقف هجمات الطائرات المسيّرة والصواريخ على البنية التحتية المدنية لمدة 30 يومًا.
زيلينسكي اعتبر أن رفض روسيا لهذا المقترح يعني نيتها الاستمرار في الحرب، ما يعكس تشكيكًا أوكرانيًا في نوايا موسكو، خاصة بعد تبادل الاتهامات بخرق الهدنة القصيرة، فقد اتهمت كييف القوات الروسية بخرق وقف إطلاق النار منذ ساعاته الأولى، وهو ما نفته موسكو رسميًا، معتبرة أنها التزمت ببنود التهدئة.
ورغم قصر مدة الهدنة، إلا أنها شهدت تنفيذ أكبر عملية تبادل أسرى بين الجانبين منذ اندلاع الحرب قبل أكثر من ثلاث سنوات، في خطوة اعتُبرت إشارة نادرة على وجود قنوات تواصل غير معلنة، لكنها لم تكفِ لطمأنة الأطراف الدولية، وعلى رأسها الولايات المتحدة.
واشنطن، من جانبها، لوّحت بسحب جهود الوساطة إذا لم يُظهر طرفا النزاع جدية في الوصول إلى تسوية، حيث حذر الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب من أن استمرار تعنت الطرفين سيدفع الولايات المتحدة إلى وقف دعمها لجهود التفاوض، في موقف ينذر بتبدّل استراتيجي محتمل في الموقف الأمريكي.
وبينما تتواصل الضغوط الأوروبية على موسكو لوقف الحرب، تبرز تساؤلات ملحّة حول مدى إمكانية نجاح ترامب – في حال عودته للسلطة – في دفع الطرفين نحو اتفاق سلام، كما يبقى السؤال مفتوحًا حول ما إذا كانت روسيا، التي تملك الأفضلية الميدانية حاليًا، ستقبل بإملاءات الغرب، أم أنها ستسعى لفرض شروطها على أي مسار تفاوضي قادم.